في البدء كان العار منفيا، حتى من أخلاقيات وأعراف المجرمين، وكان قطاع الطرق يأنفون من السطو على العجوز الضعيف، ويترفعون عن الانتقام من المرأة والطفل، وكان اللقطاء – مجهولي النسب – منبوذين من محيطهم الاجتماعي، حيث يتحاشاهم الجميع، ويرفضون كافة أشكال الاتصال بهم، وكانت الشعوب ترفض ولاية الابن الشرعي للملك، وترى أن تصيبه أو فرض ولايته، إهانة لها وانتقاصا من قيمتها ومكانتها، لذلك كانت تسارع إلى خلعه، غير مكترثة بالعواقب والتداعيات، ولا متهيبة من بطش الانتقام، وقد يصل بها الأمر إلى أن تدفع ثمن موقفها ذاك، باهظا من غالي دمائها وأبنائها، ذلك لأن سيادة الأدعياء على صرحاء النسب، أمر تنكره فطرة الشعوب السليمة، وترفضه قيم ومبادئ وأخلاقيات – معظم – المجتمعات البشرية، إيمانا بمبدأ عدم وفاء الدعي – غالبا – لقيم الفضيلة والأخلاق، ومرتكزات العادات والتقاليد، وأسس الأعراف والسنن المجتمعية الناظمة، الأمر الذي يجعل انتهاكه لها – من موقعه السيادي – خطرا وجوديا، يهدد بالقضاء على الحياة الإنسانية، في جميع مظاهرها وجوانبها المختلفة، وحتى في أسوأ فترات ضعف وانحطاط المجتمعات والأنظمة الحاكمة، كانت هناك ثوابت قيمية وأخلاقية، لا يجوز انتهاكها أو تخطيها، بأي حال من الأحوال، مهما كانت الدوافع والمبررات، ومن يتجرأ على اقتراف ذلك الجرم، يعرض نفسه لغضب وانتقام المجتمع، ولن ينجو من العقوبات الرادعة، ومنها التبرؤ والنفي والطرد، بالنسبة للأفراد، والمقاطعة والإدراج في قائمة العار، بالنسبة للأسر والمجتمعات، ويمكن القول إن العقوبات الجسدية والمالية – مهما بلغت وعظمت – كانت أخف وطأة وأقل حدة وتأثيرا، من عقوبات النفي والتغريب والعار، لأن أثرها المؤلم، يمتد عبر الزمن، متجاوزا مقترفيها إلى أبنائهم وأحفادهم، ومن يليهم عبر الأجيال، وهو ما يعكس هول وقبح الجريمة، وخطورة انتهاك محظورات المجتمع.


ورغم انحطاط مبادئ وغايات القوى الاستعمارية، إلا أنها قد حرصت – عبر تاريخها – على إحاطة نفسها بهالة من المثالية الزائفة، والتظاهر بمستويات معينة، من الأخلاق والقيم، وتبني ورعاية الفضيلة، وكان يسعى إلى تلميع صورته، وتجميل قبح نواياه وغاياته، بمظاهر التواضع المصطنع، ويحاول تبرير نزعته الإجرامية، بمقولات تطبيق القانون، والحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي، وكانت الشعوب تتحمل ظلم المستعمر وقسوته، مادام ملتزما بعدم انتهاك محظوراتها، ولم يكن أدعى لثورتها عليه، ولا أوجب لتسريع انتقامها منه، من تنصيب أدعيائها عليها، وتبني وحماية واحتضان منبوذيها، نظرا لخطورة تقديم الأدعياء واللقطاء، بوصفهم نماذج نجاح يقتدى بها، بما من شأنه تحطيم قيمة الفضيلة، وتكريس التهاون والتغاضي الجمعي، تجاه سلوكيات الخطيئة والانحطاط، والاستهزاء والسخرية من المحافظين على مبادئهم، وصولا إلى التحريض الضمني، على انتهاك قيم وثوابت ويقينيات المجتمع، والثورة على محظوراته، بوصفها قيودا يجب تحطيمها، وأوهاما لابد من نسفها، لتحرير العقل الجمعي، من عنصرية التحيز للفضيلة، ووضعه في موضع الحياد، بما يمكنه من الانطلاق بقوة، وتحقيق أحلامه وطموحاته، القائمة على مكاسب مادية محضة، حتى وإن كان الثمن هويته وحريته، وقيمته الوجودية والإنسانية.
ورغم عدم تكافؤ طرفي الصراع، إلا أن ضمير المجتمع الحي، وإن لم يحرز انتصارات مادية حاسمة، فقد استطاع صياغة صورة الرفض والمقاومة، وإطلاق أقوى صرخة في وجه المستكبرين، من ناحية، كما استطاع – بانكفائه على نفسه – الحفاظ على مضمون هويته العليا، ووقداسة إنسانيته، وعظمة مشروعه الحضاري، من ناحية ثانية، وفي كلا الحالين نصر قيمي وأخلاقي، للضمير الجمعي الحي، على قوى الشر والاستكبار والرذيلة، وغالبا ما كانت معاول الهدم والإجرام، تسقط في مستنقع أطماعها وجرائمها، ونظرا لهزائمها النكراء المتكررة، وتوالي سقوطها المهين، سعت تلك القوى التسلطية، إلى تغيير صورة وحامل مشروعها الاستعماري باستمرار، لعلها تحقق بذلك ما تصبو إليه، من بسط النفوذ الدائم، وسلطة مشروعها الإمبريالي، القائم على فعل القوة المطلقة، وفرض هيمنتها المتعالية، على الشعوب المستضعفة، حتى تقر بخضوعها الأبدي، لكن تعدد الذرائع، وتبديل صور الهيمنة، وتغيير أسماء حامليها، لم يجد نفعا، ولم يحقق أهداف اللوبي اليهودي، صانع ومحدث المشروع الاستعماري العالمي.
يمكن القول إن تلك النماذج الاستعمارية المتعاقبة، التي أنتجها اللوبي اليهودي، كانت تسقط بمجرد تحللها من كل القيم، وتوحشها المفرط، وانقلابها على المنظومة القيمية والأخلاقية المجتمعية، ما يجعلها محط استنكار حاضنتها الشعبية، ورفض ونقمة الشعوب المستعمرة، ولذلك رأى اللوبي اليهودي الصهيوني، ضرورة إنتاج نموذج استعماري، مقطوع الأواصر والصلات، متحلل تماما من كل القيم والمبادئ والأخلاق، وفي حاضنة مجتمعية ساقطة مثله تماما، لكي
يؤدي المهمة الاستعمارية، ويخدم مشروع الهيمنة اليهودي الصهيوني، أكبر مدة من الزمن، وكان ذلك النموذج الإجرامي المتفرد، هو الولايات المتحدة الأمريكية الارهابية، أو ما يمكن تسميته “أمريكا الصهيونية”، ذات المنشأ الإجرامي الشيطاني المحض، والعقيدة التوحشية الصهيونية المتطرفة، والنزعة الانتقامية الاستكبارية، على مذهب حروب الإبادة الجماعية الشاملة، واستراتيجية الأرض المحروقة، وهو ما جسده ذلك الكيان الإجرامي اللقيط، ومازال حتى الآن.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تستعيد ثلاثة مواطنين محتجزين في الصين

أعلن البيت الأبيض الأربعاء عن إطلاق سراح ثلاثة مواطنين أمريكيين ظلوا محتجزين في الصين لسنوات طويلة، في خطوة دبلوماسية مهمة في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس بايدن.

اعلان

وقد صنفت الإدارة الأمريكية هؤلاء الثلاثة بأنهم محتجزون بشكل غير قانوني، وهم كلّ من: كاي لي، وجون لونغ، ومارك سويدان، الذي حكم عليه بالإعدام في تهم ذات صلة بالمخدرات، بينما سُجن كل من لي ولونغ بتهم التجسس.

فيما أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد محادثات مكثفة بين واشنطن وبكين، تعكس رغبة الجانبين في تحسين العلاقات المتوترة.

يأتي الإفراج عن المحتجزين في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الصينية توترا على خلفيات متعددة، بما في ذلك التجارة وحقوق الإنسان والقضايا الأمنية.

Relatedترامب يتحدى بكين بتعريفات إضافية على الواردات الصينية والأخيرة تحذّر: لا رابح في الحرب التجاريةفنزويلا: مادورو يعلن اعتقال "جاسوس أميركي" بالقرب من مصاف لتكرير النفطواشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبين واليابان لمواجهة الخطر الصيني

ووفقاً للمعلومات المتوفّرة، فإن إدارة بايدن طرحت قضايا المحتجزين في اجتماعات عديدة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك محادثة أخيرة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

يشار إلى أنّ ترامب كان قد اتخذ إجراءات عقابية ضد الصين في مجال التجارة والدبلوماسية خلال فترة ولايته الأولى، وقد تعهد بمواصلة تلك السياسات في فترة ولايته الثانية.

المصادر الإضافية • أب

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ترامب يتحدى بكين بتعريفات إضافية على الواردات الصينية والأخيرة تحذّر: لا رابح في الحرب التجارية الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائية في لقاء حاسم: بايدن يضغط على الصين لتحجيم دعم كوريا الشمالية لروسيا حكم السجنالصينالولايات المتحدة الأمريكيةاحتجاز رهائناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. عشرات القتلى والجرحى في غزة.. وإسرائيل تقتل "مشتبها بهم" في جنوب لبنان.. وترقب لآلية مراقبة الاتفاق يعرض الآن Next ماذا سيحلّ بأوكرانيا إذا أصبح كالين جورجيسكو الموالي لروسيا رئيسًا لرومانيا؟ يعرض الآن Next لبنان ينشر النص الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل المكون من 13 بنداً.. تعرف على التفاصيل! يعرض الآن Next دراسة تحذر: 2 من كل 5 موظفين في أوروبا مهددون بمشاكل نفسية بسبب ضغوطات متنوعة يعرض الآن Next إسبانيا تقرر دعم فالنسيا بـ 2.4 مليار دولار لإعادة الإعمار بعد الفيضانات المدمرة اعلانالاكثر قراءة مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما فيلم "رايد"... الأم العازبة التي تقرر أن تصبح صديقة لابنها حب وجنس في فيلم" لوف" معجزة علمية: أمومة متأخرة.. امرأة ستينية تضع مولودها الأول في سن الـ61 عاما بعد محاولات كثيرة يائسة اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29غزةحزب اللهلبنانإسرائيلروسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقف إطلاق الناربنيامين نتنياهوحركة حماسفيضانات - سيولأوكرانياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • معركة تحت الماء بين الولايات المتحدة والصين.. مخاوف من التجسس
  • ترامب: رئيسة المكسيك وافقت على وقف الهجرة إلى الولايات المتحدة
  • أستاذ علوم سياسية: الشائعات سلاح الجماعات الإرهابية لزعزعة استقرار مصر
  • روسيا تحذر الولايات المتحدة من استمرار دعمها لأوكرانيا
  • اللوبي الصهيوني.. وإنتاج كيان العار اللقيط
  • 6 أمور تريدها الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان
  • تراجع الأسهم الآسيوية وانخفاض الدولار قبل عيد الشكر في الولايات المتحدة
  • روسيا: الولايات المتحدة تتهاون في واجباتها كقوة عالمية
  • الولايات المتحدة تستعيد ثلاثة مواطنين محتجزين في الصين