عربي21:
2025-04-29@16:03:51 GMT

قراءة التاريخ: الزوايا المظلمة (1-3)

تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT

فلسفة التاريخ:

تجارب وأحداث يمكن أن نفيد منها العبرة وكثير منها لا يفيد، والأسوأ هو التضليل للذات في اختيار النموذج ووصفه وعبادة الرموز بعد تأليهها وهي بشر تلمس طريقها في الحدث، أصابت مرة وأخطأت أخرى، نتحدث بتمجيد حتى عن الأساطير التي تُستقى من حدث حقيقي أحيانا كالطوفان، وتختلط بالخرافات فتغدو أسطورة يكتبها مبدع شعرا أو نثرا، ليجعل من طغيان شخصية جلجامش نموذجا.



ذات الشيء عندما يُغفل التاريخ جانبا من السردية ليبقي جانبا مضيئا منها، كسردية صلاح الدين وبيت المقدس مع أنه ترك الساحل للصليبيين، وإغفال السلطان قلاوون وابنه أشرف خليل الذي أنهى الاحتلال الإفرنجي نهائيا، استكمالا لإنهاء احتلال كان بسبب ضعف الدولة استمر 198 عاما لعكا؛ التي تعرضت لمذبحة وجريمة ضد الإنسانية باسم الصليب قام بها ريتشارد قلب الأسد، إلى سقوط حصن حراس المعبد الذين كانت نهايتهم سيئة جدا بعد أن اتهمهم البابا كليمينت الخامس بالهرطقة واختلاس الأموال من فيليب الرابع (ويكبيديا).

التاريخ ينقل حدثا، الاستقرار عنده واجتراره نتيجة الجهل والتخلف هو امتهان للكرامة الإنسانية، وإحياء وتخيل الفتن منه بالتأكيد يضعف أهمية التاريخ، بل يجعل منه ثقلا في بحر الظلمات التي تعيش به الأمة عائمة غير مستقرة.

الفردانية التي تبرز في التاريخ وهي تتحدث عن البطل تضع أساطير أو ما يشبهها وتضفي قدسية تقارب التحول إلى مرتبة الآلهة، وهذا يفقد الأمة القدوة والإيمان بالعمل الجماعي، فلا قائد يمكن أن ينتصر بغير جند أشداء مؤمنين بما يفعلون؛ ليس من ناحية عقدية فحسب بل مهنية عندما تصبح الفروسية مثلا قيمة أو الجندية قيمة أو المجد قيمة.

حاضر في تاريخ معتم:

الأمم التي تهتم بالرموز والنقاط المضيئة في التاريخ وتهمل مهامها أو تتعظ من السلبيات والزوايا المظلمة فيه هي أمة ماهرة في صنع الأصنام، لكنها لا تصنع الحياة، تنجذب لتعظيم شروط للتخلف لأنها لا ترى المستقبل، والكسل ديدنها لأنها بلا دافع للبناء ولا دافع التنمية، والغرائز ضمن القانون ولا دافع من فهم القيم. يفكر السواد الأعظم منها بما له لا بما عليه، فهو يرى العمل موارده لا مهامه والحياة تتأرجح وفق غلبة الغرائز وأيها تطغى، فمن طغت عنده غريزة التملك سعى للمال، ومن طغت عنده حب السيادة سعى لقمع محيطه، وهكذا بقية الغرائز قياسا لنصل إلى إنسان التخلف والضياع ومجتمع يغلب فيه الفساد ويطغى، فلا يحاسب ليكون الفساد طبيعيا وليس منقصة عندما يحضر فاعلها.

وهذا نراه واقعا ليس تحليلا، لأننا نرى المصفقين ونرى من ينتقدون المفكر المصلح ويسفّهونه ويحاولون تبيان نواقص فيه، بينما ذات الأشخاص وهم ناقدون للفساد يداهنون الفاسدين ويحاولون التقرب منهم، ويبحثون عن الطموح الذي داخلهم والنفعية الغازية لضمائرهم في أشخاص تافهين هم في شغل عن الذين لا يرون نفعا منهم، سواء صالح مصلح أو منافق وصولي.

معظم نخبة القوم ومن يزعمون أنهم يتصدون لقضايا الأمة أو عقيدتها أو قيمها، أول من يكذب معظمهم عليه هو أنفسهم، ولا يرى انكشافه وتفاهته التي أحيانا كثيرة تكون واضحة أمام الناس، هذه الفئة أنواع شتى وغالب أنواعها طاقتها ضد نهضة أمتها، وهنالك منها ما يسعى لمجده هو فلا يبحث عن الحقيقة بل يعتبر جهله غاية في العلم وربما يفرضه على مجتمعه أو يخونهم إن لم يك بتوجه ديني، وإن كان متدينا أو واعظا فإنه يكفّر مخالفه وكلاهما يفعلان بتعميم لأمر ليس عاما.

دوافع التخلف:

دوافع الهزيمة والتخلف هي دوافع للنهضة لكن ينقصها الفهم وليس بالضرورة تنقصها المعرفة، فرواد التخلف مثقفون ومتكلمون متفانون وذوو حجة، بل إصرار وتضحية حتى بالنفس لكنهم في ضلال.

فأمة التخلف تشخص كدعاة النهضة وربما تتطابق معهم أحيانا، فهو إحساس بالألم، وهو يبحث عن حل وإنقاذ، بيد أنه لا يخرج من الصندوق، ويبقى في دوار الأفكار المهيمنة، ويبقى يأتي إلى حلول معادة تتناوب الإحلال مع بعضها. ولا شك أننا نستطيع أن نضيف المنبهرين بمدنية الغرب المتقدمة أو الشرق، ولكن دون فهم أسسها أو آليات إدخالها إلى المجتمع، فالأفكار هذه مخرجات مدنية لكنها فُصّلت وارتديت في مجتمعات أخرى ومضى زمن على تطبيقها جرى إصدار أشكال متجددة بالخبرة والمستجدات وفق قراءة أو استقراء الواقع، لكن مجتمعا لا يمكن أن تُدخل عليه النظام في التطبيق الاقتصادي والذي تطور لمئات السنين كقوانين ضرائب أو مستشفيات القطاع الخاص أو غيرها بلا آليات موجودة تخفف عن كاهل المواطن، ولو طُبقت بشكل تقليدي بلا فهم آلياتها عندنا فستكون قاتلة للمواطن ومعاشه لأنها تأخذ بمبدأ لكل شيء ثمن ولكن بلا آليات صنعتها التجربة مع الزمن.

المجتمع تعرض لصدمات ومتغيرات ونظم متعددة، لهذا حتى تطبيق النظام الإسلامي كنظام سياسي لرعاية الأهلية وحفظ المعتقد لمواطنيه، يحتاج استقراء وقراءة للواقع وإنتاج ما يناسب المجتمع، ووضع آليات لتحديث قوانين الدولة وإداراته بشكل مؤسساتي، ففهم معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان دون استقراء أو تحديث للآليات لن يكون نظاما ناجحا ذا ديمومة، وإنما حاله حال أي نظام دخيل لكنه سيتحول إلى الهوى، وهذا معنى الثيوقراطية فليس من دين فعلا أو شريعة وإنما باسم الدين تحل الفوضى والظلم.

من المهم القول: لا بد أن تمخر قوارب اليقظة في بحر التاريخ لتبحث عن العبرة وفي السلبيات وحقيقة المواقف والأحداث لنجيب على سؤال مهم: لماذا أعجزنا الإسلام أن يستمر في قيادة المدنية وتتلاشى حضارته الفكرية لتغرق بالأوهام والخزعبلات وشتى التسميات التي تحمل التخلف والجهل، ويحارب المجددون الفاهمون لفكرة الإسلام والخليقة وكأنهم وباء وليسوا عناصر إحياء الموات والبوار الذي نحن فيه؟ هذا ما نحاول وضع أسس للإجابة عليه في الجزء الثاني.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التاريخ قيمة التخلف الفكرية الانسان الاسلام تاريخ فكر قيم مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

إطلاق كتاب «الأَلَقُ الشّعريّ - قراءة نقديّة في شعر سلطان بن علي العويس»

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «خليفة التربوية»: «أبوظبي للكتاب» منصة دولية تستقطب مفكري العالم كتاب وتربويون: الشعر الغنائي ينمي خيال وقاموس الطفل اللغوي معرض أبوظبي الدولي للكتاب تابع التغطية كاملة

نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية حفلاً لتوقيع كتاب «الأَلَقُ الشّعريّ - قراءة نقديّة في شعر سلطان بن علي العويس» للدكتور سمر روحي الفيصل، وذلك مساء يوم الأحد 27 أبريل في جناحها بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، بحضور نخبة من الوجوه الثقافية الإماراتية والعربية، في مقدمتهم عبدالحميد أحمد، الأمين العام لمؤسسة العويس الثقافية.
بدايةً، تحدث د. سمر روحي الفيصل عن اطلاعه الواسع على ما سبق نشره من دراسات، عن شعر سلطان وأبدى اهتماماً واضحاً بنوعية القصائد وتحليلها بشكل ممنهج، من خلال المقارنة الدقيقة لقصائد سلطان التي تميل إلى الرشاقة في حجمها وشكلها، وكذلك موضوعاتها التي كان الحب والوجدانيات العفيفة في مقدمتها، معرجاً على اللغة البسيطة التي تقارب لغة الحياة المعاصرة، دون استعراض أو ثرثرة، وهو ما أضفى على الكتاب الرصانة البحثية.
يتوزع الكتاب على مقدّمة تمهيدية تشتمل على النظرة الكلية للكتاب وأربعة فصول، يتضمن الأول مدخلاً إلى شعر العويس، حيث يتناول المؤلف دواوين الشاعر واختلاف نسخها، وتحديد المصطلحات المستعملة في الكتاب، والموقف النقدي من شعره. بينما يتناول الفصل الثاني الاتجاه المضموني في شعره، وتقديم صور المرأة والحياة والطبيعة ودلالاتها. ويشتمل الفصل الثالث على قراءة معمقة في الاتجاه الفني في شعر سلطان العويس، محلّلاً موقف هذا الشعر فنياً من المجاز ودلالات الصورة الشعرية ووظائفها، وأنواع الصور ومصادرها، والأشكال البلاغية المستخدمة، والعروض والمعجم الشعري، أما الفصل الرابع فيستقرئ تحليلياً وبنيوياً استقبال شعر العويس وتلقّيه في الكتب والدراسات والمقالات التي كُتبت عنه، وما ضمّته هذه الكتب والدراسات والمقالات من استقبال عناوين القصائد والصور والأنساق اللغوية، ويختتم الناقد بتذييل يذكر فيه أبرز ما وصل إليه في قراءته النقدية ومقترحاته في نهوض قراءات نقدية أخرى بدراسة شعر العويس. 

مقالات مشابهة

  • ما حكم وضع اليد على الآية عند قراءة القرآن من المصحف؟.. الإفتاء تجيب
  • «أكاديمية الشارقة لعلوم الفضاء» تحتفي بالأسبوع الدولي للسماء المظلمة
  • قراءة نقدية لمقال المجتمع الدولي والسودان
  • نيوزويك: عطلة نهاية الأسبوع التي صنعت ظاهرة ترامب وغيرت التاريخ
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب
  • إطلاق كتاب «الأَلَقُ الشّعريّ - قراءة نقديّة في شعر سلطان بن علي العويس»
  • «التربية» تحدد آليات وشروط انتقال الطلبة بين المسارات التعليمية
  • الشتات بوصفه مَجازًا مضادًا: قراءة نقدية في أطروحة “الشتات قيد التشكل في أستراليا”
  • ما حكم قول آمين عند قراءة آية دعاء في الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • عمار المشاط: حجم العمل في العراق يحتاج آليات من مناشيء عالمية