: أرواح الطوفان: نماذج فذّة من البطولة والثبات في طوفان الأقصى
 إعداد: د. أسامة جمعة الأشقر
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ـ بيروت ـ 2024
– عدد الصفحات: 143 صفحة

أن يلتقي قلم الدكتور الموسوعي أسامة الأشقر مع مركز الزيتونة لتوثيق (أرواح الطوفان) رغم صعوبة الوصول لقصص وكتابات الذين حلّقت أرواحهم وحكاياتهم أو حوصرت تحت ركام القصف الإسرائيلي المسعور فهذا جهد صعب لم تستطع معه حتى كبرى القنوات أن تبث مراسليها أو أن تحصل على مقابلة أو أرشيف في أُوارِ هذه الحرب الجنونية.



لكن كان لا بد من جهد يليق بهذه النماذج من الأبطال والثابتين؛ فكان هذا الكتاب التوثيقي الدراميّ الذي يضعك في مهرجان مشاعر وأنت تعايش ما فيه؛ فتبكي وتسخط وتفخر وتكبّر وتتوقف وتحلق مع (أرواح الطوفان).

يقول الكاتب: "الجانب الأعسر في هذا الكتاب هو توفير المعطيات الموثوقة بسبب تشرد واستشهاد أكثر من أعرفهم من أهل العلم والثقافة، وذهاب المكتبات العائلية ،والمراجع الشفوية.. وما جهلناه منها أكثر مما عرفناه ووثقناه".

الدكتور أسامة يشبه الصندوق الأسود الذي يحوي أسرار ووثائق لا يمحوها قصف ولا عابث،معروف بقدرته على الوصول للوثائق النادرة للأشخاص وللمراكز البحثية ـ وقد عايشت معه بعضا من ذلك ـ ، فهو يمتلك أرشيفا خاصا به، جمعه على مدار ثلاثين عاما.

ورغم أن منصات التواصل، وصفحات أهالي أصحاب هذه القصص العالمية المؤبدة، والاتصال بعدد كبير من معارفهم وأقاربهم قد ساعد في رواية هذه القصص في هذا الكتاب ؛ إلا أن العجيب أن بعض أصحاب هذه الحكايا أوعائلاتهم في غزة  قد أرسلوا للمؤلف شيئا من سيَرِهم وصورهم و صور أطفالهم ووثائقهم الشخصية وذكرياتهم التي يحبونها فجعلوها عنده قبل رحيلهم ، رغم أنه لم يلتقيهم يوما.

وكان القرار.. لا بدّ من توثيق يليق بهم.

الدكتور أسامة استثنى قصص الشخصيات الكبيرة والقيادية، وحلّق بأرواحٍ حلّقت بالطوفان لآفاق عالمية، اعتنى كثيرا بأصحاب لقطة الوداع الأخيرة، بأيقونات الثبات،بمن تركوا بعد رحيلهم  قصصا ترويها الأجيال والأمم وأصبحت صورهم وعباراتهم (تريند) في قارات أصبحت غير مستقرة بطوفان هؤلاء و بتوحش جلاديهم.

في هذا الطوفان لحظات سُمُـوّ الروح كثيرة وآسرة ومُترعة بالكبرياء :

ـ طبيب جراح في قلب الجبهة الطبية لم يرَ زوجَه وطفله ، ناضل بقميصه الأبيض  وأُسرَ فيه وعُذب واستشهد فيه.. هو صوت الملاءات البيضاء التي لا زالت تنادي عليه ، وهي كفنه برتبة مدير مستشفى شهيد .

ـ رجل أصمّ أسمع المتعالجين عنده نبض الحياة... قرّر وحده أن في غزة ( فاقد الشيء يعطيه)  درّب  الصُمّ على معرفة حصول القصف والانفجار من الاهتزازات لا من الصوت...أستشهد ،وصمتت أصابعه الناطقة بلغة الإشارة.

ـ مدارس تحولت من مراكز تعليم إلى مراكز إيواء ثم تحولت إلى مقابر

ـ شعراء غنوا قصائد تحريضية عنيدة، منصوبة على منصة موقع هجومي.. وأدباء صاغوا من قاموس مشاعرهم نصوصا أدبية على شكل سبيكة ذهبية يتهادونها حبّا وشوقا ووداعا.

ـ لقطة صادمة لطفل يأكل جوعه وسط الركام ...أمة كانت تشاهد وليمة الموت الضخمة على الهواء مباشرة.. وأم صامدة تضورت جوعا وماتت بسبب أمة تتضور كرامةً

ـ حاضنة شعبية تحتضن المقاومة وتحمي سلاحها وتجوع لتطعم المقاتلين

ـ قائمة أصدقاء  تنكمش، تتحول إلى توابيت، يتطايرون بعد الصواريخ، ومن سمع منهم صوت الصاروخ يعني شيئا واحد ،أنه لا زال حيّا.

ـ شجرة العائلة تهوي وتحذف كلها من السجل المدني.. فكانوا معاً ورحلوا معاً.

ـ غزة لآخرها نعوش لا أحد ليحملها.. لكن هنك غزةَ أخرى تتشكّل في الجنة بلا حصار ولا أوجاع.

ـ في غزة الشهيد والمشفى والقبر نفس المكان..وحكاية الموت فيها لم تبدأ يوم استشهادهم فقط.

ـ صراخ مكظوم.. وتكبيرات عيد اختلطت بزغاريد الشهيد...وبين عواء الصواريخ صوت يصرخ:  يا غزة.. كم نحتاج من الشهداء والدماء ؟ كم نحتاج من أشلاء الأطفال ودموع الأمهات ؟

ـ أطفال لم يستخدموا أسماءهم بعد ...وأطفال أنابيب أنجبتهم أمهاتهم بعد عشرين سنة من زوجها الشهيد.. وأطفال خداج قتلوا بالمجاعة أو قصفوا بحاضناتهم وبرضّاعاتهم . 

ـ غزة: لا يُدميها صوت جلادها بقدر ما يدميها صمت إخوتها. فلطالما كانت غزة كيوسف في إخوته، ذنبه الوحيد أنه كان جميلاً.

في أرواح الطوفان شموخ وبطولة

ـ لقطة رجل الأنيق.. كأنه بطل خُرافيّ ينبعث كالطوفان من عيون الأرض.. يكبّر تكبيرات داوية.. يأخذ بثأر أبيه الذي قضى قبل ثلاثين سنة.. الأنيق، رصدته عيون المسيّرات بعد شهر.. تسعة أيام وسبابته مرفوعة بالشهادة ودمه ينزف وكأنه استشهد للتوّ.. وصل إليه رفاقه تحت أحزمة القصف
.. واروه الثرى، وأدوا له تحية تليق بفخامته.

ـ سجّلٌ بأسماء الذين نصروا غزة.. وأسماء الذين خذلوها وتآمروا عليها... وسبّورة صَفٍّ مكتوب عليها:  الخذلان أكثر إيلاما من الرصاص.

ـ رجال الله: في لحظة فجر انطلقت مآذن صواريخهم وهي ترتل (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون).. رجال الله أشرقت أرضهم بنور ربهم واجتازوا تقنيات الرصد واقتحموا الحدود وهم يرددون ( ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون).

لقطات ومشاهد تملأ غزة، لم يتم توثيق معظمها وهذا الكتاب (أرواح الطوفان) هو لمسة وفاء وتثمين، التقط تردداتها الدكتور أسامة الأشقر وهي ليست صفحات كالصفحات وليست قصصا كالقصص فمن يقرأ واحدة منها يحتاج أن يعتكف بعيدا وحيدا ويراجع نفسه ويراجع سيرته ومسيرته من جديد.ـ وصلته عبارة من صديق أجنبي: غزة حررتنا جميعا، وكلما اعوجّ مسار العالم تصححه غزة.

ـ قصة الشهيد الساجد.. صوّرته طائرة وهو يُقصف ويتلوّى من الألم.. حاول استعمال سلاحة مرة أخرى.. وضع جبهته على الأرض.. ظن الأعداء أنها حركة خضوع وذُل؛ففرحوا بها .. وثقّوا اللقطة ولا يدرون أنهم منحوا العالم فرصة ليروا كيف يودّع أبطال غزة ويسجدون ليقتربوا من منزلة الشهادة.. يقف العالم إجلالا لمثل هذا الشهيد الساجد.

ـ أهل غزة: يدركون الحكمة الإلهية... فلم يهلعوا ولم يخافوا... وصاروا يصافحون خسائرهم بطمأنينة المنتصر.. يؤمنون أن الفلسطيني يموت ،إلى حدٍّ ما !

لقطات ومشاهد تملأ غزة، لم يتم توثيق معظمها وهذا الكتاب (أرواح الطوفان) هو لمسة وفاء وتثمين، التقط تردداتها الدكتور أسامة الأشقر وهي ليست صفحات كالصفحات وليست قصصا كالقصص فمن يقرأ واحدة منها يحتاج أن يعتكف بعيدا وحيدا ويراجع نفسه ويراجع سيرته ومسيرته من جديد.

وهنا أشعر برجاء من المؤلف ودار النشر أن يستكملوا هذا العمل في سلسلة إصدارات؛ فأمواج الطوفان الهادر لربما تصل إلى وجهتها وربما تنفد قبل أن تنفد قصص وحكايا غزة..  وليعذرنا القُراء؛ ففي حضرة هذه الأيقونات جاءت على استحياء أسماؤنا لضرورات النشر، وربما في حضرة هذه النماذج الأيقونية تجاوزنا قليلا بعض التقليدية في الطرق المتبعة للتعريف بالكتب.

باسمي وباسم المؤلف شكر متواصل لمركز الزيتونة هذه الزيتونة المغتربة جذورها تمتد من أرض الشتات إلى كل فلسطين.. زيتها مداد أقلام تواطن من بعيد .. هذه الزيتونة تظلّل كتّابها وتحتضن أهم ما كتبوا.. عينها على كل فلسطين.. وعامها هذا وقفٌ لطوفان الأقصى.. وهنا يأخذنا مركز الزيتونة لنقرأ مع الدكتور أسامة الأشقر (أرواح الطوفان) ونشاهد نماذج فذّة من البطولة والثبات في طوفان الأقصى.

*أديب وإعلامي فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب النشر لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

وزارة الخزانة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني.. أصابع الاتهام توجه لدولة كبرى

كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن تعرضها لاختراق وصفته بـ"الكبير"، نفذته جهة مدعومة من الدولة الصينية، وأثار هذا الحادث قلقاً كبيراً بشأن أمن الأنظمة الحكومية الأمريكية، وما يمثله من تهديد جديد على الصعيدين الأمني والسياسي.

وبدأت تفاصيل الحادثة في الظهور عندما تلقت وزارة الخزانة، في 8 كانون الأول / ديسمبر ، إشعارًا من شركة "بيوند تراست"، وهي مزود خدمة برامج إلكترونية، حول نشاط مشبوه في أنظمتها، تمكن المتسللون من استغلال ثغرة أمنية للوصول إلى وثائق غير سرية مخزنة في أنظمة الوزارة. ورغم وصف الوثائق بأنها غير حساسة، فإن طبيعة هذا الاختراق والجهة التي تقف وراءه جعلت منه حادثًا بالغ الخطورة.

أوضحت وزارة الخزانة في بيان رسمي أن الخدمة المخترقة قد تم تعطيلها على الفور.

وأكدت الوزارة أنها تعمل بشكل وثيق مع وكالات إنفاذ القانون ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA) لتحديد مدى الأضرار وضمان عدم استمرارية الاختراق. وأشارت إلى عدم وجود أدلة حالية على استمرار المتسللين في الوصول إلى الأنظمة بعد الحادثة.


تحقيقات ومخاوف متصاعدة
لم تُعلن وزارة الخزانة حتى الآن عن تقرير شامل يحدد الأضرار الناجمة عن هذا الاختراق، مما يثير القلق حول إمكانية تسرب معلومات قد تكون حساسة. وأفادت تقارير إعلامية أن المسؤولين يعتزمون عقد اجتماع مغلق مع لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأسبوع المقبل لتقديم تفاصيل إضافية حول الهجوم.

وأشار بعض المحللين إلى أن مثل هذه الحوادث غالباً ما تحمل أبعاداً أوسع من مجرد الوصول إلى معلومات، فقد تُستخدم كوسيلة لجمع بيانات استخباراتية أو اختبار نقاط ضعف الأنظمة الأمريكية.

الصين في دائرة الاتهام
لم تكن الاتهامات الموجهة إلى الصين مفاجئة، إذ تواجه بكين بشكل متكرر اتهامات بتنفيذ عمليات قرصنة تستهدف مؤسسات أمريكية، سواء كانت حكومية أو خاصة. ويرى خبراء الأمن السيبراني أن هذه الأنشطة تندرج ضمن استراتيجية أوسع للصين لجمع المعلومات والتأثير على السياسات العالمية.

الهجوم الحالي يعيد إلى الأذهان اختراق وكالة إدارة الموارد البشرية الأمريكية عام 2015، حيث تمكن قراصنة يُعتقد أنهم مدعومون من الصين من سرقة بيانات أكثر من 20 مليون موظف أمريكي. ويبدو أن الهجمات السيبرانية الصينية تستهدف بشكل متزايد القطاعات الحيوية، مما يشكل تحدياً أمام الأجهزة الأمنية الأمريكية.


أبعاد وتداعيات
هذا الاختراق يعكس تصاعد الحرب السيبرانية، ويطرح تساؤلات حول جاهزية الأنظمة الأمريكية لمواجهة مثل هذه التهديدات. من جهة أخرى، يشير الحادث إلى تعقيدات العلاقات الأمريكية-الصينية، خاصة في ظل التوترات المستمرة بين القوتين العالميتين.

بينما تعمل واشنطن على تحسين دفاعاتها السيبرانية، يظل التحدي الأكبر في مواجهة تقنيات الاختراق المتطورة التي تعتمدها الصين. هذه الحادثة قد تكون جرس إنذار يستدعي تغييرات جذرية في سياسات الأمن الإلكتروني، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على مستوى المجتمع الدولي بأكمله.

في ظل هذه الأحداث، يُنتظر أن تتخذ واشنطن إجراءات أكثر صرامة لضمان حماية أنظمتها، مع تعزيز التعاون مع الحلفاء لتطوير استراتيجيات جديدة للتصدي للهجمات السيبرانية التي أصبحت إحدى أدوات الصراع في العصر الحديث.

مقالات مشابهة

  • «الحقيني ياماما».. صغيرة تتعرض لاغـ ـتصاب على يد زوج والدتها| ما القصة؟
  • المرشد الإيراني: سوريا تتعرض للاحتلال من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني
  • أكثر من 1500 خيمة نازحين تتعرض للغمر بالأمطار في غزة
  • «طوفان الأقصى» و«ردع العدوان»: إغلاق النقاش وفتحه
  • كاريكاتير أسامة حجاج
  • وزارة الخزانة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني.. أصابع الاتهام توجه لدولة كبرى
  • وزير الإسكان ومحافظ جنوب سيناء يتفقدان سير العمل بمنطقة الزيتونة
  • اليوم.. صنعاء تتعرض لـ12 غارة جوية ليست إسرائيلية
  • أسامة سعد التقى جورج خوري
  • "حدث امني كبير"..الخزانة الأميركية تتعرض لهجوم سبيراني