عربي21:
2025-04-30@16:04:32 GMT

لا مجال.. إما أن تكون إنسانا أو خارج التصنيف

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

هي ضمادة صغيرة على جسد مثخن بالجراح، هي منديل ورق شفاف يحاول كفكفة نهر من الدموع. هكذا بدا لي قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

لقد اهتزت دول كبرى لهذا القرار ولم تتململ أمام هذا القتل اليومي للمدنيين منذ أكثر من 400 يوم بقطاع غزة.

وعلى رأس الداعمين بلا شروط للغطرسة الإسرائيلية الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تذرعوا بعملية «طوفان الأقصى» كرد من المقاومة على محاولة تصفية القضية الفلسطينية وعلى توسع الاستيطان واستباحة المسجد الأقصى، وأوقفوا ساعاتهم عند 7 أكتوبر وسوغوا لحرب ليست ككل الحروب بدعوى الحق في الدفاع عن النفس. وها نحن اليوم نصل إلى ما يقارب 150 ألف غزاوي ما بين شهيد وجريح وأكثر من 10 آلاف مفقود، دون أن يكون هذا الحق في الدفاع عن النفس قد استكمل!!

إنه الانتقام الأعمى. إنها في النهاية جرائم حرب. وهو ما دفع هذه المحكمة الموقرة إلى اعتبار أن هناك أسبابا منطقية للاعتقاد بارتكاب إسرائيل لجرائم ضد الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح حرب.

اليوم ما تزال الآلة الإسرائيلية تضرب بقوة وتحاصر المدنيين في القطاع بحيث لم يدخل ولا رغيف خبز ولا حبة دواء منذ 50 يوما، ودمرت المستشفيات واعتقل عدد كبير من الطواقم الطبية، ولا يعرف أحد بما في ذلك جزء واسع من الإسرائيليين ما هي أهداف الحرب، اللهم إلا ما تكشف عنه تصريحات الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش، من أن المطلوب هو ضم الضفة والقطاع بعد إبادة أغلبية الساكنة، ودفع من بقي على قيد الحياة إلى الشتات.

الغريب في ما يجري أن وزير الدفاع الذي صدرت في حقه مذكرة الاعتقال نحيَ عن منصبه لأنه، بصيغة أو بأخرى، تعب من التقتيل وبدا له أن بلاده قد بالغت. يعني أن متهما دوليا بجرائم حرب يُشفق على مآلات الحرب التي قادها، وهو ما لم يفعله رئيسه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو المتعجرف والمتعطش للدماء، والفاسد والمتابَع في بلاده بجرائم متعددة.

يستحيل أن يكون قد وقع هذا في بقعة أخرى من بقاع الأرض، ويظل العالم يتفرج، بل يزود المجرمين ـ بلا انقطاع ـ بآخر أنواع الأسلحة، وويل لمن يتجرأ على انتقاد تل أبيب، لأن في ذلك «معاداة للسامية» وبئسه من منطق وبئسه من واقع.

تأسست المحكمة الجنائية الدولية في 2002 وكانت فلسفتها هي أن تكون قضاء دوليا للتصدي للجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي لا تستطيع قضاءات الدول أن تتصدى لها، وهي مختلفة عن محكمة العدل الدولية التي تنظر في النزاعات بين الدول. ولحد الآن تضم هذه المحكمة 124 من الدول الموقعة على إعلان روما المنشئ لها، ويقودها 18 قاضيا منتخبا لمدة تسع سنوات من الجمعية العمومية المكونة من الدول الأعضاء، ولها مدعي عام هو اليوم كريم خان. فكيف يمكن أن نقول إن هذه المحكمة منحازة أو معادية للسامية كما روج لذلك مناصرو إسرائيل الدموية؟

لم يسبق لهذه المحكمة التي تعتبر قراراتها ملزمة للدول الأعضاء فيها بما في ذلك كل دول الاتحاد الأوروبي أن أثارت كل هذا اللغط والتبرم من جزء من دول الغرب وبعض المتصهينين، إلا عندما تعلق الأمر بإسرائيل. علما أن آخر مذكرة اعتقال أصدرتها كانت في 2023 ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في أوكرانيا، وهذا كان مدعاة للابتهاج في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية غير العضو في هذه المحكمة.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.والغريب أن هذا الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية لم يقع بعد إصدار قرارها التاريخي ضد نتنياهو وغلانت فقط، ولكن وقع قبل ذلك، أي منذ يونيو المنصرم، عندما أحال المدعي العام كريم خان مذكرة الاعتقال على المحكمة، وقد أخرجوا له قضية تحرش جنسي ضد موظفة بذات المحكمة لإركاعه وفتحت المحكمة تحقيقا في الموضوع، وصمد كريم خان إلى أن صدر الحكم الذي يَعتبر اليوم نتنياهو وغالانت مطلوبين للعدالة الدولية. ومن وقاحة هذه الحكومة الإسرائيلية أنها تواصل جبروتها وإجرامها منتظرة دفعة أقوى بعد تنصيب دونالد ترامب في العشرين من يناير المقبل، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

ولترامب قصة مع المحكمة الجنائية الدولية في ولايته السابقة، حيث إنها عندما قررت فتح ملف جرائم الحرب في أفغانستان، أصدر الرئيس قرارا تنفيذيا لمعاقبة موظفي المحكمة بتجميد أصولهم ومنعهم من دخول الولايات المتحدة!

وفي عهدة ترامب شهدت القضية الفلسطينية أسوأ أيامها، بحيث تجرأ على ما لم يتجرأ عليه رئيس من قبله، وهو نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وفرض عقوبات على الدول التي تقدم مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية (وليس حماس) لأن أصدقاء الرئيس عباس أبو مازن رفضوا «صفقة القرن» المذلة والتي كان عليهم عمليا أن يتخلوا فيها عن نصف ما تبقى لهم من أراض إثر اتفاقات أوسلو مقابل 50 مليار دولار.

وقد سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اطلع على خريطة الشرق الأوسط أن علق بطريقته المعهودة بأن إسرائيل تعيش في مجال ضيق وعليها أن تتوسع! إنه كلام خطير ولكن يمكن أن يتحقق بكل بساطة، وإذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية الحالية في جرائمها وضمت الأراضي الفلسطينية، فالمؤكد أن أول من سيعترف بسيادتها عليها هو ترامب، ليزيد دفع العالم الذي يقف على شفا حرب عالمية جديدة خطوة إضافية نحو الجحيم.

ما يقع على المستوى الدولي مخيف جدّا، بوتين استعمل الصواريخ الباليستية في حربه على أوكرانيا، واعتبر أن كل مزود لكييف بالسلاح هو معلن للحرب على موسكو، وجرب صواريخ متوسطة المدى يمكن أن تصل إلى كل العواصم الأوربية في دقائق، وكوريا الشمالية دفعت 10 آلاف جندي إلى الجبهة في روسيا، والصين انضمت للحلف، والشرق الأوسط مشتعل، والأدوات الأممية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين تآكلت. وهناك اليوم جيل من القادة المندفعين الذين لا يمكن إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع ما يصنعونه في الحاضر لمستقبل عالم قد يصبح فعلا بلا خرائط، كما جاء في عنوان رواية الراحل عبد الرحمان منيف.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.

*صحيفة الأيام المغربية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية حرب الجنائية الدولية احتلال فلسطين غزة الجنائية الدولية حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة مذکرة اعتقال هذه المحکمة أن تکون

إقرأ أيضاً:

مصر تترافع أمام محكمة العدل الدولية لطلب رأي المحكمة الاستشاري بشأن التزامات إسرائيل كقوة محتلة في فلسطين

 تقدمت مصر بمرافعة شفهية أمام محكمة العدل الدولية اليوم 28 أبريل 2025، وذلك اتصالًا بطلب الرأي الاستشاري المُقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى المحكمة بشأن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث مَثَل مصر أمام المحكمة كل من السفير/ حاتم عبد القادر، مساعد وزير الخارجية للشئون القانونية الدولية والمعاهدات، والمستشارة/ د. ياسمين موسى، المستشارة القانونية بمكتب السيد وزير الخارجية.


شدد الوفد المصري خلال المرافعة على أن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل جزءًا من إجراءات واسعة النطاق وممنهجة وشاملة تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع وتحقيق ضم فعلي للأراضي الفلسطينية، ولفت الوفد إلى أن هذه السياسة مُثبتة بالتصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين وكذلك تشريعات الكنيست، فضلًا عن الاجراءات الإسرائيلية المستمرة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتجفيف مصادر تمويلها، بهدف عرقلة حق العودة للشعب الفلسطيني، والذي يشكل ركنًا أساسيًا من حقهم في تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأوضح الوفد المصري أن ذلك تزامن مع مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات الإخلاء القسري والتهجير المتكرر تحت ذريعة ما يسمى بـ "أوامر الإخلاء"، مما أدى إلى نقل الفلسطينيين قسرًا إلى مناطق لا تتمتع بالمقومات الأساسية للمعيشة، وعرقلة وصول الإمدادات والخدمات الأساسية اللازمة للحياة، وذلك ضمن سياسة ممنهجة لخلق ظروف تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة. 


وأشار الوفد المصري خلال المرافعة إلى أن إسرائيل دأبت منذ أكتوبر 2023 على استخدام سياسة التجويع والحصار الكامل على غزة كسلاح موجه ضد المدنيين بالقطاع، وأمعنت إسرائيل في استخدام ذلك السلاح بإغلاقها كافة المعابر إلى غزة بشكل متعمد وتعسفي، مما حال دون دخول الغذاء والمياه الصالحة للشرب والوقود والإمدادات الطبية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، ويأتي ذلك في ظل استئناف إسرائيل لعدوانها الوحشي على غزة، والذي أسفر عن مقتل 52،000 مدني بريء منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال، وذلك مع استمرار استهداف إسرائيل للمدنيين والبنية التحتية الضرورية لبقاء السكان الفلسطينيين على قيد الحياة، يُضاف إلى ذلك تكثيف قوات الاحتلال الإسرائيلية لهجماتها ضد العاملين في المجالين الطبي والإنساني، الأمر الذي دفع بغزة إلى كارثة إنسانية.


هذا، وركزت المرافعة المصرية على استعراض الدفوع القانونية التي تُثبت وجود التزامات على عاتق إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك الاتفاقية الخاصة بامتيازات وحصانات أجهزة الأمم المتحدة، فضلًا عن التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بضمان وتسهيل توفير الإمدادات والمساعدات العاجلة دون عوائق، وفقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأكد الوفد المصري أن إسرائيل أخلت بالفعل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي سواء بالسياسة الممنهجة لاستهداف المدنيين وممثلي المنظمات الإغاثية، أو بالإمعان في فرض عقبات قانونية وإدارية تعيق وتقيد وصول المساعدات الإنسانية، وتوجيه هجمات مباشرة على البنية التحتية الإنسانية، بما في ذلك قصف معبر رفح الحدودي بهدف تعطيله عن العمل والاستيلاء على الجانب الفلسطيني من المعبر، وما تبعه تنفيذ إسرائيل هجومها العسكري على مدينة رفح، التي كانت ملاذًا لأكثر من مليون فلسطيني، ومركزًا رئيسيًا لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالعمليات الإنسانية وزاد من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي، ومع اضطرار الوكالات الإنسانية إلى الانسحاب حفاظًا على سلامة موظفيها، توقف وصول المساعدات الإنسانية من معبر رفح، والذي كان شريان الحياة لقطاع غزة.


اختتم الوفد المصري المرافعة بطلب قيام المحكمة بالإعلان في رأيها الاستشاري أن الاحتلال الإسرائيلي الممتد للأراضي الفلسطينية يمثل انتهاكًا مستمرًا للقانون الدولي، وأن الالتزامات الإسرائيلية كقوة قائمة بالاحتلال تستمر في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين انتهاء الاحتلال، كذلك إقرار المحكمة بالتزام إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بجبر الضرر الذي أحدثته وذلك من خلال رفع الحصار المفروض على غزة بشكل فوري وغير مشروط، وضمان وصول الإمدادات الأساسية للمدنيين بقطاع غزة على نطاق واسع وبشكل آمن عبر كافة المعابر المؤدية للقطاع، دون معوقات أو قيود، والتنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 2735، والتوافق حول خطة إغاثة عاجلة للمدنيين الفلسطينيين، وتيسير تنفيذها بكافة السُبل المتاحة، والامتناع عن إعاقة وجود ونشاطات الأمم المتحدة ووكالاتها، بما في ذلك الأونروا، وكذلك الدول الثالثة التي تقدم المساعدات الإنسانية، وإلغاء القوانين غير المشروعة المتعلقة بالأونروا التي أقرتها إسرائيل، واحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، وضمان حمايتها، فضلًا عن إعلان المحكمة أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يشمل حقه في السعي لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرضه، بما في ذلك الحق في تلقي مساعدات التنمية من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وعدم تهجيره أو طرده من أرضه.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يمثُل أمام المحكمة للمرة الـ27 بتهم فساد
  • برلمان المجر يصوت على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية
  • للمرة الـ27.. نتنياهو يمثُل أمام المحكمة المركزية في تل أبيب
  • نتنياهو يمثل للمرة الـ27 أمام المحكمة المركزية في تل أبيب بتهم فساد
  • عندما تكون أقصي الطموحات هي إيقاف الحرب !!..
  • نتنياهو وكاتس: الضاحية الجنوبية لن تكون ملاذا لحزب الله
  • مصر تترافع أمام محكمة العدل الدولية لطلب رأي المحكمة الاستشاري بشأن التزامات إسرائيل كقوة محتلة في فلسطين
  • نتنياهو يمثُل للمرة الـ25 أمام المحكمة المركزية في تل أبيب للرد على تهم فساد
  • نتنياهو يمثل أمام المحكمة مجددا وإطلاق تحقيق حول قضية الأسرى الإسرائيليين
  • نتنياهو يرد على رئيس الشاباك في المحكمة: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل