إبراهيم الشاذلي يكتب: حين يختبر البحر إيماننا بالحياة
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
في قلب البحر، حيث لا سقف يظلل ولا أرض تستند عليها القدم، حين تصبح الأمواج أعداءً والظلام شريكًا للصمت، تبرز قصص ليست كغيرها، قصص تجعلنا نعيد التفكير في معنى الحياة والثقة بالله.. فلكل امرئ من اسمه نصيب"يوسف " هكذا تقول العرب
.. قصة يوسف الغطاس الناجي من مركب مرسى علم هي واحدة من تلك الحكايات التي تتخطى حدود الواقعية لتصبح درسًا خالدًا في الصبر واليقين.
يوسف، الشاب الذي وجد نفسه فجأة بين براثن البحر الغاضب، لم يكن يحمل سوى إيمانه بالحياة وعزيمته التي لم تنكسر.. لحظة غرق المركب كانت بداية معركة وجودية، حيث تساوت احتمالات النجاة مع الفقدان، لكنه اختار التمسك بالرمق الأخير، مؤمنًا بأن الله لن يتركه وحده.
داخل كابينة شبه مغلقة، وسط ظلام دامس وماء يهدد بالاندفاع في أي لحظة، عاش يوسف ومعه اثنان من السياح الأجانب تجربة ليست أقل من معجزة، هنا تتجلى حكمة الله في منح الإنسان القدرة على الصبر، وإلهامه الثقة بأن كل ثانية تمر هي خطوة نحو النجاة.
في تلك الساعات القاسية، كان الأمل بالله هو المنارة التي أضاءت عتمة يوسف وعائلته، والده، الذي عاش ساعات من الألم والتضرع، لم يجد ملاذًا سوى الدعاء.. قالها بصدق: "مفيش حاجة في إدينا غير الدعاء." هنا نتعلم أن القوة الحقيقية ليست في التحكم بالمصير، بل في التسليم لله مع يقين بأن رحمته أوسع من كل محنة.
ما فعله عم يوسف وفريق الإنقاذ هو تجسيد للشجاعة الحقيقية، النزول إلى مركب غارق لإنقاذ الأرواح ليس مجرد عمل بطولي، بل رسالة عن أن التضحية هي أعظم صور الإنسانية، هؤلاء الغواصون لم ينقذوا يوسف ورفاقه فقط، بل أعادوا تعريف معنى التعاون والتضامن.
هذه القصة الواقعية تحمل بين طياتها دروسًا عميقة:
1. التمسك بالحياة: في أحلك الظروف، يجب أن يظل الإنسان متمسكًا بالأمل، فكل لحظة هي فرصة جديدة.
2. الثقة بالله: مهما اشتدت المحن، فإن الله هو الملجأ والمنجى.
3. التضامن والتضحية: الأفعال البطولية تبني جسور الإنسانية، وتجعل من المستحيل ممكنًا.
4. الإرادة لا تنكسر: حين يختار الإنسان مواجهة الظروف بدلًا من الاستسلام، تتحول المحنة إلى معجزة.
قصة يوسف ليست مجرد حكاية نجاة، بل هي شهادة على أن الله لا يترك عباده، وأن الحياة تستحق أن نناضل من أجلها بكل ما أوتينا من قوة ويقين. إنها رسالة تهمس في آذاننا: "مهما كانت العتمة كثيفة، فالنور قريب، لأن الله قريب."
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البحر الأحمر الغردقة إبراهيم الشاذلي المزيد المزيد
إقرأ أيضاً:
ابراهيم أحمد الحسن يكتب.. الفاتح عروة لا يراعي فروق الوقت !!
إبراهيم احمد الحسن
(1)
يرن جرس الهاتف عند الثالثة صباحاً أقفز من السرير منزعجاً وأقرأ الاسم علي الشاشة ثم اطمئن .. انه الفاتح عروة في واحدة من بلاد الله في ارض الله الواسعة .. شرقاً او غرباً شمالاً او جنوباً .. لا تجعله الجغرافيا ابداً يراعي فروق الوقت ، يسأل عن موضوع يقبل التأخير بل تتجلى فيه (سمحة المهلة ) ومع ذلك وبعد ان أفيق من ارتداد ازعاج صوت جرس التلفون ،أشرب جرعة ماء وأعاود النوم ، وعندما أنظر الي الموضوع من زاوية مخفية لا تندرج في علم حساب المثلثات أعرف أن الرجل كان علي حق وان المسألة لا تحتمل التأخير ، فقط إذا استطعت الوصول الي تلك الزاوية المخفية التي ينظر منها بعيداً عن حساب المثلثات المعروف .
(2)
درسنا علم حساب المثلثات بأضلاعه الثلاث بالوتر فيه ، المقابل والمجاور و زواياه القائمة منها ،المستقيمة ، والمنفرجة . لم توقفنا ابداً الزوايا المعاكسة والمتقابلة بالرأس والحادة عن ايجاد الحل . وزرنا الزوايا المكملة والمتممة وتفننا في إيجادها وحسابها وعند الامتحان وبعد ايجاد قيم الاضلاع والزوايا يجئ السؤال الاصعب عن الزاويا البعيدة المخفية والتي يتطلب إيجادها اجراء عمليات حسابية معقدة، متعددة ومتصلة ، فلم يترك لنا جيما فريزيوس الذي هو اول من وصف طريقة التثليث شيئا نبحثه ولكنه ترك (الزاوية المخفية ) غير مطروقة وغير معروفة وحتى عندما طور جيمس جريجوري وكولين ماكلارين المسلسلات المثلثية فإنهما لم يكتشفا الزاوية المخفية. فأتى الفاتح عروة فإكتشفها وسبر أغوارها . وهكذا يجب ان تكون دائماً على أهبة الاستعداد والحضور مع الفاتح عروة لتجد الزاوية المخفية البعيدة ، فهى جواز مررورك لمعرفة ما يدور عنده فتعبر الأشياء بسلاسة ويسر والا فإن الدخول في شائكة ومتاهات الدروب هو مصير التفاهم معه .
(3)
ودرسنا علوم إدارة رأسمال المورد البشري وتلقينا رأسه وأساسه من أساطين العلم فيه شرقاً وغرباً حضرنا سمناراته وورش عمله مؤتمراته ، وتدريباته ولكنك تضطر أن تترك كل ذلك جانباً وتنحيه عند مكتب عروة إذا تعلق الأمر بمعالجة شأن الموارد البشرية فطريقته السودانوية دائما حاضرة متأبطاً معها الزاوية المخفية البعيدة ( من علم حساب المثلثات ) .. فقط عليك ان تجدها وعندها فليشرب بريان بيكر، مارك هوسليد، وديف أولريش ، روبن شارما ومعهم كل أساطين علوم الموارد البشرية من البحر وبالذات ماكس ميسمير والذي وصف بدقة المصدر الشامل لأساسيات المورد البشري بما فيه من نماذج وقوالب يمكن استخدامها في العمل. الفاتح عروة يفعل ويمارس كل ما أرساه هؤلاء الفطاحل ولكن بطريقة سودانوية صرفة تُخطئ وتصيب ولكنها ناجزة وفعالة لانها تنظر ( الزاوية البعيدة المخفية ) وتضعها رهن التطبيق ، وإنا على ذلك من الشاهدين.
(4)
كنت اقول له عارف يا (سعادتك ) إن طريقتك الأبوية في معالجة المشكلات وقتنا كثير من الشرور ، فالطبيعة البشرية – بخاصية التمرد فيها – قد ترفض كل شئ إلا عاطفة الأبوة ووشائجها فطريقته في ممارسة عاطفة الأبوة حتى مع من يجايلونه عمراً بكل ما فيها من خصائص : عطف وحنو وزجر وتوبيخ ووصايا ومزاح ونصائح ( وعنف قانوني ) ، تمس دائماً الوتر المقسى في نوتة موسيقى علاقات العمل فتنشئ نظريات جديدة تجعل وتر العمل ينساب و ( يرن براهو بلا تقرب ليهو يد ) . ولقد سبق عروة في ذلك لوسي ادامز بسنوات ضوئية فحين كانت الثانية وهي استاذة في علم الموارد البشرية تنادي بأنه قد ( حان الوقت لشيء مختلف) او ما أطلقت عليه It’s time for something different كان الفاتح ينظر من (زاويته المخفية البعيدة ) ويجعل كل الوقت حينه ، حاضره ومستقبله مناسبة لفعل شئ مختلف.
( 5)
العمل مع عروة متعب وممتع في ذات الوقت فقط ان عرفت موقع الزاوية المخفية والتي ينظر منها عروة من علٍ .. لا تحتاج ان تسبر غورها .. فقط اعرفها اين هي (الزاوية المخفية البعيدة ) وعندها سينجلي الأمر امامك وتُحل المعضلات ، وأعترف أنني قد تعبت كثيراً وانا اترك ما ظهر من الاشياء وانحيها جانباً وانظر ما بطن منها وما وراء (الزاوية المخفية والبعيدة) عند عروة .
سنين عددا عملت فيها عن قرب معه ، في شركة زين ، كنا نعمل علي مدار الساعة واليوم، ابتداءً من تحية الصباح عند مكتبه مرورا بجدول أعمال مزدحم يعج بالأحداث وبالناس وبالإنسانيات ، لا يفصل العمل إلا عملاً أخر ، مروراً بالعودة المتأخرة إلي البيت قدوماً من دعوة لإكرام ضيف من داخل السودان أو خارجه ثم مكالمة متأخرة عند آخر ثانية في الليل تجعلك تتحسس الزاوية المخفية وتنظر البعيدة ، تنتظرها في محادثة عروة ، ترتاح بعد ان تجدها ثم تعود الي النوم .
(6)
تنتهي حولنا كل ساعة وحين أشياء كثيرة ومواقف وأفعال وأقوال تذهب إلى حال سبيلها، ولكن الذي لن ينتهى هو جانب مهم من حياة الرجل ، يقبع هناك في (الزوايا المخفية البعيدة) إذا استطعت سبر أغوارها ، اكتشافها إذا اتخذت إلي ذلك سبيلا إذن أنت تعرف الرجل وإلا ستكون معرفتك به وله سباحة علي الشواطئ دون التقدم إلى العمق ، دعك عن الغوص عميقاً في غياهب مياه محيطات حياته ، في هذه المحيطات ستجد الحيتان واللؤلؤ والمرجان وستجد آلاء ربك ، توغل في الغوص فستجد مارد من نار ومحاولات لاقامة القسط بالوزن وربما ثمة حَبُّ ذُو الْعَصْفِ او حُب . ابحر بعيداً عن الشواطئ فيه واذهب الي حيث مرج البحرين عنده يلتقيان قف عند البرزخ بينهما ستجد هناك طريق يقودك الي شائك الزوايا ، تعرف على الزوايا المخفية والبعيدة لترتاح وانت تتعامل معه.
(7 )
ستدور أسنة الأقلام تكتب عن عروة وتكتب ثم تكتب وتكتب وسيرأق مداد كثير وتضج الأسافير ومنصات التواصل ، ولكن تبقى القيمة الحقيقية فقط عند الكتابات والمنصات التي تكتشف الزاوية المخفية البعيدة عن (علم حساب المثلثات ) و ( علم ادارة الموارد البشرية) ، وعن الحياة العادية ونمط سيرها الخامل الممل ، وتكتب عنها بصدق وتجرد . هذا وإلا فالكتابات حينها ستعود الي مربع الخزعبلات ولؤم حظوظ النفس البشرية وأمنياتها الظالمة والدعايات والوشايات وسؤ الظن ، بؤس الإنحياز ، عدم احترام الاختلاف ، كآبة الفكر ، والمكر الذي لن يحيق إلا بصاحبه .
ولنوقن جميعاً أن ( الحق الذي يجلس على كرسي العدل ) سيعود أزلياً وحينها لن ( يُظّْلَمْ أحد ) . وقبل كل ذلك فإن الكتابة للتأريخ أمانة ، فمن لم يستطع أن يقوم بها بحقها من حملة الأقلام ومنافذ المنصات فليدعها وشأنها . فالتأريخ لن ولا يقبل التزوير ولا التحريف ، والحقائق كلها تبقى ناصعة من تحت ركام رضى من رضى وأبَى مَنْ أبَى .
(8)
يقين راسخ بصلاح الشاعر إبراهيم الزومة يجعلني أستعير كلماته حين توبة وأوبة وأن يجعل كل كلمة فيها في معية الفاتح عروة في مثواه الآخير: (طلبتك بالأَسْمَى المقرب/ وقُولَة كن الكاتب كتب / تنظر للفاتح نظرة رضا ما غضب / وفي الفردوس تديه منصب / قبره يبقى وسيع مشي وخب / سقفه صندل وأرضه محلب / يا شفيع الأمة قل كب / يا زعيم الاخرة قل كب / يوم يقولوا الحوض إنزرب/ وماف زول جنبه يقرب / وأُمَتك يا الهادي تشرب / يأذن لك الله لينا .. نشرب / وفي حماك الفاتح يكتب /عد صلاة وتسليم عداد حب / والثمار الكال للعنب / عد خلائق الله حي وتُرب / عد عتيد ورقيب ما كتب / ل محمد خير العرب / وشفيعنا يوم الشوف مقلب / وركزتنا يوم طبقات بنركب ) نسأل الله له الرحمة والمغفرة عَدّْ عتيد ورقيب ما كَتَبْ ، وعد خلايق الله حيٌ وتُرَبْ .
(9)
في آل عمران ، والأنبياء والعنكبوت سطر سبحانه وتعالى في هذه السور ومن محكم تنزيله حقائق نقرأها وقد لا نتوقف عندها ، كثير من الحكم في آى الذكر الحكيم أحاطت بالأشياء كلها ظاهرها وباطنها في تلكم السور وفي الكتاب الكريم كله . ولكني اتوقف كثيراً وطويلاً ودائماً عند ثلاث سور تُذكر ان كل نفس للموت ذاهبة وهى لعمري آيات أنزلها المولى عز وجل للتآسي وحسن العزاء والعِبَرْ ،ففي آل عمران كانت الآية 185 ( كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ ) ، وفي الانبياء كانت الاية 35 ( كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ ) وفي سورة العنكبوت الاية 57 (كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ ) ، فالموت هو سبيل سلكه الأولون بلا إستثناء وسيسلكه الآخرون بلا إستثناء ،وتظل العبرة والحقيقة الناصعة التي بها نتأسى ونتعزى أن (كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۖ ) وتبقى الحياة الدنيا متاع الغرور كما في آل عمران ، وتبقى الحياة هي البلوى بالخير وبالشر والفتنة كما في الأنبياء ، وتبقى الحقيقة الكبرى ان الرُجعى لله وحده !كما في سورة العنكبوت و (وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ) كما في الإخلاص .
( 10 )
يقيني وقد وقفت عند كل الزوايا المخفية والبعيدة وفلسفة عروة في العمل ، في الحياة وفي التعاطي مع الأشياء ويقيني الذي لا يتزحزح بان خالص أعماله مدهامتان ، هذا اليقين يجعلني أرفع أيدي الضراعة أن يرحم الله الفاتح عروة ويغفر له وأن يسكنه جنة ذات أفنان وجنى الجنة دان ، يتكئ فيها على فرش من إستبرق وعلى رفرف خضر وعبقري حسان ، وطنافس مخملة بسط أهل الجنة من زرابي عتاق . إنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .