الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في الصلاة
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
لا نزال أمام هذا المشهد العجيب فى مجلس سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيث يجلس سيدنا جبريل، عليه السلام، أمامه فى هيئة رجل غريب، لا يُرى عليه أثر سفر، أبيض الثياب، أسود الشعر، بهى المنظر، طيب الريح، جلس يلصق ركبتيه بركبتى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويضع يديه على ركبتيه، صلى الله عليه وسلم، وقد سأله عن الإسلام ما هو، وها هو سيد الخَلق، صلى الله عليه وسلم، يجيبه بجواب جامع: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».
وشهادة المرء بأن سيدَنا محمداً، صلى الله عليه وسلم، رسول الله معناها أنه يضع نفسه فى موضع التابع المذعن له، صلى الله عليه وسلم.وقد أراد الشارعُ الحكيم لهذه الشهادة أن تبقى حية فى النفوس، فأمر بترديدها فى كل أذان وفى كل صلاة، وهذا الترديد المعلَن والمسَرُّ لهذه الشهادة معناه تأكيد ما تتضمّنه من حقائق فى النفس وأمام الناس.
ثم بعد ذلك تأتى إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وكلُّها عبادات تلقينا الأمر بها فى القرآن الكريم، وجاءت السّنة المطهرة بتفاصيل أدائها، وأداء المسلم لهذه الفروض عبارة عن محاكاة لهدى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والتزام المسلم بهذه الفروض شهادة عَمَلية بأنه «لا إله إلا الله»، ومحاكاته لطريقة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم فى أداء هذه العبادات شهادة عمَليّة بأن «سيدنا محمداً رسول الله»، صلى الله عليه وسلم.
فكما شهد المسلم بلسانه «أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم»، شهد حاله وفعله بهذا أيضاً من خلال الصلاة والزكاة والصيام والحج.وقد يتساءل متسائل: لماذا لم تُذكر المعاملات فى هذا الحديث؟!
أليست من الإسلام؟!
والحق أن الإسلام شامل لكل الحياة، وأن الذى تضمّنه الحديث هنا شامل لكل شئون الحياة، إنها كلمات تجمع أصول الصلاح فى كل مناحى الحياة، فالصلاة ليست مجرد عبادة تؤدَّى فى المسجد أو البيت دون أن يكون لها أثر لها فى سلوك مؤديها، وإنما الصلاة تربأ بالمصلى عن الفحشاء والمنكر، يقول الله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» [العنكبوت: 45].
ونلحظ أن هذه الآية الكريمة والحديث الذى نحن بصدده لم يأتِ فيهما الأمر بالصلاة، وإنما بـ«إقامة الصلاة»، بل قال السادة العلماء: إنه الله تعالى «لم يأمر بالصلاة حيثما أمرَ، ولا مدحَ بها حيثما مدحَ، إِلَّا بلفظِ الإقامة»؛ وذلك تنبيهاً على أنها المقصود، وليس مجرد أداء الهيئة، وقد بيَّن المفسرون أن (إقامة الصلاة) تحتمل أحد معنيين، أولهما الإقامة بمعنى تعديل أركان الصلاة وحفظها من أن يقع زيغ فى فرائضها وسننها وآدابها، والثانى بمعنى الدوام عليها والمحافظة عليها.وكلا المعنيين صحيح مطلوب شرعاً، وإقامة الصلاة تنهى العبد عن الفحشاء، وهى كل ما عظُم قُبحُه من الأقوال والأفعال، وتنهاه أيضاً عن المنكر، وهو كل فعل يحكم الشرع بقبحه.و(المنكر) من الإنكار، والإنكار -كما يقول الراغب الأصفهانى، رحمه الله تعالى-: أصله أن يَرِدَ على القلب ما لا يتصورُه. فكأنَّ العبد ارتقى بإقامة الصلاة إلى حيث صار لا يتصور وجود مثل هذه القبائح فَضْلاً عن أن يرتكبها.فالصلاة تطهر النفوس والمجتمعات من كل ما يَنهى عنه الشرع وتستنكره القلوب الطاهرة والعقول المستقيمة والفِطَر السليمة. وهذا بدون شك تأسيس لاستقامة المعاملات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل عليه السلام فريضة الصلاة أركان الإسلام صلى الله علیه وسلم لا إله إلا الله رسول الله
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: "سوريا" بين الحُلم الكردي وطموحات تركيا
تركيا تقف على أعتاب تحقيق أكبر قدر من المكاسب في دوافعها الاستراتيجية الخاصة المتمثلة في السيطرة على شمال شرق سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد على طول الحدود الجنوبية لتركيا، في حين يبدو صراع محتمل على السلطة وشيكًا بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وهيئة تحرير الشام في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها أكراد، يستعد كلاهما لمستقبل غير مؤكد للتنازلات والتسويات القيادية السياسية.
الأكراد السوريون وتطلعاتهميشكل الأكراد أكبر مجموعة عرقية بلا جنسية في منطقة غرب آسيا، ويقيمون إلى حد كبير في تركيا والعراق وسوريا وإيران - ويقاتلون ضد الاستيعاب والقمع من أجل الحكم الذاتي الإقليمي والحكم الديمقراطي في الدول المعنية،
في سوريا، يشكل الأكراد 10٪ من إجمالي السكان، ويقيمون بشكل أساسي في المدن الشمالية الشرقية مثل حلب وكوباني ومنبج وعفرين والجزيرة ودمشق. كان الأكراد أداة فعالة في مكافحة البصمة المتوسعة للجماعة المتطرفة داعش في منطقة بلاد الشام على خلفية الفوضى التي أحدثها الربيع العربي.
منذ عام 2015، تعاونت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقادت العمليات البرية التي هدمت خلافة داعش في الرقة، وقد أدى هذا الإنجاز العسكري إلى ترسيخ الأكراد كفاعل مهم في الساحة السياسية المتفرقة في سوريا وأحيا التطلعات الكردية لتحقيق إقليم لامركزي ومستقل في شمال شرق سوريا يسمى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهو ما يشبه حكومة إقليم كردستان العراق التي تتمتع بوضع شبه دولة في العراق.
ومع ذلك، واجه "الحلم الكردي" العديد من العوائق في ظل نظام الأسد، وعلاوة على ذلك، أدت العمليات العسكرية التركية في المناطق الكردية السورية والموقف الغامض للولايات المتحدة، الحليف الأجنبي الرئيسي، إلى تفاقم المأزق الكردي، وفي حين عرضت واشنطن مساعدة أساسية ضد داعش، فإن إحجامها عن تحدي مصالح تركيا جعل الأكراد عرضة للخطر.
طموحات تركيا في سوريا ما بعد الأسدلقد تطورت الأهداف الاستراتيجية التركية في سوريا منذ الربيع العربي، وكان أحد الأهداف المركزية لأنقرة إحباط التطلعات الكردية لإقامة كيان كردي مستقل في سوريا على طول حدودها الجنوبية، والتي تعتبرها تهديدًا وشيكًا لأمنها القومي.
تربط تركيا قوات سوريا الديمقراطية ومكونها الرئيسي، وحدات حماية الشعب، بحزب العمال الكردستاني، وهو كيان محظور ينفذ تمردًا في تركيا منذ عام 1984، والذي صنفته أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه جماعة إرهابية، وسعت حكومة أردوغان المتعاقبة في أنقرة إلى القضاء على مساحات شاسعة من شمال سوريا تسيطر عليها وحدات حماية الشعب والتي يزعم أنها "ممر إرهابي"، مما يعرض سلامة أراضي تركيا للخطر.
من ناحية أخرى، كان الدعم السياسي والعسكري الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية ضد داعش دائمًا مصدرًا للخلاف بالنسبة لتركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، ومع ذلك، وعلى الرغم من دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، فقد شنت تركيا، طوال الحرب الأهلية السورية وبعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في عام 2019، عدة هجمات عسكرية، مثل عمليات درع الفرات (2016)، وغصن الزيتون (2018)، ونبع السلام (2019)، في سوريا التي يهيمن عليها الأكراد.
ولتبرير عملياتها العسكرية داخل سوريا، دعت حكومة أردوغان إلى إنشاء "منطقة عازلة" أو "منطقة آمنة" بطول 30 كيلومترًا على طول الحدود السورية لإعادة تأهيل ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو ما أصبح مصدرًا للعبء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للاقتصاد التركي المنهار والليرة المتدهورة باستمرار.