قال عدد من الباحثين والمحللين السياسيين إن "طوفان الأقصى" كان مفاجأة إستراتيجية حوّلت أداء المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، وأنها مثلت صدمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وغيرت خططه العسكرية، وأصابت السياسة الإسرائيلية بعدة إخفاقات داخلية وخارجية، وأوقفت مشاريع التطبيع بالمنطقة.

وأضاف الباحثون -في حلقة نقاشية نظمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بعنوان "الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى"- أن ما حدث في هذه المعركة أثار أسئلة ما زالت عالقة، ولم يحن الوقت للإجابة عنها، وما ترتب عليها خلال نحو 14 شهرا أصبح أهم من المعركة نفسها.

وتشن إسرائيل منذ 418 يوما عدوانا على قطاع غزة عقب هجوم شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأسفر هذا العدوان حتى الآن عن مقتل أكثر من 44 ألف شهيد وإصابة نحو 105 آلاف، بالإضافة إلى آلاف آخرين بين مفقودين تحت ركام منازلهم أو نازحين أو لاجئين، حسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

المشاركون في حلقة نقاشية عنوانها "الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى" عبر زووم (مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات) البيئة السياسية

كان السؤال الأكبر الذي طرحته ندوة مركز الزيتونة يدور حول: هل كان هجوم "7 أكتوبر" ضروريا للمقاومة الفلسطينية؟ وأخذ الجواب أبعادا مختلفة بين السياسي والعسكري والاقتصادي والتطبيع.

ويمكن إيجاز هذه الأبعاد في النقاط التالية:

انسداد أفق العملية السياسية منذ 2014، وتدجين الحالة الفلسطينية أمنياً لمساكنة الاحتلال وفق المنظور اليميني الحاكم. تمدد الاستيطان في أنحاء الضفة الغربية بشكل كثيف، والطرد التدريجي للفلسطينيين من مناطق (سي)، والتضييق عليهم في المناطق الأخرى. الشروع في تقسيم المسجد الأقصى مكانيا بعد تقسيم العبادة فيه زمانيا، حيث يخصص الوقت من الساعة 7-11 للمستوطنين، والاستعداد لذبح البقرات الحمراء إيذانا بهدم الأقصى. إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بإدماج إسرائيل أمنيا واقتصاديا في المنطقة؛ إذ أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تدشين مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط بين الهند وأوروبا مرورا بالخليج وإسرائيل. التقدم الكبير في ملف التطبيع مع العديد من الدول العربية، والحديث الكبير عن الاتفاقية "الإبراهيمية"، وما رشح عن سعي العديد من الأنظمة العربية والإسلامية للتطبيع مع إسرائيل. وقبل كل هذا، كان تغييب القضية الفلسطينية وتجاوزها في البيئة السياسية الإقليمية والدولية، ولم يعد هناك حديث عن قيام الدولة الفلسطينية. محللون: عمليات المقاومة تتناسب مع خطط الاحتلال واستمرار العدوان على غزة (الجزيرة) المقاومة الفلسطينية

تمثل معركة طوفان الأقصى تطورا نوعيا في فكر المقاومة الفلسطينية، وكما مثلت مفاجأة للجيش الإسرائيلي كانت مفاجأة أيضا للمقاومة نفسها، من حيث البعد الإستراتيجي الذي حوّل الفعل المقاوم من مجرد الدفاع إلى مبادرة الهجوم المباغت.

وأشار المتحدثون في الندوة إلى أن "طوفان الأقصى" أثبتت أن هناك سنوات من الإعداد والتدريب والتجهيز، وأن هناك أناسا مخلصين جادين في العمل عملوا لهذا اليوم، وراكم ذلك قدرات تسليحية وبشرية، وأقام شبكة طويلة من الأنفاق ممتدة على طول مساحة قطاع غزة وعرضها.

وأضافوا أن طوفان الأقصى يعد عملية عسكرية كاملة تصلح للتدريس في الكليات والمعاهد العسكرية، والأهم من الطوفان نفسه تمثل في هذا القتال والمقاومة الممتدة منذ نحو 14 شهرا، وربما يدوم لسنوات قادمة، بما يمثل معجزة تفوقت على ما حدث في بداية معركة الطوفان.

وذهب المحللون إلى أن تكتيكات المقاومة كانت متناسبة جدا مع حجم العدوان وخططه العسكرية، ومع طول أمد المعركة تحول أسلوب المقاومة إلى حرب استنزاف، ولم تعد هناك مواجهات مباشرة إلا في مناطق محددة، عبر مجموعات صغيرة تعتمد على نصب الفخاخ والكمائن.

إخفاقات إسرائيل ونجاحها

يمثل صمود المقاومة الفلسطينية طوال هذه الفترة إخفاقا لمخططات الاحتلال الإسرائيلي وعدم قدرته على تحقيق أهدافه التي أعلنها منذ اليوم الأول من العدوان على قطاع غزة، حسب أوراق العمل المشاركة في ندوة الزيتونة.

إذ ذهب المشاركون في حلقة النقاش إلى أن الحكومة الإسرائيلية حققت بعض النجاحات، مثل بقائها في السلطة حتى الآن، وقدرتها على تشكيل إجماع إسرائيلي حول أهداف الحرب، وإجماع سياسي حول ما تقوم به الحكومة، كما استطاعت جعل هذا العدوان حربا وجودية لها، ومن ثم استطاع المجتمع الإسرائيلي الصمود في هذه الحرب لأكثر من عام.

لكن في المقابل، أخفقت الحكومة الإسرائيلية في أكثر من بعد:

الأداء السياسي للحكومة الإسرائيلية ضرب مفهوم الدولة المؤسسية الذي كان قائما في إسرائيل منذ نشأتها، وأصبح كل شيء يتقزم أمام مصالح الحكومة، سواء تعلق ذلك بأشخاص أو فئات. ظهور النزعة "المليشياوية" في ممارسات الحكومة الإسرائيلية وفي الفكر والسلوك، وأصبح ذلك جليا في ممارسات الجيش والسياسة والمجتمع أيضا.

وهذا الأمران يؤديان إلى تفكك داخلي كبير نتيجة انهيار الدولة المؤسسية القائمة على مبادئ المحاسبة والمجتمع المشترك، لحساب الفكر الفئوي السلطوي "المليشياوي".

أما عن الإخفاقات الخارجية، فرأي الباحثون أن هناك إخفاقا سياسيا وقع للسردية الإسرائيلية عالميا، خاصة ما يتعلق بحالة "الضحية" التي سادت طويلا، كما أن إسرائيل لم تُحافظ على الإجماع الدولي المؤيد لعدوانها على قطاع غزة، والمستمر فقط بدعم أميركا وبعض الدول الأوروبية كألمانيا، ولم يعد أحد يخاف من تهمة "عداء السامية" كما كان سابقا.

اليوم التالي

وجاء انعقاد هذه الندوة في ظل متغيرات عدة، فمنذ يومين فقط وقّعت لبنان وإسرائيل اتفاقا لوقف إطلاق النار، بمعزل عما يقع في قطاع غزة، ويستعد البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني القادم لاستقبال الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وهناك تحول في النظام الدولي يتجه إلى تعدد القطبية.

وأشار المشاركون في الندوة إلى أن وقف إطلاق النار في غزة أو إبرام أي صفقة جديدة ضمن المتغيرات الإقليمية أو الدولية، فإنها يجب أن تقوم ضمن 3 عوامل أساسية من أجل أن تكون فاعلة:

يجب أن يكون هناك موقف فلسطيني واضح وموحد الرؤيا لبرنامج سياسي لما سيكون عليه شكل الحل الذي تحاول الأطراف التوصل إليه في السنوات الأربع القادمة. التنسيق القوي والمباشر والفعال بين مواقف الدول العربية عامة. تأثير الدورين الروسي والأوروبي نتيجة اقتراب النظام الدولي من تعدد القطبية.

ولذلك تحدث الباحثون في الندوة عن عدة سيناريوهات يمكن أن يحملها الأفق السياسي في اليوم التالي، وهي:

انتصار جيش الاحتلال، وهذا سيفضي لاحتلال قطاع غزة وفتح الطريق أمام ضم الضفة والقدس، وبدء مشروع التطبيع وإعادة ترتيب المنطقة. صمود المقاومة والشعب الفلسطيني في حرب استنزاف طويلة قد تستمر شهورا. السيناريو السابق قد يفضي إلى انسحاب الاحتلال من غزة (جزئيا أو كليا) مع الاحتفاظ ببعض المناطق أو المعابر مع إدارة فلسطينية قد تكون حماس جزءا منها.

يذكر أن ندوة "الآفاق المستقبلية لمعركة طوفان الأقصى" نظمها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات عبر تطبيق زووم على جلستين أمس الأربعاء، بمشاركة نخبة من المتخصصين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني وقضايا المنطقة.

وتحدث في الجلسة الأولى أحمد الحيلة حول الآفاق المستقبلية للأداء السياسي للمقاومة الفلسطينية، ومعين الطاهر حول الآفاق المستقبلية للأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية، ومهند مصطفى حول الآفاق المستقبلية للأداء السياسي الإسرائيلي، ومأمون أبو عامر حول الآفاق المستقبلية للأداء العسكري الإسرائيلي.

كما شارك في الجلسة الثانية زياد ابحيص وتحدث عن مستقبل الأقصى والقدس والضفة الغربية؛ وحسام مطر حول الآفاق المستقبلية للأداء السياسي والعسكري لمحور المقاومة، وعاطف الجولاني حول الآفاق المستقبلية للأداء العربي، وإبراهيم فريحات حول الآفاق المستقبلية للأداء الدولي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات طوفان الأقصى قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل يستقيل البابا فرنسيس من منصبه؟ خبراء يجيبون وسط توقعات بمفاجآت

(CNN)-- عندما أصبح بابا الفاتيكان الراحل بنديكت السادس عشر أول بابا يستقيل منذ 600 عام، أحدث ذلك صدمة في الكنيسة الكاثوليكية. والآن، بعد أن أمضى أسبوعين في المستشفى يكافح الالتهاب الرئوي، فإن التكهنات في الفاتيكان هي ما إذا كان خليفته البابا فرنسيس قد يفعل الشيء نفسه.

وقال أوستن إيفريغ، كاتب السيرة البابا، لشبكة CNN: "أعتقد أن الظروف الوحيدة التي قد يفكر فيها (فرنسيس) في الاستقالة، كما قال، هي إذا كان يعاني من حالة تنكسية أو موهنة طويلة الأمد تمنعه ​​من القيام بالخدمة البابوية بالكامل".

وقال الفاتيكان إن البابا وُضع على جهاز للتنفس، الجمعة، بعد أن تعرض لنوبة مفاجئة من صعوبة التنفس. وأضاف الفاتيكان أن النوبة كانت معقدة بسبب القيء. وقال مصدر في الفاتيكان، الجمعة، إن الساعات الـ24 إلى الـ48 القادمة ستحدد ما إذا كانت الحالة العامة للبابا قد تدهورت. وفي صباح، السبت، قيل إن فرنسيس يستريح، بعد ما وصفها الفاتيكان بليلة هادئة.

والاستقالة من منصب البابوية ليست مثل التنحي عن منصب رئيس شركة أو الرئيس التنفيذي لشركة كبيرة. فلا توجد حدود زمنية، ولا مجلس إدارة، وتعتبر وظيفة مدى الحياة. بالنسبة للكاثوليك، فإن البابا هو خليفة القديس بطرس، ويقوم بالخدمة التي  قدمها المسيح نفسه. 

ومع ذلك، فإن البابوية هي أيضًا منصب. ولا يزال من غير الواضح كم من الوقت سيبقى البابا البالغ من العمر 88 عامًا في المستشفى أو كيف سيتم تشخيص حالته على المدى الطويل.

وأصر إيفريغ على أن كون البابا مسناً أو ضعيفاً لا يشكل عائقاً، كما أن الكنيسة الكاثوليكية لا تريد إرساء سابقة بأنه عندما يصل البابا إلى سن معينة أو درجة معينة من المرض فإنه يتعين عليه أن يتنحى. وعلاوة على ذلك، أوضح كاتب السيرة الذاتية أن البابا الحالي "منخرط في كل شيء" ولا يرغب في تقليص دوره البابوي بشكل كبير.

وأعاد هذا الأسبوع ذكريات ذلك اليوم الدرامي، في 11 فبراير/شباط 2013، عندما أعلن بنديكت السادس عشر، المولود باسم جوزيف راتسينغر، أنه سيتنحى. حدث كل ذلك خلال ما كان يفترض أن يكون اجتماعا روتينيا للكرادلة - المعروف باسم المجمع الكنسي. في نهاية ذلك الاجتماع، بدأ البابا الألماني يتحدث باللغة اللاتينية وأذهل الحاضرين عندما أخبرهم أنه سيستقيل. بدأ بعض الكرادلة يميلون إلى بعضهم البعض ليسألوا عما إذا كانوا قد سمعوه بشكل صحيح.

وتم رسم أوجه التشابه مع استقالة بنديكت عندما أعلن الفاتيكان، الثلاثاء، أن فرنسيس دعا إلى عقد اجتماع مجمع كنسي بتاريخ غير محدد للنظر في المرشحين للقداسة. وقد فعل ذلك خلال اجتماع في المستشفى، حيث يتلقى العلاج، مع بعض كبار مسؤوليه الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر الكرسي الرسولي، ورئيس الأساقفة إدغار بينيا بارا، الذي يرأس هيئة كبار الموظفين البابوية.

وقال ماركو بوليتي، المعلق الفاتيكاني ومؤلف كتاب جديد عن بابوية فرنسيس: "بعد مفاجأة استقالة راتسينغر، أصبحت المجالس الكنسية في بعض الفترات الصعبة في الكنيسة الآن سياسية إلى حد كبير".

وأضاف: "أعتقد أنه في الوقت الحالي، يركز الحبر الأعظم على احتمالات تخطي الأزمة والقدرة على استكمال اليوبيل (العام). في عيد ميلاده التاسع والثمانين، سيضطر إلى طرح السؤال على نفسه عما إذا كان لا يزال لائقًا لقيادة الكنيسة". والكنيسة الكاثوليكية حاليا في خضم احتفال باليوبيل الذي يستمر لمدة عام، وهو حدث يُعقد تقليديا كل 25 سنة.

ويحب فرنسيس أن يبقى الناس في حالة تأهب، ومن المؤكد أنه كان يعلم أن الإعلان عن عقد اجتماع المجمع الكنسي سيثير كثيرا من التكهنات. ولكن ليس مرجحا أن يكون البابا راغبا في الكشف عن موقفه من مثل هذا القرار الكبير.

وقال إيفريغ: "بالنسبة لفرنسيس، فإن الحرية في تمييز هذه المسائل أمر مطلق".

فالحرية مهمة لأن استقالة البابا وفقاً لقانون الكنيسة هي قرار يجب أن "يُتخذ بحرية وبشكل سليم". ولا يمكن للبابا أن يخضع لإكراه أو ضغط خارجي عند اتخاذ قراره.

وفي الماضي، قال البابا فرنسيس إن البابوية هي "ad vitam" (أي مدى الحياة باللغة اللاتينية)، وإن الاستقالة ليست واردة على جدول أعماله. ومع ذلك، فإنه لم يستبعد أبدًا الاستقالة وقال إن قرار بنديكت "فتح الباب" أمام الباباوات المستقبليين للتقاعد.

وتتم الدعوة إلى عقد المجمع الكنسي بعد الاستقالة بنفس طريقة انعقاده في حالة وفاة البابا، ولكن في عام 2013 عدل بنديكت القانون للسماح بإجراء الانتخابات في وقت أقرب.

والبابا الأرجنتيني المولد لديه شعور عميق بالمهمة، ومنذ دخوله المستشفى أظهر تصميما على التعافي، رغم معاناته من الالتهاب الرئوي في كلتا رئتيه. وأشار رئيس الأساقفة بول غالاغر، هذا الأسبوع إلى أن استقالة البابا ليست واردة وأن فرنسيس سيبذل قصارى جهده للتعافي.

وقال لمطبوعة " America" الكاثوليكية: "إذا كانت إرادة الله أن يتحسن، فهذا رائع. إذا كانت إرادة الله ألا يتحسن، حسنًا، فسوف يقبل ذلك، هذه هي روح حياته..."

وغالبًا ما يفاجئ البابا الحالي الآخرين. وإذا تنحى فرنسيس، فمن المرجح جدًا أن يفعل ذلك عندما لا يتوقع الناس ذلك على الإطلاق.

مقالات مشابهة

  • مكتسباتُ معركة “طوفان الأقصى”
  • معاذ أبو شمالة: اليوم التالي للحرب لن يكون إلا فلسطينيًا خالصًا
  • صنعاء.. انعقاد المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة للطوفان – أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير”
  • صنعاء.. انعقاد المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة للطوفان – أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير”
  •   صنعاء : انعقاد المؤتمر الدولي فلسطين: من النكبة للطوفان - أهمية دور المقاومة الفلسطينية في منع التهجير
  • طوفان الأقصى: السياسي والإيديولوجي
  • صفقة طوفان الأحرار.. ثلاثية متكاملة تصنع الإنجاز
  • هل يستقيل البابا فرنسيس من منصبه؟ خبراء يجيبون وسط توقعات بمفاجآت
  • محللون: إقرار جيش إسرائيل بفشل 7 أكتوبر يطمس حقائق طوفان الأقصى
  • حماس تهنئ بحلول رمضان وتدعو لدعم غزة والقدس