منير أديب يكتب: سيادة لبنان ما بعد الحرب
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
دائمًا ما تبحث لبنان عن نفسها وسط الحروب والصراعات؛ سواء كانت الحرب الأهلية التي استمرت ما بين عامي 1975 و1990 أو حتى الحروب الإسرائيلية على لبنان بدءًا من الهجوم الأول في العام 1978 واجتياحها في العام 1982 أو حتى حرب عام 2006 وأخيرًا وليس آخرًا حرب أكتوبر عام 2004.
الحقيقة أنّ إسرائيل وراء جزء كبير من نكبات لبنان المتسامح رغم وجود عدد كبير من الطوائف بداخله؛ صحيح كانت هناك حرب أهلية استمرت قرابة خمسة عشر عامًا ولكنها انتهت بعد اتفاق الطائف في العام 1989 ومن قبله تسامح اللبنانيين، فهم أكثر الشعوب تسامحًا وحبًا للحياة، وهو ما يبدو مع كل صراع أو حرب.
بداية الحرب الأهلية في لبنان كان له علاقة بوجود الفلسطينين المهجرين؛ وهنا تبدو إسرائيل في جملة مفيدة حتى في الخلافات اللبنانية والحرب التي استمرت بين طوائفة عقد ونصف من الزمان، إلى أنّ انتهت الحرب، ولا أحد يستطيع أنّ يُزايد على الدور اللبناني التاريخي في دعم القضية الفلسطينية ولا في إيواء الفلسطينين واحتضانهم.
الاجتياح الثاني للبنان من قبل القوات الإسرائيلية كان في العام 1982 وسيطرت وقتها على أجزاء من العاصمة بيروت وقتلت قرابة 14 ألف لبناني، ولم تنسحب إلا في العام 1985، وهنا كانت بدايات تشكل حزب الله عسكريًا، ثم وقعت مجزرة إسرائيل الأشهر صبرا وشاتيلا في نفس العام ونفس الشهر أيضًا.
السيادة اللبنانية تبدو منقوصة من حيث عدم وجود رئيس للجمهورية قبل أكثر من عامين، وبالتالي عدم وجود حكومة، فالقانون اللبناني يربط تشكيل الحكومة باختيار رئيس الجمهورية، وهو ما لم يحدث قبل أكثر من 720 يومًا.
الأزمة تبدو في اتفاق القوى السياسية والتي تُشكل الطوائف في الداخل، ومن أبرزها حزب الله اللبناني، وهو موال في سياسته لإيران، أعلنها ومازال بوضوح شديد، حيث قال السيد حسن نصر الله في احدى خطاباته،: إنّ أموال الحزب وأسلحته وتدريبه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأننا نعتبر لبنان ليست جمهورية إسلامية ولكن جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يحكمها الولي الفقيه.
ولذلك مثل حزب الله فيتو قويا ضد اختيار رئيس الجمهورية، بل أراد أنّ يفرض رئيسًا للجمهورية، ولهذا عطل الاختيار فعطل الدولة وأضعف من بنيتها، وهنا نُشير بوضوح أنّ نشأة الحزب جاءت على خلفية الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية!
الأمر لا يختلف كثيرًا عن نشأة داعش، مع الفارق في التسمية، والتي جاءت على خلفية الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 عندما أُعلن عن نشأة الدولة الإسلامية في العراق ثم في العراق والشام كقوة معارضة ومقاومة للإحتلال الأمريكي في هذا الوقت.
ومنذ هذا التاريخ وحتى هذه اللحظة فإنّ لبنان والعراق تبدو سيادتهما منقوصة بسبب الإحتلال الإسرائيلي والأمريكي، وكل منهما عملا على تفتيت الوحدة الداخلية كقوة محتلة، بل وإثارة القلاقل والفوضى والإختلاف بين أبناء الشعب الواحد.
استعادة لبنان لسيادتها الحقيقية ليس في وقف الحرب الإسرائيلية ولا في هذه الهدنة التي تخترقها إسرائيل ومتوقع أنّ تفشلها في أي وقت، ولكن في تحقيق البناء الداخلي بحيث تستعيد لبنان نفسها من داخلها، وتُدرك الأحزاب والقوى السياسية بأنه لا يمكن مواجهة العدو الخارجي إلا بالإتفاق على أجندة واحدة، فيعمل الجميع وفق هذه الأجندة لا غيرها بحيث يكون فيها القرار داخلي.
حدد رئيس مجلس النواب اللبناني جلسة برلمانية موعدها 9 يناير المقبل لاختيار رئيسًا للجمهورية، ويبدو أنّ حزب الله والقوى السياسية المتحالفة معه سوف تبدي رغبتها في انجاز المهمة والاستقرار على اختيار الرئيس، وهو ما تستحقه لبنان بدون حرب ولا هدنه لتحقيقة.
التحرير وامتلاك القوة لابد أنّ يكون من الداخل أولًا بحيث تتحرر القوى السياسية من أي تبعيه خارجية مهما كانت، وأنّ يتم تقوية الجيش اللبناني ومؤسساته الداخلية، فهي التي تُعبر عن اللبنانيين لا غيرهم، وهي القادرة على أخذ قرار الحرب والسلم وفق المصلحة العربية واللبنانية في نفس الوقت.
صحيح شعر اللبنانين بارتياح شديد بعد قرار الهدنة وبدأت عملية عودة للنازحين الذين تركوا ديارهم في الجنوب، ولكن لابد أنّ يستغل هؤلاء اللبنانيين والقوى السياسية ما حدث في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، من أجل بناء مؤسسات قوية ودولة عميقة تستطيع أنّ تدافع عن مصالحها وسيادتها في نفس الوقت، ولابد أنّ يكون التحدي في مواجهة الداخل أولًا قبل مواجهة الخارج.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: هدنة لبنان الحرب الأهلية في لبنان لبنان حزب منير أديب فی العام حزب الله رئیس ا
إقرأ أيضاً:
الحرب على لبنان تكبّد المستوطنات الإسرائيلية خسائر فادحة
القدس المحتلة- أعاد اتفاق وقف إطلاق النار الوشيك بين إسرائيل وحزب الله إلى الواجهة التقديرات بشأن حجم الخسائر التي تكبدتها المستوطنات في الشمال، ومدى جهوزية حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة عشرات الآلاف من النازحين الإسرائيليين إلى 42 مستوطنة، تم إجلاؤهم منها في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ولا يسمح حجم الدمار والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في معظم المستوطنات، حاليا، بالعودة الفورية للسكان، وعلى المستوى السياسي الإسرائيلي، تشير التقديرات إلى أن ذلك سيمتد على مدى أشهر، وليس من المتوقع أن تشجع الحكومة على العودة قبل اتضاح أن حزب الله لن يجدد هجماته على طول الحدود مع لبنان.
في مستوطنات خط المواجهة الحدودية، جميع المباني بلا استثناء تحتاج إما لترميم أو هدم وإعادة بناء، ورغم الحديث عن اقتراب وقف إطلاق النار، تظهر البيانات الجزئية تضرر آلاف المنازل والمركبات، وفي مستوطنة كريات شمونة مثلا، لا يمكن تصوّر مدى الدمار وحجم الخسائر، فالمدارس فقط التي تضررت سيستغرق ترميمها 4 أشهر، وفق تقديرات إسرائيلية.
خسائر وأضرار
في تقرير لها، استعرضت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقديرات أولية بشأن الخسائر التي تكبدتها المستوطنات في الشمال منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقُدمت رسميا إلى سلطة الضريبة والأملاك 17 ألفا و276 دعوى تعويضات بقيمة 140 مليون شيكل (38 مليون دولار)، وهناك أيضا 3303 دعاوى تعويضات لم يتم احتسابها وتقييمها، ومن المتوقع أن تقدم الآلاف مستقبلا.
ويستدل من البيانات الرسمية التي تم جردها تضرر 8834 منزلا وتدمير 7029 مركبة مدنية، وتضرر كامل لـ343 مزرعة تمتد على عشرات آلاف الدونمات، وتسجيل 1070 دعوى تعويضات لمنشآت تجارية واقتصادية ومصالح تجارية صغيرة.
وبحسب بيانات سلطة الضريبة والأملاك، فإن هناك 3303 دعوى تعويضات وطلبات لمدنيين لا تزال مفتوحة دون أن يتم تحديد قيمة الضرر والخسائر المالية من قِبل الجهات الإسرائيلية المسؤولة، منها 153 طلبا من حيفا، و1493 من عكا و165 من طبريا.
لكن هذه السلطة تؤكد أن هناك أضرارا وإصابات كثيرة في الشمال لم يتم الإبلاغ عنها بعد، بسبب إخلاء المستأجرين أو لأن الإصابات في مناطق لا يمكن دخولها وفق تعليمات الجيش الإسرائيلي. وتضيف أن "هناك طلبات تعويض كثيرة عن الأضرار التي لم يتم دفعها حتى الآن، لأنه لا يمكن الوصول إليها بعد لإصلاح الضرر، حيث يتم دفع التعويض بشكل عام مقابل التنفيذ الفعلي للترميمات وإصلاح الأضرار".
ووفق بيانات مديرية "الأفق الشمالي" التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن المستوطنات الخمس الواقعة على خط المواجهة قرب الحدود والتي تعرضت لأكبر الأضرار، هي منارة وشتولا وكريات شمونة وزرعيت ونهاريا.
حل مؤقتوتتصدر شلومي وكريات شمونة ونهاريا ومنارة قائمة المستوطنات التي سجل فيها أعلى عدد من الإصابات نتيجة لحوادث إطلاق النار والرشقات الصاروخية، علما أن معظم الأضرار لحقت بالمباني السكنية، لكن لم يتم تصنيف معظمها وجدولتها، ولا يزال حجم الإضرار الكلي مجهولا.
في شهر مايو/أيار 2024، اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا بتوفير حل مؤقت لمعالجة دعاوى التعويضات الجزئية التي تُقدَّم من قِبل السكان، ورصدت ميزانية أولية لإقامة نظام مراقبة محوسب لتوثيق المعلومات والبيانات حول حجم الضرر، تمهيدا لترميم ما خلّفه الدمار واسع النطاق بمستوطنات الشمال.
ومع ذلك، يقول مراسل "يديعوت أحرونوت" في شمال إسرائيل يائير كراوس "لم يتم إنشاء النظام، وكما هو الحال في العديد من الجوانب، يتم شن الحرب على الجبهة الشمالية بدون إستراتيجية وبدون اهتمام بالمدنيين أو وجود خطة إعادة السكان إلى بلداتهم".
من جانبه، يقول رئيس منتدى البلدات الحدودية موشيه دافيدوفيتش، للصحيفة ذاتها، الذي يشغل رئيس المجلس الإقليمي "ماتي آشر"، إنه ليس لدى دولة إسرائيل أي فكرة عن مدى الضرر وحجم الخسائر، وما يجب القيام به ومعالجته في اليوم التالي للحرب.
ويضيف "حاليا نحن نواجه واقعا مجهولا، الشيء الوحيد الذي نعرفه الآن هو أننا سنعود مثل اللاجئين السوريين الذين طردوا من ديارهم بلا أمن وبدون أفق اقتصادي. التعليم والبنية التحتية والزراعة والسياحة، كلها قطاعات تدمرت بالكامل".
وبرأيه، يدفع سكان البلدات ثمن تسوية سياسية قسرية ستكون بمثابة علامة قاتمة على جبين الحكومة ودولة إسرائيل، واتهم دافيدوفيتش مختلف الوزارات بالتقصير والإهمال، قائلا إن "هذا يظهر فقط مدى أهميتنا بالنسبة للحكومة، ومدى أهمية الشمال في نظرها، نحن لاعبون في لعبة ساخرة وقاسية".
اتهامات وانتقاداتوتعكس الاتهامات والانتقادات التي توجّه للمؤسسة الإسرائيلية الخلافات داخل مديرية "مشروع الشمال" بقيادة الجنرال إلعيزر تشيني ماروم، الذي حاول نتنياهو عزله من منصبه بسبب خلافات بين تشيني ومدير عام المديرية يوسي شيلي، حول أولويات العمل والترميمات وحجم الميزانيات المطلوبة التي رُصد لها مبلغ أولي بقيمة 25 مليون شيكل (6.7 ملايين دولار) للعام 2024.
ويقول رئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن، لصحيفة هآرتس، إن منازل السكان والمباني العامة التي تضررت بنيران حزب الله أو أنشطة قوات جيش الاحتلال ليست هي الوحيدة التي تحتاج إلى ترميم وهدم وإعادة بناء، بل إن كل منزل من بين الآلاف في مدينته، مثل بقية المستوطنات، تحتاج إلى أعمال ترميم ستستغرق شهورا.
ويشعر شتيرن بالقلق من أنه إذا سارعت الحكومة إلى إخراج السكان من الفنادق والشقق التي استأجروها، وأمرت بتعليق دراسة الطلاب في الأنظمة التعليمية التي تم استيعابهم فيها، فإن العديد من السكان سيعودون بالفعل، ولكن ليس للأبد.
ويقول "عندما يرون أين عادوا وإلى أي واقع، فإن موجة الرحيل الثانية ستكون أوسع". وحتى اليوم، ليس لديه أي فكرة عن الأمر الذي سيدفع السكان إلى العودة لبلداتهم، باستثناء إطار ميزانية بقيمة 15 مليار شيكل (4 مليارات دولار) لجميع المستوطنات في الشمال.
وختم "لا توجد خطة للحكومة الإسرائيلية، لا أمنية ولا اقتصادية ولا اجتماعية ولا إعمارا سريعا للبلدات المدمرة، ولا أي استجابة لتعزيز صمود المجتمعات المنهارة"، على حد تعبيره.