نضال عبدالوهاب

برُغم كُل ما حدث ويحدّث في السُودان الآن جراء تلك الحرب اللعينة المُندلعة منذ ١٥ أبريل ٢٠٢٣، والمُستمرة إلى شهرها العشرين هذا، إلا أنه وضح تماماً وللأسف الشديد أن هنالك الكثيرين داخل القوى السياسِية والثورية والمدنية، ومن يُفترض أنهم فاعلون لوقف الحرب، والمُساهمة الإيجابية لإيقاف هذه الكارثة غير المسبوقة علي بلادنا، وعلى شعب السُودان، وضح أنهم لا يدركون كارثية وخطورة الوضع الحالِي ومَآلاته مُستقبلاً إن استمرت هذه الحرب، وتلك الأوضاع، وإن استمرت كذلك ذات طريقتهم في التفكير والفِعل للحلول.

فشِلت كُل هذه القوى إلى اللحظة في الوصول لمسار يجمّعها معاً للمُساهمة في وقف الحرّب، وظل بعضها تائهاً وبعيداً تماماً عن إدراك واقع ما يحدث، وظلّ آخرون يُتابعون وينتظرون أن تأتيهم حلول الخارج وبعض من ساهموا ويُساهمون في ذات الحرّب واستمرارها، ولا يدّركون أن من يقتل شعبنا هو ذات السلاح الآتي من بعض هذا الخارج، ومن ذات الأيادي المُتآمِرة لمن يبعثون بعض الإغاثات له، والتي لا تصلهم في الأغلب، ويُقطّع الطريق عليها من طرفي الحرّب ومافيا عصاباتهم!.

البعض ظلّ يُفكر فقط في كراسي السُلطة والصرّاع عليها والوصول، ولأجلها يُفعل كُل شيء حتى وإن كان بجر الاحتلال للبلد أو القبول بتقسيّمها، وفي ذات الوقت رفض التعاون والحُوار مع فصائل ومكونات سياسِية سُودانية والتعاون مع الأجنبي الذي يُريد تحقيق مصلحته هو علي حساب مصالِح بلادنا وشعبها.

ولا يُعقل أن هنالك الكثيرين مِمّن كُنا نحسبهم رصيداً للثورة والتغيير في بلادنا ولتحقيق مصالح الشعب السُوداني قد توقف تفكيرهم عند محطة “فض الاعتصام”، ولا يروا ما حدث في الخرطوم كلها، وليس مُحيط القيادة العامة، ولم يروا ما حدث في الجنينة وزالنجي وكُتم والفاشر وما حولها، ولم يفكروا فيما حدث في كل الجزيرة وفي شرقها من فظائع وإبادة، ولم يستوعبوا أن مدينة كمدني عادت إلى واقع “القرون الأوسطي”، هنالك مُدن وقرى وأحياء كاملة أصبحت مدناً للأشباح وبعض الكلاب الضالة المسعورة؛ بسبب أكل الجثث ونبشها، لن أتحدث عن اقتصاد أو بنية تحتية، أو مرافق صحية ومستشفيات، ومدارس مُغلقة أو مُدمرة، بلد كاملة تنهار وشعب يُباد ويُطرّد ويُهجّر، وما بين نزوحٍ ولجوء، وملايين لا مستقبل أمامهم، والأسوأ أن الدولة نفسها تُجابه خطر التلاشئ، وعلي أقلّ التقدّيرات سوا انقسامها أو احتلالها.

كل هذا الذي ذكرته من وضع كارثي، فقدنا فيه وبدلاً عن مئات في التظاهُرات أيام الثورة للتغيير وتحقيق مصالح السُودانيين فيها، تحولوا إلى ما لا يقل عن ٢٥٠ ألفاً ما بين قتيلٍ ومفقود، ولا تزال الحرّب، وآلتها تحصّد المزيد!

مع كُل هذا الوضع الخطير جداً والمأساوي لا يزال بعض الفصائل والتكوينات السياسِية يرفضون بعضهم البعض، ولا يتفقون حتى علي وقف هذا الموت والإبادة والدمار، بل ولا يتعاونون أو يتنادون حتى للملفات الإنسانية؟؟، عجز كامل عن تفهُّم طبيعة ما وصلنا إليه بلاداً وشعب، لا يزال الكثيرون يُحدثونك عن “انقلاب ٢٥ أكتوبر” والاتفاق الإطارئ، في حين أن واقع البلاد اليوم تجاوز كُل هذا، أصبحنا في مرحلة مُختلفة تماماً، وبدلاً عن التعامل مع الثورة وتضحياتها علي أنها كانت لتحقيق مصالح السُودانيين في التغيير للأفضل، وأن استردادها يتطلب تحقيق جوهرها أولاً في استعادة البلد نفسها، والعيش داخلها والأمان فيها وسد الجوع، وهذا يتطلب التفكير السليّم والتضحيات العظام والتنازلات للوصول إليه.

في هذه اللحظة من تاريخ بلادنا وظروفها كُل من يقول أو يعمل لوقف الحرب غض النظر عن تفكيره ومعتقده السياسِي أتعاون معه واجتمع، لأن بوقف الحرب وهذه الأوضاع الكارثية نُحقق مصالح كُل الشعب السُوداني وأكبر مجمّوع فيه كما ظللت أُردد، عندما نرى شخصاً يموت أمامنا لا نسأل عن السبب، أو من حاول قتله، ولكننا نُسرع لإنقاذه أولاَ، ثم بعد ضمّان حياته ونجاته، يأتي دور المُحققين والباحثين عمن حاول قتله وكيف يُعاقب!

نحن الآن مطلوب مّنا جميعاً إنقاذ بلادنا وشعبنا ووقف هذه الحرب وجميّع مآسيها، وإعادة السُودانيين إلى وضع الأمان والاستقرار أولاً، والمُحافظة علي كيان الدولة نفسها ومجمّوع الشعب.

في هذه الأهداف يلتقي الكثيرون جداً إن لم يكن جمّيعهم عدا قلة قليلة من دُعاة استمرار الحرب وهذا الجنون.

وفي وسائلنا للوصول لتلك الأهداف نستعمل كافة الوسائل والسكك الصعبة وتقديم كافة التنازلات المُمكنة لأجل مصالح شعبنا الحالية.

نحتاج إلى التعاون بين كُل القوى الوطنية والسياسِية والمدنية والثورية وفق الواقع الحالي، نُريد التقاء جميع السودانيين دون إقصاء، أو تعنُّت لأجل وقف هذه الحرب ووقف إبادة الشعب السُوداني وتهجيّره ومُعاناته، ومن لا يريد إيقاف الحرب أو يجعلها وسيلة لامتلاك السُلطة والظفر بها هو الذي يعزل نفسه، ويعمل ضد مصالح الشعب الأساسية، نُريد فتح الحوار والتفاوض حتى مع أطراف الحرب ومن يقفون خلفها من السودانيين، لصالح وقفها وتحقيق اتفاق سياسِي لا يُعيد الماضي، ولكنه يعمل لمُستقبل أفضل في كُل شيء للسُودانيين.

أخيراً علينا التذكير بعدم التغافُل عن الواقع الحالي وإدراك خطورته وكارثيته، والمُضي للحلول الجماعِية والحُوار المُشترك لتحقيق أهداف أولويات مصالح الشعب السُوداني الحالية وعدم القفز علي المراحل.

الوسومنضال عبدالوهاب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: نضال عبدالوهاب ما حدث الحر ب

إقرأ أيضاً:

كم قتل الاحتلال الفرنسي من الشعب الكاميروني أثناء الاستقلال.. مؤرخون يجيبون؟

كشف تقرير أعدّته لجنة مكونة من 14 مؤرخًا فرنسيًا وكاميرونيًا، بعد عمل دام عامين ونصف العام، أنّ فرنسا ربما قتلت عشرات الآلاف من الكاميرونيين خلال فترة استقلال بلادهم بين عامي 1945 و1971.

وبحسب ما نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، قدّمت اللجنة تقريرها حول مسار استقلال الكاميرون إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في 21 كانون الثاني/ يناير الجاري، وإلى الرئيس الكاميروني، بول بيا في 28 من الشهر ذاته.

أظهر التقرير أن فرنسا مارست قمعًا عسكريًا شديدًا ضد الحركات المؤيدة للاستقلال في الكاميرون، مستعمرتها السابقة، وخلال تلك الفترة استخدمت السلطات الفرنسية عنفًا مفرطًا، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الكاميرونيين.

سلّط التقرير الضوء على المحاولات المستمرة لمنع صعود اتحاد شعوب الكاميرون، وهو حزب قومي مؤيد للاستقلال، وبعد حله في عام 1955، تعرض أعضاؤه للقمع الشديد، حيث قتل الجيش الفرنسي زعيم الحزب روبن أم نيوبي.


في عام 1956، شهدت الكاميرون مذبحة إيكيتي، حيث تم تنفيذ هجوم ضد مدنيين عزل، وتم ترحيل عدد من المدنيين الكاميرونيين قسرًا إلى معسكرات اعتقال. كما كشفت تقارير القوات الجوية الفرنسية عن استخدام ذخائر مسببة للحرائق في البلاد.

على الرغم من أن اللجنة لم تكن تمتلك الصلاحية القانونية لوصف هذه الممارسات بأنها إبادة جماعية، إلا أنها أكدت أن هذا العنف كان مفرطًا بالفعل، لأنه انتهك حقوق الإنسان وقوانين الحرب.

يأتي تقرير لجنة المؤرخين المشتركة في إطار "مبادرات مصالحة الذاكرة" التي اتخذها الرئيس الفرنسي، بشأن دور بلاده خلال الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا، أو أثناء الحرب الجزائرية، بهدف تهدئة العلاقات وتجديدها.

غير أن هذا الأمل يظل ضعيفًا في ظل تعرض نفوذ باريس في القارة الأفريقية لرياح معاكسة، خاصة في منطقة الساحل. فيما بدأ مشروع مصالحة الذاكرة مع الكاميرون في تموز/ يوليو 2022، خلال زيارة الرئيس الفرنسي، إلى ياوندي، رغم خطر إثارة التوترات مع دولة يقودها بول بيا منذ عام 1982، وهو وريث الحكومة التي تشكلت بعد الاستقلال بدعم من باريس، وسرعان ما أصبحت إحدى ركائز ما يعرف بـ"فرانس-أفريك".

بعد مرور عامين ونصف، ألقى أعضاء اللجنة المشتركة، المكونة من سبعة باحثين كاميرونيين وسبعة فرنسيين، الضوء على موقف فرنسا في قمع حركات الاستقلال الكاميرونية والمعارضة السياسية بين عامي 1945 و1971.

كانت الحرب تدور على بعد خمسة آلاف كيلومتر من فرنسا، بعيدًا عن أعين الرأي العام الذي كان يركز آنذاك على "الأحداث" في الجزائر. بينما تبقى ذكريات هذه الفترة حية في الكاميرون، إلا أنها مخفية إلى حد كبير في فرنسا.


تسمح التقديرات العسكرية الرسمية بتقييم عدد المقاتلين الذين قتلوا بين عامي 1956 و1962، وهي الفترة التي شهدت أكبر مشاركة للقوات الفرنسية، بنحو 7500 فرد، لكن إجمالي الضحايا من المرجح أن يصل إلى عشرات الآلاف من الكاميرونيين.

وفقًا لمقتطفات من التقرير، يمكن تتبع أصل المواجهة بين السلطات الاستعمارية والمعارضة المؤيدة للاستقلال من خلال منظور الوضع الاستعماري طويل الأمد (1945-1955)، ثمّ التحول من القمع السياسي والدبلوماسي والشرطي والقضائي إلى الحرب التي قادها الجيش الفرنسي (1955-1960)، والتي استمرت حتى بعد استقلال الكاميرون (1960-1965).

مقالات مشابهة

  • فيديو | «حماس» تشكر الإمارات على دعم الشعب الفلسطيني
  • لجان المقاومة بتنسيقية «تقدم»: تشكيل حكومة في ظل الحرب يعمّق الانقسام ويطيل أمد الأزمة
  • بيان جماهيرى من الحزب الشيوعي السوداني تضامنا مع الشعب الفلسطيني
  • عشبة المعجزات منتشرة بقوة دون أن يدرك أحد حجم قيمتها الثمينة جداً
  • مفتي الجمهورية: القرآن الكريم أولى عناية كبرى بما يحقق مصالح الناس
  • مفتي الجمهورية: القرآن أولى عناية كبرى بما يحقق مصالح الناس
  • بلدنا اسمه السُودان.. وشعبنا اسمه “الشعب السودانيّ” مفهوم؟!
  • كم قتل الاحتلال الفرنسي من الشعب الكاميروني أثناء الاستقلال.. مؤرخون يجيبون؟
  • غرسوا بذور الحرب منذ سنوات، ويستعدون لجني ثمارها!
  • الحرب درس الوطنية الأول