شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، مما يعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة العسكرية الفرنسية، حيث يأتي هذا التراجع في وقت حساس حيث تواجه فرنسا تحديات متزايدة على صعيد علاقاتها مع عدد من دول المنطقة التي ما دام كانت تحت مظلة الحضور العسكري الفرنسي، في حين تطور المشهد السياسي بشكل سريع، بما يعكس تغييرات في أولويات الحكومات الأفريقية.

ومن بين أبرز التطورات التي أثارت القلق في باريس، هو القرار الأخير للرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، الذي أعلن عن إنهاء اتفاقية استضافة القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده، ويُعتبر هذا القرار بمثابة رسالة قوية من الحكومة السنغالية، حيث اعتبر فاي أن وجود القوات الفرنسية في السنغال يتناقض مع ما وصفه بـ "استقلالية البلاد".

ورغم هذا القرار، أكد الرئيس السنغالي أن العلاقات بين البلدين ستظل قائمة، بل أشار إلى أهمية إعادة صياغة تلك العلاقة بما يضمن احترام السيادة السنغالية، في هذا السياق، شدد على أن العديد من الدول الكبرى مثل الصين وتركيا والولايات المتحدة تتمتع بعلاقات مثمرة مع السنغال دون الحاجة إلى وجود عسكري مباشر، مما يعكس رغبة بلاده في إعادة التفكير في طبيعة التعاون الدولي في مجالات الأمن والدفاع.

إلى جانب السنغال، كان القرار التشادي بإلغاء الاتفاقية الدفاعية مع فرنسا خطوة أخرى تعكس تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة.

فقد أعلنت الحكومة التشادية مؤخرًا عن إنهاء تعاونها الدفاعي مع باريس، الأمر الذي أدى إلى سحب القوات الفرنسية التي كانت متمركزة في البلاد.

ويعد هذا القرار تطورًا مهمًا في السياسة التشادية، حيث تسعى الحكومة لتعزيز سيادتها الوطنية بعد أكثر من 60 عامًا من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.

وأوضحت الحكومة التشادية أن هذا القرار لا يعني قطع العلاقات مع فرنسا، بل هو في إطار إعادة تقييم وتحليل الشراكة الأمنية بين البلدين بما يتماشى مع احتياجاتها الاستراتيجية.

في الوقت ذاته، يأتي هذا القرار التشادي في سياق التوترات التي شهدتها عدة دول أفريقية أخرى في السنوات الأخيرة، حيث أُجبرت فرنسا على سحب قواتها من دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر بعد ضغط شعبي وحكومي قوي.

وفي هذا السياق، تزايدت المشاعر المعادية للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة، وهو ما جعل العديد من الأنظمة السياسية في الدول الأفريقية تعيد النظر في طبيعة علاقتها مع باريس.

واللافت في هذه التحولات هو التأثير الكبير على الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة، والتي كانت تعتمد على تعزيز وجودها العسكري لمكافحة التهديدات الإرهابية وتعزيز الاستقرار في الدول الأفريقية.

ولكن مع انسحابها من الدول المذكورة، تضاءل تأثيرها العسكري وأصبحت مكانتها السياسية في المنطقة موضع تساؤل، وبينما تتوجه بعض هذه الدول نحو شراكات أمنية جديدة مع دول كبرى أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، يُتوقع أن تزداد المنافسة في منطقة كانت تُعتبر تقليديًا مجال نفوذ فرنسي.

ورغم كل هذه التطورات، فإن باريس لا تزال تسعى للحفاظ على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأفريقية، وتعمل على تعزيز شراكات جديدة في مجالات أخرى، كالتجارة والتنمية، إلا أن فرنسا تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة تقييم استراتيجيتها في إفريقيا، والتكيف مع واقع جديد يتسم بتزايد الاستقلالية في اتخاذ القرارات السياسية من قبل الدول الأفريقية.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: اتخاذ القرارات استقلالية استراتيجي استقلال الاقتصاد التعاون الدولي التشاد التطورات الحكومات الحكومات الأفريقية الدول الكبرى الرئيس السنغالي السنوات الأخيرة العلاقات بين البلدين

إقرأ أيضاً:

اليمين المتطرف ينظم احتجاجا في باريس ضد حظر ترشح لوبان في الانتخابات الفرنسية

تجمّع آلاف من أنصار زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، اليوم الأحد في ساحة فوبان بباريس، احتجاجًا على إدانتها الأخيرة بتهمة اختلاس أموال من البرلمان الأوروبي، والتي أسفرت عن حُكم بالسجن لمدة أربع سنوات، منها سنتان مع وقف التنفيذ، وحظرها من الترشح للمناصب العامة لمدة خمس سنوات. ​

في كلمتها أمام الحشود، وصفت لوبان الإدانة بأنها "هجوم سياسي" يهدف إلى إقصائها من الساحة السياسية، وتعهدت بمواصلة نضالها ضد ما وصفته بـ"الظلم". كما استحضرت روح مارتن لوثر كينغ الابن، مشددة على أهمية النضال السلمي من أجل الحقوق. ​

جاءت هذه الإدانة بعد تحقيق استمر لعقد من الزمن، حيث وُجد أن لوبان ومسؤولين آخرين في حزب التجمع الوطني قاموا باختلاس أكثر من 4 ملايين يورو من أموال البرلمان الأوروبي.

وقد أثارت هذه القضية جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية الفرنسية، حيث اعتبرها البعض محاولة لإقصاء لوبان من السباق الرئاسي لعام 2027، بينما رأى آخرون أنها تأكيد على ضرورة محاسبة السياسيين بغض النظر عن مناصبهم. 

محكمة فرنسية تدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بتهمة اختلاسمارين لوبان في قفص الاتهام: هل ينهي القضاء طموحاتها الرئاسية بفرنسا؟​

في الوقت نفسه، نظّمت مجموعات يسارية مظاهرة مضادة في ساحة الجمهورية بباريس، للتنديد بما وصفوه بـ"تحول ترامبي" لحزب التجمع الوطني بقيادة لوبان، معربين عن قلقهم من تصاعد الخطاب الشعبوي وتأثيره على الديمقراطية في فرنسا. ​

من جانبه، أكد جوردان بارديلا، خليفة لوبان المحتمل في قيادة الحزب، أن هذه الإدانة لن تثني الحزب عن مواصلة مسيرته السياسية، مشددًا على أن الديمقراطية الفرنسية هي المتضرر الأكبر من هذا الحكم. ​

تأتي هذه التطورات في ظل استعداد فرنسا للانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث كانت لوبان تُعتبر من أبرز المرشحين. ومن المتوقع أن تؤثر هذه الإدانة على المشهد السياسي الفرنسي وتعيد تشكيل التحالفات والاستراتيجيات للأحزاب المختلفة.​

مقالات مشابهة

  • وزير الاستثمار: نستهدف مضاعفة حجم الاستثمارات الفرنسية بمصر
  • ما هي مصادر تمويل الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية؟
  • اليمين المتطرف ينظم احتجاجا في باريس ضد حظر ترشح لوبان في الانتخابات الفرنسية
  • أكثر الدول العربية إنفاقا على التسلح العسكري خلال 2025 (إنفوغراف)
  • أستاذ علوم سياسية: المشاورات الفرنسية الأمريكية غير فعّالة والضغط على إسرائيل ما زال محدودًا
  • أبو دياب: المشاورات الفرنسية الأميركية غير فعّالة والضغط على إسرائيل محدود
  • علماء المسلمين: التدخل العسكري فرض عين على الشعوب والحكومات للتصدي للعدوان على غزة
  • خبير: أمريكا تضغط على إيران بتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط
  • خبير: أمريكا تضغط على إيران لتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط
  • توجه السلطات الفرنسية لمنع الحجاب يقض مضجع الرياضيات المسلمات