د. عبدالله الغذامي يكتب: مصطلح الدارجة
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
يشيع القول بكلمة الدارجة وصفاً للهجات العامية، وهو وصف يتضمن نفي الدارجة عن الفصحى، وكأن اللغة الفصحى لغةٌ طبقية متعالية على الواقع اليومي، وهو توصيف غير منصف للغة، وقد طرحت قبل سنين مقولة (تعميم الفصحى وتفصيح العامي)، وهذا ليس مجرد أمنية حالمة بل هو وصف واقعي، فنحن نلحظ أن درجات تقارب الفصيح مع العامي تتصاعد منذ انتشار التعليم ومنذ تحول الأرياف إلى المدن، حيث تتوارد الجموع البشرية حاملةً لهجاتها المحلية، وتكتشف باستمرار أن لهجة كل فئة تتصادم مع اللهجات الأخرى مما يدفع الناس إلى تقريب لغتهم (لهجتهم) مع لغات غيرهم ليصلوا لدرجة من التآلف اللغوي، وأول عوامل التآلف اللغوي هو اللجوء للمفردات الفصيحة، وبهذا تتغذى اللغة العامة بمفردات وصيغ من المعجم الفصيح، وإن جرى توظيفها حسب النظام التعبيري للغة التي يصح أن نصفها بالدارجة أي تلك اللغة العامية المفصحة، بخليط ثري بين اللهجات والعاميات، ويتفوق الفصيح في هذا المزيج حتى ليجعلها تطبيقاً لمقولة تفصيح العامي وتعميم الفصيح، وحين انتشرت الفضائيات المتلفزة فإن هذه اللغة الدارجة أخذت بالتوسع على ألسنة المتحدثين والمتحدثات، ولم يعد أحدٌ يجد مشقةً في فهم اللسان الخليجي أو الشامي أو المصري، واقتربت لهجات المغاربة مع المشارقة، ونجحت الوسائل الإعلامية في نشر الأصوات واللهجات وسياقات الكلام العام حتى تذللت المصطلحات وتجاورت مع غالب المعاجم اللغوية، مما يجعلنا على مشهد حي من اللغة الشفاهية التداولية التي تنهل غالباً من الفصحى، بسبب رغبات عميقة وخفية في نفس كل متحدث ومتحدثة للاقتراب من الفصيح تحت الإحساس بأن الفصيح هو الشفيع للتعبير لكي يصل لأكبر قاعدة من الجماهير تبعاً للوعي بأن الحديث المتلفز يتجه لفضاءات لا حد ولا حصر لها من حيث المدى ومن حيث التنوع، ومن حيث تعدد المستويات الثقافية والاجتماعية، ولن ينجح أي حوار يلتزم باللهجة المحلية للمتحدث، وسيصعب على المتحاورين تمرير اللهجة المحلية، ولذا يجهد الجميع لتفصيح عاميتهم ولتعميم فصحاهم فتلتقي اللهجات عند تخوم الفصحى، كما تتهذب الفصحى وتتلامس مع اليومي والمحكي، وهذه حالة فريدة تمر بها ثقافتنا حيث سنكتشف أن الفضائيات التلفزيونية تحقق للغتنا فرصةً تاريخيةً لتمتحن قدرة اللغة العربية على التجاوب مع الزمن والظرف الثقافي، وتكسر حدود الانفصال وتندمج مع الواقع التفاعلي والحيوي، وهذا ضربٌ من الشجاعة اللغوية والعبقرية التعبيرية التي تميز لغتنا العظيمة التي ظلت تتحدى العقبات وتجترح دروبها من فوق التحديات.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: عبدالله الغذامي الغذامي
إقرأ أيضاً:
يوم اللغة السقطرية
د. أحمد الرميلي.
بهذه المناسبة الجليلة يطيب لي أن أشارك بهذا المقال القصير المتواضع.
لا شك أن اللغة السقطرية تمر بمخاطر أكثر من ذي قبل لأسباب كثيرة يطول شرحها، لكن لا يعني هذا أنه لا توجد مبشرات تجعلنا نتفاءل بقوة تلك اللغة وقدرتها على الصمود لمدة طويلة أكثر من المتوقع. ولدينا بعض الدلائل على هذا الكلام منها:
أولا: أن اللغة السقطرية لم تزل حديث الناس اليومي داخل الأسرة وفي المزرعة والحقل والرعي وحتى في السوق والتجارة، فهي اللغة الأساسية المتداولة في كل مكان. وهذا سبب هام يدل على قوة السقطرية وصمودها وثباتها.
ثانيا: أن السقطرية لم تزل تلوي أعناق الكلمات التي تدخل إليها من العربية الفصحى واللهجات العامية، فتعمل على تطويع تلك الألفاظ وتخضعها لقواعدها الخاصة بها. ففي ظاهرة التصغير تقوم بإخضاع الكثير من الكلمات إلى قواعدها الخاصة، نحو:
(سيارنه) في تصغير سيارة.
(قلصهن) في تصغير قلاص.
(حامرهن) في تصغير حمار.
(سعدهن) في تصغير سعد.
(سعيدهن) في تصغير سعيد.
(حامدهن) في تصغير حامد.
(حمدهن) في تصغير حمد.
وهكذا.
وكذلك تخضع الأفعال، نحو:
(صيم) في صام.
(إيصيم) في يصوم.
(صالي) في صلى.
(إيصالين) في يصلى.
(إصابر) في يصبر.
كما أن السقطرية لا تنطق الأحرف الأسنانية الثلاثة (ث، ذ، ظ)، فتقوم بإبدالها بما يقاربها في كل الكلمات العربية، نحو: (تلاتة، دلك، الضاهر) في (ثلاثة، ذلك، الظهر). وهكذا.
ثالثا: اعتزاز السقطري بلغته وحبه لها والميل إليها في كل الأحوال، فلو حصل أن شخصين من سقطرى كانوا مع أشخاص آخرين لا يتكلمون السقطرية فلا بد أن يحصل منهما الحديث الجانبي بالسقطرية حتى يلفت أنظار البقية، وهذا الأمر مجرب كثيرا ويدركه السقطريون.
رابعا: تمسك السقطريين بالكثير من عاداتهم وتقاليدهم وإرثهم الثقافي، مثل الرعي وزراعة النخيل واصطياد الأسماك والحرف اليدوية والشعر السقطري والدعاء بالغنم وغيرها. وكل تلك الأمور تحتفظ بالكثير من المخزون اللغوي الكبير الذي يبقى ببقاء ذلك الإرث.
المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك