هل ينجح ترامب في تعيين أعضاء إدارته كما يشاء؟
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
يحاول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إخضاع مؤسسات الحكم الأميركي الفدرالية لسيطرته السياسية عبر اختيار وزراء يُدينون له بالولاء، مما يثير معارك سياسية وقضائية يريد حسمها مُبكرًا لصالحه.
ومن شأن نجاحه في خطوة كهذه أن يحقق ما صرح به مرارًا أثناء حملته الانتخابية من ملاحقة خصومه الذين يصفهم بالأعداء من الداخل، وخططه لتغيير الكثير من الممارسات والسياسات في دوائر الخدمة المدنية الأميركية والمؤسسات الأمنية والعسكرية وقيمها الثقافية.
ولكن هل سينجح في تعيين أعضاء إدارته كما يشاء؟
فوز مختلف هذه المرةلم يكن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية هذه المرة مثل سابق فوزه بانتخابات عام 2016، عندما ناوشته حينذاك سهام الحزب الديمقراطي الحادة، مشككةً تارةً في مشروعية فوزه تحت دعاوى التدخل الروسي لصالحه من خلال بث الشائعات السياسية أثناء فترة الحملات الانتخابية، ومذكرةً تارةً أخرى بفشله في الحصول على أصوات أغلبية الناخبين الأميركيين.
أما فوزه هذه المرة، فجاء وهو يتمتع برأسمال سياسي منحته إياه أغلبية أصوات الكلية الانتخابية، وكذلك أغلبية الناخبين الأميركيين من كافة الأعراق والطوائف الدينية في الولايات المتحدة.
بيد أن عددًا قليلًا من أعضاء مجلس الشيوخ ربما يقف عقبةً مستقبليةً أمام تعيين مرشحي الرئيس المنتخب، بما كفله الدستور الأميركي لمجلس الشيوخ من سلطة واسعة في الموافقة على ترشيح الرئيس الأميركي لأعضاء إدارته الحكومية تحت مبدأ "النصح والموافقة"، يمنح فيه مجلس الشيوخ موافقته على أعضاء إدارة الرئيس بعد جلساتٍ مطولةٍ من استجوابات التعيين قبل إجراءات التصويت النهائي بشأنهم.
يسعى ترامب جاهدًا لتجاوز تصويت مجلس الشيوخ من خلال ثغرة قانونية تمنح الرئيس الحق في تعيين أعضاء حكومته دون الرجوع للمجلس، ما دام أن التعيين جاء في إجازة لا تنعقد فيها جلساته.
ورغم ذلك، يبقى من المستبعد جدًا أن يتنازل نواب مجلس الشيوخ الأميركي عن صلاحياتهم التي منحها لهم الدستور الأميركي، أو أن يوافقوا على منح الرئيس سلطة مطلقة في تعيين أعضاء حكومته المقبلة.
فشل ترشيح غيتس لوزارة العدلفشل ترامب في إقناع مجلس الشيوخ الأميركي والإعلام والرأي العام الأميركي بمرشحه لمنصب المدعي العام – وزير العدل- مات غيتس، عضو مجلس النواب المثير للجدل وصاحب الولاء المطلق له.
تم ترشيح غيتس في وقت يخضع فيه لتحقيقات برلمانية في تُهمٍ أخلاقيةٍ جسيمةٍ وملاحقات قضائية سابقة لا تجعل منه شاهدًا مقبول الشهادة – إذا ثبتت إدانته- فضلًا عن قيادة وزارة فدرالية تُعنى بإرساء وتحقيق قيم العدل والمساواة في أميركا.
رأى الكثيرون في ترشيح غيتس صفعة قاسية لوزارة العدل، التي طالما اتهمها ترامب باستهدافه شخصيًا في الفترة السابقة، وهدد باستخدامها – حال دخوله البيت الأبيض- في ملاحقة خصومه السياسيين والقانونيين الذين جعلوه – حسب قوله- هدفًا لتحقيقات قضائيةٍ متواصلةٍ وانتهاكات لحقوقه الشخصية، وصلت درجة تفتيش مقر إقامته الشخصية في ولاية فلوريدا، كسابقة نادرة في التاريخ الأميركي.
سحب غيتس ترشيحه نتيجةً لشكوك قيادات جمهورية في مجلس الشيوخ بحظوظ الموافقة عليه، وكذلك نتيجةً لتغطية إعلامية كشفت جوانب مخجلة من التحقيقات والتهم الموجهة إليه في مجلس النواب.
لم يتأخر ترامب طويلًا لتقديم مرشح بديل، إذ سرعان ما أعلن ترشيح المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا وعضو طاقم محاميه ذات الولاء المطلق له، بام بوندي، لتولي وزارة العدل الأميركية.
سيكون ترشيح بام بوندي أكثر حظًا في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي من المرشح السابق غيتس ولا شك. بيد أن قربها الشديد من الرئيس المنتخب سيلقي ظلالًا من الشكوك حول قدرتها في الحفاظ على وزارة العدل والمؤسسات العدلية الأخرى كيانًا مستقلًا عن التوجهات والرغبات السياسية والشخصية للرئيس.
مرشح منصب وزير الدفاعلم تكن شخصية بيت هيغسيث، الذي تم ترشيحه لمنصب وزير الدفاع، أقل إثارةً من مات غيتس، إذ سرعان ما ألقى الإعلام الأميركي الضوء على عدد من الأخبار المثيرة حول شخصيته وسلوكه الأخلاقي، من حادثة تحرش لم يُدَن قضائيًا فيها، إلى قصة استبعاده من المشاركة – حسب روايته- في تأمين حفل تنصيب الرئيس بايدن في يناير/ كانون الثاني 2021 خشية توجهات شخصيةٍ لديه أثارها وشمٌ مرسومٌ في جسمه يُجسّد صليبًا مسيحيًا مستخدمًا إبان الحروب الصليبية الأوروبية.
عمل هيغسيث في قناة "فوكس نيوز" الإخبارية ذات التوجهات السياسية المحافظة والموالية للحزب الجمهوري الأميركي بعد خدمة في الجيش الأميركي شارك خلالها في حربي العراق وأفغانستان.
ولم يحمل رتبة عسكرية مرموقة كتلك التي نالها جنرالات الجيش المرموقون ممن شغلوا هذا المنصب في إدارات حكومية سابقة، وكذلك لا يمتلك خبرة إدارية تمكّنه من إدارة البنتاغون الأميركي، الذي تبلغ ميزانيته المالية السنوية أكثر من 800 مليار دولار أميركي، ويعمل لديه أكثر من 3 ملايين موظف من عسكريين ومدنيين.
لكن هيغسيث في المقابل، يتوقع أن يكون طوع بنان الرئيس متى ما قرر مثلًا استخدام الجيش الأميركي في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، أو في أي ظرفٍ طارئٍ آخر. كما أن لهذا المرشح لوزارة الدفاع مشروعًا أيديولوجيًا محافظًا يزيل من خلاله القيم الليبرالية في الجيش الأميركي، مثل: مشاركة المرأة في العمليات القتالية، وقضايا حقوق الأقليات الأخرى. سيكون هيغسيث – حال الموافقة على ترشيحه من قبل مجلس الشيوخ الأميركي- أقل وزراء الدفاع الأميركيين خبرةً في العصر الحديث.
والقائمة تطولستكون تشكيلة الإدارة القادمة – بصورتها التي هي عليها الآن- أكثر إدارة أميركية إثارةً للجدل، إضافة إلى كونها لا تمتلك القيم الأخلاقية الكافية للمحافظة على تقاليد الديمقراطية الأميركية والممارسات السياسية العريقة.
كما ستبذل هذه الإدارة جهدًا كبيرًا في سبيل إرضاء الرئيس وتجنب إغضابه، مما يحرمه من فرص مناقشة أفكاره وسياساته من قبل فريق إداري متمرس يحرص على مصالح البلاد الإستراتيجية.
وتضم قائمة المرشحين أسماء عديدة تحوم حولها الكثير من الشبهات، مثل: سبستيان غوركا مرشح منصب مدير مكافحة الإرهاب، وتولسي غابارد مرشحة منصب مديرة الاستخبارات الوطنية. كما لا يحظى المرشح لمنصب وزارة الصحة الأميركية، روبرت كينيدي الابن، بدعم كثير من العاملين في هذا المجال؛ بسبب مواقفه المناهضة للتطعيم الصحي.
اختير ستيفن ميلر نائبًا لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سياسي صعد صعودًا قويًا في فترة ترامب الأولى؛ لتبنيه سياسات مناهضة للهجرة الأميركية، مثل سياسات حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة إبان فترة رئاسة ترامب الأولى.
أبدى ميلر تصريحات أكثر تشددًا هذه المرة، ليس فقط ضد ذوي الإقامات غير القانونية في أميركا، بل حتى ضد أولئك الذين حصلوا على الجنسية الأميركية، وذلك بدعوته إلى ضرورة مراجعة طلبات حصولهم على الجنسية الأميركية من أجل إيجاد أي بيانات كاذبة أو معلومات مضللة فيها، تمهيدًا لسحبها منهم وترحيلهم من الولايات المتحدة.
ستبقى الأيام القادمة حبلى بالكثير من المعارك القضائية والسياسية، تذكرنا بما شهدته دورة الحكم الأولى للرئيس ترامب من دراما. وستبقى كذلك الإجابة عن السؤال الذي يشغل بال كثيرين من المتابعين للشأن الأميركي حول مدى قدرة المؤسسات الأميركية السياسية على الصمود في وجه ذلك. هذا أمر يصعب التنبؤ به حاليًا. ولكن، كما قال شاعر العربية الجاهلي طرفة بن العبد قديمًا:
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلًا *** وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّد
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مجلس الشیوخ الأمیرکی فی تعیین أعضاء وزارة العدل هذه المرة
إقرأ أيضاً:
مجلس الشيوخ يطالب البنتاغون تقديم تفسير لمقتل عشرات المدنيين في اليمن
يمن مونيتور/ واشنطن/ ترجمة خاصة:
دعا ثلاثة أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ وزير الدفاع بيت هيجسيث يوم الخميس إلى تقديم تفسير للعشرات من المدنيين الذين قيل إنهم قتلوا في الضربات العسكرية الأمريكية الأخيرة التي استهدفت المسلحين الحوثيين في اليمن-حسبما أفادت صحيفة واشنطن بوست.
وحذر أعضاء مجلس الشيوخ كريس فان هولين (ماريلاند)، وإليزابيث وارين (ماساتشوستس)، وتيم كين (فرجينيا)، هيجسيث من أن ادعاء الرئيس دونالد ترامب المتكرر بأنه سيكون “صانع سلام” في ولايته الثانية “غير صحيح”.
وقال أعضاء مجلس الشيوخ في رسالة إلى هيجسيث حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست، إن “مثل هذا “التجاهل الخطير” للحياة يثير تساؤلات حول قدرة إدارة ترامب على إجراء عمليات عسكرية “وفقًا للقانون الدولي ولأفضل الممارسات الأمريكية للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”.
ولم يستجب المتحدث باسم هيجسيث، شون بارنيل، فورًا لطلب التعليق.
وفي بيان، أشار مسؤول دفاعي إلى أن وزارة الدفاع “على علم بالتقارير” التي تفيد بأن الضربات الأمريكية في اليمن أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين و”تأخذ هذه الادعاءات على محمل الجد ولديها عملية لمراجعتها” – في إشارة إلى المبادئ التوجيهية التي تم إقرارها في عهد سلف ترامب والتي تتطلب تقارير عامة منتظمة عن حالات الأذى بين المدنيين.
منذ أوائل عام ٢٠٢٤، تخوض الولايات المتحدة ما وصفه الجيش الأمريكي بحملة دفاعية بالدرجة الأولى ضد الحوثيين في اليمن، وهي جماعة مدعومة من إيران تسيطر على جزء كبير من غرب اليمن. ردًا على حرب إسرائيل على غزة، شنّ مسلحون يمنيون هجومًا متواصلًا قبل أشهر على سفن أمريكية وأجنبية تعبر الممر الملاحي الضيق في البحر الأحمر قبالة سواحلهم، مما عرّض التجارة العالمية للخطر.
تقول جماعات الرصد إن إدارة ترامب غيّرت نهجها، من التركيز على استهداف البنية التحتية العسكرية للحوثيين إلى استهداف قادتهم. ووفقًا لمنظمة “إيروورز” البريطانية، فإن الغارات الأمريكية أسفرت عن مقتل ما بين 27 و55 مدنيًا يمنيًا في مارس/آذار. ويُعتقد أن عدد الضحايا المقدر في أبريل/نيسان حتى الآن أعلى بكثير.
وحتى الآن يبدو أن إدارة ترامب “تختار أهدافا تشكل خطرا مباشرا أكبر على المدنيين وقد تشير إلى قدرة أكبر على تحمل خطر إلحاق الضرر بالمدنيين”، بحسب ما ذكرت منظمة إيروارز هذا الشهر.
أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الخسائر، وهو مصطلح يشمل القتلى والجرحى في العمليات العسكرية، تضاعفت ثلاث مرات بين فبراير ومارس لتصل إلى 162 قتيلاً، وفقًا لما كتبه أعضاء مجلس الشيوخ في رسالتهم. وأضافوا: “علاوة على ذلك، تجاوزت الضربات استهداف مواقع إطلاق الصواريخ الحوثية لتشمل المناطق الحضرية”، بما في ذلك البنية التحتية المدنية.
أدت غارة أمريكية الأسبوع الماضي على مستودع وقود في ميناء رأس عيسى اليمني – والتي وصفتها القيادة المركزية الأمريكية بأنها “لم تكن تهدف إلى إيذاء الشعب اليمني” – إلى مقتل أكثر من 70 شخصًا، وفقًا لقادة حوثيين وتقارير إخبارية محلية. ولم تتمكن صحيفة واشنطن بوست من التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل.
وناشد أعضاء مجلس الشيوخ هيجسيث تقديم تقرير عن عدد القتلى المدنيين اليمنيين حتى الآن، وطلبوا منه وصف الجهود التي بذلتها وزارة الدفاع لتجنب مثل هذه الخسائر. كما سألوا عما إذا كانت الوزارة تتابع أعداد القتلى المدنيين المبلغ عنها بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب للحد من أنشطة حماية المدنيين التي أُقيمت في البنتاغون في عهد الرئيس جو بايدن.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةنقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...
اللهم انفع بنا وأنا هنا واجعلنا ومن معنا ذخرا لإعمار الأرض و...
طيب ايها المتصهين العفن اتحداك كمواطن يمني ان تقول لسيدك ترا...