الحب كحلم بعيد المنال.. رواية ثلاثية لأديب نوبل يون فوسه
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
الحُب وفقط، هذا ما يقدمه أديب نوبل النرويجي يون فوسه لشخصيات روايته، ثم يجردهم من كل مقومات الحياة، وكأنه يختبر الحب، في أضعف صوره وأكثرها هشاشة، حينما يواجه الحب، منفردا وحوش الحياة الضارية: الفقر والعوز والتشرد. يحرر فوسه تلك الوحوش، ويترك حبيبين، صغيرين في السن، يواجهان مصيرهما.
وطوال الرواية يظهر سؤال واحد بوضوح وتجل: هل يصمد الحب إذا انعدمت كل مقومات الحياة؟
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلمية إلى عشق اللغة العربيةlist 2 of 2الحياة الواقعية تحت وطأة الصراعات.. المرأة اليمنية في أدب وجدي الأهدلend of list
"كان لديه أليدا، الآن أصبحت أليدا هي الشيء الوحيد المتبقي له"
هذه الجملة السردية الموجزة، شديدة البراعة، يصف بها الكاتب حال أسلا، الشاب اليافع، ذو الـ16 عاما، الذي وجد نفسه فجأة، أمام أمه المستلقية على فراش الموت، في كوخ صيد يخلو تقريبا، من أي شيء ذي قيمة، عدا جيتار أبيه المتوفّى أيضا، منذ عام.
وفي هذا الفراغ الموحش، أول شيء يقفز إلى ذهنه، حينما رأى أمه مستلقية على الفراش وقد غادرتها الحياة، هي حبيبته أليدا، بشعرها الأسود الطويل، وبعينيها السوداوين، بكل شيء فيها، حبيبته الصغيرة، التي على وشك أن تضع طفلهما في أي وقت!
"كان أسلا وحيدا، وحيدا تماما، وكل ما يمتلكه في الحياة، هو نفسه" هكذا وصف الكاتب شخصية أسلا.
تبدأ الرواية أواخر الخريف، والدنيا ظلام، والطقس بارد، وأليدا على وشك الولادة، وليس لدى الحبيبين -أسلا وأليدا- مكان يعيشان فيه.
فلماذا أواخر الخريف، ليس الخريف فحسب؟ ولماذا تكون أليدا على وشك الولادة، ليست حاملا فحسب؟
هنا، يعتمد الكاتب في بناء نصّه على لحظة المحك، أصعب لحظات الحياة، حيث تجتمع المصائب والمصاعب، في آن واحد: مصيبة الموت، ومصيبة فقدان البيت، وصعوبة أواخر الحمل، وقسوة الجو البارد.
كما أن أواخر الخريف -حيث الجو شديد البرودة- بها رمزية، أي أن الوضع صعب في الحاضر، وفي الوقت نفسه الشتاء لم يبدأ بعد، أي إشارة إلى مستقبل مجهول وصعب.
وبهذا أراد أن يحيلنا الكاتب مباشرة إلى لحظة الاحتدام، لحظة تعرّض الحب اليافع، البسيط، والمتأزم بشدّة، الذي لا يملك حتى كوخا صغيرا يجمع الحبيبين فيه، إلى عواصف شديدة.
ثنائية الحلم الواقعيلعب الحلم دورا أساسيا، في نص يون فوسه الفريد، وكأنما أراد الكاتب أن يقول -عبر نصّه- إن الأحلام تكون البديل الوحيد حينما تنعدم مقومات الحياة، وانطلاقا من تلك الفرضية، يتدرج الحلم في رواية "ثلاثية" عبر 3 مستويات:
الحلم أملا في حياة أفضل الحلم في مواجهة الواقع الحلم بديلا عن الواقعوكل مستوى من المستويات الثلاثة هي فترة زمنية يعيشها الحبيبان، فعندما تزداد الحياة قسوة، يتطرف الحلم أكثر، ويخرج عن طبيعته، يكبر ويكبر، حتى يصير الحلم هو الحياة نفسها، وفي آخر فصول الرواية، يعجز القارئ فعليا عن فصل الحلم عن الواقع، فيتماهى الحلم متغلغلا في السرد.
في بداية الرواية، يكون الحلم أملا حيويا في حياة أفضل، فنجد الحبيبين يحلمان ببيت يجمعهما، وبمكان دافئ ترتاح فيه أليدا من تعب الحمل، وبهذا الحلم تندفع الأحداث للأمام، ويبحران الحبيبان لمدينة جديدة بعيدة، أملا في حياة أفضل، وحينما يصدمهما الواقع المرير، ويرفض الناس أن يؤجروا لهما بيتا أو حتى غرفة، لأنهما صغيران، وغير متزوجين، يظل الحبيبان من دون مأوى في الشتاء وتحت المطر، وأليدا حامل وأسلا لم ينم منذ مدة طويلة.
وهنا يتطرف الحلم، ويصبح في مواجهة الحياة، حيث يبدو تحقيق الحلم الأول، وهو حياة وبيت ودفء، أولوية قصوى، مهما كان تنفيذ هذا الحلم صعبا، ومهما كانت تكلفة تحقيق هذا الحلم البسيط، والصعب!
وهنا سر الانتقال إلى المرحلة الثالثة في الثلاثية، حيث الطريق الذي يأخذه أسلا في تنفيذ حلمه، وهو طريق الجريمة، سيلغي الحياة الهادئة، فيتحقق الحلم وتضيع الحياة، وبهذا تبدأ المرحلة الثالثة، وهي الحلم بديلا عن الحياة ورفضا للواقع.
فحينما يتحقق الحلم بالفعل، ويعيشا في بيت رائع، مليء بالطعام والدفء، تنهار الحياة، حيث إن تحقيق الحلم كان عن طريق ارتكاب جريمة قتل. فيبدو الحلم أهم من الحياة، وما بعد تحقيقه، تتجه الشخصيات إلى العيش في أحلامها والانفصال عن الحياة التي أخذت تنهار.
المعاني في أدب يون فوسه تشترك مع الشخصيات في دفع النص للأمام، لذا فهو يخصص لها مكانا كبيرا في السرد (الفرنسية) الحبكة في أدب يون فوسهالسرد هنا ليس مجرد أداة لنقل الأحداث واستعراض الحبكة، بل هو مشارك رئيس في صياغة المعنى. فحينما يدور المعنى في الأحداث حول التداخل ما بين الحلم والواقع، نجد أن السرد نفسه يمتزج فيه حلم الشخصيات بواقعهم بأسلوب ساحر. فيكون السرد هو الوسيط وهو الرسالة.
وهذا ليس غريبا عن أسلوب يون فوسه المتبع في رواياته، حيث تختلف الحبكة في أدب يون فوسه في معناها المعروف.
فالحبكة الروائية هي الأكشن الذي يقوم به الشخصيات، وهذا الأكشن يلعب دورين: الأول دفع النص للأمام، والثاني تعزيز معاني النص الأدبي ورسالته عبر الأحداث وتسلسل تعاقبها.
أما في أدب يون فوسه فتختلف الحبكة تماما، فالمعاني تشترك مع الشخصيات في دفع النص للأمام، كما يخصص لها مكانا كبيرا في السرد، مثل معنى "الحلم" في رواية "ثلاثية"، فهو يؤدي دورا رئيسيا في دفع الحبكة للأمام، وربما يفوق الشخصيات في ذلك.
لذلك، حينما نستخدم لفظة "حبكة" مع يون فوسه، يجب أن ندرك أن حبكته الروائية تختلف في معناها عن أي كاتب آخر، لأنها لا تعتمد على الأكشن، ولا الشخصيات، بقدر اعتمادها على المعاني، كالحلم والموت والفقر، فأحيانا كثيرة يكتفي يون فوسه بإظهار المعنى في النص وتركه يتحرك ويعبر عن نفسه، ولا يلجأ إلى الحركة والأكشن واحتكاك الشخصيات ببعضها بعضا، يمكن أن نقول إنّه يعتمد بشكل أساسي على احتكاك الشخصيات بالمعاني ومفردات الحياة، أكثر من احتكاك الشخصيات ببعضها بعضا، وهذا يفسّر قلة الشخصيات في رواياته.
فمثلا، في رواية "صباح ومساء"، الغياب والبحر هما البطلان الرئيسيان في الرواية، يشاركان البطل الرئيسي، ويدفعان النص للأمام، وأما في رواية "ثلاثية"، فالحب والحلم والموت، هم الأبطال الرئيسية، وينتج النص الروائي من احتكاك الشخصيات بتلك المعاني.
رواية "صباح ومساء" هي رواية استثنائية، تُرجمت إلى أكثر من 10 لغات، كما جرى تحويلها إلى عمل أوبرالي (الجزيرة)ولهذا السبب تحديدا جاء في خطاب أكاديمية جائزة نوبل للآداب، حينما توِّج يون فوسه الجائزة عام 2023، ووصفت أدبه قالت: "نثره الذي يعطي صوتا لما لا يقال".
فالحلم والغياب والموت لا صوت لهم، وإنما يؤثرون في الشخصيات والأحداث والحياة برمتها، أما في سرد يون فوسه، فهو يعطي لتلك المعاني المساحة الكافية ليكون لها صوت وحضور قوي.
ولهذا يعتمد يون فوسه في رواياته على أسلوب السرد البطيء، وهذا هو موضوع المقالة القادمة، حيث سنستعرض فيها السرد البطيء وأسلوب الذبابة على الحائط في الكتابة الروائية.
وفي السرد البطيء يكون السرد متأنيا، يتتبع المعاني طويلا التي تعقب الأحداث، يعطي لها أهمية بالغة، يحللها، ويعكسها على الشخصيات، وبالتالي نجد أن القرّاء المحبين للأدب التجاري، والحبكات السريعة الدرامية، كثيرا ما يشعرون بالملل في أثناء قراءة روايات يون فوسه، ذلك الأدب الذي لا يلتقط كنوزه سوى القارئ المتأني، الصبور، الذي يبحث عن المعاني لا عن تعاقب الأحداث.
ويون فوسه هو كاتب نرويجي، ومن مؤلفي المسرحيات الأكثر عرضا في العالم. فقد كتب أكثر من 30 نصا مسرحيا، عرضت في أكثر من 900 عرض حول العالم، لتصبح مسرحياته الأكثر أداء لكاتب على قيد الحياة. ومن بين أبرز مسرحياته: "Namnet (الاسم)"، "Vinter (الشتاء)"، "Ein sommars dag (يوم صيفي)". توجت مسيرته بالفوز بجائزة نوبل للآداب 2023، والتي فاز بها "لمسرحياته المبتكرة ونثره الذي يمنح صوتا لما لا يمكن قوله".
صدرت روايته الأولى "أحمر أسود" عام 1983، وسباعيته "الاسم الآخر" في جزأين (2019)، و"أنا هو الآخر" عام (2020)، و"اسم جديد" في كتابين (2021)، وترجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة حول العالم، ومن رواياته التي ترجمت للعربية رواية "صباح ومساء" (2018) ورواية "ثلاثية" (2023).
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشخصیات فی فی السرد فی روایة أکثر من
إقرأ أيضاً:
إرتكازات ثلاثية الأبعاد لإجهاض مشروع الثورة في بناء الدولة المدنية [4 -1]
بقلم / عمر الحويج
هناك ثلاث إرتكازات اعتمدتها الثورة المضادة وحلفائها وأجترحتها صناعياً ، من حويصلات فكرها الظلامي العدواني الإقصائي ، ونهضت على بنائها ، رسمياً وإعلامياً ، قبل الحرب وواصلتها بحماس أكبر بعد الحرب ، لتمرير خطابها الهجومي الإنتحاري ، اللا أخلاقي ، وغير المستوي على قدمين ، ضد مشروع ثورة ديسمبر المجيدة ، التي إنبثقت وهلت لإستكمال مشروعها الحداثوي النهضوي الإنمائي ، بقيام الدولة المدنية الديمقراطية ، وهي إجمالاً ثلاث مسارات أو إرتكازا ت هجومية ، منبعها الخيال الرغبوي المتخيل ، في سبيل العودة للسيطرة على الثروة والسلطة ، يتمركز أول البؤر الرافعة لهذه الإرتكازات ( والمصطلح مأخوذ من لغة الحرب اللعنة) وهي النكران التام ، والإختفاء القسري هلعاً ، والمتستر خلف جدر الظلام ، لأي دور للحركة الإسلاموية ونظامها البائد التخريبي ، قبل الحرب وبعد إشعالها للحرب ، وإندساسها المشين خلف جيشنا الوطني ، المختطف من قبل عناصرها الأمنية ، الذين ينفذون لها خططها التآمرية كاملة غير منقوصة .
ثانيها الهجوم المباشر والشرس على قوى الثورة بكافة فصائلها ، وعلى ذات الثورة وفكرتها ، متخذة من قوى الحرية والتغيير "سابقاً" ، وحكومتها الإنتقالية ، وتحولها إلى تقدم "حالياً" ، وإن تغير الإسم وبقي المضمون ، مستغلة أخطاء الأولى الفارغ جرابها وخوائه من الحنكة الثورية ، فأتخذوا منها ، كبش فداء ومدخل للوصول لأهدافهم الخبيثة ، وللنخر والهدم في جسد الثورة 'القرنعالمية' نالتها عن جدارة واستحقاق . والتي لم يسبقها في زخمها وقوتها ، وبسالة شبابها من الجنسين ، وقوة شعاراتها ، إلا الثورة الفرنسية .، وإن فاقتها بشعاراتها الجذرية وبسلميتها الراسخة .
وثالثها خطتها الخبيثة لتوسيع هوة الخلاف بين قوى الثورة ، والجهد المفرغة نتائجه ، لعزل اليسار العريض وخاصة الشيوعي من معركة التغيير التي خاضتها وتخوضها كل قوى الثورة مجتمعة ، التى أسهمت في انضاج وإنجاح الثورة ، وسوف نأتيها في تفاصيل الموضوعات الثلاثة لاحقاً .
وفي الحقيقة فإن قوى الردة وحلفاؤها ، لم ينضب معينهم بعد ، ولم يهدأ لهم بال ، منذ إنتصار الثورة ، وظل عزمها قائماً متواصلاً وممتداً ، منذ إنقلاب أُكذوبة ، الإنحياز للثورة في 11 أبريل 2019 ، وحتي إشعال هذه الحرب اللعينة والعبثية في 15 أبريل 2023 ، حيث جاءت عبثيتها ، أنها بين جسد واحد ورغبتين متنازعتين ، نهايتها يعرفانها ، نصر أحدهما على الآخر ، وهو المستحيل ، فهذا رضع من ثديّ ذاك والعكس صحيح ، أو في النهاية قضاء أحدهما على الآخر قضاءاً مبرماً ، وهذا عين الإستحالة ، لأن ميزان القوى التسليحي بينهما متوازن ، والآخرين لا دخل لهم بعراكهما العبثي هذا ، غير أنه يقع على عاتق أجسادهم المكدودة ، قتلاً ونهباً ، نزوحاً واغتصاباً .
وعن الإرتكازات وما هيتها ، فقط هي أحلاماً وهمية مجردة ، مشحونة باللا منطق العقلاني ، ولا ركيزة لها أخلاقية ، إنما منسوجة عمداً ، بذكاء خبث الثورة المضادة ، بالتحوير والتزوير والتبرير ، مُصنَّعة بأيدي صاحب الحق الأصيل ، في الهدم والتخريب ، المتمرس في قيادة أشراره المتكاثرة النسل والتفريغ ، ينثرونها في فضاء المنتفعين من خارجهم ، وينخدع بها حتى الطيبون/ات ، ويتولى كل هذا التحالف ليرتب خفايا الترويج لها ، والآخرين الساذجون يستحسنونها ويصفقون لها بل ويعلون من شأن فرعياتها ، ليحلَّوا لأكلوها مذاقها ، وتصويرها وكأنها معركة الشعب الوطنية الكبرى ، وأن الحرب ماهي إلا معركة كرامة ، ضد الإستعمار العالمي والإقليمي قبل الداخلي . أما معركتهم مع عدوهم ، تؤامهم السيامي الإلتصاقي التسلطي ، فما هي إلا معركة تأديبة وإن كانت شرسة ، فهي معارك تدور كمعارك مصارين البطن الواحدة ، يعود بعدها الوئام بينها ، لتقاسم السلطة والتسلط ، لتفرض المصالح بين التوأمين المصالحة ، وباب الجنوح للسلم مفتوح ، فإن جنحوا له "أوكما قالت " جنحنا إليه !! ، ولن يكون هذا السلم المرغوب منهما ، هائماً سرمدياً في علم الغيب ، إنما متوقعاً من طبيعة تكوين الطرفين ، الظلامي الإستعلائي ، التكويشي للسلطة والمال ، والجاه في مظهره الشبقي للتعدد الحريمي البذخي ، من منبع فكرهما الظلامي ، بحيث كادت أو بالفعل أصبحت هذه الإرتكازات لبعضهم مسلمات ، لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من أمامها ، وهي التي تقودهم لكنز السلطة المفقود ، لا تقبل عقولهم بغيرها ، أعني عقول من إستهدفتهم هذه الإدعاءات عديمة الجدوى والقيمة والمنطق ، الخالية من السند ودليل الإثبات ، ممن صادفت مصالحهم أو ميولهم الثقافية والسياسية والإجتماعية والقبلية والإثنية داخل خط الثورة المضادة ، أما الفكرية رافعة المجال الحيوي التي يحكمها النشاط الحركي معرفياً وعلمياً ، حيث المفترض أن تكون لهذه الجبهة عاصم الوقوع في الزلل ، فتجد التمحيص من لدن سامعيها ومتابعيها ، من فئة هؤلاء المثقفين والكتاب المتمرسين في التحليل النقدي ، وفي البحث العلمي عن معانيها ، وما ترمي اليه هذه المرتكزات ومن رماها !! ، ليضعونها تحت المجهر المعرفي الإستقصائي ، حتى يجلون حقيقتها فإن صدقت تبِعُوها ، وإن بان خطلها ، ولامنطق يسندها ، عقلياً و أخلاقيا فلينبذوها ، ولكن ما حدث حسب ما نرى ، أن بعضهم قد أنفذت هذه الإرتكازات سهامها السامة ، ونالت أهوائهم ، فتناولوها بالتاييد ، وراقت لهم ، بل إستل بعضهم سيوفهم ، ليس ضدها ، مع بعدها عن الحقيقة ، إنما ضد هؤلاء الآخرين الذين إستهدفتهم تلك المرتكزات المغرضة بغرض النيل منهم وإزاحتهم ليس من المشهد السياسي ، إنما من مسرح الحياة ، وإن كنت لا أعمم ، فمثقفينا وكتابنا في تمام خيرهم وشدت بأسهم ، جنوداً لشعبهم ووطنهم ، فقط أعني أؤلئك المثقفين والكتاب الذين لاعلاقة ولا مصلحة مباشرة لهم ، في الترويج لهذه المرتكزات الضدية ، وقطعا لا أعني من أيدوهم في دعمهم للجيش ، من منطلق حس وطني ، مشفق على جيش الدولة الوطني من فناء وإنتفاء اللادولة ، وإن كانوا مع الثورة والتغيير وضد الطرف ألآخر حتى النهاية ، إنما أعني اؤلئك الذين جرفهم تيار الثورة المضادة ، ولفظتهم الثورة من عباءتها ، وتركتهم هأئمين تابعين بوعي أو بغير وعي لغيرهم من قوى الظلام ، فتباروا في نشرها وترويجها ، تلك الإرتكازات الشريرة ، وكان أحرى بهم ، دحضها وتفنيد دعاويها الملفقة كذباً ، والعمل على دفنها حتى تلاشيها ، فور صناعتها ومن ثم تصديرها من قبل مبتكريها .
ولهذه الإرتكازات المنسوجة بذكاء ، لإذكاء نار الحرب ، بروزها الأساسي ، ومحورها هو الحرب وإشعال نيرانها ، وإن بدأ دخانها منذ إنطلاق الثورة المجيدة ، وزنَّ اصحابها على لسان المتخفي الأول (زن ، زن . زن) المتلاحق لحظة بلحظة ، من قبل أعداء الحياة في آذان الناس المسالمة ، لا يدانيها أو يقابلها ، إلا مقولة وزير الإعلام النازي جوبلز ، (أكذب أكذب أكذب) حتى يصدقك الآخرون ، لياتي ويصدقها صاحبها قبلهم ومن بعدهم ما صدقه جحا الأكول !! .
ومن قوة سريان هذه الإرتكازات غير الحربية ، وإن كانت في شرها ، حددت للناس مواقفهم من الحرب نفسها فأنقسمت جبهتين (وإن لم تكن مناصفة ، ولا متقاربة ، لأسباب معلومة منها صوت المال والسلطة وفوضى الحرب) فكانت الجبهتين :
- مع الحرب وإستمرارها ومن ثم "نعمها" للحرب .
-أو مع "لا للحرب" وإنهائها الفوري ، ليسلم الوطن من شرورها .
وكما نرى فإن اثرها كان عظيماً ، لمن بها هم ساروا وطبلوا لها ، بحيث أنها زادت النار لهيباً وإنتشاراً ، ولمن ليسوا بها مقتنعون. شغلت كذلك وأثارت دهشة عقولهم لعجائبية منطقها الذي يسندها في سرديتها ، فهي بملامحها العريضة ، ظاهرة المنبت والمنشأ كوضوح شمس الظهيرة ، أنها صادرة من قوى الثورة المضادة ، ولكن صَدَّقها ودافع عنها حتي من هم أنصار الثورة كانوا ، ووقعوا في فخ دعمها كحرب كرامة ، وهي ليست إلاحرب تنازع سلطة ، بين الطرفين التوأم ، العسكروز والجنجوكوز ، وضاع وسط نيرانها الفتاكة ، أؤلئك الذين يعيشون تحت سعيرها وفي خندق الموت والجوع والنزوح والإذلال اين توجهت أقدامهم ، ولأنهم الأكثر تضرراَ وحيرة ، فهم يبحثون عن كل سردية فيها ، لانهم الذين يحاصرهم الموت بين جناحيه النعم واللا ، فكيف يريدونهم أن يقولوا نعم للحرب وهم المكتوين بنارها ، هل هذا منطق العقل والأخلاق ، أن يطالب مخلوق بشري باستمرار الحرب أي حرب في الدنيا ، ويسميها "بلا حياء"حرب كرامة ، والحرب ما هي إلا أس البلاء والإبتلاء ، في إنهاك وإنتهاك شرف ونقاء قيمة الكرامة .
ونواصل في القادم من الأيام ، فحص هذه الإرتكازات الثلاث ، اللجنة الأمنية التى تحكم بغير شرعية ، وتقولاتها البائرة ، ثم تقدم والإفتراءات التي لاقتها وتحملتها ، رغم تقصيرها في إخماد المد الثوري ، وأخرها اليسار وخاصة الشيوعي ، ومحاولات عزله بعد إسكاته ، وفيها نتساءل هل هي مع المنطق والأخلاق هذه الإرتكازات المصنوعة ، أم هي بقصد التجهيل للغرض المجهول المعلوم .
omeralhiwaig441@gmail.com