بين الحرب والإبادة البيئية.. عربي21 تواكب موسم الزيتون بغزة وجنوب لبنان
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
"الموسم راح بسبب الوقاحة الإسرائيلية المُنفجرة بالشر" بهذه الجملة انطلق الشاب الفلسطيني، أكرم، في الحديث عن موسم جني الزيتون الفلسطيني، المُشرف على نهايته.
بكثير من الألم ومشاعر الحسرة، روى أكرم، المنحدر من قرية صرة في نابلس، كيف دمّر الاحتلال الإسرائيلي عدّة أراضي، فيما وصفها بـ"إبادة الشجر" ناهيك عن التخريب وسرقة ما نجى من محاصيل الزيتون، التي يقول إنها: "باتت قليلة جدا مُقارنة مع السنوات الماضية".
وتابع: "يتعمّدون قصف أراضي الزيتون أو تخريبها أو هجوم المستوطنين عليها، لأنهم يدركون أهمّيتها بالنسبة إليها" مردفا: "يحاولون ضرب الذاكرة والوعي الجماعي المرتبطة بقدسية الزيتون لدينا، وبركته علينا، لكننا جكارة فيهم -ضدّا- فرحنا بالمحصول، على قلّته، ولم نجعل الموسم يمرّ مرور الكرام".
تسلّط "عربي21" في هذا التقرير، الضوء، على موسم جني الزيتون في كل من فلسطين وجنوب لبنان، في ظلّ عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأهوج، الذي لم يرحم لا بشرا ولا شجرا، ناهيك عن ما يوصف بـ"الإبادة البيئية".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة صالح دويكات (@saleh.dweekat)
32 هجوما شنه مستوطنون
أثناء عملهم في قطف الزيتون عند الجهة الشرقية من قرية روجيب، المتواجدة شرق نابلس، أجبر عدد من المستوطنين، قاطفي الزيتون من الفلسطينيين، على ترك أراضيهم، قسرا.
ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، قد تمّ توثيق 32 هجوما شنّه مستوطنون منذ بداية الشهر الجاري، فيما تتزايد الهجمات مع موسم قطف ثمار الزيتون، خلال شهري تشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام.
تضاعفت هجمات الاحتلال الإسرائيلي، هذا العام، مع تواصل "حرب الابادة" التي يشنّها على كامل قطاع غزة المحاصر، حيث تتم الاعتداءات، وسرقة ثمار الزيتون، فضلا عن اقتلاع الأشجار وتكسيرها؛ ما نتج عنه فقد معدلات أعلى من المحصول.
ويقول أكرم، في حديثه لـ"عربي21" إن: "المستوطنين وجيش الاحتلال يصرّون على منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم؛ أو بالسطو على كل ما صمد من المحصول، أو يحرقون أشجار الزيتون، أو يطلقون النار علينا، المهم إنهم يتنفّسون الخراب، ويسعون لتدمير كل ما هو جميل".
وأبرز أنهم خلال السنوات الماضية كانوا على الأقل يحصدون ما يكفي من الزيتون لملء 16 حاوية، لكنهم هذا العام ملئوا حاوية واحدة غصبا.
كذلك، سلّط أكرم الضوء على مشكلات أخرى مرتبطة بالحرب، من قبيل: ندرة الوقود اللازم لنقل الزيتون إلى أقرب معصرة، وفي قلب المعاصر، هناك تأخر في عمل آلات عصر الزيتون. حيث باتوا يعتمدون فقط على العربات التي تجرها الحمير لجلب جوالات الزيتون.
وأشارت عدد من التقارير، إلى أن المزارعين الفلسطينيين لم يتمكّنوا من الوصول إلى 80 ألف دونم من الأراضي المزروعة بالزيتون، ما أدّى لفقدان نحو 15 في المئة من محصول الموسم لهذا العام.
وغزّة وحدها، بحسب الأمم المتحدة، تُعاني من خسارة يومية قدرها 1.6 مليون دولار أمريكي في الإنتاج الزراعي، وقد تكون الخسائر أعلى بالنظر إلى تدمير المعدات الزراعية والأراضي الزراعية، والأضرار التي لحقت بآلاف الأشجار، وخاصة أشجار الزيتون. هذا بدون الحديث عن الأراضي في مدن فلسطينية أخرى، بات أصحابها متردّدين في دخولها، خوفا من الاستهداف أو عمليات قصف جوي أو بري قرب الحدود.
غاب الفرح وحضر "الفوسفور الأبيض"
في جنوب لبنان، على غرار المدن الفلسطينية، غابت أجواء الفرح مع حلول الموسم السنوي لجني الزيتون، وهو ما وصفته فاطمة، المنحدرة من قرية كفركلا، بـ"الموجع جدا للقلوب".
ومضت فاطمة، في حديثها لـ"عربي21" بالقول: "كنا نجتمع في أجواء عائلية، ونجني الزيتون، في حضور الاحتفال والفرح، ونأخذ المحصول للمعصرة، ونسعد بمحاصيل الزيت، ونعيش منه، لكن اليوم كل شيئ قد تغيّر" مشيرة لكونها نازحة رفقة أمها، تنتظر الفرصة المناسبة للعودة لقريتهم.
جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يكتف بالاستهداف فقط، بل عمل على إحراق مساحات حرجية وأشجار مثمرة، على رأسها بساتين الزيتون، المنتشرة بكثافة في جنوب لبنان، بالقذائف الفوسفورية؛ ما أدّى لإحراق أكثر من 70 ألف شجرة، وذلك بحسب تقديرات الحكومة اللبنانية.
وفي الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بحلول موعد قطف الزيتون، وجّه المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تحذيرا إلى سكان الجنوب، بالقول إنّ: "حصاد الزيتون ممنوع".
وكتب أدرعي، على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "إعلان إلى سكان جنوب لبنان: الطريق إلى كروم الزيتون لا يزال مغلقا. نذكركم أن الحرب ما زالت مستمرة ونحن نواصل دك عناصر ومصالح حزب الله، ولذلك نناشدكم الامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم. من أجل سلامتكم نرجو منكم الالتزام بهذه التعليمات".
وكان وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن، قد أوضح أنّ: "القصف الإسرائيلي بقنابل الفوسفور المحرمة دوليا على جنوب لبنان أدى إلى إحراق أكثر من 60 ألف شجرة زيتون معمرة، في وقت تعرض الموسم الزراعي هناك لأضرار كبيرة نتيجة تكرار الاستهدافات الإسرائيلية".
وأضاف الوزير اللبناني، أنّ: "القصف تسبب في أكثر من 657 حريقاً"، مبرزا أنه "ألحق أضرارا بأكثر من 6000 دونم (الدونم يساوي 1000 متر مربع) من الأحراج والأراضي الزراعية".
بين جنوب لبنان وفلسطين.. وجع مُشابه
مع انطلاق موسم جني الزيتون، المُشرف على نهايته، رصدت "عربي21" على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، جُملة منشورات وتغريدات، وثّق أصحابها للموسم الذي كان إيذانا للفرح خلال السنوات الماضية، وكيف تحوّل لوجع يدكّ القلب، على الرغم من الصمود البارز للأهالي في كل من فلسطين وجنوب لبنان.
عدد من المنشورات، وثّقت الاستخدام المكثف للفوسفور الأبيض من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالقول إن الأمر تجاوز الحرب التقليدية، واقترب من "الإبادة البيئية"، حيث دمّر الوجه النباتي، وسمّم التُربة وخزانات المياه الجوفية، وكذا أدّى إلى إعطاب نظام التربة وحيويته.
ومضى عدد من رواد التواصل الاجتماعي، في كل من جنوب لبنان وفلسطين، يربطون عداء المحتل الإسرائيلي مع "الشجرة المُباركة" -الزيتون- وذلك منذ الأيام الأولى من عام 1948، حيث انطلق تأسيس الاحتلال الإسرائيلي، عبر حرق واقتلاع أشجار الزيتون، في كل المناطق التي احتلها.
هذه أضرار الفوسفور الأبيض
فيما يخص قطاع غزة
قال مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، إن صحة وكثافة الأراضي الصالحة للزراعة قد تراجعت بنسبة 18 في المئة في قطاع غزة، في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2023 مقارنة بمتوسط السنوات الست الماضية.
وبلغت مساحة الأراضي الزراعية المدمّرة في القطاع المحاصر، ما يناهز 34 كيلومترا مربعا، من إجمالي الأراضي الزراعية الذي تقّدر مساحتها ب 185 كيلو مترا مربعا، وفقا للمركز نفسه.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن حوالي 20 في المئة من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، قد دمرت بحلول منتصف تشرين الأول/ ديسمبر من العام الماضي. فيما تم تدمير نحو 39 في المئة من أراضي شمال غزة، وفقا لبيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية.
فيما يخص جنوب لبنان
قال المجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، إن الاحتلال الإسرائيلي قد شنّ 175 هجوما على جنوب لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض، وأدى عديد منها إلى إشعال حرائق ألحقت الضرر بأكثر من 1480 فدانا من الأراضي الزراعية، خلال عام من الحرب.
وأكد مركز الاستشعار عن بعد في المجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الاحتلال الإسرائيلي، أطلق 49 قذيفة فوسفورية، و75 قنبلة مضيئة حارقة على لبنان حتى الـ19 من الشهر الماضي، ما تسبب في حرائق شملت 5.14 مليون متر من الأحراج.
بدورها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في حزيران/ يونيو الماضي، إنها تحقّقت من استخدام الفوسفور الأبيض في ما لا يقل عن 17 بلدية في جنوب لبنان منذ تشرين الأول/ أكتوبر، "خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوا بصورة غير قانونية فوق مناطق سكنية مأهولة".
ويعد جنوب لبنان من المناطق الخصبة التي يعتمد أهلها على الزراعة الموسمية كمصدر أساسي؛ إذ تشكّل المواسم الزراعية في الجنوب 22 في المئة من إجمالي الفاكهة والحمضيات المنتجة في لبنان، ونحو 38 في المئة من إجمالي موسم الزيتون، و5،000 طنّ من أصل 25،000 طن من زيت الزيتون المنتج سنويا في لبنان.
خطر لسنوات قادمة
بحسب تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2023 بخصوص لبنان، فإنّ: "الفوسفور الأبيض سام للغاية ويشكل أخطارا مستمرة لا يمكن التنبؤ بها مع استمرار النيران التي يسببها وتصعب السيطرة عليها لوقت طويل، مما يسفر عن أخطار جسيمة على صحة وسلامة الإنسان والبيئة".
وأكّد البرنامج أنّ: "جودة التربة في منطقة الصراع بجنوب لبنان تضررت من انتشار المعادن الثقيلة والمركبات السامة، بينما أدى استخدام الفوسفور الأبيض إلى خفض خصوبة التربة أكثر وزيادة حموضتها".
تحظر الاتفاقات الدولية، من استخدام ذخائر الفوسفور الأبيض، ولبنان طرف في تلك البروتوكولات الدولية، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي ليست كذلك.
أيضا، يمكن للفسفور الأبيض أن يُعطّل تكوين التربة، ما يجعلها حمضية للغاية لزراعة المحاصيل؛ حتى إن ما تبقى من نباتات لن ينجو من نواتج الفوسفور التي تترسّب في الأرض وتؤدي إلى ذبول، وتهدّد التنوع البيولوجي بسبب تغيير التركيبة الكيميائية للتربة.
وبحسب تقرير الجامعة الأمريكية، تتسرّب ترسّبات الفوسفور إلى المياه الجوفية وتسبب يباسا وتهدّد التربة. حيث لا يُستثنى من ذلك البشر كذلك، ففي مطلع الشهر الماضي، نقل عدد من المصابين من جنوب لبنان، إلى المستشفى الإيطالي في صور، بعدما عانوا من القيء والتعرّق الشديدين بسبب الفوسفور الأبيض.
ويؤثّر الحريق على الموسم الزراعي، وعلى مواسم الإنتاج المستقبلية أيضا، إذ يعمل الفوسفور على درجة حرارة تصل إلى 800 درجة مئوية، ما يسبب حريقا وتلوثا للتربة، لتحتاج إلى سنوات طويلة لتتعافى منهما.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاحتلال لبنان غزة جنوب لبنان موسم الزيتون لبنان غزة الاحتلال جنوب لبنان موسم الزيتون المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الأراضی الزراعیة الفوسفور الأبیض الأمم المتحدة فی المئة من جنوب لبنان قطاع غزة أکثر من عدد من
إقرأ أيضاً:
موسم التشرذم السياسي في السودان
موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح
تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية.
آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية.
هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس».
ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محمد مختار الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب.
وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة.
تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً.
عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر.
من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالح