[ إنها عملية تأصيل فساد … لا عمل إصلاح ]
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
بقلم: حسن المياح – البصرة ..
لا تعجب ، أو تتنحس ، أو تنزعج ، ومعلوم أن الحق وكلامه ومنطقه وكلمته يصعب تحملها ، فضلٱ عن الركون اليها ، لأن الحق ثقيل في الميزان لا بدانيه وزن باطل ، وأنه مر علقم ، والإنسان يميل الى الخفة والخفيف ، ويستأنس بالحلاوة والحلو اللذيذ ؛ ولا يريد ، بل لا يحبذ ولا يميل الى الثقل ولا الى الثقيل ، فضلٱ عن أن يدنو من المرارة ليتجرعها ، أو يقترب من المر ليذوقه، وذلك لما هو عليه من تجربة خابرة سابقة من لذع مرارته.
أن كل الوجوه السياسية المرشحة للإنتخابات المحلية ، لما تستعرضها ، وتستقرئها ، تراها هي نفسها تلك الوجوه المجربة الغاضبة التعيسة العابسة ، وأنها هي نفس وجوه أولئك الشياطين اللصوص السياسية الحاكمة ، وهي نفس أولئك أبالسة النهب وجاهلية الصعلكة …. والمجرب لا تسأل عن الدليل عن إثباته ، أو التثبت منه ….. ، لأنه من نفس الأقيسة التي دلائلها معها ، من خلال سلوك تجاربها ….
وهؤلاء هم أولئك المجربون الفاسدون البائسون ، اللصوص المنتحلون ، البلاطجة القاتلون الٱثمون ، الرافضون للحق ، والمنكرون لمنطق كلام الحق ، والمقاتلون المعادون كلمة الحق ، لما يسوقها الكاتب نقدٱ موضوعيٱ ، لما هم عليه من شر ولصوصية ، وفساد وإمتهان كرامة عبودية ، ولوثة تفكير عقل لا يخدم العراقيين ، وكل الإنسانية ….. ؟؟؟ !!!
الفاسد المخضرم هو نفسه الفاسد الذي يرشح للإنتخابات ، وهو نفسه اللص الذي سرق وجاء مرة ثانية يرشح في إنتخابات المجالس المحلية ، وهو نفسه الصعلوك الذي رفضه الشعب أن يتصدى للمسؤولية ….. وهو … ، وهو …. ، وهو …. ؟؟؟ !!!
لا جديد تحت الشمس المشرقة المنيرة من مرشح نبيل شجاع نزيه ، عصامي مؤمن وطني كريم ، مضح مؤثر للصالح العام على منفعة الذات التي تتقدم للترشيح ، لتحقيق مكاسب وطنية للشعب العراقي ، بدلٱ من أن تسعى الى نفخ جيوبها من المال المسروق السحت الحرام ، وحتى تتورم أرصدتها لتنتفش ثراء حرامٱ ، مقابل بؤس وإفقار الشعب العراقي ، الذي تدعي ، وتزعم تلك الذوات المجرمة الهابطة ، أنها ما جاءت ، إلا لتخدم العراق والعراقيين ….. ؟؟؟ !!!
والمثل العراقي الشعبي العامي يصور حالهم بكل دقة … ، وضبط … ، وتفصيل … ، لما يقول هو ذلك { الطاس } ، وذلك هو { الحمام } … لا تغيير ، ولا تبديل ، ولا تطور ، ولا تحسن نحو الأفضل يذكر …… ؟؟؟
والإنتخابات للمجالس المحلية مشروعها ، وبنيانها ، هو الفساد بعينه ، ولحمه ، وعظمه ، وشحمه ، وكل مواد تركيبه ، لأن المجرب الفاسد ، لا يجرب مرة ثانية ، كما تقول المرجعية الرشيدة التي لا تحترمها كل الأحزاب ، وخاصة التي تسمى نفسها ، زورٱ وبهتانٱ ، وخداعٱ وغشٱ ، وزيفٱ وكذبٱ ، أنها أحزاب إسلامية لما تقرر المرجعية الرشيدة ، وتريد ، وترشد ، وتشير ، وتدلي برأيها ، وتعلم ، وتوجه ……
والمؤمن —- كما في الحديث الشريف —- { والمواطن العراقي الملسوع عضة إفعى كوبرا سامة ، عليه أن لا بقترب الى الحبل ، الذي هو مثلها ناعم أملس يتلوى وينطوي ، ويلتف ويقيد ، ويمنع ويحبس ….. } لا يلدغ من جحر {{ إنتخابات المجالس المحلية }} مرتين …..
الأحزاب المرشحة هي ، وأشخاصها هم ، نفس تلك الجهات والوجوه المجرمة اللصوصية السارقة ، الدكتاتورية الظالمة ، المستأثرة الفاسدة ، البلطجية المنتقمة ، الحاقدة الصعلوكة الناهبة …..
فأين التغيير …. ؟؟؟!!!!
وأين الإصلاح ….. ؟؟؟!!!
والذي شب على الفساد ، يبقى ويتأصل هو نفسه الفاسد المجرم على طول الخط ، وفي كل الميادين والأحوال ، والأمكنة والأزمنة …..
وإنا لله وإنا اليه راجعون ….. من ركود ، وغفلة ، وتحجر تفكير ، هذا الشعب النائم السكران ….. ؟؟؟ !!!
المطلوب { صحوة وإفاقة } …. حتى يكون التغيير والإصلاح ….. !!!
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
إلى ولدي لأحمد أمين
تعرفت على كتاب (إلى ولدي) في السنة الأولى من التحاقي بمعهد العلوم الشرعية، كان كتيبا صغيرا مكونا من 60 صفحة فقط، قدمه لي أحد مشائخ الدين الأعزاء، ووضح لي أهمية هذا الكتاب لطلاب الجامعة بعد أن لحظ استغرابي وقد كنت حينها قد أنهيت قراءة بعض من أهمات الكتب الشرعية واللغوية وحفظت بعض المتون، ثم أذعنت له وقرأت الكتاب في ساعة أو ساعتين وأعجبت به أشد الإعجاب وجعلت من نصائحه منارات خلقية وعلمية في مسيري العلمي والمهني رغم اختلافي لبعض ارائه، وذلك لما وضع فيه أحمد أمين من خلاصة فهمه للحياة والاجتماع، وهو على بعد بضع سنوات من رحيله عن العالم، وقد كتب هذا الكتيب في الاساس كمقالات تربوية وجهت للشباب والفتيات في المرحلة الجامعية، وقد صادف أن له ابنا يدرس الهندسة في انجلترا، فوجه رسائله إليه مما اضفى عليها مزيدا من الصدق والعاطفة المخلصة.
ومن باب الحرص على تعريف شباب جيلنا هذا بالكاتب المصري أحمد أمين فهو أحد أبرز المفكرين والمؤرخين العرب عاش في الفترة بين 1886- 1954م، اشتهر باسهاماته الفكرية والثقافية، ويبدو لي إنه أول من قدم قراءة نقدية وفكرية متكاملة عن التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية منذ الجاهلية وحتى سقوط الخلافات في كتبه فجر الاسلام ثم ضحى الاسلام وظهر الاسلام بأسلوب تحليلي مبسط، أي أنه لم يكتف بسرد التاريخ كما هو مذكور في الموسوعات والسير، وإنما قرأه قرائة عقلية مستخدما المنطق في مناقشة الأحداث ومستغلا أفضل ما توصل إليه العلم الحديث من أساليب علمية بحثية مما يمكن استغلاله في مشروعه كالاستنباط والاستقراء والتحليل، مما جعله هدفا للنقد والهجوم من قبل مخالفيه ممن لم يتمكن من التخلص من التقليد والاستفادة من العلوم الحديثة وتطورها. لهذا نجد أحمد أمين في نصائحه هذه يقارن بين ثنائيتين زمانيتين (الماضي الذي نشأ فيه والحاضر الذي يعيشه ابنه) وثنائيتين مكانيتين (الغرب المتقدم حضاريا وعلميا والشرق المتمسك بقيمه ودينه لكنه المتأخر علميا) وثنائيتين فلسفتيتين هما (الخير والشر).
ولم أختر لكم هذا الكتاب رغم إنه قدم لجيل غير جيلنا هذا، وفي عصر لم يتصور فيه أن يصل العالم إلى هذا المستوى من التقدم والرفاهية وأسلوب العيش، إلا لأن الإنسان في طبيعته لا يتغير والقيم العليا لا تختلف مهما تغير المكان والزمان، يقول الكاتب في معرض مخاطبته ابنه "فالمتغيرات بين الناس مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة تغيرات سطحية وأمور عرضية، وأما الانسان في جوهره والجمعيات البشرية في نزعتها الأصلية فترجع إلى أصل واحدة، ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد تجارب الخلف" ويخاطبه مقارنا بين زمنيه: "إني أعلم إنك قد خلقت لزمن غير زمني، وتربيت تربية غير تربيتي، ونشأت في بيئة غير بيئتي، لقد كنت في زمني عبد التقاليد والأوضاع، وأنت في زمن يكسر التقاليد والأوضاع، وكنت في زمن شعاره الطاعة، الطاعة لأبي ولأولياء أمري، وأنت في زمن شعاره التمرد."
ثم يبدأ نصائحه كلها بالسمو بالعدل في القول والسلوك والتمسك بقول الحقيقة فيقول "أهم ما جربت في حياتي إن قول الحق والتزامه، وتحري العدل وعمله، يكسب الإنسان من المزايا ما لا يقدر، لقد احتملت في سبيل ذلك بعض الآلام، وأغضبت بعض الأنام، وضاعت علي من أجله بعض المصالح، ولكني برغم ذلك كله استفدت منه راحة الضمير، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل، واستفدت منه حسن ظنهم بما يصدر مني ولو لم يفهموا سببه" ثم يعود منتقدا الذين يتمسكون بالعدل والحقيقة لكن بسماجة وقلة أدب فيقعون في شر أفعالهم فيقول" فتعلم من هذا أن تقول الحق في أدب وتتحرى الحق والصدق في لباقة ولياقة، ولا تتعجلن النتيجة فقد تمس من الحق نارا".
ثم يتحدث عن المال فيقول فيه "قد أقنتعني التجارب أن المال وسيلة من وسائل السعادة حقا، بشرط أن يطلب باعتدال وينفق باعتدال، وبشرط أن يبقى المال وسيلة أبدا ولا ينقلب غاية أبدا" أما عن رأيه في الدين فيرى أن الدين ضروري لسعادة الانسان فيقر "يعجبني من الدين أن يكون سمحا لا غلظة فيه، وألا يكون ضيق الأفق فيناهض العلم، بل يؤمن صاحبه بأن له مجاله وللعلم مجاله، وإن الدين الصحيح لا يناقض العلم الصحيح، فالعلم لحياة العقل والدين لحياة القلب".
وفي نصيحته الثانية يطرح قضية الطلبة المبتعثين للخارج ويفصلهم إلى أنواع فمنهم من يذهب للهو والعبث ولا يستفيد من بعثته لا شهادة ولا علم ومنهم من يذهب لأجل الشهادة والحصول على درجة في عمله دون أن يحتك بالناس فلا يستفيد من ثقافتهم ولا من حضارتهم، ومنهم من يستفيد وعندما يعود يكون ناقما على أوضاع بلده غير ساع لمحاربة الرذيلة والانتصار للفضيلة، "إن الامة ترسل مبعوثيها ليكونوا خير ذخيرة لها وقادة إصلاحها ومتزعمي نهضتها،... ، إن كل مبعوث فبعثته دين عليه لأمته لأنها ربته أولا في أحضانها ثم أنفقت عليه من مالها لينضج في خارجها، فإن هو جحد الدين وتنكر صنيعها أصبح أكبر غادر وأخس جاحد".
ثم يطرح في نصيحته الثالثة مسألة الذوق وأهميه في سلوك الفرد وثقافته وكذلك في المجتمع ككل، وهو من أهم المسائل التي يفتقرها مجتمعنا اليوم وشبابنا، "أي بني: إن الذوق عمل في ترقية الفرد والجماعات أكثر مما عمل العقل، فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع ليس فرقا في العقل وحده، بل أكثر من ذلك فرق في الذوق، فلئن كان العقل أسس المدن ووضع تصميمها، فالذوق جملها وزينها، وإن شئت أن ترى قيمة الذوق في الفرد، فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء، وجرده من الاستمتاع بجمال الطبيعة وجمال الأزهار، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل والأدب الرفيع ولاصورة الرائعة وجرده من الحب، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياته".
"أي بني لقد جربت الناس فوجدتهم يخضعون للذوق أكثر مما يخضعون للمنطق، فبالذوق لا بالمنطق تستطيع أن تستميلهم وتأسرهم وتوجهم.. "
ثم نصائحه التالية يتحدث عن المسائل السياسية والاحزاب، وإنه من المهم إن يكون للشاب توجهات سياسية واراء دون أن تتحول إلى أفعال مشينة تضر الأمة وتعطل مصالحها، وإن كان ثمة طاقة في الشباب لمناصر اراء فلتكن فيما يخدم الأمة ويحميها من أعدائها، بشرط أن لا تكون الامور السياسية شاغلا له عن درسه وعمله واسرته وتحصيله.
أما في مسألة الحقوق فيقول: "أكثر ما يؤلمني فيك وفي أمثالك من الشباب أنكم فهتم الحقوق أكثر من الواجب، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتهم أنفسهم بواجباتكم، والأمة لا يتسقيم أمرها إلا إذا تعادل في أبنائها الشعور بالحقوق والواجبات معا".
ثم يعود ليقارن بين حال زمانه وحال زمان ابنه وما ينطبق على شبابنا اليوم: "أي بني: لقد غلونا في جدنا وغلوتم في هزلكم، غلونا في جدنا حتى اكتئأبت نفوسنا، وانقبض صدورنا ولم تتفتح للحياة كما يجب، وغلوتم في هزلكم حتى صرتم كالشيء التافه لا طعم له، وحتى صرتم شيئا رحوا ينكسر لادنى ملامسة، ويوم يجد الجد وتظره المصاعب فتتطلب تحمل المسؤولية، نجد لكم أيديا مسترخية وقلوبا متخاذلة، وإرادات واهية، أضعفتها كثرة طلب اللذة، وقلة تعود مواجهة الصعاب وحب الترف والنعيم".
ثم يعرج للحديث عن اللذائذ وأهميتها للانسان وأنواعها "لست أريدك أن تكون راهبا، فمتى خلقت إنسانا لا ملكا فلتكن إنسانا له ملذاته وشهواته في حدود عقله ومنفعته منعة أمته يقول تعالي: ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) أريدك أن تفهم معنى اللذة في حدودها الواسعة لا الضيقة" ويرى أن أرقى أنواع اللذائذ هي " من وهب نفسه لخدمة مبدأ يسعى لتحقيقه، أو فكرة إنسانية يجاهد في إعلانها واعتناقها، أو إصلاح لداء اجتماعين فهذه هي السعادة لو مع الفقر".
أما في العلم فيقول ناصحا "أي بني إن العالم اليوم كبوتقة الضائغ، تصي فيها مل العناصر من شرق وغرب وقديم وحديث ثم تستغل كلها ليؤخذ خيرها، وهي تتطلب من الانسان أن يكون مرنا واصع الصدر.. ، لا يزدري ما في الشرق لشرقيته ولا يمجد ما في الغرب لغربيته، وإنما يمجد الحق حيثما كان، فتصيحتي أن تكون منفتح العينين، مفتح الأذن، تتطلب الحق حيث كان، لا تأبه للجديد لجدته، ولا تنفر من القديم لقدمه".
ثم يتحدث عن المدنية ويرى أن المدنية الحقة إنما تقاس بإسعاد الناس لا بكثرة الاختراعات والتجارب، فالمدنية الغربية أكثر اختراعا لكنها ليست أكثر اسعادا للناس، وينصح ابنه والطلبة المتخصصين في دراسة العلوم التجريبية بضرورة أن يجعلوا لأنفسهم حظا من القراءة الأدبية والإنسانية والفلسفية لأنها تغذي الروح وترقق النفس وتعليها وتساعد على الفهم وحل المشكلات. ثم في رسائلة اللاحقة يتحدث عن أهمية الاستقلال ماليا والعمل من أجل الحصول على المال وكيفية الحفاظ عليه وعدم تضييعه، والتركيز والإتقان في العمل لتنجب الوقوع في المخاطر، ثم نصائح للفيتات وكيفية الاستفادة من الغربة وأهمية المحافظة على القيم، منوها على ضرورة الاهتمام بالجسم واحتياجات الزوج وعدم الاكثار من الانجاب لما يسببه من إرهاق لجسد الفتاة وضعف في تربية الابناء وزيادة في التكاليف والمعيشة ومشقة على الزوج.
بشكل عام يعتبر كتاب "إلى ولدي" من الكتب التي تلهم القراء بمبادئ الحياة السليمة وهو مرجع تربوي وإنساني لا يزال يقرأ ويستفاد منه حتى اليوم.