ويقول عماد فؤاد، مساعد رئيس حزب التجمع، إنه رغم رحيل القائد والمعلم خالد محيي الدين عن دنيانا قبل ٥ سنوات، لكن سيرته ستظل دائما مصدر إلهام لكل وطنى مخلص، وليس من قبيل المصادفة أن تنعيه رئاسة الجمهورية بكلمات تشير إلى هذا المعنى، وأن يؤكد بيانها الصادر بعد ساعات من وفاته أن: «مصر ستبقى ممتنة لإسهاماته الوطنية وسيرته الخالدة، التى ستظل محفورة فى تاريخ الوطن بحروف من نور لتحتفظ بمكانتها فى ذاكرة العمل السياسى المصرى بكل تقدير واحترام»، وعندما تقدم الرئيس عبدالفتاح السيسى مشيعى جنازته العسكرية أكد أيضا أن مصر تقدر كل من أعطى لها بإخلاص وتجرد، وإن اختلف مع سياسات الأنظمة الحاكمة.


ولفت مساعد رئيس حزب التجمع، فى تصريح خاص لـ«البوابة»، إلى أن الحزب يمارس دوره فى الحياة السياسية منذ عام ١٩٧٦ حتى الآن، ولم يغب عن قادته وأعضائه يوما تعاليم مؤسسه خالد محيى الدين، ومن أبرزها: أن معارضة النظام لا تعنى السعى لتدمير الوطن، مشيرا إلى أن ما شهدته مصر مع بدايات الألفية الثالثة، عندما تصاعدت حدة التدخلات الأجنبية فى دعم نشاط بعض القوى السياسية للمطالبة بالديمقراطية، وقتها قال محيي الدين كلمته الأخيرة كرئيس للحزب فى المؤتمر العام الخامس فى ديسمبر ٢٠٠٣: «نود أن نعلن على الملأ أن قضية توسيع الإطار الديمقراطى بالنسبة لنا هى قضية مصرية - مصرية، وقد نتفق أو نختلف حول مداها، لكننا نتفق ونختلف كمصريين، دون أن نسمح بأى تدخل أجنبى فى هذا الشأن».


وأوضح، أنه بعد أن وضع المبدأ العام برفض التدخل الأجنبى فى الشأن المصرى، استمر فى كلمته بصورة واضحة ومباشرة، وقال: «ونحن نعلن وبأعلى صوتنا أننا لن نسمح للأمريكيين بأن يتدخلوا فى شأننا بحجة الدفاع عن الديمقراطية فى وطننا، مدركين أنهم آخر من يمتلك الحق فى ذلك، خاصة بعد ما شهدنا ممارستهم المعادية لحقوق الإنسان سواء فى العراق أو فلسطين.. فالذين يساندون الجرائم الصهيونية ضد الشعب العربى الفلسطينى، والذين يستخدمون الفيتو لحماية هذه الجرائم تأكيدا لاستمرارية العدوان الصهيونى، والذين قاموا بغزو همجى للعراق حيث يمارسون الآن القتل للمواطنين الأبرياء، ويمارسون اغتيال ثروات ومقدرات وسيادة وطن بأكمله، والذين يدمرون مصداقية الأمم المتحدة، ويفرضون بسطوة القوة العسكرية والاقتصادية إرادة آمرة على المنظمة الدولية.. هؤلاء هم آخر من يملك الحق فى الحديث عن الديمقراطية».


ويتذكر مساعد رئيس حزب التجمع، أحد أهم الدروس التى تلقاها من الراحل خالد محيي الدين، قائلا: «فى سنوات دراستى الجامعية كلفنى التجمع برئاسة وفد طلاب الحزب المشاركين فى مسابقة علمية للطلاب العرب بجامعة ناصر الأممية فى ليبيا، وانتهز النظام الليبى فرصة وجود ما يزيد على ٦٠٠ طالب عربى، ونظموا مسيرة لمكتب الأمم المتحدة بالعاصمة طرابلس، للمطالبة برفع الحصار الدولى المفروض على ليبيا على خلفية اتهام النظام الليبى بالتورط فى قضية لوكيربى، وخلال المسيرة هتف الطلاب ضد كل الحكام العرب، وفور أن بدأ التطاول على الرئيس الراحل حسنى مبارك».


وتابع: «اتجهت نحو من يقود المظاهرة، وطالبته بالتوقف عن ذلك، ولم يستجب مما دفعنى للتشابك، وبمجرد عودتنا للقاهرة تقدم أحد أعضاء وفد التجمع بمذكرة بالواقعة، ومطالبا بفصلى من الحزب لأننى أحرجت شبابه بدفاعى عن الرئيس مبارك رغم أننى معارض، وردا على المطلب أشاد محيي الدين بموقفى وقال: نحن معارضون فى الداخل، أما فى الخارج فكلنا مصريون، ولا يجب أن نسمح لأحد بالتطاول على مصر ورئيسها حتى وإن كنا نعارضه». ويكشف فؤاد، عن آخر أدوار خالد محيى الدين الوطنية قبل رحيله بسنوات قليلة، من خلال الرسالة التى وجهها للرئيس عبد الفتاح السيسى يوم ٢ يوليو ٢٠١٣ بصفته قائدا للجيش، بعد يومين فقط من ثورة ٣٠ يونيو، وجاء نصها كالتالى: «السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسى.. القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى.. تحية طيبة وبعد.. فى هذه الظروف الصعبة والحاسمة التى تمر بها البلاد، وبعد ثورة الشعب المتجددة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والسعادة التى أشعر بها مع كل شعب مصر ببيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى أكد استمرار انحياز القوات المسلحة للشعب وحده».


وتابع: «وجدت من واجبى كعضو فى مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أن أتوجه إليكم كقائد للقوات المسلحة وممثلا لثورة الشعب والجيش وإلى الشعب المصرى بالبيان المرفق مساهمة منى فى هذا الحدث التاريخى العظيم، بعد أن حالت ظروفى الصحية دون أن أكون وسط المحتشدين فى ميدان التحرير.. وإلى الأمام من أجل تحقيق أهداف الثورة فى «عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية».. و«النصر للثورة والثوار».


وأكد أنها كانت هذه الرسالة يوم الثلاثاء ٢ يوليو ٢٠١٣، وكان البيان الذى أشار إليه خالد محيي الدين فى رسالته قد صدر آنذاك عن حزب التجمع، ومن خلاله وجه بصفته زعيم الحزب التحية لضباط وجنود القوات المسلحة والمجلس الأعلى لها، وللفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، لانحيازهم للشعب المصرى ومطالبه المشروعة التى رفعتها الملايين المحتشدة منذ ٣٠ يونيو فى كل ميادين ومدن وقرى مصر.


ويختتم فؤاد قائلا: «شارك خالد محيى الدين فى ثورة يوليو ١٩٥٢ قبل أن يتم عامه الثلاثين، وشارك وبروح وعزيمة الثائر فى ثورة يونيو ٢٠١٣، بعد أن تجاوز سنه التسعين».

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: للقوات المسلحة حزب التجمع

إقرأ أيضاً:

صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية

زهير عثمان

صوتٌ يرقص بين الروح والوطن

في فضاء الأغنية السودانية، حيث تتداخل الألحان الأفريقية مع الإيقاعات العربية، وتنحت الكلماتُ مشاعرَ الشعبِ بين ألمِ الحروبِ وبهجةِ الترابِ، يظلُّ اسم صلاح بن البادية علامةً فارقة. لم يكن مجردَ فنانٍ، بل كان ظاهرةً فنيةً جمعت بين العمقِ الروحيِّ والحداثةِ الفنيةِ، فخلقتْ لنفسها مسارًا خاصًا في ذاكرةِ السودانيين. رحلَ الجسدُ، لكن صوته ما زال يُردِّدُ في الأسماعِ: "سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ".
البدايات: من قرى الجزيرة إلى عرشِ الأغنيةِ
وُلد صلاح بن البادية في منطقة الدبيبة بولاية الجزيرة، حيثُ النيلُ ينسابُ بين الحقولِ الخضراءِ، وحيثُ تُورِقُ الأغاني الشعبيةُ كأشجارِ الطلحِ. نشأ في بيئةٍ تتنفسُ التصوفَ والمدائحَ النبويةَ، فتعلَّمَ من تراتيلِ الزوايا والصوفيةِ كيف تكون الموسيقى صلاةً. انتقلَ إلى أم درمان ليكملَ تعليمَه، وهناكَ بدأتْ موهبتهُ تتفجرُ بين جدرانِ المدارسِ والأحياءِ الشعبيةِ.
في ستينيات القرن الماضي، خطا أولى خطواته الفنية، حاملًا معه روحَ الريفِ السودانيِّ ونبضَ المدينةِ. لم يكن صوته مجردَ آلةٍ موسيقيةٍ، بل كان جسرًا بين التراثِ والحداثةِ، بين الفصحى والعاميةِ، بين الصوفيةِ والعاطفةِ الإنسانيةِ.
"سال من شعرها الذهب": حين يُولد اللحنُ من إيقاعِ القطارِ
لا يمكن ذكر صلاح بن البادية دون التوقف عند تحفته الخالدة "سال من شعرها الذهب"، التي كتبها الشاعرُ أبو آمنة حامد بلغةٍ فصيحةٍ نادرةٍ في الأغنية السودانية، ولحنها الموسيقارُ عبد اللطيف خضر الحاوي (ود الحاوي).
القصةُ التي حيكت حول اللحنِ تُجسِّدُ سحرَ الإبداعِ: في رحلةٍ بالقطارِ من بورتسودان إلى الخرطوم، استوحى ود الحاوي الإيقاعَ من دندنةِ عجلاتِ القطارِ، فسجلَّ اللحنَ على عجلٍ في منزل بن البادية فجرًا، خوفًا من أن يطيرَ الإلهامُ مع أولِ خيطِ شمسٍ.
الأغنيةُ، التي غناها بن البادية بصوتهِ الجهوريِّ الممزوجِ بالحنينِ، تحولت إلى أيقونةٍ. كلماتُها تصفُ جمالَ المرأةِ بلغةٍ شعريةٍ مدهشةٍ:
"سالَ من شعرِها الذهبُ... فتدلّى وما انسكبُ
كلما عبثتْ به نسمةٌ... ماجَ واضطربُ".
لكنها أيضًا كانت قصيدةً في حبِّ السودانِ، حيثُ الذهبُ رمزٌ لثراءِ الأرضِ، والنسيمُ إشارةٌ إلى شوقِ المغتربين.
الحداثة الروحية: حين يصيرُ الغناءُ ابتهالًا
تميز بن البادية بقدرتهِ على تحويلِ الأغنيةِ العاطفيةِ إلى تجربةٍ روحيةٍ. في أعمالٍ مثل "يا زهرة الروض الظليل" و"وا أسفاي"، مزجَ بين الغناءِ الصوفيِ والعاطفةِ الإنسانيةِ، فكان صوتهُ يُشبهُ الدعاءَ.
أسلوبُه اعتمد على:
الانتقاء الشعري الراقي: تعاون مع شعراء كبار مثل أبو آمنة حامد والتجاني حاج موسى، واختار قصائدَ تحملُ طبقاتٍ من المعنى.
التلحين الهادئ العميق: فضلَ الألحانَ التي تتنفسُ برويةٍ، كأنها تيارٌ نهرِيٌّ يلامسُ الشواطئَ.
الأداء المسرحيِّ الوقور: على المسرح، كان يرتدي الجلبابَ الأبيضَ، ويحركُ يديهِ كأنه يُناجي السماءَ.
أغنياتٌ صارت عيونًا: بصماتٌ لا تُنسى
من أبرز أعماله التي شكلت "عيون الأغنية السودانية":
"ليالي الخير": احتفاليةٌ بالأملِ، لحنٌ يرقصُ بين الفرحِ والطمأنينةِ.
"كسلا": قصيدةٌ في حبِّ المدينةِ، غناها وكأنها معشوقةٌ تستحقُ التمجيدَ.
"ردي النضارة": حوارٌ مع الذاتِ عن فقدانِ البراءةِ في زمنِ الحربِ.
في كلِّ أغنيةٍ، كان بن البادية يحفرُ في الذاكرةِ الجمعيةِ للسودانيينَ، ليتركَ نقشًا يقولُ: "هنا مرَّ فنانٌ رأى الجمالَ حتى في جراحِ الوطنِ".
الجدلُ الفنيُّ: عندما اختلفَ العمالقةُ
أثارتْ أغنيةُ "سال من شعرها الذهب" غضبَ الفنانِ الكبيرِ إبراهيم عوض، الذي اعتبر أن ود الحاوي كان يجب أن يمنحَ اللحنَ لهُ بعد تعاونهما الناجحِ في أغانٍ مثل "المصير". لكن التاريخَ أثبتَ أن اختيارَ ود الحاوي لبن البادية كانَ صائبًا، فقد حوّلَ الصوتُ القويُّ والروحُ التأمليةُ الأغنيةَ إلى تحفةٍ خالدةٍ.
الإرثُ: ما بعد الرحيلِ
رحل صلاح بن البادية تاركًا وراءه إرثًا غنائيًا يُدرسُ في كلياتِ الموسيقى، وصوتًا ما زالَ يُعيدُ للسودانيينَ ذكرياتِ زمنٍ كان الفنُّ فيهِ رسالةً وليسَ سلعةً. اليومَ، تُعيدُ الأجيالُ الجديدةُ اكتشافَ أغانيهِ، لا كتراثٍ فحسب، بل كدليلٍ على أن الفنَّ الحقيقيَّ لا يموتُ.
في زمنِ الانقساماتِ، يظلُّ بن البادية رمزًا لوحدةِ السودانِ الثقافيةِ، حيثُ لا فرقَ بين شمالٍ وجنوبٍ، إلا في تنوعِ الإيقاعاتِ التي تجتمعُ تحتَ سماءِ أغانيهِ.
النغمةُ التي صارتْ ترابًا
عندما يُذكر صلاح بن البادية، يُذكر السودانُ بكلِّ تناقضاتِه: جمالُ الأرضِ وقسوةُ الحروبِ، غنى الثقافةِ وفقرُ السياسةِ. كانَ صوتُه مرآةً لهذا التناقضِ، لكنه اختارَ أن يُغني للجمالِ رغمَ الجراحِ. اليومَ، وبعد رحيلِه، صارتْ أغانيهِ جزءًا من ترابِ السودانِ، تُنبِتُ كلما مرَّ عليها مطرُ الذاكرةِ.
رحم الله صلاح بن البادية، فقد كان نغمةً صادقةً في سماءِ الفنِّ السودانيِّ.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • صلاح بن البادية- سيرة رائد الحداثة الروحية في الأغنية السودانية
  • بالفيديو.. تفاصيل وقف قيد الزمالك بسبب قضية خالد بو طيب
  • الشخص الذكي دائم الأسئلة.. خالد الجندي يكشف توجيها قرآنيا يرسي ثقافة التفكير
  • تعادل سلبي بين الإسماعيلي وطلائع الجيش في كأس عاصمة مصر
  • محافظ الإسكندرية يُهنئ الشعب المصري بالذكرى الثالثة والأربعين لعيد تحرير سيناء
  • محافظ الإسكندرية يُهنئ رئيس الجمهورية والقوات المُسلحة بعيد تحرير سيناء
  • أدبي الطائف يصدر (سيرة من رأى) للدكتور عثمان الصيني
  • سيف بن زايد ناعياً البابا فرنسيس: سيظل مصدر إلهامٍ في بناء جسور التقارب والسلام
  • ردة فعل خالد صقر بعد مفاجأة زوجته إلهام علي وقدومها إلى مكان عمله.. فيديو
  • أبو مازن ناعيا بابا الفاتيكان: فقدنا صديقًا مخلصًا للشعب الفلسطيني