مأزق حماس بين جدلية الجهاد المشروط والمقاومة العشوائية
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى السادس من نوفمبر الجاري، نشر الفقيه الفلسطينى الشهير الدكتور سلمان الداية، مقالًا حول مشروعية عملية طوفان الأقصى بعنوان (أيها الساسة.. أوقفوا هذا المد)، وجه فيه انتقادات لاذعة لقيادات الحركة التى يعتبر أحد أبرز شيوخها ومفتيها، وقد أثارت هذه الفتوى حالة كبيرة من الجدل فى الداخل الفلسطينى وخارجه، وقد وصفها البعض بأنها وجهت طعنة لحركة حماس، كما وصفها آخرون بأنها محايدة وموضوعية وتتوافق مع الواقع، أثارت الفتوى أو المقال أيضًا العديد من التساؤلات حول الفرق بين الجهاد والمقاومة وماهية الجهاد وشروطه من الناحية الشرعية.
تحرير المصطلحات
وقبل الدخول فى نص المقال- الفتوى- لا بد أولاً من تحرير مصطلح المقاومة، فهل هو مقاومة أم جهاد؟
أدبيات الحرب تفرق بين المصطلحين، رغم ما بينهما من تماس أو تشابه فى التعريفات، فكل منهما عمل مسلح، يستهدف العدو المحارب، لكن هناك فروقًا جوهرية بين المصطلحين؛ فالمقاومة تشير إلى عمل وطنى يشارك فيه جميع فصائل المجتمع بغض النظر عن دينهم، أما الجهاد فهو مصطلح إسلامى خالص يشارك فيه الإسلاميون وحدهم رغم أن هناك اتجاهًا ثالثًا يعرف الجهاد من الناحية اللغوية ويجعله موازيًا للمقاومة.
أما على أرض الواقع فى فلسطين، فالأمر مشتبك بين الجهاد والمقاومة، وهو ما تراه من اتفاق بين كل أصحاب التوجهات السياسية والأيديولوجية على وجوب المقاومة، فهذا قومى وهذا ليبرالى وهذا يسارى وهذا وهذا وهذا.. الكل يتحدث عن مواجهة المحتل وفقًا لأيديولوجيته وميوليه العقدية والسياسية، لأن الهدف واحد وهو البحث عن طريقة لمواجهة المحتل.
لكن السائد فى فلسطين حاليًا هو تصدر حركة حماس ذات التوجه الإسلامى للمشهد، وهو ما يجعل الكثيرين يرون أن المقاومة ضد الاحتلال، جهاد إسلامى خالص رغم أن الحركة لا تطلق على عملياتها هذا المصطلح وتميل إلى استخدام المصطلح الآخر وهو المقاومة حتى تسمح بتوسيع قاعدة المشاركة فيه من التيارات الأخرى غير الإسلامية أو ذات التوجهات السياسية غير الدينية. حتى أنها أطلقت على الكيانات التى تشاركها مصطلح (محور المقاومة) وليس محور الجهاد.
ومع ذلك فهناك فريق متمسك بمصطلح الجهاد، ويرى أن الحرب القائمة والمستمرة مع الاحتلال هى حرب دينية فى الأساس، ويدعمون رؤيتهم بأن الجانب الآخر (الاحتلال) يعتبرها بالفعل هكذا، وهو ما ظهر جليًا وبكل وضوح فى تصريحات العديد من المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى أعلنها أكثر من مرة بأن ما يصنعه الاحتلال حرب دينية، مستشهدًا بنصوص تراثية لديهم تشير إلى ذلك، وبالتالى فينبغي- من هذا المنطلق- أن يكون المقابل هكذا حتى يعتدل الميزان، ويكون هناك تكافؤ فى الرؤية وتكافؤ فى المنطلقات، فالحرب بالنسبة لهم حرب دينية إسلامية فى الأساس، وبالتالى ينبغى أن تستخدم المصطحات الإسلامية فى التعامل معها، وعلى رأسها بالطبع الجهاد وما ينسحب عنه من ضوابط.
خلاف حول الضوابط
ورغم الاتفاق على الهدف فى ظل هذا الخلاف حول المصطلح، يأتى خلاف من نوع آخر، وهو الخلاف حول الضوابط- ضوابط الجهاد أو ضوابط المقاومة- ومن هنا تعدد وجهات النظر حول هذه المسألة كل فريق يتهم الأخر بالتقصير، وقد يتعدى ذلك إلى اتهامات بالخيانة والعمالة، وهو ما يمكن أن تراه وتسمعه كل يوم حتى فى مناقشاتك اليومية مع المحيطين بك سواء فى محيطك الاجتماعى أو حتى فى العالم الافتراضى على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
الفريق الأول
ويتمسك هذا الفريق بقاعدتين أساسيتين فى منهج المقاومة وهما:
القاعدة الأولى: لا يفتى قاعد لمجاهد
يتمسك أصحاب هذا الاتجاه بتلك القاعدة التى تقول (لا يفتى قاعد لمجاهد)، على اعتبار أن أهل الجهاد وحدهم هم الذين يمكنهم الحكم على الأشياء على اعتبار أنهم أدرى الناس بالواقع؛ لأنهم أصحاب القضية أو الأقرب للاشتباكات، ويرون مال لا يراه غيرهم، وبالتالى فلا يقبلون التنظير من خارج الميدان.
ويتهم أصحاب هذا الاتجاه- من هذا المنطلق السلطوي- كل انتقاد لهم على اعتبار أنه خيانة للقضية الفلسطينية برمتها، ولا يحبون أن يسمعوا غير التأييد والموافقة لكل خطوة، وهو ما يجعل الحكم الموضوعى على ما يقدمونه أمرًا بالغ الصعوبة، محفوفًا بالمخاطر فى أحيان كثيرة، خاصة إذا كان الصوت المخالف لهم من داخل فلسطين ويكون أكثر صعوبة إذا كان من داخل قطاع غزة نفسها.
يبرر أصحاب هذا الاتجاه تلك الرؤية أيضًا بأنهم وحدهم الموجودون فى الميدان وبالتالى من حقهم وحدهم الحديث عن المقاومة وتوجيهها، من حقهم وحدهم تحديد الموعد الذى يرونه مناسبًا لتنفيذ أية عملية عسكرية حتى ولو كانت بحجم طوفان الأقصى.
القاعدة الثانية: المقاومة المطلقة
ويتفرع عن القاعدة الأولى قاعدة أخرى، وهى المقاومة المطلقة، فهم يرون أنهم أصحاب القضية الأقرب إلى مواجهة العدو، فبالتالى من حقهم أن يكون كل عمل صادر عنهم ضد الاحتلال صوبًا، لا يجوز توجيه النقد له، لأنه موجه ضد العدو، وهذا السبب وحده يكفى لمشروعيته بغض النظر عن النتائج، فلا اعتبار هنا لمناقشة ضوابط العمل أو البحث فى نتائجها أو ما يمكن أن يكون عليه رد فعل الاحتلال بعد ذلك.
أصحاب هذه الرؤية يرون أيضًا أن ضحايا المقاومة مهما كثر عددهم فهم فى سبيل القضية، وكل ما كان فى سبيل القضية لا يمكن وصفه بأنه خسارة، فالقتيل نال الشهادة، وبالتالى فقد أصبح فى مرتبة عليا يحسده عليها كل من لم ينلها حتى وإن لم يكن مشاركًا بالسلاح فيكفيه فقط أنه مات بسلاح العدو، وبالتالى فلا اعتبار لديهم بالاعداد، طالما الأمهات يلدن، وطالما أن الجزاء الجنة، فالطبيعى من وجهة نظرهم أن يكون أعدد الضحايا من الفريق الأضعف أو المقاوم كبيرة وكبيرة جدًا ويستشهدون على ذلك بحركات التحرر الوطنى من الاستعمار فى العالم، ومنها على سبيل المثال فى الجزائر الذى وصل عدد ضحايا التحرر من الاستعمار هناك قرابة المليونين من أرواح الجزائريين، وكذلك ليبيا التى دفع أهلها ثمنًا غاليًا بلغ ما يزيد على ١٠٠ ألف شخص فى عملية واحدة.
الفريق الثاني
المتمسك بالضوابط
ويتمسك هذا الفريق بترشيد الجهاد أو المقاومة، ويرى أن كل فعل لا بد أن يكون له ضوابط؛ حفاظًا على الأرواح والممتلكات والأعراض، والمفاجأة هنا انضمام شخصيات بارزة لها ثقلها لهذا الاتجاه من المحسوبين على حركة حماس نفسها وعلى رأسهم الدكتور سلمان الداية أستاذ الفقه وأصوله وعميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة سابقًا، وهو من الشخصيات المعروفة والتى لها احترامها وحجمها فى حركة حماس والتى قد تكون فى مكانة شخصية مثل القرضاوى بالنسبة لجماعة الإخوان.
فتاوى "الداية"
نشر الدكتور سلمان الداية، عددًا من المقالات التى ينتقد فيها عملية طوفان الأقصى من بدايتها، وطالب فيها بالالتزام بالضوابط الشرعية للجهاد والمقاومة، كان أخطرها مقاله الأخير المنشور بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠٢٤م والذى جاء فى ٦ صفحات بعنوان (أيها الساسة.. أوقفوا هذا المد) يعيد فيه تقييم عملية طوفان الأقصى من الناحية الشرعية البحتى، بعد مرور ١٣ شهرًا على انطلاقها، وتأتى أهمية المقالة من شخص كاتبها من عدة جوانب:
أولًا: الشيخ سلمان الداية، نشأ فى غزة وتعمقت جذوره فيها وشغل أدوارًا علمية ودعوية بارزة، منها التدريس فى الجامعة الإسلامية التابعة لحركة حماس نفسها كأستاذ للفقه وأصوله، وتولى منصب عميد كلية الشريعة والقانون، إلى جانب عضويته فى لجنة الإفتاء. هذه الخلفية تجعل منه مؤهلًا للحديث فى القضايا الحساسة المتعلقة بالمجتمع الغزى من الناحية الشرعية ومن الناحية السياسة أيضًا.
ثانيًا: يتمتع الشيخ بمكانة رفيعة فى المجتمع الغزي، ويعتبر من أبرز العلماء الذين يحتكم إليهم الناس من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية. هذه المكانة تعزز من قدرته على القيام بدور محورى فى التوسط والإصلاح، مما يعكس ثقة المجتمع به واحترامهم لرأيه وفتاواه.
ثالثًا: تتسم العلاقة بين الشيخ الداية وحركة حماس بالاحترام المتبادل. فقد شغل الشيخ مناصب قيادية فى مؤسسات تابعة للحركة، مثل منصب وزير الأوقاف ومفتى بعثاتها للحج. هذا السياق يدحض أى تصور بوجود عداء بينه وبين الحركة، ويؤكد استقلاليته فى إبداء آرائه.
بحث مصري
المفاجأة أن المقالة الأخيرة بعنوان (أيها الساسية.. أوقفوا هذا المد) لم تكن الأولى من نوعها فى هذا الإطار الناقد الناصح، لكن كان له بحث مُحكّم بإحدى الدوريات العلمية المصرية عام ٢٠١٧م وهى مجلة البحوث الإسلامية: السنة الثالثة، العدد (١٣) بتاريخ: جمادى الأخرة، ١٤٣٨هـ الصفحات من ١٠٩- ١٦٢، بعنوان (ياليت قومى يعلمون: رسالة فى الجهاد) قال فى ملخصه:
"تناول البحثُ حكم جهاد العدو من جهة مقاصدية، حيث بيَّنتُ فيه حقيقة الجهاد فى اللغة والاصطلاح، ومراتبه، ومشروعيته فى حفظ مقاصد الشريعة الكلية، وعلاقته بمقصد الشرع، وحكمه حال العجز والضعف، وشروط إقامته، وحكمه مع القائد المندفع". (ص١٠٩)
خلص الداية فى نهاية بحثه إلى "أنه لا يشرع الجهاد إلا عند تحقق القدرة ومظنة المقصد، فلو دعا الإمام إلى الجهاد، ورأى أهل الحل والعقد فيه تهورًا واندفاعًا، أو عجزًا مانعًا كفرقة الأمة واختلافها، أو ضعف الشوكة والسلاح يقود إلى المفاسد والهزائم، لا تلزم طاعته عندئذ، فإن كان هذا فى حق ولاة الأمر قادة الولايات والأمصار والبلاد، فهو فى حق قادة الأحزاب والحركات والقبائل أولى، وذلك أن رتبتهم أدنى ومسؤوليتهم أقل، وأمانتهم أخف والله أعلم.." (ص ١٤٤).
كما تأتى أهمية البحث فى أنه مر عليه ما يزيد على ٧ سنوات حتى الآن وكان ناشره أحد كبار فقهاء حركة حماس فى مجلة مصرية محكمة، من الناحية الأكاديمية والشرعية.
مقالة أيها الساسة
بدأ الداية مقالته (أيها الساسة.. أوقفوا هذا المد)، بنقد لاذع لمن يتهمون منتقدى طوفان الأقصى بالجبناء والضعفاء، قال فيها: "قال أحدهم: أيها الإخوة، أيتها الأخوات قد يتحدث البعض من الجبناء والضعفاء: ألم يكن من الأسلم ألا نقاتل، وأن نقبل بالوضع الذى كان قائمًا بدل أن نفقد هذه الأرواح؟ قد يقول ذلك بعض المغفلين.
لكننى أصارحكم القول: ‘إن من يطلقون مثل هذا القول إنما تحركهم غرف سوداء ترتبط بعدونا، وربما تستقر فى بعض عواصمنا، لكنها ترتبط بعدونا، ومهمتها أن تضعف هذه الأمة وعلو همتها، وفيهم يقول الله تعالى: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: ٤٧]".
ثم افتتح أسباب هذا النقد اللاذع من الناحية الشرعية مؤكدًا أن للجهاد شروطًا لا ينبغى إهمالها قال فيها:
"ومن شروطه: الإيمان والإخلاص، وصلاح الأنفس، واجتماع الكلمة، ورص الصف، وتأهيل الجند، وقوة الشوكة، وتأمين الأجناد طعامًا وشرابًا ودواءً وثغورًا وملا ذًا آمنًا بعيدًا عن البيوت المأهولة، والأبراج المسكونة، والمدارس المزحومة، والمشافى المكتظة، وسبل إمداد بالعدد والعتاد والأجناد، والابتعاد غاية الوسع عن الآمنين وأماكن إيوائهم وتوفير أسباب الأمن والسلامة للآمنين ما أمكن ذلك من مناحى الحياة المختلفة.. الأمنية والاقتصادية والصحية والتعليمية وادخار المؤن التى كفيهم مدة زائدة عما يتوقعه أهل الرأى والمشورة وفى شأن الحرب".
وتابع المقال: "ومن مقاصد الجهاد التى شُرع لأجلها: دفع الأخطار عن الدين، والأنفس والأعراض والذراري، والأموال، وفك الأسرى، وتحرير المسرى، وحفظ دور العبادة، وتأمين الحدود، والسيطرة على الموانئ التى تمكّن الناس من تحقيق مصالحهم.
ومن موانعه: اختلال أركان الجهاد أو بعضها، أو العجز عن دفع أسبابه أو بعضها، أو اختلال شروطه أو بعضها، أو تخلف مقاصده".
ويخلص من ذلك فى فتواه بأنه "متى غلب على الظن تخلف أهداف الجهاد ومقاصده؛ لاختلال أو تخلف ما ذكرنا من الأركان أو الأسباب أو الشروط، لزم اجتنابه إذا غلب على الظن حصول ما يناقض مقاصده، كزيادة المفسدة على الدين أو النفس أو العرض، أو الذرية أو المال، أو اغتصاب الأرض، فضلًا عن تدمير مقومات الحياة، وهذا أمر يسهل تقديره لدى ساسة بلدنا وقادته بمراجعتهم لاعتداءات أهل الحرب على الضفة والقطاع فى منازلات سابقة كانت أخف بكثير مما حدث فى السابع من أكتوبر وكانت تقابل بأعداد من الشهداء والجرحى، ونسف البيوت والأبراج، ونزوح الناس أيامًا وشهورًأ إلى المدارس والمشافى والأخبية المركبة، وتجريف الحوائط وتشديد الحصار".
ولا شك أن ما سبق كله متحقق فى قطاع غزة الآن من بعد عملية طوفان الأقصى، ولذلك يلقى الدكتور سلمان الداية باللائمة على من حركة حماس ومؤيديها لأنهم لم يقفوا وقفة محاسبة للنفس وتقييم للموقف بعد كل هذه المدة.
وبعد أن عدد الدكتور الداية الأسباب التى دعته لاتخاذ هذا الموقف يستشهد على موقفه بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ثم يأتى بأقوال قدامى الفقهاء ليسترشد بهم فى هذا الحكم فيقول:
"يا أخانا الكريم: إن هذا الفهم هو ما جرت به أقلام الفقهاء من قبل:
قال ابن عابدين رحمه الله: "يجب على الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين... وهذا إذا غلب على ظنه أن يكافئهم- أى لديه من الكفاءة ما يمكنه من قتالهم- وإلا فلا يباح قتالهم" (ابن عابدين، حاشية رد المختار، ٣/٣٣٧).
ثم ينقل كلام العز ابن عبد السلام فى (قواعد الأحكام فى مصالح الأنام، ١/١١١) فيقول: قال العز ابن عبد السلام- رحمه الله- : انهزام المسلمين من الكافرين مفسدة، لكنه جائز إذا زاد الكافرون على ضعف المسلمين مع التقارب فى الصفات، تخفيفًا عنهم؛ لما فى ذلك من المشقة، ودفعًا لمفسدة غلبة الكافرين لفرط كثرتهم على المسلمين".
وينقل قوله أيضًا فى المرجع نفسه فيقول: " وقال رحمه الله: التولى يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه واجب إذا علم أنه يقتل من غير نكاية فى الكفار، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه مصلحة إعزاز الدين بالنكاية فى المشركين، فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام لما فى الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس فى طيها مصلحة".
ثم ينقل أقوال بعض الفقهاء فى تحريم التهور ونقل الإجماع على وجوب الفرار، فيقول:
"وقال ابن جُزَيّ رحمه الله: وإن علم المسلمون أنهم مقتولون، فالانصراف أولى، وإن علموا مع ذلك أنهم لا تأثير لهم فى نكاية العدو؛ وجب الفرار، وقال أبو المعالي: لا خلاف فى ذلك"
وقال الشوكانى رحمه الله: ومعلوم أن من أقدم وهو يرى أنه مقتول أو مأسور أو مغلوب؛ فقد ألقى بيده إلى التهلكة".
وبدأ الداية فى فتح حوار افتراضى استدعى فيه أقوال عدد من الفريق الأول الذى يهاجم كل منتقدى المقاومة ويتهمونه بالخيانة والعمالة للاحتلال، فيقول:
"لم أتوقع من سياسى هذا القذف العام لكل من يتوجع لفداحة المصاب بالعمالة والنفاق والجبن والضعف لمجرد أن يقول: ليتنا بقينا على الحال التى كنا عليها قبل نازلة الحرب هذه، فهذه توجعات الأكثر من الناس بعدما ذهبت بيوتهم، وقضى أحبابهم، وتلون فيهم الابتلاء، فلا أظن أحدًا من أهل الطب والهندسة والحقوق والوجاهة والمُخترة والشيوخ والعجائز والأرامل واليتامى لم يقل هذا أو لم يتمنه بقلبه".
ثم يرد الداية على مقولة يسوقها المؤيدون من الفريق الأول فيقول:
"وقال آخر: إن خسائرنا تكتيكية، وخسائر عدونا إستراتيجية"!
ومعنى قوله فيما أظن: أن خسائرنا فى غزة والضفة وسيلة من وسائل مقاومتنا التى تقودنا إلى النصر، وهى يسيرة إذا ما قورنت بخسائر عدونا، سيما أنها مخلوفة ما دام النساء يلدن، وأهل الإحسان والمعروف يقيمون ما ذهب من العمران، ويعوضون ما هلك من الأموال! ولأهلنا فى غزة والضفة على صبرهم وجهادهم أجر عظيم عند الله فى الآخرة.
أقول: لا أظن أن للقائل سلفًا فى هذا الفهم، ويكفى فى دفعه حديث حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق).
انتقادات للفتوى
وقد أثارت الفتوى حالة كبيرة من الجدل الكبير داخل غزة يبدو انها سوف تستمر طويلا نتيجة صدورها عن شخصية مقربة من الحركة، فقد أصدر الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بيانًا ردا على مقال الداية، أشاروا فيه إلى ان الإعلام الصهيونى والغربى احتفل بها وما يزال، وحاول شيوخ الاتحاد البحث عن أقوال تؤيد موقفهم من أقوال السلف وانبرى أغلبهم فى كتابة المقالات حول ذلك منها مقال الدكتور وصفى عاشور أبو زيد عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين والذى نشره على موقع الاتحاد بعنوان: (مناقشة الشيخ سلمان الداية فى مقالته أيها الساسة: أوقفوا هذا المد).
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حماس طوفان الأقصى فلسطين غزة المقاومة عملیة طوفان الأقصى هذا الاتجاه رحمه الله حرکة حماس أن یکون وهو ما
إقرأ أيضاً:
“الجهاد الإسلامي”: اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان إنجازا مهما يكسر مسار العنجهية والتوحش ومساعي حكومة العدو
الثورو نت/..
اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين اليوم الأربعاء، أنّ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني إنجاز مهم.. مؤكدة أنّ العدو الصهيوني رضخ لهذا الاتفاق أمام “أبطال حزب الله وبيئته الحاضنة وبطولاتها”.
وقالت الحركة، في بيانٍ لها اليوم الأربعاء: إنّ “هذا الإنجاز يكسر مسار العنجهية والتوحش ومساعي حكومة العدو لاستيلاد شرق أوسط على مقاس أوهامه”.
وثمّنت غالياً البطولات الكبيرة والصمود العظيم والتضحيات التي قدمتها وتقدمها المقاومة الإسلامية في لبنان إسناداً ونصرةً للشعب الفلسطيني.. مؤكدةً وحدة الدماء وصلابة الإرادة وثبات الرؤية التي تجمع بين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وسائر قوى المنطقة.