هل يمكن إعادة إحياء منظومة القضاء الإسلامي؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
يجمع ضيوف برنامج "موازين " على أن الحضارة الإسلامية قدمت تجربة قضائية فريدة، يفتقدها العالم الإسلامي اليوم، فقد تميز القضاء في ذلك العصر بالاستقلالية، والقضاة بالعلم والنزاهة والقوة في تنفيذ القانون.. فهل يمكن إحياء هذه التجربة؟
وبحسب عضو لجنة الفتوى بدار الإفتاء الليبية الدكتور عبد الرحمن قدوع، فقد كان القضاء في الصدر الأول من الإسلام من اختصاص الخليفة، ولكنه ينيب غيره في تولي هذا الأمر، واعتبر الفقهاء وقتها أن مسألة تدخل ولي الأمر في عمل القاضي أو التأثير عليه هي "معصية"، وينبغي على القاضي أن لا يخضع للسلطة الحاكمة ويستقيل إذا تعرض لضغوط.
والتشديد على عدم تدخل ولي الأمر في عمل القضاة يعد بمثابة إقرار بمسألة الفصل بين القضاء والسلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يوضح الدكتور قدوع.
وركز الباحث في قضايا الفقه والمؤرخ القضائي الدكتور إبراهيم الدويري على معايير اختيار القضاة في الدولة الإسلامية، مبرزا أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن قاضيا دعا أن يشرح الله صدره، وكان علي عالما قويا وتقيا، وهي أهم المعايير التي كان يختار على أساسها القضاة في صدر السلام.
وعندما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، قال: لا بد لي من أعوان، فرد عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا: "أنا أكفيك القضاء وأبو عبيدة يكفيك بيت المال".
وحين توسعت الفتوحات الإسلامية، اختار عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضاة تتوفر فيهم معايير العلم والورع والقوة في تنفيذ الحق.
ووفق الدويري، فقد راعى النظام القضائي في الإسلام حقوق الأقليات الدينية والمذهبية.
وفي مداخلته -ضمن حلقة (2023/8/16) من برنامج "موازين"- أوضح الدكتور مصطفى داداش، النائب السابق لرئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية في تركيا، أن استقلالية القضاء كانت مكفولة في ظل الدولة الإسلامية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع في شخصيته التنفيذ والقضاء، ولم يسمح في حياته بتدخل أي أحد في شأن القضاء.
وبشأن تطور المنظومة القضائية خلال الخلافة العثمانية، قال الدكتور داداش إن الدولة العثمانية وفرت جميع الظروف التي تمنح القضاء استقلاليته، ومنها الضمان الوظيفي والضمان الاقتصادي للقاضي.
إلغاء المحاكم الشرعيةغير أن إلغاء المحاكم الشرعية في تركيا بانتهاء الخلافة عام 1924 عكس -بحسب الباحث في قضايا الفقه والمؤرخ القضائي الدكتور الدويري- ضعف الأمة، فحين كانت السيادة للأمة كان القاضي يتولى كل شيء ويحكم على الخليفة والوزير والأمير، ولما تفشى المرض اقتصرت المحاكم الشرعية على قضية الأحوال الشخصية.
أما أستاذ المرافعات بكلية القانون الكويتية العالمية الدكتور محمد الهديب فيرى أن إلغاء المحاكم الشرعية ليس نسفا للشريعة الإسلامية بل هو تقنين لها، مشددا على ضرورة أن يكون القضاء تحت بوتقة واحدة، تحت إدارة وإشراف مجلس القضاء، وأكد أن القضاء المدني ليس مناكفا للقضاء الشرعي.
وبشأن العقبات التي تواجه بعض المحاولات الحديثة لإعادة مراجعة القوانين وتعديلها وفق الشريعة الإسلامية، أشار عضو لجنة الفتوى بدار الإفتاء الليبية إلى مشكلة تتعلق بتفعيل القضاء الإسلامي في هذا العصر وتقنين القوانين وفق الشريعة الإسلامية، مبرزا أن هناك من يرى استحالة تطبيق النظام الإسلامي لأنه منظومة شاملة لا تتجزأ، ومنتقدا في السياق نفسه من يحصرون الشريعة الإسلامية في زاوية معينة مثل الحدود والأحوال الشخصية.
وتحدث عن تجربة قامت بها ليبيا عام 2015 بشأن مراجعة القوانين وتعديلها وفق الشريعة السلامية، حيث شكلت لجنة من قبل المؤتمر الوطني في ذلك الوقت، وتفرعت إلى لجان، وقال ضيف برنامج "موازين" إن النقاشات كانت تدور حول 3 أمور: إما أن يعدل القانون تعديلا، وإما أن يلغى إذا كان مخالفا للشريعة، وإما توصي اللجنة بمراجعة القانون أو استبداله وسنّ قانون آخر.
وحول ما إذا كانت هناك ضرورة لأسلمة القوانين بهدف عودة منظومة القضاء الإسلامي، أوضح الدكتور الدويري أن الضرورة الملحة الآن هي استقلال القضاء، وأن يكون القضاة مستقلين في ضمائرهم ومواردهم المالية وأحكامهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المحاکم الشرعیة رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
إحياءً لمكانتهم .. فعاليات متواصلة بالذكرى السنوية للشهيد
الوحدة نيوز:
تسمرت أمام هذه اللوحة التي تضم صور البعض من شهداء أقارب موظفي وزارة الخارجية.. رأيت حسن وكأني أراه لأول مرة، تذكرت أمي الشهيدة وتذكرت لؤي.. وخنقتني العبرة.. أشفقت على نفسي وأشحت بنظري بعيدا..
استغفرت ربي وقرأت الفاتحة إلى أرواحهم؛ هكذا استذكر عبدالله علي صبري، السفير اليمني السابق لدى سوريا، الشهداء بما فيهم والدته ونجله، في سياق فعاليات ومهرجانات رسمية وشعبية لإحياء الذكرى السنوية للشهيد وترسيخ القيم والمبادئ العظيمة التي ضحى من أجلها الشهداء وإحياء مكانتهم في قلوب اليمنيين، والتذكير بمآثرهم ومواقفهم البطولية في الدفاع عن الوطن ومقارعة العدوان الصهيوني الأمريكي.
في السياق قال محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى، إن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي قدّم مشروعًا قرآنيًا يستلهم قيم المجتمع وتطلعاته للحرية والاستقلال ويعزّز من الهوية الإيمانية، وهو ما أغاظ المتكالبين عليه منذ اليوم الأول للمشروع .. مبينًا أن الشهيد القائد انطلق في سبيل الله بما يحمله من علم وثقافة قرآنية، أهلته إلى أن يكون قادرًا على بلورة المشروع القرآني الذي ينعم اليمن اليوم بثماره.
جاء ذلك لدى تدشينه ومعه رئيس مجلس الوزراء أحمد غالب الرهوي، بصنعاء مهرجان الشهيد ومعرض “الجهاد المقدس” الذي تنظمه الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء.
وأشار الحوثي إلى أهمية مهرجان الشهيد لاستذكار بطولات الشهداء وعظمة تضحياتهم، وما أكده الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، من أن الشهادة هي الحياة تجسيدًا لما ورد في كتاب الله تعالى بقوله “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”.
ولفت إلى أن المشروع القرآني معروف بالمفاهيم والقيم المستخلصة من السنن الإلهية وما دعا إليه من تعظيم أوامر الله تعالى والاستجابة لها وأهمية ارتباط المؤمن بالله واهتمامه بكتاب الله عز وجل.
وأضاف “نقول للمتخوفين ولكل من يتحرك اليوم ليتحدث عن الأمريكيين أن السيد القائد ماض على نفس المسار الذي سار عليه الشهيد القائد جهاديًا من خلال ثقافة القرآن وهو ما يتحدث عنه في خطابه الأسبوعي”.
وتابع “نقول للأمريكي بعد عودة ترامب السلاح الذي كانوا يقصفون به قد تم تجربته وهو ذات السلاح والشيء الوحيد الذي لم تستخدمه أمريكا في حربها على اليمن بتمويل سعودي هو النووي فقط، أما بقية الأسلحة تم استخدمها والشعب اليمني لن يعبأ بهذه الأسلحة”.
واعتبر الحوثي، أن المعركة التي يتحرك بها الشعب اليمني، عظيمة وبطولية، نتيجة لارتباط اليمنيين بالله وبالثقافة القرآنية، حتى أصبح اليمن بهذا المستوى من القوة والاستعداد والجهوزية لمواجهة تحديات العدو الأمريكي، البريطاني، الصهيوني.
وأكد أن الجمهورية اليمنية استطاعت هزيمة البحرية الأمريكية وتحييد بارجاتها، ليس بما تمتلكه من قوة ولا من باب استعراضها ولا الظهور والكبرياء وإنما بفضل الله تعالى والنهج والثقافة القرآنية، والارتباط الوثيق بكتابه الكريم.
ثقافة الشهادة
بدوره أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن تدشين مهرجان الشهيد يأتي في إطار إحياء الذكرى السنوية للشهيد والفعاليات التي تقام بهذه المناسبة.
واعتبر سنوية الشهيد، محطة لاستلهام الدروس والعبر من بطولات واستبسال الشهداء الذين ارتقت أرواحهم إلى بارئها ليعيش اليمن عزيزًا وحرًا ومستقلًا وكريمًا .. وقال “إن ثقافة الشهادة ينبغي أن تسود في وطننا المجاهد، الصامد، الصابر، المضحي، الثابت في الدفاع عن وطنه وحقه في الاستقرار والتطور”.
وأكد الرهوي أن تحالف العدوان والحصار المستمر منذ عشر سنوات باء بالفشل والمذلة أمام صمود الشعب اليمني واستبسال وتضحيات ودماء الشهداء التي أثمرت نصرًا وعزة وكرامة .. مبينًا أن تضحيات الشهداء العظماء الذين باعوا أرواحهم لله تعالى، أثمرت نصرًا مؤزرًا ينعم به الشعب اليمني الكريم.
وقال “نستذكر في هذه المناسبة شهداؤنا القادة ومنهم السيد حسين بدر الدين وغيره من الشهداء الأبرار وكيف تمكنوا بفضل تمسكهم بالنهج القرآني والهدي النبوي وبتضحياتهم، بدمائهم على قلتهم في البداية من تحقيق غايات هذا الشعب من عزة وحرية وكرامة”.
وأضاف “اليوم ونحن ننعم بالأمن والاستقرار بفضل الله أولًا ثم بفضل دماء الشهداء نتذكر الشهيد الرئيس صالح علي الصماد الذي كان يجوب الأرض ويزور المرابطين في الجبهات في خضم المعركة، مستبسلًا في سبيل الله طمعاً في الشهادة التي فاز بها”.
وتابع “نستذكر في هذه اللحظات شهداء محور المقاومة ومنهم السيد الشهيد الأيقونة حسن نصر الله سيد مقاومة القدس وفؤاد شكر وهاشم صفي الدين والشهيد إسماعيل هنية والشهيد يحيى السنوار وكل شهداء المحور الذين استرخصوا حياتهم ودمائهم في سبيل عزة وكرامة شعوب المنطقة التي أراد حكامها أن يذلوها خدمة للمستعمر والشيطان الأكبر وقادة الشر الأمريكي، البريطاني، والصهيوني.
واختتم رئيس مجلس الوزراء كلمته بالقول “إننا على درب الشهداء وعلى طريق الشهادة في سبيل الحق والحرية والاستقلال سائرون، لتعيش الجمهورية اليمنية مستقلة شامخة حرة أبية”.
سماء المجد
من جهته، أكد رئيس الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين طه جران، أهمية إحياء الذكرى السنوية للشهيد من رفع الله ذكرهم وشأنهم وأعز الله بهم دينه والمستضعفين من عباده.
وقال “أصبح اليمن بفضل جود وعطاء الشهداء يصدح في سماء المجد وملكوت العزة”، مؤكدًا أن الجميع معنيُ بتحمل المسؤولية الجسيمة مقابل عطاء الشهداء وتضحياتهم بمواصلة درب الجهاد والبناء والتغيير وإقامة الحق والعدل وترسيخ القيم والأخلاق والمبادئ التي مضى عليها أولئك الشهداء من الثبات على الحق في ذروة التحديات.
وأفاد بأن شلالات الدماء وقوافل الشهداء ما بُذلت إلا من أجل الله وإعلاء كلمته وإحقاق الحق وفي سبيل قضية عادلة ومظلومية واضحة ودفع باطل الطغاة والمجرمين.
وتتواصل الفعاليات الخطابية والثقافية للذكرى السنوية للشهيد، في المؤسسات الحكومية بالعاصمة صنعاء والمحافظات والمديريات، تحت شعار ” شهداؤنا.. عظماؤنا”.