في كتابه «ابدأ شيئًا مهمًا» يقصّ مؤسس شركة تومز للأحذية بليك مايكوسكي قصة شركته ونموذج عملها التجاري الإنساني الفريد. المبدأ بسيط: واحد لواحد، ولكنه يعدو أن يكون مجرد معادلة حسابية أخرى. خلال رحلته إلى الأرجنتين في عام 2006م، سنحت له الفرصة للمشاركة في عمل تطوعي تمثل في إيصال الأحذية للأطفال المحتاجين، قابل خلاله العديد من الأطفال حفاة القدمين.
من هنا بدأ كل شيء. عاد من رحلته ليبدأ مشروع صناعة أحذية مستوحاة من أحذية أرجنتينية تقليدية. نعود إلى مبدأ واحد لواحد: مقابل كل زوج من الأحذية تشتريه، تتبرع بزوج آخر لطفل محتاج. وهكذا، بيع 10 آلاف زوج أحذية خلال السنة الأولى، وفي المقابل تم التبرع بعدد مماثل من أزواج الأحذية وإيصالها إلى الأطفال في الأرجنتين. في عام 2011م، دشنت الشركة منتجًا آخرَ بذات المبدأ: بشرائك نظارة، يستعيد أحد ما بصره. جاء المنتج الثالث في عام 2014م، وبالطبع، بالمبدأ ذاته: كيس قهوة يعادل أسبوعًا من مياه صحية آمنة لفرد في أحد البلدان النامية المنتجة للقهوة. تلاه المنتج الرابع في عام 2015م فكانت حقيبة، تقابلها ولادة آمنة لأم في دولة نامية من خلال التدريب وتوفير حقيبة تحوي معدات أساسية. وزع حوالي 100 مليون زوج من الأحذية، استعاد مئات الآلاف أبصارهم، أكثر من 60 ألف أسبوع من المياه النظيفة لسبع دول، وحيوات نساء وأطفال أُنقذت. قد يعتقد البعض أن نموذج عمل كهذا لن يصمد على المدى البعيد، وهذا ما حدث، تقريبًا. بدأت أرباح الشركة في التدني وحصلت عدة تغييرات، لست بصدد الخوض فيها، ولكن ما يهم هو أن الشركة ما زالت تعمل، بل وتتبرع للمجتمع ولكن بطريقة أخرى. أرباح الشركة تقدر بـ392 مليون دولار أمريكي. في رحلة البحث عن الظاهر والمظاهر، نغفل عما خفي وبطن. الحق هو أننا نسعى للنجاح وننسى القيمة. هناك خط يفصل بين المفهومين ولكن البعض ينظر إليهما وكأنهما ذوا معنىً واحد. يقول آينشتاين في ذات المعنى: «كافح لا لأجل أن تكون ناجحًا ولكن لتكون ذا قيمة». ينطبق ما سأتحدث عنه على كل أمور الحياة، ولكنني سأركز على جانب واحد لارتباطه بالقصة التي ذكرتها. سأطرح عدة أسئلة وليكن هذا أولها: هل تعمل لأجل
العمل فحسب؟ قد تصل في العمل إلى مرحلة من الركود وفقدان المعنى، ناسيًا عن غير قصد، الإحسان والإبداع فيه، ليغدو هدفك منه هو الراتب فقط، وهو أمر أساسي بطبيعة الحال. قد تقابل في العمل من وصل إلى مرحلة من الهوس للحصول على وظيفة مرموقة أو ذات «برستيج» أو أن تكون في تلك الشركة الكبيرة ذات الاسم الرنان أو في تلك البلد، وإلا فقد حكم هذا الزميل على نفسه بالتعاسة. لا، لست أحثك بالكف عن البحث عن وظيفة ممتازة، فالعمل في شركة معروفة مثلًا يأتي بثماره، ولكن إن لم يحدث هذا الأمر فليست نهاية العالم. الحق هو أننا ننجر خلف البريق والأسماء والأرقام، وكأننا آلات في بعض الأحيان. هذه الفئة ستظل تتذمر وتفقد إنتاجيتها في رحلة البحث عن تلك الوظيفة «الحلم» التي فرضها المحيط عليها. هل همك هو الاسم دون اعتبارات أخرى؟ هل هذا الهوس بالأسماء الكبيرة تأثر بأصدقائك أو لأن الجميع يسلك هذا الاتجاه؟ وإن لم يتحقق ذلك لمَ لا تحدث التغيير في المكان «الناشئ» الذي أنت فيه؟ أعتقد أننا نغفل عن أهمية صنع الأثر في أي مكان تحط رحالنا فيه. قد يكون ذلك بأثر تتركه على زميل لك في العمل، نصيحة لم يتبرع له أحد بها، زكاة علم، أو حتى ابتسامتك في وجه عامل النظافة أو رجل الأمن. نحن نمنح للمكان القيمة بقدر أكبر مما يمنحه المكان لنا. رغم أن البيئة المحفزة نعمة، ولكن هل تنتظر أن تستقي التحفيز من المكان والآخرين ممن حولك؟ لا تظن أن المكان سيرفعك إن لم تنهض أنت بنفسك. هل هو الاحترام الذي تعتقد أنك ستحصل عليه؟ أحيانًا، كباحث عن وظيفة، تلتفت للجمهور، لتغدو نظرة الناس دافعًا لتوجيهك. وهنا تتبدى مشكلة أخرى وهي قلة تقدير الذات وربطها بالمكان وقلة ثقة بما يملك الشخص من قدرات، حتى يصبح الهدف العمل في ذلك المكان ولا يتعدى ذلك، من غير التفكير في الهدف من العمل أصلًا. نميل للتعريف عن أنفسنا بالوظيفة التي نشغلها أولًا، إننا بشكل أو بآخر، نقيس قيمتنا كبشر بما نعمل، وهو ما ليس بالضرورة خطأ ولكننا لسنا ألقابًا فحسب، ولسنا أسطرًا على سيرة ذاتية. استطاع مايكوسكي جني المال والاكتفاء ذاتيًا، ولكن نظرته لم تكن مرتكزة عليه فحسب، فامتد الأثر واجتمع النجاح والقيمة في عمله. لا تحتاج لأن تكون هامورًا أو قرشًا في السوق لتنجح. يتم الترويج لفكرة أن النجاح في الغرب، ولا ضير من تجربة هنا وهناك وإن طالت، ولكنني أؤمن برد الجميل للوطن بنفع أهل الوطن. وأخيرًا، في وقت تتبنى فيه بعض الشركات العالمية أفكارًا وقيمًا قد لا نتقبلها، من الضروري أن نختار مكان العمل بحكمة ونضمن ألا تتأثر مبادؤنا، وأضعف الإيمان الرفض بالقلب. الحقيقة هي أنك إن كنت ذا قيمة للآخرين، فالنجاح حتمي، بغض النظر عن سرعة تحققه. كل شخص ذو قيمة ناجح ولكن العكس ليس صحيحًا بالضرورة. في رحلة البحث، نغفل عن عوامل كالبركة والتوفيق والرزق والخيرة، وما أحوجنا إلى كل ذلك.
روان عبدالرحمن الهرمي
المصدر: صحيفة الأيام البحرينية
كلمات دلالية:
فيروس كورونا
فيروس كورونا
فيروس كورونا
فی عام
إقرأ أيضاً:
اقتصاد السعودية.. "الزكاة والضريبة والجمارك" تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة
دعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك المنشآت من قطاع الأعمال الخاضعين لضريبة القيمة المضافة التي تتجاوز توريداتها السنوية من السلع والخدمات 40 مليون ريال، إلى تقديم إقراراتها الضريبية عن شهر أكتوبر الماضي، وذلك في موعدٍ أقصاه 30 من شهر نوفمبر الجاري.
وحثت الهيئة المنشآت على المسارعة إلى تقديم إقراراتها الضريبية عبر الموقع الإلكتروني ,(zatca.gov.sa) أو تقديمها والسداد عبر تطبيق الهيئة للهواتف الذكية (ZATCA) وذلك تجنبًا لغرامة التأخر عن تقديم الإقرار في مدته المحددة، بواقع 5% كحد أدنى و25% كحد أقصى من قيمة الضريبة التي كان يتعين على المكلف الإقرار بها.
سوق الأسهم السعودية تترقب 9 مليارات ريال من انتقال شركتين لـ تاسي
أسعار الذهب تنتعش بعد تراجع حاد وسط ترقب لتحركات الفائدة الأمريكية
العقود الآجلة للأسهم الأميركية تبدأ الأسبوع بارتفاع طفيف في ظل ترقب أرباح Nvidia
ودعت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك المكلفين من قطاع الأعمال الراغبين في الحصول على مزيد من المعلومات بشأن ضريبة القيمة المضافة إلى التواصل معها عبر الرقم الموحد لمركز الاتصال (19993)، الذي يعمل على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، أو حساب "اسأل الزكاة والضريبة
والجمارك" على منصة (@Zatca_Care) X أو من خلال البريد الإلكتروني ([email protected])، أو المحادثات الفورية عبر موقع الهيئة (zatca.gov.sa).
ضريبة القيمة المضافة
وتُعَد ضريبة القيمة المضافة واحدة من الأنظمة الضريبية السارية في المملكة، وهي ضريبة غير مباشرة تُفرَض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشآت مع بعض الاستثناءات.