كيف يمكن لترامب وستارمر وماكرون تجنُّب أزمة الديون؟
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
يبلغ إجمالي الدَّين القومي للولايات المتحدة 36 تريليون دولار أو 1.7 ألف دولار للفرد، وهو يرتفع بسرعة ومن المحتمل أن تزداد وتيرة ارتفاعه قريبا. وإذا صدقت وعود حملة ترامب الانتخابية سَتُؤذِن عودتُه إلى البيت الأبيض بموجة من التخفيضات الضريبية على كل شيء من أرباح الشركات وإلى الإكراميات (البقشيش).
في السنة المالية المنتهية في سبتمبر أنفقت الحكومة الأمريكية مبلغا يزيد بحوالي 1.
انعدام الرغبة في الحد من العجز
ليس هنالك وزير مالية يعتقد بإمكانية استمرار هذا الوضع إلى الأبد، لكن لا توجد إرادة سياسية جادة لتصحيحه، سكوت بيسنت الذي اختاره ترامب لتولي وزارة الخزانة عبَّر في الماضي عن قلقه من حجم عجز الموازنة الأمريكية، لكن سيتوجّب عليه قبول والتعامل مع سياسة الرئيس ترامب الذي لا يبدي اهتماما يذكر بالتدابير المالية الرشيدة، وراشيل ريفز وزيرة الخزانة البريطانية تشددت في حديثها عن السياسة المالية عندما كانت في المعارضة، ثم كانت إحدى الخطوات التي اتخذتها عندما جاءت إلى الوزارة رفع الاقتراض الحكومي بحوالي 30 بليون جنيه إسترليني في السنة (38 بليون دولار أو 1.2%من الناتج المحلي الإجمالي.) فالناخبون، على الأقل في تصور قادتهم، لن يقبلوا بزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق؛ لذلك المهمة الكبيرة للعديد من وزراء المالية الحاليين والعاجزين عن إدارة موازنة منضبطة هي تصحيح اختلالها، ويجب أن تعي راشيل ريف بشدة الأخطار الماثلة، فقبل عامين أثبت وزير الخزانة البريطانية الأسبق أن أزمات الدين لا تقتصر على البلدان الصاعدة عندما أعلن عن حزمة تخفيضات ضريبية غير مموّلة ودون اهتمام بعواقبها المالية، تسبب ذلك القرار في ارتفاع عائدات السندات الحكومية إلى عنان السماء مما أدى إلى هبوط أسعارها ودفع صناديق التقاعد الكبيرة نحو الإفلاس وأطاح رئيسة الوزراء من الحكم.
أسئلة الدَّين
أدناه دليل إرشادي للسياسي المسرف في الإنفاق حول الكيفية التي يمكن أن يُطَمئن بها المستثمرين في سوق السندات (فإذا سارعوا إلى التخلص منها ببيعها سترتفع عائداتها وهذا يزيد الضغوط على الوضع المالي للحكومة - المترجم)، تتلخص هذه المهمة في ثلاثة أسئلة أولها وأهمها: ما الجهة التي يجب الاقتراض منها؟ هذا السؤال يحدد السؤالين الثاني والثالث وهما: ما الشكل الذي يجب أن يتخذه الدَّين (نوع العملة التي يُسدَّد بها ومدة سريانه وأداة الدين)؟ وكيف يمكن الحيلولة دون ارتفاع تكاليف الاقتراض بمتوالية هندسية؟ لنأخذ أولا القرار المطلوب بشأن الجهة التي ينبغي الاقتراض منها. الاختيار الواضح هو بين المستثمرين المحليين والأجانب، وثمة اختيار ثانٍ بين الأفراد والمؤسسات المالية، ومن أول وهلة قد يبدو خيار المستثمرين المحليين من كلا النوعين (الأفراد والمؤسسات المالية) الأكثر سهولة، فالسنداتُ الحكومية في البلدان الغنية هي أقرب ما يمكن أن يحصل عليه المستثمر إلى الأصول "الخالية من المخاطر"، وهذا يقلل من احتمال "إضراب" المستثمرين عن شرائها مقارنة بالسندات الأجنبية، إلى ذلك من اليسير للحكومة دفع المواطنين إلى حيازتها، فإثارة الغيرة الوطنية يمكن أن تفيد في ذلك، وهنا تجدر الإشارة إلى ملصقات القرن العشرين التي كانت تحث الوطنيين على شراء سندات الحرب، أيضا يمكن أن تساعد في ذلك الإعفاءات الضريبية مثل استثناء بريطانيا السنداتِ الحكومية من ضريبة المكاسب الرأسمالية.
ومن الممكن دفع البنوك للاحتفاظ بالسندات من خلال استحداث إجراءات تنظيمية أقل عنتا وإرهاقا، مثال على ذلك متطلبات الهامش (أموال الضمان) في الاتحاد الأوروبي لمراكز المشتقات، فهي أقل إذا استُخدمت السنداتُ الحكومية كضمانة. لكن هنالك جوانب سلبية لتخصيص جزء كبير من رأس المال المحلي لشراء الدَّين السيادي، وإنه لا يقتصر فقط على تقليص رأس المال المتاح للاستثمار في القطاع الخاص، لينا موزلي الأستاذة بجامعة برنستون تشير إلى أن المستثمرين المحليين الذين لديهم قدرة أفضل على الحصول على المعلومات كثيرا ما يكونون أول من يتخلص من سندات البلد إذا تدهور وضعه المالي، وما هو أكثر من ذلك إذا كانت العائلات والبنوك المحلية مكشوفة بشدة للدين الحكومي قد تكون أية إعادة هيكلة مستحيلة سياسيا، كما قد يستحيل أيضا التخلف عن السداد، وحينها ستصارع الحكومات أيضا لإعادة هيكلة الدين للأجانب الذين لن يقبلوا خسائر يُعفَى منها حملةُ السندات المحلِّيون.
السؤال الثاني والمتعلق باختيار الشكل الذي ينبغي أن يتخذه الدين شائك، فإصدار السندات في الأسواق العامة يساعد في رفع الطلب عليها لكنه يسلط الضوء على الوضع المالي الضعيف للبلد، كما يدفع المتعاملين إلى إعادة تقييم هذا الوضع باستمرار، إن الديون غير القابلة للتداول بما في ذلك القروض من البنوك التجارية أو البلدان الأخرى تتجنب الأضواء لكنها تكلف المزيد، والمماحكات التي تتطلبها القروض من المؤسسات متعددة الأطراف كصندوق النقد الدولي تجعلها ملاذ الاقتراض الأخير. السؤال الثالث: ما المدة الزمنية المثالية للاقتراض؟ القرض طويل الأجل عادة ما يكون أكثر كلفة لكنه يجنِّب الحاجة إلى إعادة التمويل، وهذا يحدّ من الضرر إذا فقد حملة السندات الرغبة في شراء سندات البلد أو إذا بدأت أسعار الفائدة في الارتفاع، لنأخذ الدين السيادي للولايات المتحدة بمتوسط فترة سداد تساوي 6 سنوات؛ فهذا يعني أن الكثير منه تم إصداره عندما كانت تكلفة الاقتراض أرخص، نتيجة لذلك دفعت أمريكا سعر فائدة بلغ في المتوسط 3.4% في السنة المالية التي انتهت في سبتمبر. وهذا أقل من سعر الفائدة المتاح الآن على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات وهو 4.4%. ما هو أكثر أهمية اختيار عملة القرض يمكن للبلدان الغنية إصدار الدين بعملتها الخاصة بها والتي يثق المستثمرون في أن بنوكها المركزية لن تخفض قيمتها، أما البلدان التي لديها سجِل ضعيف فقد تعاني لتسويق دينها بالعملة المحلية في الخارج. وحتى تلك التي يمكنها أن تفعل ذلك قد تختار إصدار بعض الدَّين على الأقل بالدولار الأمريكي مقابل أسعار فائدة أدنى، إن هذه العقبة أوضحتها في جلاء أزمات الدين الأمريكي اللاتيني والآسيوي في سنوات الثمانينات والتسعينات؛ فالديون المقوَّمة بالعملة الأجنبية عُرضة لدوامة تدهور (يمكن أن توجد حلقة شريرة)؛ فسعر الصرف المتهاوي للعملة الوطنية يجعل من الصعب سدادها، وهذا ما يتسبب في المزيد من الانخفاض في قيمة هذه العملة.
القمع المالي
إلى ذلك، البلدان التي تقترض بعملتها لديها مجال أوسع وإلى حد بعيد لكبح (تقييد) أسعار الفائدة التي يهدد ارتفاعها بجعل دينها غير قابل للاستدامة، وقد يرعب "القمع المالي" أنصار حرية السوق. لكن يمكن للحكومات ممارسته بطرق شتى وغير محدودة، (مصطلح القمع أو التقييد المالي يقصد به السياسات التي تحوِّل الأموال إلى الحكومة بطرائق تقلل من تكلفة الاقتراض- وفكرة القمع تنشأ من حقيقة أن هذه السياسات تحدّ من حرية المستثمرين أفرادا ومؤسسات في استثمار مواردهم على نحو يحقق لهم عائدات أفضل- المترجم)، معظم هذه الطرائق، بحسب كارمن راينهارت أستاذة النظام المالي الدولي بجامعة هارفارد، يتلخص في إيجاد الحكومات مجموعة مستثمرين محليين مضمونين (أفراد، شركات ومؤسسات أخرى) تُجبَر أو تُدفع لشراء السندات الحكومية، إن ضوابط رأس المال على النمط الصيني تمنع السكان من نقل المدخرات إلى الخارج، ووضع حد أعلى لأسعار الفائدة على الودائع المصرفية على سبيل المثال يمكن أن يدفعهم إلى شراء سندات سيادية بعائدات أعلى.
ثمة طريقة أكثر فعالية وهي إجبار البنوك على شراء الدين، ويشير جيسون تيرفي نائب رئيس قسم الأسواق الصاعدة بشركة الأبحاث الاقتصادية "كابيتال ايكونومكس" إلى تركيا التي توجد نسبة 40% من ديونها بالليرة التركية كمثال رئيسي على ذلك. فبداية من عام 2022 أجبر "وابلٌ" من القوانين الجديدة المقرضين المحليين في تركيا على شراء سندات الحكومة، هذا (القمع المالي) إلى جانب الضغط على مسئولي البنك المركزي للتخفيف من السياسة النقدية أدي الى هبوط العائد على سندات الدين لمدة 10 سنوات من 24% في سبتمبر 2022 إلى 9% في مايو 2023، وبمجرد التراجع عن كلا هاتين السياستين ارتفع العائد إلى أكثر من 25%، إن الحاجة إلى هذا التراجع تظهر إلى أي حد هي مؤلمة الآثار الجانبية للقمع المالي. كبحُ سعر الفائدة لدى البنك المركزي يخاطر بإطلاق التضخم من عقاله (ارتفع في تركيا إلى 86%)، وإجبار المقرضين على تمويل العجز الحكومي يجعل الأمور أكثر سوءا؛ فمعاقبة المستثمرين لأنهم يقرضون القطاع الخاص وليس الحكومة قد تقود إلى توقف القروض، وهذا ثمن غالٍ للدَّين الرخيص. وعلى الرغم من أن البلدان الغنية قد تتردد في اتخاذ مثل هذه الإجراءات وجدت كارمن راينهارت في ورقة نشرتها عام 2015 أن بلدانا عديدة لجأت بالضبط إلى سياسات شبيهة لتقليص ديونها بعد الحرب العالمية الثانية، وحين سئلت راينهارت عن إمكانية تكرارها أشارت إلى قواعد ما بعد الأزمة المالية العالمية والسارية في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي والتي تجبر البنوك وصناديق التقاعد على "إعادة الرسملة" والاحتفاظ بالمزيد من الأصول السائلة التي تعني السندات الحكومية.
تقول راينهارت: الهدف المقصود من هذه القواعد قد يكون الاستقرار المالي. لكنها تشير إلى أن هذه السياسات حتى إذا كانت تستهدف الاستقرار المالي إلا أنها تماثل سياسات القمع المالي (بمعنى إنها قد تخدم غرضا آخر هو شراء السندات الحكومية وبالتالي خفض عبء الدين - المترجم). الإشكال هو أن مخاوف التضخم التي يكرهها الناخبون عادت الآن وبقوة، قد تعتقد الحكومات أن الحد من الإنفاق (ضبط الموازنة) قد يكلفها إعادة انتخابها. الديمقراطيون في أمريكا لم يتجهوا بأي حال إلى التقشف المالي ورغم ذلك أزيحوا من الحكم بواسطة ناخبين ضاقوا ذرعا من ارتفاع الأسعار، وأي تلميح بأن اقتراضهم زاد التضخم قد يقود إلى التعامل مع الساسة في البلدان الأخرى بطريقة مماثلة.
هذا يترك خيارين: إمَّا شدَّ الحزام (التقشف وخفض الإنفاق) أو المخاطرة بتكرار أزمة سوق السندات الحكومية في بريطانيا عام 2022 والذي من المؤكد أن يطيح الحكومة كما يبدو (على نحو ما فعلت تلك الأزمة بإسقاط رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس بعد 44 يوما فقط من توليها المنصب – المترجم) في نهاية المطاف أية استراتيجية حكومية تستهدف تحقيق عجوزات كبيرة ستصطدم في نهاية المطاف بقانون حديدي هو وجوب توقفها عن التوسع في عجز الموازنة في لحظة ما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السندات الحکومیة المحلی الإجمالی شراء سندات من الناتج یمکن أن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
السندات اللبنانيّة تقفز وإقبال على شرائها: مغامرة مضاربين أم بداية تعافي؟
منذ ثلاثة أشهر، بدأت السندات اللبنانية أو ما يعرف باليوروبوندز تأخذ منحىً تصاعديًّا، لتسجّل أكبر مكاسبها بعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، فارتفعت "السندات المستحقّة في عام 2035 من حوالي 6 سنت على الدولار إلى 17 سنتًا" وفقاً لوكالة "بلومبرغ". هل يؤشّر ارتفاع السندات اللبنانيّة وهي المصنّفة في قائمة الأدنى عالميًا، إلى بدء مسار التعافي، أم أنّه ارتفاع موقّت ربطًا بمغامرة المضاربين؟
ارتفاع السندات أتى على وقع التفاؤل بأن يؤدّي الانفراج السياسي في لبنان إلى تنفيذ إصلاحات اقتصاديّة وماليّة، تمهّد لإعادة هيكلة السندات الدوليّة في نهاية المطاف. لكن في الوقت الراهن يعكس تصاعد السندات ارتفاعًا في المضاربة، وليس تحسّنًا جوهريًّا في الوضع المالي للبنان، بالنظر إلى واقع الفساد الراسخ، والحوكمة المتصدّعة، والقطاع المصرفي المشلول، والأزمة الإنسانيّة بأبعادها الصادمة، وفق رؤية خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ ارتفاع السندات اللبنانيّة مدفوع بشهيّة المستثمرين المضاربين للأصول عالية المخاطر، من دون أن يعكس إحراز تقدّم حقيقي في الإصلاحات.
المعطى السياسي خلف ارتفاع أسعار السندات
في الشق السياسي تحرّكت السندات صعودًا، ومعها تقديرات المستثمرين الإيجابيّة على وقع تطورين، انتخاب جوزاف عون رئيساً، وإضعاف حزب الله. لكن هناك إفراط في التركيز على التحوّلات السياسية وفق فحيلي "إذ لا يمكن الجزم بأنّ رئاسة جوزاف عون ستجلب الوحدة السياسيّة اللازمة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لاسيّما وأنّ التجارب أثبتت أنّ الإنقسامات الطائفيّة العميقة واستمرار الفساد المنهجي والمصالح الخاصة بين النخبة السياسية أعاق جهود الإصلاح. وليس هناك ما يضمن أنّ قيادة عون ستغيّر هذه الديناميكية. كما أنّ الفكرة القائلة بإضعاف قبضة حزب الله هي فكرة تخمينية، إذ لا يزال الحزب قوّة مهيمنة، وله تأثير كبير على مؤسسات الدولة الرئيسيّة،وحضوره السياسي والاجتماعي يجعله لاعبًا حاسمًا في أيّ مناقشات لإعادة الهيكلة".
الوقائع الاقتصاديّة والماليّة: تخلف عن السداد وقطاع مصرفي مشلول
الارتفاع المرحلي الحاصل في السندات لا يلغي حقيقة الواقع الاقتصادي والمالي في البلد المتخلّف عن سداد ديونه منذ عام 2020، والبالغة 30 مليار دولار. يضاف إلى ذلك، الشلل الحاصل في القطاع المصرفي، وفقدان العملة الوطنية أكثر من 90٪ من قيمتها يلفت فحيلي "أمّا عملية الهيكلة فستكون طويلة ومحفوفة بالمخاطر سياسيًّا، ولن تؤدي إلى نتائج مستدامة من دون معالجة الأزمة المصرفيّة واستعادة الثقة. كما أنّ القضايا الحرجة، مثل خفض العجز المالي، وإصلاح الشركات المملوكة للدولة كقطاع الكهرباء، ومكافحة الفساد، مستمرة من دون معالجة. يضاف إلى ذلك، أنّ الاقتصاد اللبناني يعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية والمساعدات المحتملة من صندوق النقد الدولي. وفي غياب خارطة طريق واضحة وذات صدقية للإصلاح، فإنّ تأمين هذا الدعم الخارجي سيكون أمرًا صعبًا، مما يترك حاملي السندات عرضة لمخاطر أكبر. كل ذلك يجعل التفاؤل الحالي سابقًا لأوانه".
يخلُص فحيلي إلى وضع الارتفاع الأخير في السندات اللبنانية في إطار النظرة التفاؤلية للمضاربين، لتبدو السندات بمثابة "تذكرة يانصيب" للمستثمرين الذين يراهنون على تغلّب النظام السياسي اللبناني على الفساد الراسخ وتنفيذ إصلاحات مؤلمة، ولكنّه احتمال غير مؤكد. بالتالي يتوقف نجاح الرهان على التغييرات الهيكليّة العميقة، التي فشلت البلاد حتى الآن في تحقيقها، ومن دون معالجة المشكلات الأساسية، يخاطر الارتفاع بأن يكون قصير الأجل، ما يترك المستثمرين عرضة لخسائر كبيرة.
الاتجاه لحلّ رضائي مع الدائنين
بالتوازي مع ارتفاع أسعار السندات، أعلن وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، التزام لبنان بالتّوصّل إلى حلّ رضائي ومنصف بخصوص إعادة هيكلة سندات اليوروبوندز، مشيرًا إلى أنّه "بتمديد مهل مرور الزّمن، لن يُضطرّ حاملو هذه السّندات إلى اتخاذ إجراءات قانونيّة بسبب نفاذ المهل، ريثما يشاركون في إعادة هيكلة منظّمة وتوافقيّة لهذه السّندات". تعليقًا على تصريح الخليل، لفت فحيلي إلى أنّ حكومة تصريف الأعمال ليس لديها تفويض كامل لاتخاذ قرارات مصيريّة تتعلق بإعادة هيكلة الديون السيادية، ورغم تفويض وزير المالية، يبقى هناك تساؤل حول شرعيّة أي اتفاقيات تُبرم دون وجود حكومة مكتملة الصلاحيات. كما لم يقدّم الوزير تفاصيل كافية عن كيفية تنفيذ إعادة الهيكلة أو الخطوات المتوقّعة، لجهة المدى الزمني لإعادة الهيكلة، وكيفية ضمان "العدالة" التي تحدث عنها الوزير. أمّا تعليق حق الدولة في الاعتراض على دعاوى قانونية فيمثّل خطوة استراتيجيّة، إلا أنه قد يُفسَّر كاعتراف ضمني بالمسؤولية عن تعثر السداد، مما قد يُضعف موقف الدولة التفاوضي في المستقبل.
بالمحصّلة، هناك تحديات كبيرة أمام لبنان في مسيرة التعافي، تتداخل فيها العوامل السياسّية والاقتصاديّة والماليّة، من دون إغفال تأثير المعطيّات الإقليميّة والدوليّة على الداخل اللبناني، في توقيت تشهد فيه المنطقة تحولّات جيوسياسية، لا بدّ أن تلقي بظلالها على بلاد الأرز. المصدر: خاص "لبنان 24"