منى الحمودي لـ24: فوزي بـ "غانم غباش للقصة" بوابة عبور وثقة بعد انقطاع طويل
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
صدرت حديثا عن دار قصة للنشر "مواعظ إبليس العشر"، وهي مجموعة قصصية للإعلامية والقاصة الإماراتية منى خليفة الحمودي، وقد وقعتها مؤخراً بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تعالج المجموعة القصصية العديد من التحديات الاجتماعية والبيئية والنفسية بأسلوب سرد مغاير، في حقب زمنية مختلفة، تاركة سؤالاً وجودياً عن قيمة الحياة والوجود.
الحمودي: القصة تقوم على تمازج من الإبداع والمسؤولية
القصة تكون في قالب محدود المبنى ثري المعنى
هاجس الرواية يراودني ولعلها تبصر النور قريبا
وتعكس الكاتبة من خلال هذه المجموعة تجليات نفسية واجتماعية وقيمية وفلسفية في 10 حيوات مختلفة، بطلها الحقيقي إبليس، الذي يجلس على منبره نافخاً كير بضاعته المزجاة ليبيعها لتلك الشخوص التي احتوتها القصص، وهو الرابط الذي يجمع القصص العشر بين طيات الكتاب، يقبل عليهم، ينصحهم، يتغير مجرى حياتهم، يغويهم بفكرة الخلاص، فما بين انتقام وحرية، وانتحار وهروب، وقلق ويأس وطمع، هل سيرقص إبليس على نحيب هزيمة، وهل ستقبل تلك الشخصيات وصاياه، وهل سيظفر بتلك الحيوات؟.
حاور موقع 24 الكاتبة منى الحمودي، بمناسبة صدور مجموعتها القصصية، وفوزها بجائزة غانم غباش للقصة القصيرة، التي ينظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، حيث أكدت أن هذا الفوز مهم ويمثل فخراً لها، وأوضحت أن القصة تقوم على تمازج من الإبداع والمسؤولية، في قالب محدود المبنى ثري المعنى، مبينة أن هاجس الرواية يراودها وقريبا ستصدر عملاً روائياً.
وتاليا نص الحوار:
_متى بدأت كتابة القصة القصيرة، ولماذا اخترت هذا المجال؟
رحلتي مع الكتابة تجربة استثنائية تمازج بها الشغف مع حب الاطلاع، فلقد كنت قارئة نهمة منذ طفولتي، ومازلت أقرأ في شتى الجوانب الأدبية والفلسفية والإنسانية والعلوم الاجتماعية والسياسية، لإيماني المطلق أن الكاتب الجيد لابد أن يكون قارئاً واعياً، وهذا ما يتجلى من خلال الكتابة السردية، فالوعي قالب، والسرد يتبلور في هذا القالب العميق من خلال شتى فنون الكتابة المختلفة وليست الأدبية فحسب.
والقصة القصيرة تشكل تجربة إنسانية بالنسبة لي، كونها حسب إيماني أعمق أشكال الكتابة الأدبية في نقل فكرة أو ترجمة مشكلة، في قالب قائم على التكثيف العميق، وخلق كون من الأحداث والشخوص والعقدة وصولاً إلى لحظة تنوير مأمولة، تجربة متكاملة، تسهم في خلق وعي ونقل فكرة بشكل سلس لكل فئات المجتمع، فالقصة القصيرة بالذات قائمة على تمازج فريد من الإبداع والمسؤولية المجتمعية المطلقة في قالب محدود في المبنى، ثري في المعنى.
ولعل انقطاعي عن كتابة القصة القصيرة لمدة 12 عاماً، جعلني أعود بوعي مختلف، وأفكار لم تألفها مخيلتي من قبل، ولأن عندي تجارب قصصية نشرت ضمن مبادرات أدبية مثل مجموعة "حقائب السفر الفارغة" عام 2012 والتي كتبتها في مرحلة مبكرة من حياتي.
_ما أهم المحاور التي ركزت عليها بمجموعتك " مواعظ إبليس العشر"؟
جاءت مجموعتي القصصية الجديدة "مواعظ إبليس العشر" لتعالج قصصاً في عوالم مختلف، وعقداً مغايرة، عشر قصص يربط بينها خيط غير مرئي، بطلها الحقيقي إبليس، الذي يُقبِل على شخصيات القصص العشر، مدعياً إنه الواعظ الحكيم الذي تتلمذ في مدارس الحياة، مقدماً لكل شخصية موعظة من خبرته، فمع توالي الأحداث وتعقد الحبكات، سيكتشف القارئ كيف ستتعامل تلك الشخصيات مع المواعظ العشر، ورغم طلاوة المعنى في بعض المواعظ إلا أن إبليس لم يقتصر على الإنس فحسب، بل تجاوز الحدود، كما ألِف واعتاد.
_من أين استلهمت شخصياتك في هذه المجموعة؟
لا يوجد مناخ خاص للكاتب بحسب وجهة نظري، فلقد ألهمتني أقل التفاصيل في حياتي اليومية لأكتب قصة من زاوية عميقة، كما أن التجربة الشعورية مهمة جداً في هذه المرحلة، وهي المعين الأول لفكرة مميزة ومعالجتها من زاوية مؤثرة، وقد ساعدني عملي بالصحافة في الاحتكاك بكل فئات المجتمع، ولربما كانت تلك التجربة فرصة سانحة لأقدم قصصاً أقرب ما تكون من مجتمعنا، بأسلوب غرائبي ألفته وبات ديدني في نقل أحداث القصص، ليعيش القارئ كل تفاصيل القصة وكأنه أحد أبطالها، وخلال كتابتي لمجموعتي القصصية الأخيرة، عكفت على قراءة عميقة في علم النفس والفلسفة، برأيي أنها مكتسبات معرفية هامة لابد أن يراعيها الكاتب، ليستطيع رسم الأحداث وتفسيرها بشكل منطقي، بعيدا عن التعقيد، وأقرب ما يكون إلى الفهم، لاسيما عندما نتحدث عن قضايا إنسانية معقدة كالجنون والرفض ومشاكل الجندر وغيرها.
-ماذا مثل لك الفوز بجائزة غانم غباش للقصة القصيرة؟
فوزي بجائزة غانم غباش في دورتها 15 هذا العام، من خلال قصتي الفائزة "فرحانة"، كان بمثابة بوابة عبور وثقة بعد انقطاع طويل عن كتابة القصة القصيرة، ومنها بدأت مجموعتي القصصية، تتحدث القصة عن فتاة مصابة بذهان ومشاكل عقلية تعاني رفضاً من المجتمع، وما هي إلا رمز نفسي لما يواجهه الإنسان من تحديات وحياة لا تشبهه ولا تشبه تفاصيل حياته، هذه التناقضات كانت وصمة نفسية عميقة لفرحانة التي لم تكن يوماً "فرحانه"، وكان فخراً لي أن أفوز بجائزة مهمة تعنى بالقصة القصيرة، ذلك الفن الاستثنائي الذي يغوص في التجارب والمعارف والمشاعر الإنسانية إلى عمق بعيد، ويطفو على سطح الكتابة برشاقة وعذوبة.
_ هل تفكرين بكتابة رواية وما عملك الأدبي القادم؟
رغم أن القصة القصيرة "تعويذة" إبداع أؤمن بها وبما تقدمه من رسالة، وسأحافظ على تدفق إنتاجي الأدبي في هذا المجال، إلا أن هاجس الرواية يراودني أيضاً، إذ أن هناك فكرة تلوح بالأفق لرواية أعكس بها الجانب التاريخي والثقافي على حد سواء في قالب مشوق، ولعلها تبصر النور قريباً.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله يوم الشهيد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الإمارات القصة القصیرة غانم غباش من خلال فی قالب
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ثمة أصوات في الشعر لا تُشبه أحدًا، تمضي بصمت، تتفادى الأضواء، لكنها تُقيم في جوهر الشعر نفسه، في طينته الأولى، قبل أن تمسه الأيدي وتُزَينه الصناعة. من بين تلك الأصوات، يقف الشاعر فتحي عبد السميع، لا يطلب الحفاوة ولا يمدّ يده لجمهور عابر، بل ينقّب، يحفر، يُفتّش في الظلال، ويترك القصيدة تمشي كما لو كانت نبتة برّية نَمَت من شق في الجدار.
ليست تجربته الشعرية محض انفعال جمالي، ولا تنتمي إلى تيار بعينه، ولا تتوسل الموجة، ولا تلتصق بصيغة واحدة. بل هي ضربٌ من الحفر البطيء في الذاكرة، وفي الجغرافيا، وفي اللغة، وفي خريطة الوجود البشري ذاته. إنّها قصيدة العزلة المختارة، حيث تتحول المفردة إلى أثر، والصورة إلى قلق، والمعنى إلى سؤال.
حين نقرأ فتحي عبد السميع، لا نُفكر في الجنوب كجهة، بل كوعي. الجنوب في قصيدته ليس موقعًا على الخريطة، بل شجرة أنساب، حيث ينبت الشعر من رماد الأسطورة، ومن صدأ الأيام، ومن الذكرى التي لا تموت. نشأته في محافظة قنا، بين أطياف القرى وجراح المدن الصغيرة، صاغتْ فيه هذا التوازن العجيب بين الحنين والحذر، بين التعلق بالجذور، والارتياب من ظلالها الطويلة.
هو لا يمارس الفولكلور، ولا يستعيد الجنوب بصفته مادة خامًا، بل يُعيد كتابته من الداخل، كما لو كان الجنوب نفسه من يكتب، عبر صوته، مرثيته للزمن. ولهذا نجد في قصائده تواترًا للمكان لا بوصفه حقلًا للحنين، بل كمجالٍ للكشف، وإعادة النظر. لا نجد الجنوب في النخيل فقط، بل في صمت النسوة، في عرق الفلاح، في مكر الأمثال، في غبار الطرقات، في ضحكات العجائز الملتبسة.
إنّ الجنوب عند عبد السميع ليس ديكورًا، بل ذاكرة كونية تُختزل في لقطة: باب مغلق، ظل على الجدار، عكاز في الزاوية، مشهد يُغني عن ألف رواية.
القصيدة عند فتحي عبد السميع لا تبدأ من اللغة، بل من الصمت. ولعلّ هذا ما يمنحها تلك الهالة الخفيّة، ذلك التردد الحزين الذي يسكن خلف الصور، ويمرّ في الخلفية كما يمرّ شبح في مرآة. كأنّ الكتابة عنده ليست فعل كلام، بل طقس إصغاء. الإصغاء إلى ما لم يُقل، إلى ما اختبأ في العادي واليومي والمُهمل.
هو شاعر التفاصيل الصامتة، لا يرفع صوته، لكنه يرفع وعينا. لا يُكثر من الزينة البلاغية، ولا يستعرض عضلاته اللغوية، بل يقدّم بيت الشعر كمن يُقدّم ماءً نقيًّا خرج توا من بئر مهجورة. الشعر لديه لا يحتفل بالعاطفة، بل يراقبها، ولا ينفعل، بل يُدبّر، ولا يبني أمجاده على الخراب، بل يُنصت إليه ليعرف كيف يُشفى.
هذه النزعة إلى الإنصات تمنح شعره خصوصية ما، وتُبعده عن خطابات الشعر الجاهزة: لا رثاء أجوف، لا بطولة، لا صراخ، بل إعادة اكتشاف للبساطة كقيمة، وللعادي كمأساة.
فتحي عبد السميع ليس شاعرًا فقط، بل هو عارف، بالمعنى الصوفي للكلمة. تتجلى هذه المعرفة في اشتغاله الطويل على الأمثال الشعبية، وقدرته النادرة على تفكيكها، لا باعتبارها أقوالًا ساذجة، بل كنصوص مكثفة اختزلت أعمارًا وتجارب.
الحكمة عنده ليست خاتمةً جاهزة، بل مسارٌ للانتباه. وهو حين يقترب من الموروث، لا يحنطّه ولا يتباهى به، بل يُزيل عنه الغبار، ويُعيد إليه دفء الاستعمال، ويُخضعه لأسئلته الخاصة. ولهذا فإنّ قصيدته في جوهرها، تكتب الذات وهي تتأمل الجماعة، وتستدعي الجماعة وهي تُنصت للذات.
قلما نجد شاعرًا معاصرًا يمنح اللغة كل هذا الاحترام الهادئ. عبد السميع لا يتعامل مع اللغة كوسيلة، بل كقيمة. لا يستعجل الصورة، بل يُنضجها على نار النظر الطويل، ولا يُراكم المجاز، بل ينتقيه كمن يقطف عنقودًا واحدًا من عنبٍ كثير. في الوقت الذي يُحتفى بالجرأة الفارغة والانزياح المستهلك، تبدو لغته نظيفة، كأنّها خرجت لتوّها من الغسيل، محمّلة برائحة قديمة.
في قصائده، الأشياء تُسمّى كأنها تُنادى باسمها الأول: الباب، القمر، الغيم، الحجر، النخلة، الظل. لكنه لا يكتفي بالاسم، بل يكشف عن الروح التي تسكنه. يُعيد للأشياء براءتها المفقودة، كما لو أنّه يربّت عليها، ويُطمئنها: ما زال هناك من يراها.
ليس كثيرًا أن يكون الشاعر ناقدًا، لكن القليل منهم من يستطيع الفصل بين الصوتين. فتحي عبد السميع يفعل ذلك بتوازن لافت. نقده لا يُخضع الشعر للمنطق، بل يحاور الشعر من داخله، يستنطقه، ويضيء زواياه الخفية. وهو حين يكتب عن شعراء آخرين، لا يمارس سلطة، بل يُشبه من يُنصت، ثم يُعلّق بصدق، ولو على حساب التواطؤ النقدي السائد.
هذه المزاوجة بين التجربة الشعرية والرؤية النقدية، منحت نصّه اتزانًا فريدًا، وصيرته شاعرًا لا يمشي خلف موضة، ولا يُعاد إنتاجه. بل ظل وفيًّا لصوته، لهذا النبع السريّ الذي لا يجري في نهرٍ واحد.
في شعره، نلمح الحكاية التي لم تُروَ، النخلة التي لم تُرَ، القمر الذي لم يُكتَب، والأم التي تمشي في الحقل من دون أن تنتبه أنها قصيدة تمشي. في شعره، ينسى القارئ أنه يقرأ، ويشعر فقط أنه يصغي، وأنّ هناك شيئًا حقيقيًا يحدث، شيء نادر، لا اسم له، لكنه يُشبه الحياة حين تصير أكثر جمالًا مما ينبغي.