صحيفة الاتحاد:
2025-01-31@20:04:06 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: مصطلح الدارجة

تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT

يشيع القول بكلمة الدارجة وصفاً للهجات العامية، وهو وصف يتضمن نفي الدارجة عن الفصحى، وكأن اللغة الفصحى لغةٌ طبقية متعالية على الواقع اليومي، وهو توصيف غير منصف للغة، وقد طرحت قبل سنين مقولة (تعميم الفصحى وتفصيح العامي)، وهذا ليس مجرد أمنية حالمة بل هو وصف واقعي، فنحن نلحظ أن درجات تقارب الفصيح مع العامي تتصاعد منذ انتشار التعليم ومنذ تحول الأرياف إلى المدن، حيث تتوارد الجموع البشرية حاملةً لهجاتها المحلية، وتكتشف باستمرار أن لهجة كل فئة تتصادم مع اللهجات الأخرى مما يدفع الناس إلى تقريب لغتهم (لهجتهم) مع لغات غيرهم ليصلوا لدرجة من التآلف اللغوي، وأول عوامل التآلف اللغوي هو اللجوء للمفردات الفصيحة، وبهذا تتغذى اللغة العامة بمفردات وصيغ من المعجم الفصيح، وإن جرى توظيفها حسب النظام التعبيري للغة التي يصح أن نصفها بالدارجة أي تلك اللغة العامية المفصحة، بخليط ثري بين اللهجات والعاميات، ويتفوق الفصيح في هذا المزيج حتى ليجعلها تطبيقاً لمقولة تفصيح العامي وتعميم الفصيح، وحين انتشرت الفضائيات المتلفزة فإن هذه اللغة الدارجة أخذت بالتوسع على ألسنة المتحدثين والمتحدثات، ولم يعد أحدٌ يجد مشقةً في فهم اللسان الخليجي أو الشامي أو المصري، واقتربت لهجات المغاربة مع المشارقة، ونجحت الوسائل الإعلامية في نشر الأصوات واللهجات وسياقات الكلام العام حتى تذللت المصطلحات وتجاورت مع غالب المعاجم اللغوية، مما يجعلنا على مشهد حي من اللغة الشفاهية التداولية التي تنهل غالباً من الفصحى، بسبب رغبات عميقة وخفية في نفس كل متحدث ومتحدثة للاقتراب من الفصيح تحت الإحساس بأن الفصيح هو الشفيع للتعبير لكي يصل لأكبر قاعدة من الجماهير تبعاً للوعي بأن الحديث المتلفز يتجه لفضاءات لا حد ولا حصر لها من حيث المدى ومن حيث التنوع، ومن حيث تعدد المستويات الثقافية والاجتماعية، ولن ينجح أي حوار يلتزم باللهجة المحلية للمتحدث، وسيصعب على المتحاورين تمرير اللهجة المحلية، ولذا يجهد الجميع لتفصيح عاميتهم ولتعميم فصحاهم فتلتقي اللهجات عند تخوم الفصحى، كما تتهذب الفصحى وتتلامس مع اليومي والمحكي، وهذه حالة فريدة تمر بها ثقافتنا حيث سنكتشف أن الفضائيات التلفزيونية تحقق للغتنا فرصةً تاريخيةً لتمتحن قدرة اللغة العربية على التجاوب مع الزمن والظرف الثقافي، وتكسر حدود الانفصال وتندمج مع الواقع التفاعلي والحيوي، وهذا ضربٌ من الشجاعة اللغوية والعبقرية التعبيرية التي تميز لغتنا العظيمة التي ظلت تتحدى العقبات وتجترح دروبها من فوق التحديات.


كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: أيتها البساطة الجميلة كيف لم أكتشفك د. عبدالله الغذامي يكتب: اختراعان استعماريان باقيان

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي

إقرأ أيضاً:

عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب

 

روشته في كتاب ضخم كتبها سادة العقل في العالم.. وحكمة مشاع مثل الهواء والجمال والنظر إلى السماء

لو كان رجل الدولة سياسيًا تدرب على الصمت فإن الاقتصادي هو الخبير الذى يعرف لماذا لم يحدث اليوم ما تنبأ به أمس؟

ولو كان الرجل المغرور هو مثل ديك يظن أن الشمس لن تشرق إلا إذا سمعت صياحه فإن الدبلوماسي هو شخص يستطيع أن يحدثك بالساعات عن «البطاطا» الساخنة حتى تبرد.

ولو كان الحب هو المرض الوحيد الذى لا نتمنى الشفاء منه فإن الهموم هى السلعة الوحيدة التى يزيد فيها العرض عن الطلب.

ولو كانت التجاعيد هى توقيع الزمن على الوجوه ليثبت وجوده فإن خاتم الزواج هو أغلى خاتم فى الدنيا لأنه يكلف صاحبه أقساطا شهرية طوال حياته.

ولو كان التثاؤب هو الفرصة الوحيدة للزوج كى يفتح فمه فى حضور زوجته فإن الحياة هى رحلة يفسد الآباء علينا نصفها ويفسد الأبناء النصف الثانى.

لا أحد منا لا يحب مثل هذه العبارات الرشيقة الساخرة التى تلخص الحياة فى «برشامة».

إنها مثل قطيع من النجوم نجمعه من رغوة السحاب.. من احتكاك رؤوسنا بالشمس.. من حبات عرق الفلاسفة والصعاليك.. إن اللقمة والنكتة هما غذاء صحى يطيل العمر.

هذه خلاصة «روشتة» من سبعمائة صفحة حصلت عليها صدفة منذ سنوات من مطار «بيروت» وأنا عائد إلى «القاهرة».

روشتة في كتاب ضخم كتبها سادة العقل مثل «تولستوى» و«أفلاطون» و«شكسبير» و«هيمنجواى» و«أرسطو» و«سارتر» و«نجيب محفوظ» وجمعها «منير عبود».

وضعت الكتاب إلى جانب فراشى ليهدئ مما جرى فى يومى قبل نومى ولا مانع لدى أن أمنحك بعضا منه لو شئت التخلص من الحبوب المنومة.

أنا هنا مجرد ناقل عطر. حامل زهور. ساعى بريد يأتى إليك بثروة من الحكمة خفيفة الظل التى ليس من حق أحد احتكارها أو مصادرتها أو بيعها فى السوق السوداء.

إنها حكمة مشاع مثل الهواء والجمال والنظر إلى السماء.

ولنبدأ بالجمال الذى يلخصه «يوسف إدريس» بأنه توقيع الله على مخلوقاته.

لنكمل بلا توقف: الأزهار هى أفكار تنبتها الأرض. القبلة توقيع مزور على عقد اتفاق. الرجل الشهم هو الذى يحمى المرأة الضعيفة من كل الرجال إلا هو. الزوجة: الباب الأول فى ميزانية البيت.. الحب العذرى: بندقية لا يعرف حاملها أنها مليئة بالرصاص. الحب الخالد: حب المرء لنفسه.. الإنسان: الزوجة المخلصة هي التى ترفأ جورب زوجها كلما اشترت لنفسها ثوبا جديدا.

الرأسمالي: رجل يملك من المال أكثر مما تستطيع زوجته إنفاقه. المهادنة: استسلام بالتقسيط. السياسة: تجارة دون رأسمال.. الزواج: عقد العمل الوحيد الذى يبيح للمرأة استخدام الرجل أربعة وعشرين ساعة فى اليوم. الصمت: أرخص أركان الحكمة، الخبرة: حلول الأمس لمشاكل اليوم. 

الجيش: مجموعة رجال مهمتهم إصلاح الأخطاء التى يرتكبها الدبلوماسيون..ولو كنت تتصور أن الفلاسفة أشخاص يجرى في عروقهم الأسمنت فأنت لست على صواب. إن التجهم الشديد التى يسيطر عليهم سرعان ما ينقلب إلى سخرية أشد.

الفيلسوف الوجودى الفرنسى «سارتر» يشبه الحياة ببصلة تنتزع قشورها طبقة بعد أخرى وهو ما يجعلنا نبكى أحيانا.

و«برنارد شو» الكاتب الإنجليزى الحاد يعتقد أن الطفولة هى فترة من العمر يعيش فيها الإنسان على حساب غيره. ويصف الشخص الذى توفى أو المرحوم بأنه إنسان عاش طوال حياته وهو يعتقد أن الدنيا لا تمشى ولا تصلح بدونه. ويعرف الأمانة بأنها خوفك من أن تضبط متلبسا بالخيانة.

أما الممثل الأمريكى الراحل «جون واين» فيصف الدنيا بأنها كالماء المالح كلما شربت منه ازددت عطشا. ويصف الخطوبة بأنها عملية استطلاع قبل الحرب البرية. أما الأحمق فى رأيه فهو الشخص الوحيد الذى يحرمك من الوحدة دون أن يمتعك بالصحبة.

وفى المكتبة العربية كتاب شهير عنوانه «قالوا» كتبه «أنيس منصور» فى عبارات سريعة رشيقة كان بعضها شوكا مر به على جلد النساء لكنه لم يجرحه لذلك كانت المرأة الزبون الأول للكتاب فهى تريد أن تقرأ عن سطوتها بكل اللغات.

والحقيقة أن المرأة هى الأكثر قراءة للأدب.. الرجل على حد وصف مخلوق غير شعرى. الرجل يابس ومالح وغليظ. ما إن يتخرج فى الجامعة حتى يفك الارتباط بينه وبين الأدب.. فلا يقرأ إلا جريدته اليومية، ولا يهتم إلا بجدول أسعار البورصة، الرجل يأكل القصيدة بأسنانه فى حين أن المرأة تتكحل بها وتعلقها كحلق من الزمرد فى أذنيها.

وليس هناك كاتب على وجه الأرض لم يضع خطا تحت كلمة مأثورة وربما أخذها من مكانها وحبسها فى درج مكتبه ولا تصدق «أرنست هيمنجواي» حين قال: «إن الكلمات المأثورة توابيت لا يجب البقاء فيها» أو «هى مثل أكياس الماء الساخن وأدوية الروماتيزم ومشروب البابونج لا يتعاطاه إلا الذين يعيشون فى بيوت رطبة».

ولكن صدق «أحمد بهاء الدين» الذى قال ذات مرة: «إن الكلمات المأثورة تخترق الهدف لتجعلك دائخا بعض الوقت قبل أن تواصل مسيرة الحياة الرتيبة».

وتحتل علاقة الرجل بالمرأة الكمية الكبيرة من هذه الطلقات الموجهة. فعندما يغير الرجل رأيه كثيرا كما تفعل المرأة فالغالبًا أنه متزوج منها. وعلى المرأة أن ترتدى من الثياب ما يكفى لجعل الرجل دافئا. ولا سبيل للرجل كى ينتصر على المرأة إلا الفرار منها. ولا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجا فإذا جاء الزوج طلبت منه كل شيء، والرجل رجل فى بعض الأوقات والمرأة امرأة فى كل الأوقات.

وفى الأمور العظيمة يتظاهر الرجال كما يحلو لهم وفى الأمور التافهة يبدون على حقيقتهم. والرجل الحاذق يقول للمرأة إنه يفهمها والرجل الغبى يحاول أن يثبت ذلك، وأغلب الظن أن عشاق المرأة الغبية دائما أذكياء، فلا تنسى أن «آرثر ميللر» تزوج «مارلين مونرو» بعد ربع ساعة من لقائهما الأول.

ولو كان الرجل يريد من المرأة أن تفهمه فإنها تريد منه أن يحبها، أما أكثر ما يؤلم المرأة أن تضغط على لسانها، والجمال للمرأة كالمال للرجل كلاهما قوة، الجمال سلطة مثل الثروة وجماعات الضغط، لذلك فإن همس المرأة الساحرة أعلى من صوت الضمير، ولو كانت المرأة أسطورة يصدقها الرجل فإن الرجل أسطورة تتخيلها المرأة.

ولولا النهر ودموع النساء لحاصرنا الجفاف وقتلنا العطش، والمرأة والحب هما سبب استمرار لكون، إن ذلك جعل الكاتبة الفرنسية المتمردة «فرانسوا ساجان» تؤكد أن مشاكل الرجل أكثر من مشاكل المرأة وأولها مشكلة كيفية معاملة المرأة.

وهناك علاقة متينة بين المرأة والسياسة، علاقة حقيقية فيها مكر ودهاء والذهاب بالرجل إلى النهر دون أن يشرب منه نقطة مياه، فهل كان «نابليون» يدرك ذلك عندما قال: إن الدولة تموت من سوء الهضم، ولاحظ «ـوماس مور» أن لرجل الحكومة أنوفًا طويلة ولكنه أضاف: أنهم لا يرون أبعد منها، أما المهاتما «غاندى» فيؤمن بأن الأمة لا تنهض دون أن تكتوى بنيران الألم، وقبل أن يغادر «جيرالد فورد» البيت الأبيض قال: «صاحب السلطة يصدق التملق بسهولة وينسى النفاق بسرعة».

وأجمل ما قيل فى السياسة: إنها فن منع الناس من التدخل فيما يعنيهم، ولكن المثل الأمريكى الذى تسمعه من سائق التاكسى يقول: إن السياسة هى فن الفوز بالمال من الأغنياء والتأييد من الفقراء بحجة حماية أحدهم من الآخر.

أما «شارل ديجول» فيقول: «لأن رجل السياسة لا يعتقد فينا يقول فإنه يتعجب كثيرا عندما يصدقه الناس». وهو ما جعل الملك «فاروق» يقول: إن السياسة هى المهنة الوحيدة التى لا تحتاج إلى إعداد.

كل المطلوب من السياسى أن يكون مراوغا. عندما يقول «نعم» فإنه يعنى «ربما» وعندما يقول «ربما» فهو يعنى «لا» وعندما يقول «لا» فهو ليس سياسيا.

 

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: جدد حياتك !!
  • صدور "القوافي" المتخصّصة بالشعر الفصيح
  • محمد جمعة حامد نوار يكتب: القبول
  • بين الفصحى والعامية.. معرض الكتاب يصدح بقصائد الشعراء
  • د.حماد عبدالله يكتب: "طمعنجى بناله بيت فلسنجى سكن له فيه"
  • شيخ العربية الذي حذر من تغييب الفصحى وسجن لمعارضته إعدام سيد قطب
  • مصطفى الشيمى يكتب: رسائل
  • عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب
  • البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
  • د.حماد عبدالله يكتب: الأعلام المصرى مفتقد ( للقائد ) !!