خطبة الجمعة من المسجد الحرام: السعيد مَن راقب نفسه وحاسبها وأرغمها على اغتنام الأوقات في الباقيات الصالحات
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى اللهِ، ومراقبته بالعَشِي والإبكارِ، والتزوُّد لِيومِ القَرارِ، فالأيام تمضِي، والأعمار في انحسارٍ.
وقال فضيلته: طُوبى لمن شَغلُوا أوقاتَهُمْ بالطَّاعاتِ، وعَمرُوا أيَّامَهُمْ بالقُرباتِ، يجدُونها أعظمَ ما تكونُ أجرًا وثوابًا عندَ ربّ الأرضِ والسّماواتِ، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللَّه، أي النّاسِ خير؟ قال: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قال: فأي النّاسِ شرٌّ قال: «مَنْ طَالَ عُمُرُه وَسَاءَ عَمَلُهُ»، أخرجه الإمامُ أحمد في مُسندِه والترمذِي في جامعِه وصححه.
وبيّن فضيلته أن الإنسان بكلِّ يومٍ يمضِي إنّما هو بذلكَ يقتربُ إلى أجلِهِ، ويدنُو من آخرتِهِ، فعن أبي الدَّرداءِ رضي الله عنه أنَّه قال: «ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» أخرجَه ابنُ أبي الدنيا في كتابِ الزهدِ. فَالسَّعِيدُ مَن راقبَ نفسَه وحاسبَها، وَأَرْغمَها علَى اغتنامِ الأوقاتِ وقصَرَها.
وأكد فضيلته أن العمْر من نعَمِ الله العُظمى، ومِنَنه الكُبرى، الَّتي لا يعرفُ قيمتَها إلّا المُوفَّقونَ الأخيارُ، ولا يُقدِّرُها حقَّ قَدْرِها إلّا المُلهمونَ الأبرارُ، فعن ابنِ عبّاسٍ قالَ: قالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّة وَالْفَرَاغُ» أخرجَه البخاريُّ.
والنّاسُ في هذه الدُّنيا صِنفانِ: صِنفٌ أدركَ حقيقة وُجودِه في هذه الحياةِ، والغاية الَّتي من أجلِها خُلقَ، لعبادة للّه وحدَه لا شريكَ لهُ، فجاهدَ نفسَهُ، وحدَّدَ هدفَهُ، واستقبلَ وِجهتَه الَّتي تُوصلُه إلى مرضاة اللهِ. وصِنفٌ آخر مَأفون مفتون، محرومٌ مغبونٌ، يجري خلفَ شهواتِهِ، ويلهثُ وراءَ ملذَّاتِهِ، نَسي الله فأنساه نفسَه.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أعظمِ أسبابِ ضياعِ الأعمارِ في غيرِ ما يعودُ على العبدِ بفائدة في دينِه ودنياهُ: الجهل بقيمَة الزّمن، وصُحبة البطّالينَ، وطُول الأمل، والغفلة، وضُعْف الهِمَّةِ، والتّسوِيف، والانسياق وراءَ وسائِلِ التَّواصُلِ في غَيْرِ منفعَة تُرجَى، فإذا جاءَ الأجل، وبلغَ النّهايةَ، عرفَ حينَها قيمة الحياةِ، وكمْ ضيَّعَ من الأوقاتِ، وندِمَ على ما فاتَ، وتمنَّى العوْدةَ، ولكِن هَيْهات هَيْهات.
وأشار فضيلته إلى أنَّ الله جلَّ وعلا لعِلمِه بجِبِلَّة عباده، ورغبَتِهِمْ في الحياةِ، جعلَ لهُمْ أسبابًا لإطالة الأعمارِ، ومَدِّ الآجالِ، منها: الدُّعاء، وأعمال البِرِّ، وصِلة الأرحامِ، قالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ» أخرجه الإمام أحمد في مسندِه والترمذي في جامعِهِ. وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ سَرَّه أَنْ يُبْسَطَ لَه فِي رِزْقِهِ، أو يُنْسَأَ لَه فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» متفَقٌ عليْهِ.
وأبان الدكتور بندر بليلة أن مِن أعظمِ أعمال البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة، بمنزلة عُمُرٍ ثانٍ لَه بعدَ فراقِ هذه الدّنيا، هِي من صَميمِ عملِهِ، تدعُو له بعدَ موتِهِ، فيُكتَبَ له أجرُها في ميزانِ حسناتهِ، لا ينقُصُ من أجورهِمْ شيء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإنسان انْقَطَعَ عَنْه عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَة جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه» أخرجَه الإمامُ أحمد في مسندِه والبخاري في الأدَبِ المُفردِ.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
حكم سماع القرآن أثناء العمل وأفضل الأوقات لقرأته
قالت دار الإفتاء المصرية أما إذا قام بعض المسلمين بتشغيل شرائط القرآن أثناء عملهم وانشغالهم بهذا العمل دون أن يتعمدوا الانصراف عن الاستماع أو صرف المستمعين عن الاستماع فلا مانع شرعًا من ذلك.
وقال الله تبارك وتعالى، في كتابه العزيز: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [لأعراف: 204]، ونقل الإمام القرطبي في "تفسيره" (7/ 354، ط. دار الكتب المصرية) قال: [وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "فَوَائِدِ الْقُرْآنِ" لَهُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُكْثِرُونَ اللَّغَطَ وَالشَّغَبَ تَعنُّتًا وَعِنَادًا، عَلَى مَا حَكَاهُ اللهُ عَنْهُمْ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾] اهـ.
أفضل أوقات قراءة القرآن الكريم
وأوضحت دار الإفتاء أن أفضل وقت لقراءة القرآن الكريم كما يقول بعض العلماء بعد صلاة الفجر وحتى موعد شروق الشمس، من يفعل ذلك له أجر عظيم عند الله- عز وجل، إذ ورد في قوله تعالى : ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) الآية 78 من سورة الإسراء .
وقالت الإفتاء إن المراد من قوله تعالى : ( وقرآن الفجر ) أي صلاة الفجر، وقد اثبتت السنة النبوية المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم ، مما تلقوه خلفا عن سلف.
وجاء في تفسير قوله عز وجل : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود - وعن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار " .
وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة - وسعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة ، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر " . ويقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - وحدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) قال : " تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار ".