سيطرة جمهورية على الكونغرس.. ماذا يعني لترامب؟
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
حقق الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، نجاحا كبيرا في الانتخابات، وفاز الجمهوريون بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، ما يعني أنه سيكون هناك حكومة مؤلفة من حزب واحد للمرة الأولى منذ سنوات.
ومن شبه المؤكد أن المحكمة العليا في البلاد، تميل أكثر إلى كفة ترامب بعد أن عين ثلاثة قضاة خلال فترة ولايته الأولى في المكتب البيضاوي.
برنامج "داخل واشنطن" الذي يقدمه، روبرت ساتلوف، ناقش في حلقته تداعيات "حكومة الحزب الواحد"، وما إذا يتبع الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ أوامر البيت الأبيض؟ وهل سيستطيع الجمهوريون الموافقة على أي قانون يريدونه؟ وما هي القوة، إن وجدت، التي سيتمتع بها الديمقراطيون؟
جيسيكا تايلور، محررة شؤون مجلس الشيوخ وحكام الولايات في " كوك بوليتيكال ريبورت" قالت إن "فرصة الجمهوريين في الفوز بأغلبية مجلس الشيوخ كانت أفضل دائما، فقد ظهرت على الخريطة ولايات ذات أغلبية جمهورية، ساحقة مثل ويست فرجينيا ومونتانا وأوهايو، لذا تمكن الجمهوريون من الاستيلاء على تلك المقاعد كما هو متوقع. لكن المفاجأة كانت في بنسلفانيا التي فازوا فيها بأربعة مقاعد، فأصبحت النتيجة في نهاية الأمر أغلبية بواقع 53 إلى 47 لصالح الجمهوريين".
"حالة نادرة"
وأضافت في حديث لقناة "الحرة" أن الأمر كاد "أن يكون أسوأ بكثير، فقد كان من الممكن أن تصل الأغلبية إلى 56 أو 57 مقعدا، لأن هناك أربع ولايات هي ميشيغن وويسكونسن ونيفادا وأريزونا التي فاز ترامب بأصواتها لكنها انتخبت أعضاء ديمقراطيين لمجلس الشيوخ، وهذه حالة نادرة".
ولفتت تايلور إلى أننا لم نشهد إلا في فترة ترامب في العامين 2016 و2020 وجود ولايات تصوت بشكل منفصل لمجلس الشيوخ والرئيس، لذا كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير بالنسبة للديمقراطيين وأعتقد أنهم سعداء بكون الأغلبية 53 إلى 47، فقد خسر الجمهوريون عددا كبيرا من المقاعد المتاحة لهم.
شخصيات مؤثرةدانيال ليبمان، صحفي متخصص في تغطية الأحداث السياسية في واشنطن لصالح صحيفة "بوليتيكو" تحدث عن الأشخاص الذين قد يصبحون شخصيات مؤثرة في الكونغرس في القضايا الهامة.
وقال "هناك ديف ماكورميك الذي فاز في بنسلفانيا..، فهو مسؤول سابق في إدارة بوش، ومدير تنفيذي سابق لبريدج ووتر أسوسيتس، أحد أكبر صناديق التحوط في العالم، كما أنه خدم في الجيش، لذا فمن المرجح أن يكون صوتا هاما فيما يتعلق بالشؤون العسكرية. وربما تصبح له طموحات على المستوى الوطني يوما ما".
وزاد "لدينا أيضا أشخاص مثل بيرني مارينو من أوهايو وهو تاجر سيارات سابق، وهناك تيم شيهي في مونتانا الذي أسس شركة لمكافحة حرائق الغابات، والتي أصبحت مربحة أكثر بالنسبة له مع التغير المناخي".
ويرى ليبمان أن "الجمهوريين استخدموا هذه الشخصيات الثرية لئلا يضطروا لإقامة حملات تمويل كثيرة بهدف التغلب على الديمقراطيين في الانتخابات الأخيرة. لذا فقد حاولوا استبعاد الشخصيات الهامشية مثل بعض المرشحين في العام 2022، مثل هيرشل ووكر ودكتور أوز، الذين لم تكن لديهم فرصة كبيرة، ولذلك اختاروا رجال الأعمال، وهي الشخصية الجمهورية المعتادة لهذا النوع من المقاعد".
ولفت ليبمان إلى أن مرشحين ديمقراطيين فازوا بسبب اعتمادهم على معادلة بعدم "ربط أنفسهم بالمرشح الرئاسي وأن يتحدثوا عن مواضيع وقضايا تختلف عن تلك التي تناولها المرشح الرئاسي، وهي احيانا قضايا تخص ولاية بعينها، وفي أحيان أخرى حديث فردي عن مشاكل الاقتصاد".
السيطرة على مجلس الشيوخوترى الصحافية تايلور أن تبعات تبعات السيطرة الجمهورية على مجلس الشيوخ، تعني أن ترامب "يستطيع أن يخسر حتى أربعة أصوات ويمرر القانون رغم ذلك"، مشيرة إلى أن هناك "عضوان معتدلان هامان في مجلس الشيوخ هما ليزا ماركوفسكي من ألاسكا وسوزان كولينز من ماين، التي سترشح نفسها ثانية في انتخابات العام 2026 وربما كانت العضو الأضعف في مجلس الشيوخ. ما يعني أنه يمكن أن يخسروا تلك المقاعد الأربعة وحينها يتدخل جي دي فانس. ويمكن أن يخسروا ثلاثة أصوات وحينها سيحتاجون إلى جي دي فانس لكسر التعادل، عند النظر إلى التعيينات الأولى التي قام بها ترامب في مجلس الوزراء واختياره أشخاصا مثيرين للجدل، نرى أن هذا يمنحه مساحة أكبر".
وقالت إنها ليست على يقين عند رؤية بعض الخيارات في ترشيحات ترامب "مثل مات غيتز لمنصب النائب العام، وروبرت إف كينيدي لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وكذلك تولسي غابارد للاستخبارات الوطنية، وتعتقد أنهم قد يواجهون بعض المعارضة.
جون ثونجون ثون، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وهو أحد السياسيين القدامى من ساوث داكوتا، وهو يمثل الولاية في مجلس الشيوخ، كما مثلها سابقا كعضو في مجلس النواب. بحسب الصحافي ليبمان.
وأضاف أنه "كان يعتبر شخصا معتدلا بالمقارنة مع ريك سكوت من فلوريدا، والذي رشح نفسه أيضا وحصل على دعم بعض الشخصيات من حركة ماغا ممن يرون أن جون ثون سيتعامل مع ترامب بشدة وسيكون أكثر استعدادا لمعارضته".
وتابع ليبمان أن ما سبق دفع ثون إلى "تكوين علاقة العمل هذه مع ترامب، لكن الأمر سيكون صعبا بالنسبة له لأنه لا يريد فقدان السيطرة على الكونغرس وعلى مجلس الشيوخ باعتباره فرعا مستقلا ومنفصلا من الحكومة، حيث سيرغب بعض أعضاء المجلس الجمهوريون وكذلك ترامب نفسه بتفويض مطلق لكل ما يرسله ترامب إلى الكابيتول هيل، واجه جون كورنين عضو مجلس الشيوخ عن تكساس منذ وقت طويل، لكن ثون أصغر سنا كما أنه يمثل في نظر البعض مستقبل الحزب، لكنه بلا شك شخص مؤسساتي، وما يمكن أن يفعله لصالح ترامب، والذي سيكون جزءا من إرثه، هو المصادقة بفضل فوزهم بالأغلبية، على مئات القضاة خلال السنتين إلى أربع سنوات القادمة، وهذا يعني بقاء إرث ترامب خلال العقود القليلة المقبلة لأن المحاكم مهمة جدا أيضا".
ترشيحات الرئيس والكونغرسديفيد هوكينغز، وهو محرر رئيسي في صحيفة "ذا أميركان ليدر" شرح في حديثه لقناة "الحرة" الطريقة التي تسير بها فيما يتعلق باختيار الإدارة المقبلة، إذ يرشح الرئيس شخصا ما لمنصب في مجلس الوزراء أو أي منصب رفيع، ثم يطرح لتصويت الأغلبية في مجلس الشيوخ.
وأضاف أن هذا "يبدو بسيطا للغاية. إذ وضع هذا الدستور في القرن الثامن عشر عندما لم تكن هناك قطارات أو طائرات أو سيارات، بل الخيول والعربات فقط. لذا لم يكن الكونغرس منعقدا في معظم أوقات السنة، وتضمن الدستور بندا ينص على أنه في الفترات التي لا يكون الكونغرس فيها منعقدا، يستطيع الرئيس إجراء أي تعيين مؤقت دون مصادقة مجلس الشيوخ، بحيث يبقى في هذا المنصب حتى الانتخابات المقبلة أي ما يصل إلى عامين".
وقال هوكنيغز إن ترامب ينوي استخدام جزء قديما من الدستور يتيح له إجراء تعيينات من طرف واحد في مجلس الوزراء وغيره من المناصب العليا وتعيين أشخاص اختارهم دون الرجوع لمجلس الشيوخ.
وذكر أنها خطوة مدهشة لكن ترامب يستطيع الإفلات بها، وإذا توحد الجمهوريين معا، سيحصل الرئيس المنتخب على كل ما يريده، لكن إذا عارض أربعة جمهوريين ذلك، فلن يحصل على ما يريد.
وقال هوكنيغز إنه "يأمل ويدعو أن يمنع هؤلاء الجمهوريون الأربعة دونالد ترامب من الحصول على ما يريده، ليس لأنني مع ترامب أو ضده، لكنني أؤيد امتلاك الكونغرس لشيء من السلطة في نهاية القرن الحادي والعشرين".
أغلبية ضئيلة في مجلس النوابوبين الصحافي ليبمان أن الجمهوريين استطاعوا الحفاظ على أغلبية ضئيلة في مجلس النواب، مشيرا إلى أن "ما حدث أنه كان هناك الكثير من المقاعد، فجميع المقاعد تصبح متاحة كل عامين، وتمكن المرشحون الجمهوريون من استغلال القضايا الوطنية الرئيسية كالهجرة والاقتصاد كما فعل ترامب لاستعادة السيطرة على البيت الأبيض، والذي منح بعض هؤلاء المرشحين دفعة للفوز".
وقال إن الأمر الغريب "أن انتخابات الكونغرس تدور عادة حول القضايا المحلية، كجسر يحتاج إلى صيانة أو مشروع إسكان يمثل أولوية هامة للدائرة الثالثة في أوهايو. لكن في الوقت الحاضر وبسبب وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الأخبار، صوت الكثير من الناس بناء على الاتجاهات الوطنية، وحتى إن كانوا راضين عن نائبهم الديمقراطي وما قدمه للمنطقة، فقد أرادوا إرسال رسالة إلى واشنطن ومنح الأغلبية لترامب، رغم كونها أغلبية ضئيلة. الأمر اللافت هنا هو أن ترامب أخرج بعض الأعضاء من مجلس النواب بشكل مؤقت لأنه ينوي تعيينهم في مناصب عليا".
وتابع ليبمان أن السفيرة لدى الأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي هم نواب أو كانوا حتى الأيام القليلة الماضي نوابا، وهذا يزعج الجمهوريين نوعا ما لأنهم لا يريدون خسارة الأغلبية ولو كان بشكل مؤقت.
من جانبه يعتقد الكاتب هوكينغز أن منصب رئيس المجلس مايك جونسون بـ "أمان، فقد قادهم للنصر، أو أنه على الأقل لم يقدهم للهزيمة. وعادة ما يكافأ المنتصر، كما أنه ثاني أبرز ضيوف ترامب في مارالاغو بعد إيلون ماسك، حيث يمكث جونسون هناك بينما نتحدث الآن، إذ قضى سبعة أيام متواصلة وهو كما يبدو يقيم في مارالاغو بشكل أو بآخر. وقد ربط نفسه بالرئيس، وعندما تربط نفسك بالرئيس فإنك تؤمن منصبك بكل بساطة".
الأولويات التشريعيةواستعرض الصحفي ليبمان الأولويات التشريعية بحسب تركيبة الكونغرس الحالية، والتي ستكون في مقدمتها "تجديد إعفاءات ترامب الضريبية التي أصدرها في وقت مبكر من فترته الرئاسية الأولى خلال السنة القادمة، حيث سيقوم بتمديدها والقول إن ذلك سيفيد الاقتصاد كثيرا".
ويرى أن "الكثير من الإعفاءات الضريبية أفادت الأثرياء من أفراد المجتمع على الرغم من أن قاعدة ترامب هي الطبقة العاملة، لذا فقد صوت العديد من الأثرياء في أميركا لصالح الديمقراطيين، على ترامب أيا أن يحصل على المزيد من الأموال من الكونغرس لتمويل حملات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، لكننا لن نشهد في العام المقبل اختفاء 50 مليون مهاجر غير شرعي من البلاد. لكنه سيعين المزيد من العملاء ويقيم المزيد من المنشآت لإيوائهم أثناء عمليات الترحيل، مع إعطاء الأولوية لأولئك الذين خرقوا القوانين الجنائية ليس فقط من خلال عبور الحدود، بل إن كانوا قد أدينوا في جرائم قتل أو اعتداء فسيكونون أول من سيتم ترحيلهم. لكن كل هذا سيتطلب مليارات الدولارات التي يجب على الكونغرس رصدها بدءا من مجلس النواب".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی مجلس الشیوخ البیت الأبیض دونالد ترامب على الکونغرس مجلس النواب من المقاعد على مجلس جون ثون إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما مآلات السياسات الاقتصادية والتجارية لترامب على أميركا والعالم؟
حالة من الترقب عاشها الاقتصاد العالمي إبان الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن بعد توليه السلطة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تحول الترقب إلى حالة من الارتباك، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وبخاصة لدى الشركاء التجاريين الكبار لأميركا.
وما يعكس حالة الارتباك على الصعيد الداخلي لأميركا ما أظهرته إحصاءات التجارة الخارجية، خلال يناير/كانون الثاني، من بلوغ عجز الميزان التجاري (للسلع والخدمات) 131.4 مليار دولار، بزيادة 34% عما كان عليه الوضع في ديسمبر/كانون الأول 2024.
أما على صعيد التجارة السلعية لأميركا، فقد لوحظ أن الواردات السلعية بلغت 329 مليار دولار في يناير/كانون الثاني، بزيادة 36 مليار دولار عن واقع الواردات السلعية في ديسمبر/كانون الأول 2024، مما يعني أن المستوردين حاولوا جلب أكبر كميات يمكن الحصول عليها من مستلزمات الإنتاج، قبل أن يرفع ترامب الرسوم الجمركية.
وكان ترامب قد اعتمد رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، وفي حالة الصين بلغت 20%، وقد وعد ترامب أن لديه خطة قيد الإعداد بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من الاتحاد الأوروبي.
لكنه بعد أيام قليلة من قراره فرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك بنسبة 25%، عاد واستثنى هذه المنتجات الخاصة باتفاقية "يو إس إم سي إيه" (اتفاق الولايات المتحدة والمكسيك وكندا) إلا أنه سيعاد النظر في هذا الأمر مطلع أبريل/نيسان المقبل، وفق ما يتحقق من تقدم في قضيتي تهريب المخدرات والبشر من هاتين الدولتين إلى أميركا.
إعلانولم تمض قرارات ترامب من دون رد فعل من قبل كندا والمكسيك والصين، فتم اتخاذ قرارات مماثلة بفرض رسوم جمركية بنفس النسب تجاه الواردات من أميركا.
وكان الجديد هو توجه كل من كندا والصين في 5 مارس/آذار الجاري إلى منظمة التجارة العالمية، وتقديم ما يعرف بطلب المشورة، أي أن تعقد الأخيرة جلسات للتشاور بين طرفي النزاع، حول ما اتخذ من قرارات تتعلق بالرسوم الجمركية، وتسوية الأمر وديًا، فإن فشلت هذه الخطوة، يتم التوجه لهيئة فض المنازعات بالمنظمة، وطلب التحكم في القضية محل النزاع.
سياسات ترامب والداخل الأميركييمكن قراءة أهداف سياسات ترامب الاقتصادية والتجارية، على الصعيد الداخلي، بأنها تتبلور حول 3 محاور:
توسيع دائرة وقدرات الإنتاج المحلي. العمل على زيادة الوظائف بشكل دائم وقوي. الحرص على أهمية الاعتبارات الخاصة بالأمن القومي.ونظرًا للرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بالفعل، ودخلت حيز التنفيذ، فإن أعباء المعيشة على المواطن الأميركي سوف تزيد للأسرة الواحدة بحدود ألفي دولار، وذلك وفق تقدير دراسة لجامعة ييل، بسبب ارتفاع تكاليف الحصول على السلع والخدمات، وهو ما يعني ارتفاع معدلات التضخم، التي تُعد في اتجاه معاكس لسياسة كبح ارتفاعات الأسعار التي يتبناها بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي.
وفي حالة ارتفاع معدلات التضخم، لن يتبنى الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) سياسة نقدية من شأنها تخفيض الفائدة، وهو عكس ما يريده ترامب، ومن المتوقع أن يعجل إبقاء مستويات الفائدة الحالية بالصدام بين ترامب ورئيس الاحتياطي.
ويعد القطاع الزراعي أحد المتضررين من سياسات ترامب التجارية، لأنها تعد المستهدف الأول من قبل رسوم الصين الجمركية في الحرب التجارية مع أميركا. وفي ولاية ترامب الأولى، اضطر لتقديم دعم للقطاع الزراعي بنحو 14 مليار دولار كتعويض عن خسائر الصادرات الزراعية الناتجة عن رفع الرسوم الجمركية في الصين.
إعلانأما على مستوى المستفيدين، فيمكن رصد عدة فئات، منها المنتجون المحليون، الذين يستفيدون من الحماية التجارية التي يوفرها لهم ترامب، عبر سياسة رسوم جمركية عالية على الواردات، بحيث ستكون السلع المحلية أرخص من السلع المستوردة، وقد تعمل بعض الصناعات في ظل هذه السياسة على احتكار السوق الأميركي مما يزيد أرباحها.
وقد يترتب على الحماية الجمركية، ضخ استثمارات جديدة من قبل القطاع الخاص الأميركي، وكذلك الأجنبي، بما يعني توفير فرص عمل جديدة واستيعاب الموظفين المطرودين من الوكالات الفدرالية، وبخاصة أن ترامب أعلن أنه حصل على موافقات للاستثمار في أميركا من قبل أجانب بنحو 1.7 تريليون دولار، وإن كان ضخ استثمارات بهذا الرقم يستلزم من الوقت ما يجعل ثماره تتحقق في الأجلين المتوسط والطويل.
عائد سياسات ترامب على الاقتصاد العالمي
في الأجل القصير، تُلقي سياسات ترامب بآثارها على سوق النفط بشكل واضح؛ ففي ظل توقعات تراجع معدلات التجارة العالمية، وزيادة القيود التي سيشهدها الاقتصاد العالمي فيما يخص التجارة الدولية، ما زالت أسعار النفط تحافظ على معدلاتها المتراجعة. ففي 7 مارس/آذار 2025، بلغت أسعار النفط في متوسطاتها الأسبوعية نحو 70 دولارا لبرميل النفط من خام برنت، ونحو 66 دولار للبرميل من الخام الأميركي.
وإذا توسع ترامب بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي والهند، فسيكون مستقبل أسعار النفط الاتجاه نحو المزيد من التراجع، وينقلنا هذا بدوره إلى نظرة سلبية لباقي مكونات سوق النفط، من حيث الاستثمارات والنقل وسوق التأمين على النفط وناقلاته.
وإبان أزمة تراجع أسعار النفط بعد منتصف عام 2014 وحتى 2018، تراجعت الاستثمارات في مجال النفط بشكل كبير، وكذلك تأثرت باقي الأنشطة المرتبطة بقطاع النفط من نقل وتأمين.
ولكن هذا التحليل يأتي في ظل ثبات العوامل الأخرى، بمعنى أن باقي دول العالم سوف ترضخ لسياسات ترامب.
إعلانونظن أن ترامب بتوسيعه دائرة الدول -التي سيرفع الرسوم الجمركية على وارداتها- سيدفعها لأن تكون غير عاجزة، بل قد يؤدي ذلك إلى حالة من العزلة أو شبه العزلة لأميركا وقد تكون هذه الفرصة المناسبة ليكون لتكتل "بريكس" دور ملموس في أداء الاقتصاد العالمي، بل وتشكيل نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب.
وقد تكون أمام الدول النامية والصاعدة فرصة في إعادة بناء المؤسسات الدولية، أو إنشاء مؤسسات أخرى، تعبر عن مصالح أكبر عدد ممكن من دول العالم، بخلاف ما هو قائم الآن حيث تخضع غالبية المؤسسات الدولية الاقتصادية لسيطرة أميركا والغرب.
موقف المنظمات الدوليةأعلنت المؤسسات الدولية، عدة مرات، اعتراضها على السياسات الأميركية الخاصة بتقييد التجارة، وكان ذلك واضحًا منذ ولاية ترامب الأولى، وذكرت التقارير الدورية للبنك والصندوق الدوليين، الحماية التجارية، كأحد المهددات للنمو الاقتصادي العالمي.
غير أن ترامب لا يعبأ بمنظمة التجارة العالمية، ويراها منحازة ضد أميركا، بل ويرى أنه من الواجب أن تخرج أميركا عن عضوية هذه المنظمة، لذلك مضى في إصدار قراراته الخاصة برفع قيمة الرسوم الجمركية، من دون أي اعتبار للمنظمة أو ما سيسفر عنها من توصيات وقرارات.
ولا شك أن نظرة ترامب هذه تجاه منظمة التجارة العالمية من شأنها أن تضعف دور الأخيرة، وبخاصة أن أعمالها التي تُعد بطيئة في اتخاذ التوصيات أو القرارات، ويكاد يكون نظامها القضائي في حكم الميت، لحرص أميركا على عدم اكتمال المحكمين داخل المنظومة القضائية بالتجارة العالمية.
وسيكون إضعاف التجارة العالمية له نتائج سلبية، بتحقيق المزيد من فقدان الثقة في مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي، وتأكيد أن الدول الكبرى تسير هذه المنظمات وفق مصالحها فقط، وأن الدول النامية والصاعدة مجرد أعضاء بلا صلاحية أو مصالح في هذه المنظمات.
إعلانختامًا، على ما يبدو أن حديث ترامب عن هدف عودة أميركا "أمة عظمى" ينطلق من مقولة "من يملك الذهب يضع القواعد" لكن ما نسيه ترامب أنه لم يعد وحده يملك الذهب، فثمة شركاء آخرون لديهم حصص من المعدن الأصفر، ولعل سياسته التجارية وتأجيجه للحرب التجارية عالميا لن يمكنه من العودة بالاقتصاد العالمي إلى مذهب التجاريين، والذي يقضي بالعمل على أن تكون مصدرا قويا قليل الاستيراد أو بلا واردات، لتحصل على المزيد من الذهب.
ومن الصعب أن يتحقق لترامب ذلك، فواقع غالبية الشركاء بالاقتصاد العالمي يدعون لحرية التجارة، وأنها تحقق مصالح الجميع.
وثمة مؤشر مهم قد يحدد تصرف باقي الشركاء في الاقتصاد العالمي، وهو مدى تقدير شركاء الاقتصاد العالمي لسياسة ترامب، هل يعتبرونها سياسة شخصية، وبالتالي تزول بانتهاء ولايته؟ أم سيعتبرونها نهجًا يخص الدولة الأميركية، وبالتالي، يبدؤون في تبني سياسات مضادة لما تتبناه أميركا والمضي قدما إلى إرساء قواعد جديدة لنظام اقتصادي عالمي جديد؟