«إسراء» فلسطينية تروي قصة صمودها أمام جيش الاحتلال: وجودي على أرضي انتصار
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
على مدار أكثر من 14 شهرًا يعيش الشعب الفلسطيني كباره وصغاره نساؤه ورجاله تحت حكم الإبادة الجماعية على أيدي قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي شنت هجومها الغاشم في السابع من أكتوبر العام الماضي، وما زالت مُصرة على وحشيتها ودمارها حتى صارت البيوت ركامًا والأهالي أشلاءً والشوارع مقابر جماعية تغطيها الدماء الطاهرة.
ولأن الحق لا يموت في قلوب أصحابه، وكما يُقال الأرض كالعرض لا يمكن التفريط فيه؛ فإنه رغم كل هذه المجازر والقوة الغاشمة تجد أهالي غزة صامدين رافعي الرؤوس، لا يهابون نيران الاحتلال وصواريخه، ولا يعبئون بالدمار الكائن في كل مكان؛ لذا وفي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، نروي تجربة صحفية فلسطينية صمدت وعانت بسبب جيش الاحتلال رفقة زوجها وأطفالها، ولم يحزنها وفاة أحبائها أو تدمير منزلها، لكن القدر كان سببا في إبعادها عن المقاومة، ما جعلها تعيش الآن على أمل أن تُتاح لها فرصة العودة مرة أخرى.
إسراء البحيصي، صحفية فلسطينية، تعمل في المجال الإعلامي منذ نحو 20 عامًا، شهدت خلالها حروبا عدة دارت أحداثها على الأراضي الفلسطينية، كان آخرها هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والذي انطلقت شرارته في السابع من أكتوبر 2023، وفقدت معه كثير من أحبائها ورغم ذلك لم تفكر ولو لمرة في هجر الأرض وتركها مستباحة لمحتل مغتصب: «لا يمكن أن نغادر هذه الأرض، لأنه ببساطة أنت كرامتك في أرضك، عزتك في أرضك، قوتك في أرضك، وهذا الأمر هو اللي بيخليني دائما متمسكة في غزة.. أنا ضد الهجرة وضد ترك الأرض لأنه كما يقول أجدادنا: الأرض هي عرض».
البكاء وسط ركام المنزلمعاناة شديدة عاشتها «إسراء» رفقة زوجها وأطفالها على أيدي قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، من ضمن أشكالها تدمير منزلها الجديد الذي بنته قبل 4 سنوات في منطقة دوار أبو مازن، وهو ما كان ثقيلًا على قلبها، لدرجة أنها عند سماع الخبر قررت الذهاب أسفل طائرات العدو ووسط قذائفه المكروهة لتقف في منزلها تبكي كل ركن به: «بكيت كتير، لكن حسيت البيت بيقولي ارجعيلي، حتى لو أنا صرت ركام ارجعيلي»، حسب حديثها لـ«الوطن».
View this post on Instagram
A post shared by Israa El Buhaisi (@israabuhaisi)
رغم عنفوان الحرب وشدتها، لم تفكر «إسراء» في ترك عملها والاختباء أو حتى الاكتفاء بحماية أطفالها، بل راحت تواصل عملها الذي تراه نضالًا ومقاومة أمام الاحتلال، بل وعملًا مقدسًا لا يجب التخلي عنه: «كنت بتحرك في الشارع وفوقي صواريخ وتحيط بي قذائف العدو من كل اتجاه، ومقدرتش أسيب شغلي، بل بالعكس كنت أنا وزملائي على أعلى درجة من الصمود»، وإلى جانب عملها، كانت تذهب للاطمئنان على أطفالها وتعلمهم الطريقة الصحيحة للإخلاء في حال قصف المنزل المختبئين به، وإخبارهم أي الأماكن قد يكون هو الأكثر أمانًا لهم وسط القصف المتواصل.
حياة ينقصها العودة للمقاومة«أصعب لحظة عليا هي لحظة ما قررنا نطلع من بيوتنا في قطاع غزة».. قالتها «إسراء» بصوت خافت وقلب مكلوم، موضحة أنها اضطرت للنزوح إلى منطقة دير البلح عندما فقدت أحد أبنائها وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من ضمور دماغي، وتوصَلوا إليه أخيرًا بعد 24 ساعة كاملة من البحث والتفتيش؛ إذ قرر زوجها بعد ذلك النزوح، لا سيما وأن ابنها المريض يحتاج إلى علاج وأكل خاص، موضحة: «كنت طالعة معهم وعندي شرط وهو إني أطمئن عليهم وأرجع تاني على غزة، لكن للأسف ملحقتش»، موضحة أنها تحيا اليوم على أمل العودة أخرى، لنضالها ومقاومتها أمام جيش الاحتلال: «مجرد وقوفي ووجودي على أرضي ده انتصار على الاحتلال.. الانتصار هو بالصمود والبقاء.. إحنا متعتنا في المقاومة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الشعب الفلسطيني التضامن مع الشعب الفلسطيني جيش الاحتلال قوات جيش الاحتلال حرب غزة أهالي غزة جیش الاحتلال
إقرأ أيضاً:
تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي: في ساعات الليل الأولى من الإثنين، الثاني والعشرين من أبريل 2025، اشتعلت السماء فوق غزة بموجات متلاحقة من القصف، كان الصوت هذه المرة مختلفًا، وكذلك الهدف. لم يكن منزلًا ولا مسجدًا أو حتى مدرسة؛ بل كانت الجرافات والكباشات والآليات الثقيلة هدفًا مباشرًا لصواريخ الاحتلال الإسرائيلي.
غارات تحرق المعدات الثقيلة
«كأنهم يقتلون أذرعنا وأقدامنا»، هكذا وصف محمد الفرا، موظف في بلدية خانيونس، مشهد احتراق كراجه البلدي الذي يحتضن آخر ما تبقى من جرافات. ويضيف لـ«عُمان»، بينما يلف ذراعه المصابة بشاش طبي: «نستخدم هذه الآليات لفتح الطرق، لانتشال الشهداء، لتوصيل المياه، لإزالة الركام.. هم لا يقصفون الآلة، بل يقصفون قدرتنا على التنفس».
في منطقة القرارة شرق خانيونس، استُهدفت جرافات تعود لشركة جورج، كانت تعمل ضمن مشاريع إعادة الترميم في ظل هدنة سابقة سمحت بدخولها. وقد دُمرت بالكامل.
أمّا في جباليا شمال قطاع غزة، فامتدت النيران إلى كراج بلدي آخر، تحوّل إلى رماد بعد أن طالته قذائف الطائرات الإسرائيلية. كان الكراج يضم معدات مصرية أدخلت خلال اتفاقات إنسانية سابقة، لكنها الآن باتت أجزاء محترقة متناثرة.
الدفاع المدني بلا أدوات
«نطفئ النار بصدورنا، ونحفر بأيدينا»، يصرخ أحد أفراد طواقم الدفاع المدني بينما يحاول بصعوبة السيطرة على حريق اشتعل في إحدى الجرافات قرب مجمع السرايا وسط غزة.
يقول الرائد محمد المغير، المسؤول فيرالدفاع المدني في قطاع غزة: «كل المعدات التي نملكها إما أُتلفت أو باتت غير صالحة للاستخدام، نقوم بانتشال الضحايا من تحت أنقاض منازل قُصفت منذ أيام، باستخدام أدوات يدوية».
ويوضح المغير لـ«عُمان»: «الاحتلال يعلم أننا بحاجة لهذه الجرافات لفتح الطرق المغلقة بالركام والنفايات، وللبحث تحت الأنقاض عن أحياء ربما ما زالوا يصارعون الموت. لهذا يستهدفها عمدًا».
ركام فوق الركام
تُظهر الصور الجوية -التي التُقطت فجر اليوم، من طائرات استطلاع غير مأهولة- مساحات واسعة من خانيونس وقد تحولت إلى ساحة فوضى: حفارات محطمة، شاحنات محروقة، وشوارع مملوءة بالركام من جديد بعد أن جُهزت لمرور فرق الإنقاذ.
في شارع الثلاثيني بمدينة غزة، شوهدت نيران مشتعلة تلتهم أرضًا زراعية كانت تأوي ثلاث جرافات، كانت تعمل على توسعة ممر طارئ لوصول المساعدات. الآن، تحولت الأرض إلى مقبرة للأمل.
تقول منى سكيك، وهي مهندسة بقسم الطوارئ في بلدية غزة خلال حديثها لـ«عُمان»: «في كل مرة نعيد ترتيب ركامنا، يأتي الاحتلال ليبعثره من جديد»،
وتشير إلى صور كانت قد التقطتها لجرافة بلون أصفر فاقع قبل أن تُقصف بساعات: «كان زميلنا هاني يقول إن هذه الجرافة ستُسهم في إنقاذ حياة مئات الأشخاص. لم يعلم أنها ستُدمر بهذه الطريقة، كي لا ننقذ أحدًا».
سياسة الأرض الميتة
ما يحدث لا يبدو عشوائيًا، بل هو تنفيذ دقيق لسياسة إسرائيلية قديمة متجددة، تهدف إلى تدمير أي مقومات لحياة مدنية. يقول الدكتور نائل شعث، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: «الاحتلال لا يكتفي بقتل الناس، بل يقتل القدرة على الترميم والبقاء».
ويضيف لـ«عُمان»: «استهداف الجرافات جزء من سياسة الأرض المحروقة، التي تهدف إلى إفراغ المناطق من السكان، ومنع العودة إليها، عبر نسف كل أدوات الحياة فيها. إذا استمرت هذه الحملة أسبوعًا آخر، سنشهد تكرارًا لنموذج شمال القطاع: تدمير كامل وتفريغ سكاني».
هذا الرأي يوافقه المحلل العسكري الفلسطيني عبد الحكيم عبد العال، الذي قال في اتصال هاتفي لـ«عُمان»: «استهداف الجرافات يهدف للسعي لإفقاد قطاع غزة القدرة على فتح الشوارع المغلقة بالركام والنفايات، والبحث تحت الأنقاض وما إلى ذلك، وبالتالي رفع حاجة القطاع لتفاهمات تسمح بإدخال معدات جديدة».
غزة تقاوم بيديها
في ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، اجتمع عشرات الشبان بعد الفجر، بعضهم يحمل معاول، وآخرون يحملون أكياس رمل. لا جرافات ولا شاحنات. فقط سواعد نحيلة تقاوم جبلًا من الحطام.
يقول وسام الشريف لـ«عُمان»، وهو متطوع في إحدى مجموعات الطوارئ: «كلما أُبيدت آلية، يظهر عشرة شبان يعوضونها بأجسادهم. الاحتلال يحاول تحطيمنا نفسيًا، لكنه لا يعرف أننا نحن من نصنع الجرافة».
في شارع عمر المختار، سار طابور من الأطفال وهم يحملون أوعية مياه صغيرة يملؤون بها حفرًا غمرها الغبار، في محاولة بائسة لجعل الطريق سالكًا.
وفي مستشفى الشفاء، روت الطبيبة أميرة أبو جامع كيف اضطروا لنقل جرحى في عربات يدوية بعد أن استُهدفت شاحنة الإسعاف الخاصة بهم. تقول لـ«عُمان»: «حتى الحركة لإنقاذ الناس أصبحت عذابًا، وكل ما نملكه هو الصبر».
كراجات الموت المؤجل
تشير الإحصائيات الأولية الصادرة عن وزارة الأشغال العامة بغزة إلى أن أكثر من 40 آلية ثقيلة تم تدميرها خلال ليلة واحدة فقط. وشملت الغارات كراجات البلديات في جباليا، وخانيونس، ومدينة غزة، إضافة إلى معدات شركات خاصة مصرية كانت تعمل على إعادة فتح الشوارع بعد الهدنة.
وقد أكد الرائد محمود بصل، مدير الدفاع المدني في غزة، في تصريح لـ«عُمان»: «إننا أمام نكسة كبيرة في قدراتنا التشغيلية، ونحتاج بشكل عاجل إلى دخول معدات بديلة. الاحتلال يدرك أن هذه المعدات لا تُستخدم في الحرب، بل في ترميم آثارها، ومع ذلك يستهدفها بمنهجية».
في جباليا، قال سامر النجار، عامل سابق في كراج البلدية: «كنت أنام في الكراج بجوار الجرافة التي أعمل عليها، واليوم أراها مدمرة، وكأنني فقدت جزءًا من جسدي».
تصعيد غير مسبوق
جنوبًا، وتحديدًا في مناطق قيزان رشوان وقيزان النجار بخان يونس، سُجّلت انفجارات متتالية بفارق زمني لا يتجاوز أربع ثوانٍ، هزّت الأرض وأطلقت سحبًا كثيفة من الدخان.
«هذه الانفجارات لم أشهدها منذ بداية الحرب» يقول أيمن النجار من سكان المنطقة لـ«عُمان»: «كانت الأرض ترتجف كأن زلزالًا يضربنا. ثم رأينا النيران تبتلع كل شيء».
وأعلنت وزارة الصحة في غزة عن سقوط 17 شهيدًا بينهم خمسة أطفال، جراء هذه الغارات المكثفة التي لم تبقِ مكانًا آمنًا جنوب القطاع.
رسالة الاحتلال: لا ترميم
يرى مراقبون أن الرسالة واضحة: لا ترميم، لا إعادة إعمار، لا حياة. فالاحتلال لا يكتفي بالقتل، بل يستهدف أدوات النجاة.
وقال الناشط الحقوقي علاء الديري: «استهداف الجرافات انتهاك مزدوج، لأنه يحرم الجرحى من الوصول للمستشفيات، ويمنع إخراج جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، وهو أمر تجرّمه اتفاقيات جنيف».
وأضاف لـ«عُمان»: «نحن أمام جريمة مركبة، لا تستهدف المدنيين فقط، بل تستهدف قدرتهم على التعامل مع المأساة».