التعارف والأمان والحرية.. أسس التعامل مع الآخر في حكم وحكمة
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
جاءت هذه الرسائل ضمن حلقة جديدة من برنامج "حكم وحكمة" التي حملت عنوان "التفاعل مع الأديان"، وناقش عبد الكافي مع ضيوفه كيفية التعامل مع الآخر وفقا لمبادئ الإسلام، وما يتعلق بذلك من فقه الاغتراب في مجتمعات غير مسلمة.
وعرضت الحلقة آراء عدد من الأشخاص من دول عربية متنوعة، الذين تحدثوا عن حدود تعاملهم مع الآخرين، وما يقبلونه وما يرفضونه من قيم وسلوكيات، ومدى قبولهم للعلاقات الإنسانية مع أصحاب الديانات المختلفة.
وتباينت الآراء حول حدود المعاملة، وقد أشار بعضهم إلى أن التفاعل يجب أن يظل ضمن إطار يحفظ الهوية.
تلا ذلك حوار مفتوح أجراه عبد الكافي مع مجموعة من الشباب والفتيات العرب، الذين أعربوا عن تساؤلاتهم بشأن كيفية التعامل مع ثقافات ومعتقدات غير المسلمين في بيئات اجتماعية وتجارية مختلطة، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية.
الهجرة وتقارب الأديانوألقى الدكتور عبد الكافي الضوء على ما يتداوله الناس عند الحديث عن الأديان ومصطلح "التقارب" بينها، وبيّن أن هذا المصطلح غير موجود في القرآن، وأكد أن الإسلام يقدم رؤية واضحة لتوجيه المسلمين في كيفية التعامل مع الآخرين.
وتناول عبد الكافي مسألة الجنسية والدين، مشيرا إلى أن تطور وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد الهجرة جعلت المسلمين يتفاعلون بشكل متزايد مع ثقافات غير إسلامية، مما يطرح تساؤلات فقهية عن الغربة، وهل المسلم غريب في بلاد غير المسلمين، أم قد يكون غريبا في بلاده أيضا.
وأكد الداعية أن الإسلام لا يمنع من دراسة أدبيات الديانات الأخرى أو أفكارها الثقافية، بشرط أن تكون هذه الدراسة في سياق معرفي بحت، وليس بغرض التشبه، وقال إن المسلم يمكنه فهم الأفكار الأخرى دون التنازل عن قيمه.
وأشار عبد الكافي إلى أن الفقه الإسلامي يسمح بالتعامل مع غير المسلمين في مناسباتهم، لافتا في هذا السياق إلى ضرورة تقبل الآراء الفقهية المختلفة في الأمر، ويضرب مثالا على التسامح بين الصحابة، حيث كان ابن عمر يتمسك بشدة، في حين كان ابن عباس يميل إلى التسهيل، ولم ينكر أحدهم على الآخر.
وشدد الداعية على حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، بينما يسمح الإسلام بزواج المسلم من "الكتابيات" أي من أتباع الديانات السماوية، وأكد أن التعامل التجاري مع غير المسلمين جائز طالما كانت الأمانة هي المعيار الأساسي، مستشهدا باستعانة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمشرك أمين في رحلة الهجرة.
التعايش أم الحريةفي الجزء الثاني من الحلقة، استضاف عبد الكافي الدكتور فداء المجذوب، أستاذ الدراسات الإسلامية، الذي تحدث عن التعامل مع الآخر، وقال إن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين يجب أن تقوم على التعارف والأمان والاحترام المتبادل، مستشهدا بالآية الكريمة: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
وأضاف الدكتور فداء أن التواصل السليم مع الآخر لا يعني الانصياع لتوجهاته، بل على الجميع السعي إلى تحقيق جو آمن يشعر فيه الجميع بحرية الاختيار، وأوضح أن الحرية هي أساس الحوار الصحي، بينما التعايش قد يكون استسلاما للآخر إن لم يتحقق ذلك على أسس الاحترام.
وأكد ضرورة الانفتاح الكامل في الحوار الفكري، حيث تسود روح التفاهم، مما يسهم في استقرار المجتمعات المختلطة التي تجمع مختلف الأديان والثقافات، مضيفا أن هذا النهج يسمح بخلق بيئة صحية تعزز الحياة المشتركة.
29/11/2024المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات غیر المسلمین غیر المسلم عبد الکافی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي والسياسة.. عندما يُسيطر أحدهما على الآخر؟
مؤيد الزعبي
من أكثر الأمور المُحيِّرة؛ من سيسيطر على الآخر: الذكاء الاصطناعي أم السياسة؟ وماذا لو سيطر الذكاء الاصطناعي على السياسة؟ وماذا لو سيطرت السياسة على الذكاء الاصطناعي؟ ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنني قد أميل قليلًا إلى فكرة أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على السياسة بدلًا من العكس، فبوجهة نظري التي قد لا تُعجب البعض، أعتقد أنني أثق في الذكاء الاصطناعي "الخالص" ولا أثق في تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة الأغراض السياسية، ففي النهاية عندما يفهم الذكاء الاصطناعي فهمًا عميقًا لما نحتاجه كبشر، سيختار أن ننعم بحياة جميلة، بينما السياسة دائمًا ما ستفضل جانبًا أو مجموعة على حساب مجموعة أخرى.
بالنسبة لي، ليس مهمًا أن أجيب على تساؤل "من سيسيطر في المستقبل؛ الذكاء الاصطناعي أم السياسة؟" بقدر ما أن معرفة الإجابة الأهم هي: في حال سيطر أحدهما على الآخر، كيف سيكون شكل الحياة على كوكبنا؟ وفي حال تم توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة أجندات سياسية، فلِك أن تتخيل كيف سيبتكر هذا المارد طرقًا عسكرية وإقصائية لتفوز بها على منافسيك، حينها لا تقل لي بأننا كبشر ابتكرنا قنبلة ذرية لنفوز بمعاركنا، فما سيخترعه لنا الذكاء الاصطناعي أقوى بكثير من ذلك. فهو قادر على توظيف ذكائه لكي يُبِيدَنا وينهي وجودنا، وسيبتكر لنا كل يوم سلاحًا جديدًا، سواء كان بيولوجيًا أو ذريًا أو حتى فضائيًا. فالحدود غير معروفة أمام ذكاء سيفكر في كل الاحتمالات وكل القدرات ليخلق لك ما هو أكثر فتكًا ومرعبًا. وفي كل مرة يبتكر شيئًا مرعبًا، سيطور من قدراته ليجد لك ما هو أكثر مرعبا وأكثر دمارًا.
قد يقول البعض إن السياسة ستسيطر على الذكاء الاصطناعي، وهذا أمر محتوم، ولنا في السياسة تجارب كثيرة في تطويع كل ما بحوزتها لخدمة مصالحها؛ لكن ماذا لو قلت لك أننا الآن أمام لعبة مغايرة؛ لعبة الذكاء فيها ليس ذكاء بشري؛ بل ذكاء اصطناعي. وطالما أن هذا الذكاء ليس مرتبطًا بعواطف أو ميول أو اتجاه معين، فبكل تأكيد سيختار ما هو مناسب لنا جميعًا. ولكن الذكاء البشري دائمًا ما يكون منحازًا لفكرة أن هناك من هم أفضل من الآخرين، هناك مجموعة تستحق ما لا يستحقه الآخرون، وهناك جنس معين أفضل من الجميع، وهناك مصلحة عليا تقتضي أن نتخلص من فئة على حساب فئة أخرى. وهناك بالطبع غاية تسير وفق نظرية المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي نيكولو ميكافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة".
نحن الآن مقبلون على مرحلة بات فيها الذكاء الاصطناعي قادرًا على مخاطبة ذكاء اصطناعي آخر، وعلى تطوير نفسه بنفسه أو برمجة نفسه بنفسه. وطالما وصلنا إلى هنا، فلا أستبعد أن نجد الذكاء الاصطناعي سياسيًا صاحب سلطة حقيقية في قادم السنوات، خصوصًا وأن الأنظمة السياسية العالمية قد بدأت في إدخاله غرف الاجتماعات وأجلسته على طاولة المفاوضات. وفي قادم السنوات، سنجده يوقع على عرائض القرارات. ومهما طال هذا الوقت أو قصر، إلّا أننا سنصل إلى يوم تصبح فيه إدارة قضايانا السياسية في أيدي روبوتات وبرمجيات، حينها نحن أمام سيناريوهين اثنين؛ الأول أن تكون فيه السياسة قد سبقت الذكاء الاصطناعي بخطوة، وبرمجته أساسًا لخدمة مصالحها، والثاني أن يكون الذكاء الاصطناعي قد تخلص من الدائرة المفرغة التي أوجدها الإنسان منذ الخليقة، بأن يقتل ويستثني الآخر من أجل خدمة مصالحه.
قبل أن نخوض أكثر، يجب أن نعترف أننا كبشر امتهنا السياسة لعقود طويلة وأدركنا بأنها فن الممكن. ولكن في تطبيقنا لها، لم نتمكن من جعل الممكن حقيقة على أرض الواقع، وجعلناها إقصاء للآخر، وهذا ما نأمل أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي على إعادة تعريف السياسة وتطبيقها بالشكل الصحيح الذي يخدم مسيرتنا البشرية. وأنا أعترف بقصورنا البشري في هذه النقطة، إلا أنني مدرك تمامًا أننا من الداخل نجتمع على أفكار متشابهة. وما ينقصنا هو تنظيم وترتيب وتقاسم هذه الأفكار لجعلها مناسبة للجميع. والذكاء الاصطناعي، البعيد عن عواطفنا وامتيازاتنا التي نريدها كبشر، سيستطيع تحقيق ذلك ويسعدنا في الوصول إلى مبتغانا.
السياسة ليست مفهومًا سلبيًا، ولا الذكاء الاصطناعي أداة إيجابية بالضرورة. إنما الحقيقة تقول إنه إذا أردنا كَبشرٍ أن نتوافق، يجب أن نستخدم أداة تمكننا من تطبيق مفاهيم السياسة على أرض الواقع. ولا يوجد ذكاء بشري قادر على أن يكون محايدًا فيفصل بين طموحاتنا ومخاوفنا الإنسانية، بينما الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة هذا القصور. فإن مَكَّنَا الذكاء الاصطناعي من دراسة أحوال كوكبنا وشعوبنا، والسماح له باختيار ما يناسبنا جميعًا، فسيكون قراره الأول أن نتوقف عن قتال بعضنا البعض، فكل المناوشات والحروب والصراعات بكافة أشكالها وأنواعها ومستوياتها ما هي إلا استنزاف لقدراتنا وطاقاتنا البشرية.
النقطة التي أود أن نصل إليها أنا وأنت، عزيزي القارئ، تكمن في أننا كبشر قد فشلنا في احتواء الآخر، فشلنا في تقدير مصالحنا الخالصة كبشرية، وسعينا بشكل دؤوب لحماية مصالحنا الشخصية أو مصالح من نمثلهم أو نتحدث باسمهم، سواء كانوا جنسًا أو أجناسًا معينين. ومن أجل ذلك تقاتلنا وتضادت مصالحنا.
وفي المستقبل، لدينا فرصة لإصلاح كل هذا باستخدام ذكاء اصطناعي "خالص" يحدد ما نحن فعلًا نحتاجه، ويدير لنا مصالحنا ويشاركنا مصالح الآخرين، وعندما أقول "خالصًا"، فأقصد هنا أن يكون هذا الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن أجندات السياسيين وجيوب المستثمرين، حينها فقط ستتحقق المعادلة الأصعب رغم بساطتها: "رابح- رابح" والكل رابح.
رابط مختصر