لا يسلم مخيم جباليا فى كل عدوان يتعرض له قطاع غزة على مدار عقود طويلة من اجتياحات برية مدمرة أو مجازر يرتكبها سلاح الجو التابع للاحتلال الإسرائيلى، فالمخيم الذى لا تتجاوز مساحته 1.4 كيلومتر مربع، لطالما شكّل محطة حاسمة ومفصلية من محطات النضال الأولى ضد المحتل، كما مثّل الحاضنة الأولى للمقاومة الفلسطينية، فيما شكّل الحصن المنيع فى وجه كل محاولات التهجير على مر التاريخ، فيما صرّح دانيال هغارى، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى، أنّ الحملة العسكرية الأخيرة على شمال قطاع غزة، تهدف إلى القضاء على المقاومة فى جباليا تحديداً، باعتبارها كتلة بشرية وبقعة سكانية شكَّلت معضلة للإسرائيليين.

على مدار فترة الحصار المطبق على مخيم جباليا، لم يَدَع جنود الاحتلال بشراً إلا وقتله أو حجراً إلا ونسفه أو زرعاً إلا وأحرقه، حتى بات المخيم الذى كان يقطنه نحو 116 ألف نسمة ويضج بالحياة والصخب، قبل العدوان على قطاع غزة، خاوياً على عروشه، بعدما أمعن الاحتلال فى ارتكاب شتى أنواع المجازر وتفنن فى أشكال التنكيل والاعتقال، وصولاً إلى القتل والإعدامات الميدانية للمدنيين، قبل أن يقوم الجنود بحرق البيوت وقصف مستشفى كمال عدوان، الوحيد الذى يعمل فى شمال القطاع المنكوب، ليستشهد فى طرقاته عشرات الجرحى والمرضى من الأطفال والنساء والشيوخ.

منذ بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة واجه مخيم جباليا 3 عمليات عسكرية، فى العملية الأولى فى شهر ديسمبر الماضى، لم تنجح القوات الإسرائيلية فى الوصول إلى عمق مخيم جباليا، وعملت على أطرافه الغربية والشرقية، وذلك بسبب كثافة المقاومة التى تعرضت لها وجغرافيا المخيم المكتظ بالمنازل والسكان والأزقة الصغيرة التى لا تستطيع الآليات الدخول إليها، أما الثانية فجاءت فى شهر مايو الماضى، وكانت أكثر عمقاً، بالدخول من طرق التفافية جديدة إلى وسط المخيم مُخلِّفةً دماراً كبيراً طال حتى مراكز الإيواء وغيرها، ولكنها لم تسيطر على جميع المناطق فى داخله، وخلال العملية الثالثة المستمرة تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلى من الوصول إلى معظم مواقع المخيم لتكون العملية الأكبر والأوسع.

 «الثوابتة»: دَوِىّ إنذار سيارات الإسعاف لا يتوقف وهى محمّلة بالضحايا والجثامين.. ولدينا مئات المفقودين تحت الركام لا نعرف مصيرهم حتى اللحظة

وقال إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامى الحكومى بغزة، إن قوات الاحتلال الإسرائيلى قتلت أكثر من 2200 فلسطينى خلال العملية البرية الأخيرة التى تشنها على المدنيين فى مخيم جباليا، لافتاً إلى أن الغارات ترتكب يومياً أكثر من 6 مجازر على طول المدن والشوارع شمال قطاع غزة، مشيراً إلى أنّ هناك مئات المفقودين تحت ركام المنازل ولا يُعرف مصيرهم حتى اللحظة.

«البرش»: نفاضل بين المصابين عند إسعافهم بسبب الحصار والقصف

المشهد داخل المخيم تسوده الفوضى وصراخ أهالى الشهداء، واستغاثات المصابين، ودوىّ إنذار سيارات الإسعاف الذى لا يتوقف، محمّلةً بالضحايا والجثامين، وفوجئ الأطباء بقذائف وشظايا وعمليات قصف مكثفة للطوابق العليا لمستشفى كمال عدوان التى يرقد فى غرفها عشرات الأطفال داخل العناية المركزة، وقال المدير العام لوزارة الصحة بغزة، منير البرش، إن هناك 3 أطباء فقط يعملون فى مستشفى كمال عدوان بسبب استهدافات الاحتلال، لافتاً إلى أنهم اضطروا إلى تطبيق نظام المفاضلة فى علاج المصابين: «اللى إصابته ليست قاتلة بالدرجة الأولى يتم إسعافه أما الإصابات البالغة للأسف فيصعب إسعافهم بسبب نقص الأطباء وانعدام المستلزمات الطبية اللازمة لحالتهم».

وأكد «البرش» أنّ جيش الاحتلال يستهدف الكوادر الطبية فى القطاع واعتقل 30 منهم عند اقتحام المستشفى الوحيد الذى لا يزال يقدم خدماته للأهالى فى شمال القطاع، وتابع: «لم يتبقَّ فى المستشفى إلا طبيب واحد تخصص أطفال من بين كل التخصصات، كما أنّ الاحتلال الإسرائيلى أحرق محطة الأكسجين الوحيدة فى المستشفى، بالإضافة إلى تدمير المولدات الكهربائية، وساحة المستشفى وبعض الممرات الداخلية»، مشيراً إلى أنّ الاحتلال ارتكب مجازر بحق سكان شمال غزة، وأن الأهالى يستغيثون دون أن تتمكن سيارات الإسعاف أو الدفاع المدنى من الوصول إليهم، إذ يتم إطلاق النار على أى شخص أو مركبة تتحرك.

فى سياق متصل، قال دكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والقيادى بحركة فتح، إن أهمية مخيم جباليا تعود إلى كونه مفجر الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتى تعد الأطول فى تاريخ النضال الفلسطينى، حيث انطلقت الشرارة من بين أزقته فى الثامن من ديسمبر عام 1987، وذلك بوقوع الحدث الذى شكّل علامة فارقة فى تمرّد الفلسطينى على واقعه الاستعمارى، عندما قام أحد المستوطنين بدهس عمّال فلسطينيين بشاحنته على معبر «إيريز» والمعروف أيضاً بـ«معبر بيت حانون»، شمال قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد 4 منهم وإصابة 7 آخرين، وعلى إثرها ثار الفلسطينيون فى المخيم وبدأت انتفاضة الحجارة لتشمل كلّ القطاع، ثم مدن الضفة الغربية، واستمرت حتى توقيع اتفاقية «أوسلو» بين الاحتلال الإسرائيلى ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

واليوم وقد مرّ ما يقرب من 40 سنة على مهد انتفاضة الحجارة بجباليا، لا يزال المخيم عصياً على الكسر، لا ينحنى، ولا يتراجع، يخلق الصواريخ من بين التراب، والرصاص من الهواء، والإصرار من المعاناة، رغم الحصار والتهجير والمجازر، وفى هذه الجولة من جولات الفلسطينيين لاسترداد الأرض، والتى بدأت منذ عام، سجل مخيم جباليا اسمه فى مقاومة المحتل والثأر منه للمرة الثانية، عندما استطاعت المقاومة فى أواخر شهر أكتوبر تصفية العقيد إحسان دقسة، قائد اللواء «401»، والذى يعد أعلى رتبة عسكرية لقتيل منذ بدء العدوان على قطاع غزة، وفق ما أعلنته هيئة الإذاعة الإسرائيلية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مخـيــم جـبـالــيـا الاحتلال الإسرائیلى مخیم جبالیا قطاع غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

عدوان الاحتلال على طولكرم.. 13 شهيدًا وإصابة واعتقال العشرات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت وسائل إعلام فلسطينية، أنّ عدوان الاحتلال على طولكرم أدى لارتقاء 13 شهيدًا وإصابة واعتقال العشرات، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية"، في خبر عاجل.
وذكرت اللجنة الإعلامية في مخيم طولكرم، وجود 16 ألف نازح جراء عدوان الاحتلال على مخيمي طولكرم ونور شمس، مشيرةً، إلى أنّ الاحتلال يدمر ويحرق المنازل في مخيمي طولكرم ونور شمس لشق طرق وتغيير معالمهما.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يصعد شمال مدينة أريحا ويضرم النار بمنازل في مخيم جنين
  • قوات الاحتلال الإسرائيلى تقتحم مناطق متفرقة بالضفة الغربية
  • الفلسطينيون في لبنان يشيعون شهيد من “سرايا القدس” في مخيم “عين الحلوة”
  • شهيد وجرحى في قصف الاحتلال شرق بيت حانون شمالي قطاع غزة
  • سكان غزة يقيمون إفطاراً جماعياً وصلاة تراويح قرب قوات الاحتلال في جباليا
  • سكان غزة يقيمون إفطارا جماعيا قرب قوات الاحتلال ويصلون التراويح في جباليا
  • عدوان الاحتلال على طولكرم.. 13 شهيدًا وإصابة واعتقال العشرات
  • جرافات الاحتلال تهدم عددا من المنازل في مخيم نور شمس بالضفة الغربية
  • جرافات الاحتلال تهدم عددًا من المنازل في مخيم نور شمس بالضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلى يواصل عدوانه على طولكرم وسط تهجير قسرى وحرق للمنازل