هوس التسوق بـالجمعة السوداء يجتاح أميركا نهاية الأسبوع
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
كارولينا الشمالية- كل سنة، وفي آخر يوم جمعة من نوفمبر/تشرين الثاني، تتجه أنظار ملايين الأميركيين نحو المحلات التجارية الكبرى التي جعلت من هذا اليوم المعروف بـ"الجمعة السوداء"، أكبر حدث تسوقي في البلاد، بالإعلان عن خصومات كبيرة على جل سلعها ومنتجاتها.
وقد أصبح يوم "الجمعة السوداء"، الذي يأتي مباشرة عقب عطلة عيد الشكر، واحدة من أكثر الأحداث التي ينتظرها الأميركيون بشغف يصل أحيانا إلى درجة الهوس، ويعتبر هذا اليوم إشارة البداية الفعلية لموسم التسوق لعطلات أعياد الميلاد، ويسعى فيه المتسوقون المتحمسون للحصول على أفضل الصفقات على كل شيء من الإلكترونيات والملابس والأدوات المنزلية، لكن حماس التسوق في هذا اليوم بدأ تدريجيا بالخفوت مع تفضيل شريحة كبيرة من المستهلكين التسوق عبر الإنترنت بعيدا عن الازدحام والتدافع.
في جولة ليلية بدأت الساعة الرابعة فجرا وقادتنا إلى بعض المراكز التجارية الكبرى في مدينة "رالي" عاصمة ولاية كارولينا الشمالية؛ لاحظنا تجمعات لعدد غير قليل من المتسوقين أمام المحلات التجارية قبل ساعات من فتح أبوابها، وفي طقس شتوي بارد لم يمنع هؤلاء المتسوقين من حجز أماكنهم في الصفوف الأولى رغبة منهم بالظفر بالبضاعة التي يريدون شراءها قبل أن تنفد من المحل.
وأمام محل تجاري شهير، وجدنا "كاثرين" رفقة مجموعة من صديقاتها في أول الصف جالسات على كراسي وملتحفات ببطانيات تقيهن برد الفجر القارس.
كاثرين ضمن تجمعات المتسوقين أمام المحلات التجارية قبل ساعات من فتح أبوابها في يوم "الجمعة السوداء" (الجزيرة)وتقول "كاثرين" للجزيرة نت، إنها هنا منذ منتصف الليل، حرصا منها على أن تكون في الصفوف الأولى. وبسؤالنا لها عن سبب هذا التبكير، أجابت بأنها حريصة على أن تظفر بنسخة من كتاب جديد عن مغنيتها المفضلة "تايلور سويفت" وأن هذا الكتاب يباع حصريا في هذا المتجر.
وغير بعيد عنها، تجمع عدد من المتسوقين يتجاذبون أطراف الحديث في انتظار بزوغ شمس يوم الجمعة وما يصاحبه من جري وتدافع بمجرد أن تفتح المحلات أبوابها.
ومن جهته، يقول "ستيف" للجزيرة نت إنه يحرص كل سنة على التخييم باكرا أمام متجر الإلكترونيات المفضل لديه للظفر بأفضل العروض على الألعاب الإلكترونية المعروفة لتقديمها هدايا لأفراد عائلته في أعياد الميلاد. ولا يأبه "ستيف" ببرودة الطقس إذ جلب معه كرسيا وأغطية إلى جانب المشروبات والأطعمة الساخنة.
العديد من الولايات الأميركية تشهد كل عام حالة من "هوس التسوق" في "الجمعة السوداء" (الجزيرة)وقد أصبحت ظاهرة التخييم أمام المحلات التجارية عادة ثقافية واجتماعية لا غنى عنها. فالمشهد يكون مليئا بمزيج من الحماس والانتظار. وينقسم الناس إلى مجموعات صغيرة تلعب الألعاب، أو تتصفح هواتفها، مشكلين مجتمعات صغيرة، تجمعها التجربة المشتركة للانتظار في الطابور لساعات أو أيام أحيانا.
ويشتد الحماس مع اقتراب وقت فتح المتجر، حيث يشكل الناس طوابير منظمة على أمل الحصول على أفضل الصفقات على الإلكترونيات، أو الألعاب، أو الملابس.
وعن سر هذا الهوس بالتسوق في هذا اليوم بالذات رغم أن المحلات التجارية دأبت في السنوات الأخيرة على إعلان التخفيضات حتى قبل يوم الجمعة تجنبا للازدحام الشديد والتدافع الذي يتسبب أحيانا في إصابات قد تصل إلى الوفاة، إلى جانب ازدهار التسوق الإلكتروني؛ تقول "ماري" للجزيرة نت إن عيش التجربة لا يضاهيه أي شكل آخر من أشكال التسوق بحسب تعبيرها. فهي تحرص أن تنصب خيمتها كل سنة أمام محل تجاري مختلف رغبة منها في لقاء أناس يشاركونها ذات الهوس. وتقول إنها لا تهتم كثيرا إذا لم تتحصل على ما ترغب من البضاعة، فالأهم من ذلك "إحياء تقليد عائلي يعود لسنوات خوالي".
منافس جديد ومستقبل غامضوفي السنوات الأخيرة، تطورت "الجمعة السوداء" من يوم تسوق واحد إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة من العروض. وتتضمن عطلة نهاية الأسبوع الطويلة الآن يوم السبت للأعمال الصغيرة، وهو يوم مخصص لدعم المتاجر المحلية، ويوم الاثنين الإلكتروني، الذي ظهر كيوم تسوق كبير عبر الإنترنت.
وتقول "كاثرين" إن يوم "الجمعة السوداء" لم يعد كما كان سابقا، كما أن المحلات التجارية لم تعد تقدم التخفيضات الكبيرة التي من شأنها تحفيز عدد أكبر من المتسوقين على الاصطفاف باكرا أمام أبوابها.
تطورت "الجمعة السوداء" في السنوات الأخيرة من يوم تسوق واحد إلى عطلة نهاية أسبوع كاملة من التخفيضات والعروض (الجزيرة)وفي ذات السياق، يقول "ستيف" للجزيرة نت، إنه بينما يفضل التمسك بطقوس التسوق في "الجمعة السوداء"، فإن أغلب أفراد عائلته من الأجيال الجديدة أصبحوا يفضلون التسوق عبر الإنترنت بعيدا عن الازدحام.
ويضيف: "أبنائي يكرهون التسوق التقليدي، ومن الصعب إقناعهم باصطحابي للتسوق في يوم عادي، فما بالك بقضاء ليلية كاملة في هذا البرد الشديد لشراء بضاعة يجدونها متوفرة على الإنترنت".
وقد تكيفت المتاجر الكبرى مع هذا التحول في ثقافة التسوق لدى الأجيال الجديدة، فأصبحت تقدم صفقات حصرية عبر الإنترنت فقط، مع توفير الشحن المجاني، وتقديم مزيد من المرونة للعملاء للتسوق من المنزل.
وأصبح يوم "الاثنين الإلكتروني"، الذي تم بدء العمل به لأول مرة عام 2005، منافسا جديا ليوم "الجمعة السوداء"، خاصة أنه يأتي بعده مباشرة، حيث تقدم فيه المتاجر عبر الإنترنت خصومات أكبر، خاصة في مجال التكنولوجيا والأدوات والأزياء.
وبالإضافة إلى ذلك، توسعت "الجمعة السوداء" نفسها من حيث التوقيت. فقد كانت تبدأ في الساعة 6 صباحا يوم الجمعة، إلا أن التخفيضات تبدأ الآن في وقت مبكر من مساء الخميس، كما أن بعض المتاجر أصبحت تفتح أبوابها يوم عيد الشكر، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول تدخل المتاجر في يوم عيد الشكر، الذي يعد تقليديا للتجمعات العائلية.
أصبح يوم "الاثنين الإلكتروني" الذي تم بدء العمل به لأول مرة عام 2005 منافسا جديا ليوم "لجمعة السوداء" (الجزيرة)وبينما يضل يوم "الجمعة السوداء" حدثا مهما في ثقافة التسوق الأميركية، قد يبدو مستقبله غامضا مع استمرار تطور اتجاهات البيع بالتجزئة. فالتأثير المتزايد للتجارة الإلكترونية، وزيادة شعبية خيارات "اشتر الآن، ادفع لاحقا"، من شأنه أن يعيد تشكيل مشهد البيع بالتجزئة.
وإجابة عن سؤالنا عن مستقبل "الجمعة السوداء"، تقول "ماري": "صراحة، لست متأكدة كم من السنوات سيصمد يوم "الجمعة السوداء" أمام التغيرات الكبيرة في نمط استهلاك الأميركيين، ومع الارتفاع الكبير للأسعار، خاصة مع إعلان ترامب عزمه فرض ضرائب مرتفعة على السلع القادمة من المكسيك وكندا والصين، لا أعتقد أن المحلات التجارية ستكون قادرة على إقرار التخفيضات الكبيرة المعتادة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المحلات التجاریة الجمعة السوداء عبر الإنترنت للجزیرة نت هذا الیوم فی هذا
إقرأ أيضاً:
تقرير يكشف تأثير عروض "الجمعة السوداء" على الدماغ
توثر التخفيضات والعروض الكبيرة على سلوك المستهلكين بطرق نفسية مختلفة، حيث تحفز الفعاليات والخصومات الكبرى مثل "الجمعة السوداء"، "الإثنين السيبراني"، "يوم أمازون برايم"، وتنزيلات نهاية الموسم، استجابة كيميائية في الدماغ البشري، تدفع الأشخاص إلى اتخاذ قرارات الشراء بشكل مختلف أثناء العروض عنها في الأيام العادية.
وفي هذا الصدد، نشرت أستاذة علم نفس المستهلك، كاثرين جانسون بويد، من جامعة أنجليا روسكين، المملكة المتحدة، تقريراً يُسلط الضوء على تأثير الخصومات الكبرى على الدماغ، وفقاً لما ورد في موقع "ساينس آلرت".
وأوضحت بويد أن هذا الأمر يرجع جزئياً إلى استجابة كيميائية في الدماغ، تدفع الشخص لشراء سلعة أو شيء يعتقد أنه حقق صفقة جيدة.
هذا الشعور بالتحفيز يساهم في تعزيز الرغبة في الشراء خلال العروض، حيث يصبح القرار جزءاً من تجربة ممتعة تحفز الدماغ.
ويعني هذا أن الأشخاص يشعرون بمستوى عالٍ من الرضا عندما يجدون صفقة جيدة ويقومون بشرائها.
وفي هذه الحالةن تلعب ما يعرف بـ "النواة المتكئة"، جنباً إلى جنب مع مناطق الدماغ الأخرى المتعلقة بالمكافآت، دوراً أيضاً في معالجة العواطف، غالباً بالتعاون مع الناقل العصبي "الدوبامين".
و"الدوبامين" هو ناقل عصبي يساعد في التحكم في مراكز المكافأة والمتعة في الدماغ، ويرتبط بمشاعر السعادة، فعندما يرى الأشخاص صوراً لأشياء يرغبون في شرائها، يتم تنشيط منطقة الدماغ التي تحتوي على مستقبلات الدوبامين.
كما أن العدادات التنازلية على مواقع الإنترنت تضاعف من هذا الإحساس، ما يجعل المتسوقين يشعرون بأنهم قد يفوتون الفرصة إذا لم يتصرفوا على الفور.
ويستفيد التجار من هذا من خلال استراتيجيات مبيعات تستفيد من هذه المحفزات النفسية لتعزيز الإنفاق الاستهلاكي.
ومع ذلك، يمكن أن يؤدي هذا الشغف بالصفقات إلى حالات فوضوية وحتى خطيرة، كما حدث مؤخراً من ازدحام ومشاجرات على المنتجات الأكثر شعبية خلال حدث التسوق السنوي "الجمعة السوداء". في الولايات المتحدة، حيث أنه تم إنشاء موقع إلكتروني لتوثيق الإصابات، وحتى الوفيات، التي حدثت خلال الحدث.
كيفية مقاومة الإغراء البيولوجي
ومع ذلك، يمكن للمستهلكين مقاومة هذا الإغراء البيولوجي، وكبح أنفسهم عن الانجراف وراء إغراء الصفقة، وقد يتطلب الأمر ضبط النفس، كما أوضحت بويد في تقريرها.
وأشارت إلى أنه يمكن تقليل الاندفاع من خلال التوقف والتفكير قبل اتخاذ القرار.
فعند مشاهدة منتج بسعر مخفض داخل المتجر: "من الأفضل أن تأخذ وقتك للتفكير. وإذا كنت في متجر ما، يمكن أن تساعدك فكرة التجول بالمنتج قليلاً في تهدئة الرغبة الفورية".
وينطبق نفس المبدأ على التسوق عبر الإنترنت، "توقف لحظة، ابتعد عن الشاشة، وافعل شيئاً آخر لبعض الوقت لتهدئة الرغبة في الحصول على صفقة".
ومهما كان العنصر، وبغض النظر عن حجم التخفيض، قد ينتهي الأمر بإدراك المستخدم أن هذا العنصر ليس مهماً للغاية لنفسه، كما ظن دماغه في البداية.
مهما كان العنصر، وبغض النظر عن حجم التخفيض، قد تنتهي بإدراك أنه ليس مهمًا لحياتك كما ظن دماغك في البداية.