عربي21:
2025-03-05@02:07:03 GMT

لا مجال.. إما أن تكون إنسانا أو خارج التصنيف

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

هي ضمادة صغيرة على جسد مثخن بالجراح، هي منديل ورق شفاف يحاول كفكفة نهر من الدموع. هكذا بدا لي قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

لقد اهتزت دول كبرى لهذا القرار ولم تتململ أمام هذا القتل اليومي للمدنيين منذ أكثر من 400 يوم بقطاع غزة.

وعلى رأس الداعمين بلا شروط للغطرسة الإسرائيلية الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تذرعوا بعملية «طوفان الأقصى» كرد من المقاومة على محاولة تصفية القضية الفلسطينية وعلى توسع الاستيطان واستباحة المسجد الأقصى، وأوقفوا ساعاتهم عند 7 أكتوبر وسوغوا لحرب ليست ككل الحروب بدعوى الحق في الدفاع عن النفس. وها نحن اليوم نصل إلى ما يقارب 150 ألف غزاوي ما بين شهيد وجريح وأكثر من 10 آلاف مفقود، دون أن يكون هذا الحق في الدفاع عن النفس قد استكمل!!

إنه الانتقام الأعمى. إنها في النهاية جرائم حرب. وهو ما دفع هذه المحكمة الموقرة إلى اعتبار أن هناك أسبابا منطقية للاعتقاد بارتكاب إسرائيل لجرائم ضد الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح حرب.

اليوم ما تزال الآلة الإسرائيلية تضرب بقوة وتحاصر المدنيين في القطاع بحيث لم يدخل ولا رغيف خبز ولا حبة دواء منذ 50 يوما، ودمرت المستشفيات واعتقل عدد كبير من الطواقم الطبية، ولا يعرف أحد بما في ذلك جزء واسع من الإسرائيليين ما هي أهداف الحرب، اللهم إلا ما تكشف عنه تصريحات الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش، من أن المطلوب هو ضم الضفة والقطاع بعد إبادة أغلبية الساكنة، ودفع من بقي على قيد الحياة إلى الشتات.

الغريب في ما يجري أن وزير الدفاع الذي صدرت في حقه مذكرة الاعتقال نحيَ عن منصبه لأنه، بصيغة أو بأخرى، تعب من التقتيل وبدا له أن بلاده قد بالغت. يعني أن متهما دوليا بجرائم حرب يُشفق على مآلات الحرب التي قادها، وهو ما لم يفعله رئيسه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو المتعجرف والمتعطش للدماء، والفاسد والمتابَع في بلاده بجرائم متعددة.

يستحيل أن يكون قد وقع هذا في بقعة أخرى من بقاع الأرض، ويظل العالم يتفرج، بل يزود المجرمين ـ بلا انقطاع ـ بآخر أنواع الأسلحة، وويل لمن يتجرأ على انتقاد تل أبيب، لأن في ذلك «معاداة للسامية» وبئسه من منطق وبئسه من واقع.

تأسست المحكمة الجنائية الدولية في 2002 وكانت فلسفتها هي أن تكون قضاء دوليا للتصدي للجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي لا تستطيع قضاءات الدول أن تتصدى لها، وهي مختلفة عن محكمة العدل الدولية التي تنظر في النزاعات بين الدول. ولحد الآن تضم هذه المحكمة 124 من الدول الموقعة على إعلان روما المنشئ لها، ويقودها 18 قاضيا منتخبا لمدة تسع سنوات من الجمعية العمومية المكونة من الدول الأعضاء، ولها مدعي عام هو اليوم كريم خان. فكيف يمكن أن نقول إن هذه المحكمة منحازة أو معادية للسامية كما روج لذلك مناصرو إسرائيل الدموية؟

لم يسبق لهذه المحكمة التي تعتبر قراراتها ملزمة للدول الأعضاء فيها بما في ذلك كل دول الاتحاد الأوروبي أن أثارت كل هذا اللغط والتبرم من جزء من دول الغرب وبعض المتصهينين، إلا عندما تعلق الأمر بإسرائيل. علما أن آخر مذكرة اعتقال أصدرتها كانت في 2023 ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في أوكرانيا، وهذا كان مدعاة للابتهاج في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية غير العضو في هذه المحكمة.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.والغريب أن هذا الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية لم يقع بعد إصدار قرارها التاريخي ضد نتنياهو وغلانت فقط، ولكن وقع قبل ذلك، أي منذ يونيو المنصرم، عندما أحال المدعي العام كريم خان مذكرة الاعتقال على المحكمة، وقد أخرجوا له قضية تحرش جنسي ضد موظفة بذات المحكمة لإركاعه وفتحت المحكمة تحقيقا في الموضوع، وصمد كريم خان إلى أن صدر الحكم الذي يَعتبر اليوم نتنياهو وغالانت مطلوبين للعدالة الدولية. ومن وقاحة هذه الحكومة الإسرائيلية أنها تواصل جبروتها وإجرامها منتظرة دفعة أقوى بعد تنصيب دونالد ترامب في العشرين من يناير المقبل، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

ولترامب قصة مع المحكمة الجنائية الدولية في ولايته السابقة، حيث إنها عندما قررت فتح ملف جرائم الحرب في أفغانستان، أصدر الرئيس قرارا تنفيذيا لمعاقبة موظفي المحكمة بتجميد أصولهم ومنعهم من دخول الولايات المتحدة!

وفي عهدة ترامب شهدت القضية الفلسطينية أسوأ أيامها، بحيث تجرأ على ما لم يتجرأ عليه رئيس من قبله، وهو نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وفرض عقوبات على الدول التي تقدم مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية (وليس حماس) لأن أصدقاء الرئيس عباس أبو مازن رفضوا «صفقة القرن» المذلة والتي كان عليهم عمليا أن يتخلوا فيها عن نصف ما تبقى لهم من أراض إثر اتفاقات أوسلو مقابل 50 مليار دولار.

وقد سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اطلع على خريطة الشرق الأوسط أن علق بطريقته المعهودة بأن إسرائيل تعيش في مجال ضيق وعليها أن تتوسع! إنه كلام خطير ولكن يمكن أن يتحقق بكل بساطة، وإذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية الحالية في جرائمها وضمت الأراضي الفلسطينية، فالمؤكد أن أول من سيعترف بسيادتها عليها هو ترامب، ليزيد دفع العالم الذي يقف على شفا حرب عالمية جديدة خطوة إضافية نحو الجحيم.

ما يقع على المستوى الدولي مخيف جدّا، بوتين استعمل الصواريخ الباليستية في حربه على أوكرانيا، واعتبر أن كل مزود لكييف بالسلاح هو معلن للحرب على موسكو، وجرب صواريخ متوسطة المدى يمكن أن تصل إلى كل العواصم الأوربية في دقائق، وكوريا الشمالية دفعت 10 آلاف جندي إلى الجبهة في روسيا، والصين انضمت للحلف، والشرق الأوسط مشتعل، والأدوات الأممية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين تآكلت. وهناك اليوم جيل من القادة المندفعين الذين لا يمكن إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع ما يصنعونه في الحاضر لمستقبل عالم قد يصبح فعلا بلا خرائط، كما جاء في عنوان رواية الراحل عبد الرحمان منيف.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.

*صحيفة الأيام المغربية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية حرب الجنائية الدولية احتلال فلسطين غزة الجنائية الدولية حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة مذکرة اعتقال هذه المحکمة أن تکون

إقرأ أيضاً:

ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟

تناولت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية عن "هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران"، ونقلت تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بشأن تلك القضية، موضحة أن طهران تحاول إخفاء وضعها الاقتصادي البائس.

 

وقالت "غلوبس" تحت عنوان "الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل"، إن التقارير الأجنبية بشأن النووي الإيراني أثارت استغراب الكثيرين في إسرائيل، وجاء في أحدها بصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، أن إيران رفعت مستوى التأهب في نظام الدفاع الجوي بمنشآتها النووية، خوفاً من هجوم إسرائييل أمريكي، مشيرة إلى أنه على الورق، يبدو توقيت مثل هذا الهجوم مثالياً من حيث الأمن الإقليمي، لأن حركة حماس الفلسطينية ضعفت بشكل كبير، وأصبح حزب الله في وضع حرج، وفي الوقت نفسه سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وتعطلت سلاسل الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
ونقلت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منطقياً وعسكرياً، هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران، ولكن يبدو أن طهران تسيء تفسير نوايا إسرائيل التي لن تهاجم وحدها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي يفرض عقوبات في وقت ينفتح فيه على المفاوضات مع طهران.

في أول تعليق له.. محمد جواد ظريف يكشف كواليس استقالتهhttps://t.co/jFwmRVqVik

— 24.ae (@20fourMedia) March 3, 2025  تأثير العقوبات الأمريكية

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن سياسة العقوبات التي ينتهجها دونالد ترامب تسير على قدم وساق، مشيرة إلى أنه قبل نشر تقرير "ذا تلغراف"، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 تاجراً ومشغلا لناقلات النفط وشركات الشحن المشاركة في أسطول الظل الذي يخدم صناعة النفط الإيرانية، وتشمل القائمة عقوبات على تجار النفط في عدد من الدول، بالإضافة إلى مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومديري ناقلات النفط من الصين.
وتحدثت الصحيفة عن تأثير عقوبات النفط على الوضع الاقتصادي في إيران، التي يعيش أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر، في الوقت الذي يقدم النظام الإيراني أكثر من 10 آلاف دولار لأسر أعضاء حزب الله الذين أصيبوا في الحرب، فيما ظلت المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 من محافظات إيران البالغ عددها 31 مغلقة اليوم الإثنين بسبب عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.


تقدم البرنامج النووي

وعلى النقيض تماماً من حالة الاقتصاد المحلي، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في أكثر مراحله تقدماً على الإطلاق، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت غلوبس عن المعهد أنه "من الممكن أن يكون هذا نابعاً من مصلحة داخلية في إيران لإظهار قدرتها على الصمود في الخارج، بعد التصريحات الإسرائيلية بشأن القضاء على الدفاع الجوي الإيراني، وليس من المستحيل أن يرغب النظام، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، في إيصال رسالة مفادها أنه على الرغم من أن الوضع الداخلي رهيب، فإن التهديد الخارجي أعظم، كما كانت الحال خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".
في السياق ذاته، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حواراً مع بيني سباتي، الباحث البارز في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عكس في حديثه صورة قاتمة عن إيران، مؤكداً أن الأزمة الحالية أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية.

هل يُسقط تعدين البيتكوين النظام الإيراني؟https://t.co/tepd2E95XR

— 24.ae (@20fourMedia) February 28, 2025  إقالة دون تأثير

وعلى الرغم من أن إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلا أن سباتي يقول إن هذه الإطاحة لن يكون لها أي تأثير تقريباً، وأن "حكومة هذا الرئيس لا تتخذ القرارات حقاً، ولا تتمتع بأي تأثير حقيقي، ولكن من يتمتع بتأثير حقيقي هو الزعيم، في إشارة للمرشد علي خامنئي، ومستشاريه، وغالبيتهم من الحرس الثوري.
وبحسب سباتي، فإن إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أن الوضع الحالي أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية، تكشف عن الضعف الإيراني.
ورأى أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية يسبب أضراراً جسيمة، لأنه يحط من قدر الدولة الإيرانية والاقتصاد الإيراني، والمجتمع أيضاً، ويذهب بكل شيء نحو الهاوية على شكل كرة من الثلج.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو أمام المحكمة للمرة الـ15 في قضايا الفساد والرشوة
  • الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني: نتنياهو يحاول جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة
  • الشراكات الدولية وتعزيز الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي
  • نتنياهو يمثل للمرة الـ15 أمام المحكمة للرد على تهم الفساد
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • نتنياهو أمام المحكمة للمرة الـ14 بتهم فساد
  • نتنياهو يمثل أمام المحكمة للمرة الـ14 للرد على اتهامات الفساد ضده
  • "كان إنساناً".. أول رد من مؤلف "معاوية" على الانتقادات
  • نقل النواب: قرار نتنياهو بوقف المساعدات الإنسانية لغزة انتهاكا صارخا للقوانين الدولية