مسار تجذير حكم العسكر بأفريقيا
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
كما تتفشى الفيروسات في أفريقيا سريعا، تتفشى الانقلابات العسكرية فيها بسرعة أيضا.
ففي منتصف سبتمبر/أيلول 2021، أطاح مامادي دومبويا ورفاقه بالرئيس الغيني ألفا كوندي، وقبله بـ5 أشهر أُعلن في تشاد عن مقتل رئيس البلاد إدريس ديبي إتنو في ظروف غامضة، وفي مطلع 2022، أطاح العقيد بول هنري سانداوغو داميبا ورفاقه برئيس بوركينا فاسو، وبعد 8 أشهر أطاح النقيب إبراهيم تراوري بالرئيس العقيد، ثم وصلت العدوى إلى النيجر التي انقلب فيه الجيش على الرئيس محمد بازوم، ثم أطاح الجيش في الغابون بالرئيس علي بونغو أونديمبا بعد إعلان فوزه بولاية ثالثة.
مركز الجزيرة للدراسات نشر ورقة تحليلية للصحفي المختص بالشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك، حملت عنوان "المراحل الانتقالية بأفريقيا: السيادة مسار آمن نحو تجذير حكم العسكر"، حاول فيها رصد ما تتسم به آفاق المسارات الانتقالية الحالية في أفريقيا، من خلال تعامل الجيش مع السلطة وتغيير الدساتير وتنظيم العلاقات الخارجية، خاصة مع فرنسا.
انتقال طويل الأمدلا يبدو رؤساء المجالس العسكرية الانتقالية في أفريقيا على عجلة من أمرهم في تسليم السلطة للمدنيين، فبعضهم مدَّد لنفسه وبعضهم الآخر يتجه لذلك، ومنهم من بقي في الحكم إثر انتخابات تقول معارضته: إنها كانت على قياسه!
ففي مالي دعا المجلس العسكري الحاكم إلى حوار سياسي قاطعته الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، اقترح فيه تمديد المرحلة الانتقالية عامين إلى 5 أعوام. وفي بوركينا فاسو اتفق المشاركون -في حوار مشابه- على تمديد فترة حكم إبراهيم تراوري 5 سنوات إضافية، وتغيير صفته من رئيس انتقالي إلى رئيس للبلاد.
أما في النيجر فقد حدد الرئيس الانتقالي عمر عبد الرحمن تياني الفترة الانتقالية بـ3 سنوات، ومن غير المستبعد أن تسلك البلاد نفس المسار الذي سلكته جارتاها مالي وبوركينا فاسو. وفي غينيا كوناكري حددت الفترة الانتقالية بـ3 سنوات أيضا، لكن المجلس العسكري الانتقالي تجاوزها من دون إعلان رسمي عن تمديدها.
وفي الغابون، لم يستبعد رئيس الوزراء الانتقالي ريمون ندونغ تمديد الفترة الانتقالية المقررة بعامين، "بشكل طفيف"، إذا تطلب الأمر. أما في تشاد فقد انتهى المسار الانتقالي بعد تمديده مرتين، الأولى كانت لعامين والثانية لـ18 شهرا، بات على إثرها الجنرال محمد إدريس ديبي رئيسا للبلاد بعد انتخابات رئاسية في مايو/أيار 2024.
لا أولوية للانتخاباتيضع النظامان العسكريان الانتقاليان في مالي وبوركينا فاسو "إحلال الأمن والاستقرار" أولوية على إجراء انتخابات، ويتذرعان بالجماعات المسلحة التي تحول دون إجراء انتخابات على كامل تراب البلاد. ففي مقابلة مع التلفزيون الرسمي، أعلن الرئيس الانتقالي الشاب لبوركينا فاسو أن الاستحقاقات التي كان مقررا إجراؤها في يوليو/تموز 2024 "ليست أولوية، عكس الأمن".
وكذلك أعلن في مالي عن تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في فبراير/شباط 2024 لأسباب فنية، لكن الوزير الأول صرّح في لقاء مع دبلوماسيين أن "الانتخابات ليست أولوية".
أما في غينيا كوناكري، فيرى رئيس المجلس العسكري مامادي دومبويا أن مواجهة الأوضاع الاقتصادية في البلاد أولى من تنظيم الانتخابات. ومثلها تشاد التي أعلنت حالة طوارئ غذائية جعلت -إلى جانب الأمن- تنظيم الانتخابات في درجة متأخرة على سلم الأولويات.
لأجل عيون السيادةمن أجل تحصين رتبهم وكراسيهم، عمد مختلف الرؤساء الجنرالات في أفريقيا إلى اتخاذ إجراءات مختلفة، تقوم بالأساس على الرغبة في نيل ثقة الشعب باعتباره المصدر الأول لبقائهم؛ لأن معظم الانقلابيين وصلوا السلطة على أنقاض مظاهرات شعبية ضد الحكام المدنيين.
وكانت "السيادة" الخيط الناظم بين مختلف الإجراءات. ففي مالي حددت السلطة الانتقالية في 14 يناير/كانون الثاني من كل عام يوما وطنيا للسيادة. وفي النيجر، أعادت السلطات تسمية الشوارع والساحات بأسماء شخصيات وطنية بدل سابقتها الفرنسية، لترسيخ السيادة. وفي بوركينا فاسو أنشأت الحكومة الانتقالية صندوقا للسيادة الغذائية، لدعم المزارعين وصيادي الأسماك.
وفي الغابون، حث الجنرال الشاب على "العمل المشترك من أجل تحقيق السيادة المنشودة"، أما في غينيا كوناكري فقد ألزم الرئيس شركات التعدين الأجنبية ببناء مصاف للبوكسيت وتقسيم الإيرادات "على نحو عادل". وفي تشاد، قدم الرئيس محمد ديبي نفسه بوصفه ضامنا للسيادة الأمنية عبر اتخاذ "تدابير مبتكرة وشاملة، تهدف إلى إشراك المجتمع التشادي في مكافحة انعدام الأمن".
دساتير تمهّد للحاكموإلى جانب مبادراتها التشريعية خلال الفترة الانتقالية، عملت معظم المجالس العسكرية على وضع دساتير تكرس "السيادة" وتشرع بقاءها في السلطة. ففي مالي وضعت السلطة الانتقالية رابع دساتير البلاد منذ 1992، وشددت فيه على "السيادة" وخفض اللغة الفرنسية من رسمية إلى لغة للعمل فحسب، والسماح للعسكريين بالترشح للرئاسة، وحظي الدستور بتأييد 97% من الأصوات رغم تحفظات المعارضة.
وفي تشاد وضع تاسع دستور للبلاد منذ الاستقلال عن فرنسا، مهد الطريق لمحمد ديبي عبر السماح بترشح العسكريين للرئاسة "شريطة التفرغ للمنصب"، وخفض سن الترشح من 40 إلى 35 عاما. أما في بوركينا فاسو، فصوت البرلمان على تغيير شعار البلاد من "وحدة، تقدم، عدالة"، إلى شعار الرئيس الأسبق توماس سانكارا "الوطن أو الموت.. سننتصر".
وفي حين لم يعلن عن دستور جديد في بوركينا فاسو، كما هو الحال في النيجر، فإن المجلس العسكري في غينيا كوناكري قدم مسودة دستور ينص على فصل السلطات واستحداث مجلس شيوخ والسماح بالترشح المستقل للانتخابات. وفي الغابون، نص الدستور الجديد على إنهاء حكم أسرة بونغو وإلغاء منصب رئيس الوزراء، لتعزيز سلطة الرئيس.
ضبابيةتتسم آفاق المسارات الانتقالية الحالية في أفريقيا بمستوى كبير من الضبابية، بفعل عدم احترامها للآجال المحددة للبقاء في السلطة، وقد أسهمت عدة عوامل في تحقيق ذلك، منها ضعف الوعي، واتخاذ "السيادة" ذريعة لتسويغ كثير من التوجهات، وتقويض دور الأحزاب السياسية، فضلا عن ارتماء بعض المعارضين في أحضان العسكريين.
ورغم أن القادة العسكريين الحاكمين حاليا انقسموا بين مناهض لفرنسا، ومحافظ على البقاء تحت مظلتها، ومن لم يغير أي شيء على صعيد خارطة شراكاته الخارجية؛ فإن "السيادة" تشكل خيطا ناظما بينهم جميعا، كآلية لتعزيز أركان سلطتهم.
إن مثل هذه الشعارات قد تصلح لبعض الوقت، لكن لا يمكن الرهان عليها على المدى البعيد، لأنها سرعان ما تتآكل في ظل استمرار الأزمات البنيوية التي تعاني منها هذه البلدان، ويعجز العسكريون حاليا عن حلّها كما عجز المدنيون من قبلهم.
[يمكنكم الاطلاع على الورقة التحليلية كاملة في موقع مركز الجزيرة للدراسات]
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الفترة الانتقالیة فی غینیا کوناکری فی بورکینا فاسو المجلس العسکری فی أفریقیا فی الغابون فی تشاد فی مالی أما فی
إقرأ أيضاً:
إعلان دستوري بتولي رئيس المجلس الوطني مهام رئيس السلطة حال شغور المركز
أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، الاربعاء 27 نوفمبر 2024 ، إعلاناً دستورياً، يقضي بموجبه، أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينية، يتولى مهامه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مؤقتا لحين اجراء الانتخابات الرئاسية وفق قانون الانتخابات الفلسطيني.
وقال سيادته في الإعلان الدستوري "إيمانا ووعيا منا بهذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن والقضية الفلسطينية، ووفاء بمسؤوليتنا التاريخية والدستورية في حماية النظام السياسي الفلسطيني وحماية الوطن، والحفاظ على سلامة أراضيه وكفالة أمنه، وما يعيشه اليوم من أزمة سياسية واقتصادية تتمثل فيما يتكبده شعبنا بفعل حرب الإبادة من تهديد وجودي يمس كافة جوانب الحياة في فلسطين. وإيماناً منا بأن كرامة الوطن ما هي إلا انعكاس لكرامة كل فرد من أفراده، الذي هو أساس بناء الوطن، وبأن حرية الإنسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية هي أساس الشرعية لأي نظام حكم يقود البلاد للفترة المقبلة من تاريخ شعبنا".
وأضاف "انطلاقا مما سبق وبالبناء عليه، ورغبة في الخروج مما يعيشه الوطن من أزمات ومن أجل الحفاظ على الاستقرار في هذه الفترة التي يواجه فيها الوطن الكثير من التحديات، التي تقتضي منا مواجهتها. أصدرنا الإعلان الدستوري الآتي":
مادة (1)
إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لمدة لا تزيد على تسعين يوما، تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط.
المصدر : وكالة سوا