عربي21:
2024-11-29@14:52:07 GMT

لا مجال.. إما أن تكون إنسانا أو خارج التصنيف

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

هي ضمادة صغيرة على جسد مثخن بالجراح، هي منديل ورق شفاف يحاول كفكفة نهر من الدموع. هكذا بدا لي قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

لقد اهتزت دول كبرى لهذا القرار ولم تتململ أمام هذا القتل اليومي للمدنيين منذ أكثر من 400 يوم بقطاع غزة.

وعلى رأس الداعمين بلا شروط للغطرسة الإسرائيلية الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تذرعوا بعملية «طوفان الأقصى» كرد من المقاومة على محاولة تصفية القضية الفلسطينية وعلى توسع الاستيطان واستباحة المسجد الأقصى، وأوقفوا ساعاتهم عند 7 أكتوبر وسوغوا لحرب ليست ككل الحروب بدعوى الحق في الدفاع عن النفس. وها نحن اليوم نصل إلى ما يقارب 150 ألف غزاوي ما بين شهيد وجريح وأكثر من 10 آلاف مفقود، دون أن يكون هذا الحق في الدفاع عن النفس قد استكمل!!

إنه الانتقام الأعمى. إنها في النهاية جرائم حرب. وهو ما دفع هذه المحكمة الموقرة إلى اعتبار أن هناك أسبابا منطقية للاعتقاد بارتكاب إسرائيل لجرائم ضد الإنسانية، واستخدام التجويع كسلاح حرب.

اليوم ما تزال الآلة الإسرائيلية تضرب بقوة وتحاصر المدنيين في القطاع بحيث لم يدخل ولا رغيف خبز ولا حبة دواء منذ 50 يوما، ودمرت المستشفيات واعتقل عدد كبير من الطواقم الطبية، ولا يعرف أحد بما في ذلك جزء واسع من الإسرائيليين ما هي أهداف الحرب، اللهم إلا ما تكشف عنه تصريحات الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش، من أن المطلوب هو ضم الضفة والقطاع بعد إبادة أغلبية الساكنة، ودفع من بقي على قيد الحياة إلى الشتات.

الغريب في ما يجري أن وزير الدفاع الذي صدرت في حقه مذكرة الاعتقال نحيَ عن منصبه لأنه، بصيغة أو بأخرى، تعب من التقتيل وبدا له أن بلاده قد بالغت. يعني أن متهما دوليا بجرائم حرب يُشفق على مآلات الحرب التي قادها، وهو ما لم يفعله رئيسه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو المتعجرف والمتعطش للدماء، والفاسد والمتابَع في بلاده بجرائم متعددة.

يستحيل أن يكون قد وقع هذا في بقعة أخرى من بقاع الأرض، ويظل العالم يتفرج، بل يزود المجرمين ـ بلا انقطاع ـ بآخر أنواع الأسلحة، وويل لمن يتجرأ على انتقاد تل أبيب، لأن في ذلك «معاداة للسامية» وبئسه من منطق وبئسه من واقع.

تأسست المحكمة الجنائية الدولية في 2002 وكانت فلسفتها هي أن تكون قضاء دوليا للتصدي للجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي لا تستطيع قضاءات الدول أن تتصدى لها، وهي مختلفة عن محكمة العدل الدولية التي تنظر في النزاعات بين الدول. ولحد الآن تضم هذه المحكمة 124 من الدول الموقعة على إعلان روما المنشئ لها، ويقودها 18 قاضيا منتخبا لمدة تسع سنوات من الجمعية العمومية المكونة من الدول الأعضاء، ولها مدعي عام هو اليوم كريم خان. فكيف يمكن أن نقول إن هذه المحكمة منحازة أو معادية للسامية كما روج لذلك مناصرو إسرائيل الدموية؟

لم يسبق لهذه المحكمة التي تعتبر قراراتها ملزمة للدول الأعضاء فيها بما في ذلك كل دول الاتحاد الأوروبي أن أثارت كل هذا اللغط والتبرم من جزء من دول الغرب وبعض المتصهينين، إلا عندما تعلق الأمر بإسرائيل. علما أن آخر مذكرة اعتقال أصدرتها كانت في 2023 ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في أوكرانيا، وهذا كان مدعاة للابتهاج في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية غير العضو في هذه المحكمة.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.والغريب أن هذا الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية لم يقع بعد إصدار قرارها التاريخي ضد نتنياهو وغلانت فقط، ولكن وقع قبل ذلك، أي منذ يونيو المنصرم، عندما أحال المدعي العام كريم خان مذكرة الاعتقال على المحكمة، وقد أخرجوا له قضية تحرش جنسي ضد موظفة بذات المحكمة لإركاعه وفتحت المحكمة تحقيقا في الموضوع، وصمد كريم خان إلى أن صدر الحكم الذي يَعتبر اليوم نتنياهو وغالانت مطلوبين للعدالة الدولية. ومن وقاحة هذه الحكومة الإسرائيلية أنها تواصل جبروتها وإجرامها منتظرة دفعة أقوى بعد تنصيب دونالد ترامب في العشرين من يناير المقبل، كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

ولترامب قصة مع المحكمة الجنائية الدولية في ولايته السابقة، حيث إنها عندما قررت فتح ملف جرائم الحرب في أفغانستان، أصدر الرئيس قرارا تنفيذيا لمعاقبة موظفي المحكمة بتجميد أصولهم ومنعهم من دخول الولايات المتحدة!

وفي عهدة ترامب شهدت القضية الفلسطينية أسوأ أيامها، بحيث تجرأ على ما لم يتجرأ عليه رئيس من قبله، وهو نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وفرض عقوبات على الدول التي تقدم مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية (وليس حماس) لأن أصدقاء الرئيس عباس أبو مازن رفضوا «صفقة القرن» المذلة والتي كان عليهم عمليا أن يتخلوا فيها عن نصف ما تبقى لهم من أراض إثر اتفاقات أوسلو مقابل 50 مليار دولار.

وقد سبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اطلع على خريطة الشرق الأوسط أن علق بطريقته المعهودة بأن إسرائيل تعيش في مجال ضيق وعليها أن تتوسع! إنه كلام خطير ولكن يمكن أن يتحقق بكل بساطة، وإذا ما استمرت الحكومة الإسرائيلية الحالية في جرائمها وضمت الأراضي الفلسطينية، فالمؤكد أن أول من سيعترف بسيادتها عليها هو ترامب، ليزيد دفع العالم الذي يقف على شفا حرب عالمية جديدة خطوة إضافية نحو الجحيم.

ما يقع على المستوى الدولي مخيف جدّا، بوتين استعمل الصواريخ الباليستية في حربه على أوكرانيا، واعتبر أن كل مزود لكييف بالسلاح هو معلن للحرب على موسكو، وجرب صواريخ متوسطة المدى يمكن أن تصل إلى كل العواصم الأوربية في دقائق، وكوريا الشمالية دفعت 10 آلاف جندي إلى الجبهة في روسيا، والصين انضمت للحلف، والشرق الأوسط مشتعل، والأدوات الأممية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين تآكلت. وهناك اليوم جيل من القادة المندفعين الذين لا يمكن إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع ما يصنعونه في الحاضر لمستقبل عالم قد يصبح فعلا بلا خرائط، كما جاء في عنوان رواية الراحل عبد الرحمان منيف.

قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال في حق نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب في هذه الظروف الدولية قرار جريء، والقضية ليست ظلما تاريخيا باحتلال فلسطين ولا هي قضية سياسية أو قومية أو دينية فقط، ولكنها اليوم قضية أكبر، وعلى الخصوص ما يجري في قطاع غزة، فلم يعد هناك مجال للاصطفاف: فإما أن تكون إنسانا أو تكون خارج هذا التصنيف. ولا عاش مجرمو الحرب وداعموهم.

*صحيفة الأيام المغربية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية حرب الجنائية الدولية احتلال فلسطين غزة الجنائية الدولية حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة مذکرة اعتقال هذه المحکمة أن تکون

إقرأ أيضاً:

أيمن الرقب: وقف الحرب في لبنان قد تكون حيلة لتجريد حزب الله من السلاح

 

أيمن الرقب: وقف الحرب في لبنان قد تكون حيلة لتجريد حزب الله من السلاح

حذر الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية، من أن قرار إسرائيل بوقف إطلاق النار في لبنان يمكن أن يكون بمثابة تمهيد لنقل الأزمة بدلًا من الجنوب اللبناني لداخل البلاد لتصبح بين الإحتلال الصهيوني والجيش اللبناني.


وأضاف الرقب، في تصريحات لموقع "الفجر"، أن وقف الحرب في لبنان قد يكون حيلة لتجريد حزب الله من الأسلحة، وذلك وفقًا لاتفاقية توحيد السلاح التى تنص على تجريد الجماعات المسلحة من الأسلحة وأن الجيش هو صاحب القرار الأول في الحرب.

 وأشار إلى أن دوافع نتانياهو لوقف الحرب في لبنان والمتمثلة في التفرغ للحرب مع إيران، وإرهاق الجنود الإسرائيليين وسط نفاذ الأسلحة والذخائر، إضافة إلى رغبة نتانياهو في فصل المسار اللبناني عن الفلسطيني واقعية وقد أكد ذلك بشكل صريح، وهو ما يشير إلى حاجة نتانياهو إلى إعادة تنظيم صفوف جيشه بعد أن وجد صعوبة في دخول جنوب لبنان.

وحول السيناريوهات المتوقعة لحزب الله اللبناني تجاه إسرائيل الفترة المقبلة، أشار أستاذ العلوم السياسية، إلى أن حزب الله إذا شعر أن الأزمة ستنتقل لداخل لبنان وتخلق أزمة داخلية مع الجيش اللبناني فإن قواته ستعاود الهجوم على الجيش الإسرائيلي.

وذكر أنه في الاتفاق بين السلطات اللبنانية وقوات حزب الله اللبناني لتوحيد صفوفهم فإن ذلك يدعم موقف لبنان في ردع قوات الإحتلال الصهيوني.

ولفت الرقب، إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان لا يدل على وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، متوقعًا نجاح المفاوضات الحالية التى تجري بين مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ومرجحًا الاتفاق على هدنة إنسانية في غزة لمدة تتراوح بين 40 إلى 45 يومًا يتم خلالها إطلاق سراح الأسري الفلسطينين من النساء والأطفال، ثم إنسحاب جزئي للإحتلال من قطاع غزة على أن تكون الهدنة مع بداية الشهر القادم.

وقف إطلاق النار في لبنان

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن، الثلاثاء، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، مؤكدا أن هذه الهدنة ومدتها 60 يوما تهدف "لأن تكون دائمة" ومحذرا من أنه لن يسمح "لما تبقى من حزب الله.. بتهديد أمن إسرائيل مرة أخرى".

وقال بايدن في خطاب ألقاه في البيت الأبيض إنّه بموجب الاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء عند الساعة الرابعة فجرا بالتوقيت المحلي، فإن "القتال عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية سينتهي. تهدف هذه (الهدنة) لأن تكون وقفا دائما للأعمال العدائية".

وألقى بايدن خطابه بعيد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقة الحكومة الأمنية الإسرائيلية على هذا الاتفاق.

أول تعليق من نتنياهو على قرار وقف إطلاق النار في لبنان

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، إن من أهداف وقف إطلاق النار مع لبنان هو "فصل الساحات" والعمل على "عزل حماس".

وذكر نتنياهو، في كلمة مباشرة من تل أبيب، أن إسرائيل قد نجحت في تدمير قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ.

وأشار إلى أن الحزب لم يعد يتمتع بنفس القوة السابقة وأن إسرائيل قضت على جميع قادته ومعظم بنيته التحتية.

وأضاف أن هذه العمليات أعادت حزب الله إلى الوراء لعقود.

وأكد نتنياهو أن إسرائيل سترد بقوة على أي محاولة من حزب الله لإعادة التسلح.

مقالات مشابهة

  • بعدما تحججت بها إسرائيل.. من هي بيتي هولر قاضية المحكمة الجنائية الدولية؟
  • وزير خارجية الاحتلال: الكونجرس سيقر تشريعا ضد المحكمة الجنائية الدولية
  • وزير خارجية إسرائيل: الكونجرس قد يتخذ خطوات ضد المحكمة الدولية
  • أيمن الرقب: وقف الحرب في لبنان قد تكون حيلة لتجريد حزب الله من السلاح
  • نتنياهو يعلن عزمه استئناف قرار الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه
  • تبعات ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وجالانت
  • إعلام عبري: نتنياهو يقرر الاستئناف لدى المحكمة الجنائية الدولية على مذكرات الاعتقال
  • كاتس أيضاً إلى المحكمة الجنائية الدولية
  • مجموعة الدول السبع تعلن موقفها من قرار المحكمة الدولية بحق نتنياهو