بعد ساعات من وقف إطلاق النار بين حزب الله اللبناني العنصر الرئيس في محور إيران الشيعي والاحتلال الإسرائيلي، شنت فصائل المعارضة السورية هجوما على قوات حزب الله والنظام السوري والمليشيات الإيرانية غربي ريف حلب وحققت انتصارات لم تحدث منذ سنوات، وبدأت تقترب من مدينة حلب السورية الاستراتيجية. تكمن أهمية حلب بأن فيها ربع سكان سوريا، وثلث اقتصادها، ومازالت المعارك محتدمة.

وتمثل سوريا أحد أهم ساحات التأثر الناتجة عن الهزيمة التي تعرض لها حزب الله (علما أن الحزب يرى نفسه انتصر في تلك الحرب) في جنوبي لبنان، بما فيها قبوله فصل جبهة الجنوب اللبناني عن قطاع غزة التي قال حسن نصر الله قبل اغتياله إنها لن تتوقف إلا بتوقف العدوان على غزة.

واعترف أحد كتاب جريدة الأخبار اللبنانية التي تعبر عن الحزب وقناة الميادين التابعة لإيران، بأن الهدنة في جنوبي لبنان تعبر عن انهيار التوازنات التي نشأت منذ أكثر من عقدين وتحديدا منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوبه 2000، بما فيها انهيار وحدة الساحات، وهي الهدف الإسرائيلي المعلن أيضا من قبول الاحتلال وقف إطلاق النار هناك.

كما اعترف بأن الاحتلال يشعر الآن بخروج حزب الله من معادلة المواجهة بين الاحتلال وإيران على النفوذ في المناطق العربية المستباحة من كليهما. ويتوقع أن يغرق الحزب اللبناني في التناقضات الداخلية اللبناني مع حلفائه وخصومه معا.

الضربات التي تعرض لها حزب الله جعلته أضعف بشدة أمام الاحتلال الإسرائيلي مقارنة بما كان عليه قبل طوفان الأقصى ولكن هذا الضعف لم يختبر بعد أمام العرب.

غير أن هناك تحولات كبرى في بنية الحزب طوال العقود التي مضت عليه، وفقا لـ"ياسين الحاج صالح وقال إن "المجال البنيوي للسيطرة الإيرانية هو المشرق والجزيرة العربية، فيما مواجهتها لإسرائيل عارضة. مواجهة "حزب الله" لإسرائيل لم تكن عارضة مثل إيران، وهذا بخاصة حين كانت إسرائيل تحتل أراضي لبنانية.

وأضاف، لكن اليوم، ومنذ بدء مغامرته السورية، صارت مواجهته لإسرائيل أقرب على عارضة، فيما اندراجه في التخطيط الاستراتيجي الإيراني بنيوي... ومحدد تحركه الوحيد ليس لبنان ولا القدس ولا فلسطين بل أمن إيران". ومن هنا تكمن أهمية متابعة التأثيرات المتوقعة لتراجع حزب الله في المنطقة كلها.

لذا قد يشكل صعود الدور الحوثي في الاستراتيجية الإيرانية ركيزة أساسية في محاولة من طهران لإبقاء نفوذها ووكلائها الذين تعتبرهم خط الدفاع الأول عنها، خاصة بعد ظهور ضعفها الواضح في المواجهة المباشرة مع الاحتلال عبر برنامج الصواريخ الباليستية والأسلحة التقليدية. مع ذلك تواجه إيران تداعيات الانهيار الواضح لاستراتيجيتها القائمة على الردع بالوكلاء المسلحين في المشرق العربي باسم القضية الفلسطينية.

وفق الدكتور فراس إلياس المختص بالشأن الإيراني فإن قيمة حزب الله "تجلت إستراتيجياً بوجوده على الحدود مع إسرائيل، أما اليوم وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، وتراجع الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، لم يعد هناك تأثير واضح للحزب، لا على المستوى الأحادي ولا على مستوى محور المقاومة" مضيفا أن ذلك قد يحول من طبيعة الحزب نفسه.

وقال إلياس عبر منصة "إكس": "إذا ما أصبح هذا الاتفاق حالة دائمة بين إسرائيل ولبنان، وترتبت عليه عملية ترسيم الحدود بين الطرفين، عندها سيتحول الحزب من حزب مقاوم إلى حزب يتبنى ثقافة المقاومة، شأنه شأن الأحزاب المقاوماتية الأخرى التي أنهتها الحروب".

وتعليقا على سؤال عن أهمية الحوثي بقرب الحدود السعودية الخصم الرئيس لطهران في المشرق العربي، أشار إلى أن الحوثي صار اليوم بعد خروج حزب الله من المعادلة هو الأكثر قدرة من بين حلفاء إيران الآخرين.

في نفس السياق يقول سفير اليمن لدى بريطانيا الدكتور ياسين سعيد نعمان إن "ما يمكن التركيز عليه من بين الركام الذي خلفته المواجهة العسكرية، وما رافقته من مواقف سلبية للنظام الإيراني تجاه ما تعرضت له منظومة ما يسمى "محور المقاومة" (...) هو أن هذا المشروع الذي صممته ومولته إيران لخدمة مصالحها الاستراتيجية الرامية إلى تكريس نفسها كقوة إقليمية، يحسب حسابها دولياً، إلى جانب اسرائيل، قد أشرف على النهاية".

وأضاف نعمان عبر صفحته بالفيسبوك، أنه "لا بد من إعادة التذكير بأن هناك حلقة من حلقات المشروع تراهن عليها إيران، وهي التمسك بالحوثي كمعادل بديل، ستتمسك وستناور به، وهو ما خلصت إليه مليشيات المشروع في نقاشاتها منذ فترة، وذلك عبر تحويل اليمن إلى قاعدة لوجستية لتعويض الديناميات ومقومات المشروع التي فقدتها في مناطق هامة أخرى ، وذلك من خلال تركيز، وإعادة ضخ، امكانيات وخبراء حزب الله وغيرهم من المليشيات الى مناطق نفوذ الحوثي في اليمن.

وأكد السفير اليمني، أن "التقدير الذي يقوم على اعتقاد بأن تكسير حزب الله في لبنان سينعكس سلباً على الحوثي في صنعاء يحتاج إلى إعادة قراءة للمشهد في ضوء بعض المعطيات التي ظهر منها القليل حتى الآن، ولكنها في غاية الأهمية لإعادة تقييم النتائج بصورة واقعية".

اندلاع الصراع في حلب مجددا وتحول المعارضة من الدفاع إلى الهجوم بعد سنوات طويلة يعد أمرا حاسما للجبهة اليمنية في مواجهة الحوثيين. إذ أن انتصار إيران وروسيا وحزب الله والنظام السوري على المعارضة في حلب 2015-2018 أدى إلى تحول هائل في ميزان القوة بالمشرق العربي، ومنها اليمن، بتوجيه إيران كل قدراتها العسكرية ومليشياتها المتحالفة معها من العراق وسوريا وحزب الله إلى دعم الحوثيين في اليمن.

ونشر الإعلام الحوثي وناشطوه على وسائل التواصل الاجتماعي أخبارا مكثفة عن الحرب المندلعة في حلب الأربعاء، ووصفوها بأنها حرب ضد غزة وانتقاما من الولايات المتحدة وإسرائيل من محور إيران. لكنهم عبر ناطقهم الرسمي محمد عبدالسلام قالوا إنهم يثقون بقرارات قيادات حزب الله اللبنانية أيا كانت، وأن الحزب نهض بعد اغتيال قادته، وأنه تحمل جبهة إسناد غزة طوال الفترة الماضية.

ولم يشر التصريح الحوثي إلى موقفهم بشأن استمرار هجماتهم البحرية أم لا. وربما يكون هذا الأمر مرهونا بمناقشات تدور حاليا مع إيران وقد يعلن الموقف عبدالملك الحوثي الذي تعهد في خطابات كثيرة استمرار الهجمات حتى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الأيام المقبلة.

أما محمد المقالح -وهو عضو لجنة ثورية عليا سابقا أدارت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في -2015 فقد اقترح أن تتوقف الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد الاحتلال الإسرائيلي وسفن الملاحة البحرية والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب بعد خروج حزب الله ولبنان من معادلة الحرب.

يتزامن الانهيار في توازنات القوى الإقليمية الإيرانية مع إسرائيل مع تغير محدود في الموقف الأمريكي من هجمات الحوثي البحرية واستمرار الطيران الأمريكي شن غارات على قدرات الحوثي البحرية تشمل مخازن الأسلحة ومنصات الإطلاق وأنظمة المراقبة الجوية.

لكن الموقف السعودي مازال مصرا على تفاوضه مع الحوثيين وفق خريطة الطريق التي نشأت في ظروف مختلفة جدا قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة.

لكن كبيرة الباحثين بمعهد واشنطن اللبنانية حنين غدار قالت في تصريحات تلفزيونية تتوقع أن يعقد ترامب اتفاقات مع إيران جديدة لا ينعكس سلبا على المنطقة، بالإضافة إلى أن خطة وقف إطلاق النار في جنوبي لبنان تتضمن أيضا إبعاد حزب الله وإيران من سوريا، كي لا يعيد حزب الله تسليحه من إيران.

لمواجهة تحول إيران إلى التركيز مع اليمن يقترح أيمن نبيل الباحث اليمني أن على النخب السياسية والثقافية والمقاومة في البلدان التي ولغت فيها إيران وعاثت فيها خرابا أن تبدأ حاليا مفاوضات جادة مع إيران تحقق نتائج.

وقال نبيل في منصة إكس "الآن، والآن فقط، "يمكن" لمفاوضات بيننا وبين إيران أن تقود إلى نتائج. لو أن لكل مجتمع عربي ولغ النظام الإيراني في دمائه نخبًا شعبية-سياسية متماسكة، لكان بالإمكان خوض مفاوضات تضغط على النظام في إيران مستغلة حاجته إلى حلول وسط في وضعه الصعب، وحاجتنا إلى تجاوز المحنة ولملمة شتاتنا".

لم تعلن الحكومة اليمنية أي استراتيجية جديدة للمواجهة، وتستمر عبر نظامها الرسمي في فشلها في البقاء في المنافي وتعطيل مؤسسات الدولة وتغرق في صراعات قادتها على موارد شحيحة تقول يوميا.

بالمقابل، تغرق الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية اليمنية المعارضة في محاولاتها للدخول في شراكات جديدة مع الحكومة المنهارة دون أن تمثل معارضة حقيقية للحكومة يعمل على تقوية الموقف الحكومي، وينتج خططا وآراء بديلة يناسب التطورات المحلية والإقليمية الجديدة.

|

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار حزب الله

إقرأ أيضاً:

مغردون: أين الرد اللبناني على قصف إسرائيل للنبطية؟

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إنه "استهدف شاحنة ومركبة تابعتين لحزب الله خلال نقلهما أسلحة ووسائل قتالية في منطقتي الشقيف والنبطية"، زاعما أنه مصمم على العمل وفق التفاهمات بين إسرائيل ولبنان "على الرغم من محاولات حزب الله العودة لنشاطه جنوب لبنان".

ومن جهتها، أكدت وزارة الصحة اللبنانية أن الغارتين تسببتا في إصابة 24 شخصا وألحقت دمارا بالمواقع المستهدفة، وأدت لاندلاع حريق تمكنت فرق الإطفاء من محاصرته.

ووصف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الغارتين الإسرائيليتين بأنهما تشكلان عدوانا وانتهاكا إضافيا للسيادة اللبنانية وخرقا لترتيبات وقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701.

ووفقا لوسائل إعلام تابعة لحزب الله، فإن القصف الإسرائيلي على النبطية هو الأول من نوعه منذ اتفاق وقف لإطلاق النار أواخر نوفمبر/كانون الثاني الماضي، ووصفت القصف بالخرق الواضح لاتفاق وقف إطلاق النار.

ورصدت حلقة (2025/1/29) من برنامج "شبكات" بعض تعليقات المغردين عبر مواقع التواصل الاجتماعي على قصف النبطة والخروقات الإسرائيلية المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار.

وقال جمال في تعليقه "قصف النبطية لا يظهر إلّا حالة التخبط ومحاولة من محاولات قادمة يائسة لتغيير النتيجة النهائية".

إعلان

ووفق زياد، فإن "العدو قصف النبطية.. للمرة المليار يتم خرق الاتفاق ولا يوجد أي رد".

أما ليلى فتساءلت عن دور الدولة اللبنانية "ما هذه الدولة؟ أعطوا مهلة حتى 18 فبراير/شباط (المقبل) ليكملوا القصف والقتل وهم يتفرجون، إذا رددنا مصيبة وإذا ما رددنا مصيبة".

ويقول خالد "رغم الألم من قصف النبطية، فإن غدر الصهاينة كان يتطلب إعطاء الحق لحزب الله -الذي آثر الامتثال للرغبة الوطنية وقرار الدولة- للرد على الخروقات، إلا إذا كان الجيش اللبناني قادرا على الرد".

يذكر أن القصف الإسرائيلي جاء بعد يومين من إعلان الولايات المتحدة تمديد الاتفاق بين إسرائيل ولبنان حتى 18 فبراير/شباط المقبل. بينما طالب الأمين العالم لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إسرائيل بالانسحاب، مؤكدا أن الحزب لن يقبل "بأي مبرر لتمديد مهلة الستين يوما".

29/1/2025

مقالات مشابهة

  • قيادي في حماس: التحية لليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • إعلامي بعد هزيمة الزمالك بثلاثيه: إدارة الفريق في موقف صعب جدا
  • خليل الحية: طوفان الأقصى تثبت أن هزيمة الكيان ممكنة
  • ثواب قراءة القرآن لغير الماهر ولمن لا يفهم معانيه
  • محطَّاتٌ خالدةٌ من حياة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي
  • الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
  • اتفاقات نوعية مع الخارج تنتظر والرئيس عون يعطّل الألغام
  • ماذا تعرف عن قاعدة غوانتانامو التي ستستضيف المهاجرين؟
  • تعرف إلى دعوى الطاعة وماذا تعني؟
  • مغردون: أين الرد اللبناني على قصف إسرائيل للنبطية؟