بعد سيركو لوكو وفيديو الهدم.. هل تتأثر الأهرامات المصرية بالحفلات وأضوائها؟
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
تزايد الجدل مؤخرا حول منطقة الأهرامات الأثرية في مصر، بعد تكرار إقامة الحفلات الفنية والأنشطة التجارية في محيطها، وما يصاحب ذلك من مخاوف يبديها كثيرون سواء من المواطنين أو الأثريين المتخصصين على تأثر المنطقة التي تعد إحدى أشهر المناطق الأثرية في العالم، ويرجع تاريخها لآلاف السنين، جراء الحفلات الفنية خاصة تلك التي يحضرها جمهور كبير يصل أحيانا لآلاف.
وبين القلق من أثر تلك الأنشطة على الأهرامات ومنطقتها الأثرية وحديث مسؤولين حكوميين يطمئن المواطنين والمهتمين على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للحفاظ على الآثار المصرية وعدم منح أي موافقات على حفلات فنية أو أنشطة تجارية في منطقة الأهرامات أو غيرها من المناطق الأثرية إلا بعد التأكد من عدم تضرر تلك المناطق، تبقى المخاوف قائمة، ومعها جدل متجدد بين حين وآخر حول الأهرامات المصرية ومنطقتها الأثرية.
وتقول الخبيرة الأثرية المصرية مونيكا حنا لموقع "الحرة" إن " الأنشطة الفنية والتجارية في منطقة الأهرامات مسموح بها ولكن بضوابط، لابد من توافرها للتحقق من عدم الإضرار بالمنطقة الأثرية خاصة وأن هذا الضرر في حالة تحققه نتيجة الأنشطة الفنية والتجارية، يحدث بتراكم على مدار عشرات السنين ولا تظهر نتائجه بشكل مباشر".
ويحكم التعامل مع الآثار المصرية سواء منطقة الأهرام أو غيرها قانون خاص يسمى قانون حماية الآثار ويحمل رقم 117 لسنة 1983، وله لائحة تنفيذية تفسر مواده وتحدد الإجراءات اللازمة لكل بند من بنود هذا القانون، وصدرت في يونيو من عام 2010 وتنص في موادها على، " يحظر التصريح بالأنشطة التي تمثل خطورة على الموقع الأثري أو الآثار الموجودة به، ولا يجوز تسليط أضواء على الآثار سواء بطريق مباشر أو غير مباشر أو غيرها من تلك الوسائل إلا بموجب موافقة كتابية من المجلس - أي المجلس الأعلى للآثار – ويجب أن يحدد في طلب الترخيص الذي يصدر بالموافقة على النشاط إسم وطبيعة عمل الجهة والشخص الذي يطلب منه القيام به ونوعية النشاط تحديدا والهدف منه والفترة التي سيتم استغلال الموقع فيها، ويحظر وضع أية إعلانات أو لافتات أو غيرها من وسائل الدعاية والإعلان من أي نوع وبأية وسيلة على على الآثار، ويكون وضع الإعلانات بداخل حرم الأثر من خلال موافقة كتابية بما يتلاءم من المنطقة الآثرية وحماية بيئة الأثر".
الأصوات العالية والأضواء الشديدة تضرالآثاروتقول "حنا" التي تعمل أستاذا مساعدا للآثار والتراث الحضاري، "الضوابط الواردة في هذه اللائحة تضمن حماية الآثار في حال تطبيقها ولكن أن يقام حفل مثل حفل سيركو لوكو الذي أقيم مؤخرا وحضره آلاف كيف يمكن تحقيق الضمانات اللازمة لعدم تضرر الأثر في ظل هذه الأعداد الكبيرة، فمثلا هل أقيمت دورات مياه ومصادر مياه تكفي هذا العدد دون تسرب أي مياه للمنطقة، وهل تم التأكد من عدم استخدام الأضواء والأصوات العالية في الحدود الآمنة؟
وتابعت: الأضواء العالية والمباشرة، والاهتزازات الناتجة عن الأصوات العالية أو عن حركة السيارات تؤثر كذلك ويعمل تراكم هذا التأثير على مدار سنوات على الإضرار بالأثار خاصة في ظل عدم وجود أجهزة قياسات لمعدلات تلك الأضواء والذبذبات الناتجة عن الأصوات".
وأقيم حفل "سيركو لوكو" في منطقة الأهرامات في مصر خلال الأيام الماضية وحضره قرابة 7 آلاف شخص ومعه تزايدت الانتقادات للسماح بإقامة حفل كبير يحضره جمهور كبير كهذا، ما دعا المسئولين بوزارة السياحة والآثار في مصر لإصدار تصريحات إعلامية لوسائل إعلام محلية بإن الحفل كان خارج حرم المنطقة الآثرية، وتم وفقا للأطر القانونية والضوابط التي تحافظ على الأهرامات ولا تضر بالمنطقة الأثرية كلها.
ويشير الدكتور إبراهيم بدر أستاذ ترميم وصيانة الآثار أن "المشكلة الأساسية أنه لا يوجد أكواد تحكم عملية الموافقة على تراخيص مثل تلك الأنشطة الفنية، بمعنى معايير واضحة محددة تقول إن قياسات الصوت والإضاءة يجب ألا تزيد عن مستوى محدد ويتم مراقبتها فعليا وقياسها على أرض الواقع للتأكد من عدم تجاوزها، وتقتصر إجراءات منح الموافقات على دفع الرسوم المالية وإنهاء الأوراق والحصول على التوقيعات وهي إجراءات لا تكفي للحفاظ على الآثار المصرية خاصة وأن تأثير ذلك يستغرق عقودا طويلة للظهور ونراه أثناء ترميم الآثار وصيانتها، ونلاحظه في معدلات التغير اللوني وبهتان الألوان، وتأثر الخواص الميكانيكية وتشكيلات الألوان أثناء المقارنات بينها في فترات زمنية سابقة ولاحقة".
وعن رؤيته لمعالجة ذلك يقول خبير الترميم لموقع "الحرة"، " لابد من فصل جهة التعاقد عن جهة تنفيذ التعاقد لأن بقاءهما معا لا يضمن تطبيقا حقيقيا لعمليات الحفاظ على الآثار بحيث تكون جهة التنفيذ مسئولة فقط عن التأكد من مطابقة الإجراءات اللازمة لعدم تجاوز مستويات الأضواء والأصوات عن الحد المسموح به بعد قياسها باستخدام أجهزة قياس بالإضافة للتأكد من توافر الخدمات المطلوبة من ناحية المياه والصرف والقمامة بما لا يضر بالأثر، وعدم التركيز على اتخاذ الإجراءات الأمنية والإدارية فقط".
الأنشطة الفنية هامة لعدم هجر الآثار ولكن بضوابطلم يقتصر "جدل الأهرامات" الأخير على حفل سيركو لوكو فقط، فقبله بأيام قليلة ظهر مقطع مصور لشخص يقوم بتكسير على أحد أحجار الهرم العملاقة وتناقلته منصات التواصل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بشكل كبير مع تعليقات حول ما يحدث من تكسير في الهرم الأكبر بين الأهرام الثلاثة، ما دفع وزارة السياحة والآثار لإصدار بيان قالت فيه إن تفسير الفيديو الذي يتم تداوله على أنه هدم لأحد أحجار الهرم الأكبر غير صحيح لأن ما يحدث هو إزالة لمواد بناء حديثة "مونة" – أي خليط من الأسمنت والرمل والماء- غير أثرية والتي تم وضعها منذ عقود بهدف تغطية شبكة الكهرباء الخاصة بإنارة الهرم.
وتابعت: يقوم المجلس الأعلى للآثار حاليا بإزالة هذه المواد ضمن مشروع تحديث لشبكة الإنارة الخاصة بالهرم الأكبر دون المساس بجسم الهرم أو أي من أحجاره الأصلية، وأنها ملتزمة بدورها في حماية وصيانة التراث الأثري والحضاري لمصر.
واتفقت "حنا" و" بدر" على أن "الأنشطة الفنية والتجارية مطلوبة في المناطق الأثرية لعدم هجرها وكذلك تحقيق دخل مادي، لكن لابد من تطبيق أكواد ومعايير واضحة لعدم تضرر الآثار ومراقبة تنفيذ تلك المعايير والأكواد بشكل صارم حتى لا نفاجأ بعد عقود بتأثيرات كبيرة لا يمكن معالجتها، كما أن العائد المادي من الك الأنشطة لابد أن يخصص جزء منه لرفع كفاءة مفتشي الآثار والعاملين في المناطق الأثرية وتوفير الأجهزة اللازمة لقياس الصوت والضوء قبل بدء تلك الأنشطة والتأكد من عدم تجاوز الحد المسموح، وعدم الموافقة على زيادة عدد الحضور في تلك الحفلات أو الأنشطة التجارية عن رقم محدد تحت أي ظرف".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المناطق الأثریة منطقة الأهرامات الأنشطة الفنیة على الآثار أو غیرها من عدم
إقرأ أيضاً:
“المستشار بين دور البناء ومعول الهدم”
بقلم : سمير السعد ..
من المؤكد أن وجود المستشارين يُعدّ ضرورة حتمية في منظومة اتخاذ القرار لدى المسؤولين والقادة. فالمسؤول، مهما بلغ من كفاءة، لا يمكن أن يكون ملماً بجميع تفاصيل حياة الرعية أو متطلبات العمل الإداري، مما يجعل المستشار جزءاً لا يتجزأ من منظومة القيادة الناجحة.
المستشار الحقيقي هو من يحمل على عاتقه تقديم المشورة بناءً على خبرته ومعرفته المتخصصة في مجال معين. ولكن عندما يتحول اختيار المستشارين إلى مجرد إجراء شكلي أو لتلبية اعتبارات شخصية أو سياسية، تنشأ الكارثة.
في بعض الحكومات، نجد أن عدداً من المستشارين يفتقرون إلى الخبرة أو التخصص في مجالهم، مما يجعل وجودهم عبئاً بدلاً من أن يكونوا أداة فعّالة للإصلاح والبناء. الأمر لا يتوقف عند حدود غياب الكفاءة فقط، بل يتعداه إلى أن يصبح المستشار معول هدم يُضعف القرارات الحكومية ويزيد من سوء الأوضاع.
ما يقع هنا هو أن المسؤول، بدلاً من أن يحصل على الحلول والنصائح الفعالة، يجد نفسه أمام مستشار عاجز عن تقديم الرؤية الصحيحة، بل وقد يكون بحاجة لمن يقدم له هو الآخر المشورة! والمحصلة النهائية هي قرارات ضعيفة وأداء حكومي متردٍّ يُلقي بظلاله على الجميع.
لذا، فإن تصحيح مسار الحكومات يبدأ بإعادة النظر في آلية اختيار المستشارين، بحيث تكون الكفاءة والخبرة هي المعيار الأساسي، وليس العلاقات الشخصية أو المصالح الضيقة.
إنّ المستشار الناجح هو ذلك الشخص الذي يُسهم في بناء منظومة قرارات متكاملة، مستندة إلى التحليل العميق والرؤية الواضحة. وجوده يجب أن يُعزز الثقة بين المسؤول والجمهور، عبر تقديم حلول مبتكرة تعالج المشكلات وتستشرف التحديات المستقبلية.
لكن مع الأسف، حين تتحول وظيفة المستشار إلى مجرد لقب بلا مضمون، أو إلى أداة لإرضاء بعض الأطراف، فإن المؤسسة بأكملها تدفع الثمن. الفشل في اختيار المستشارين الأكفاء لا يؤدي فقط إلى ضعف الأداء الحكومي، بل يُساهم في فقدان الثقة بين المواطن وحكومته.
إن الحل يكمن في اتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح جذري يبدأ من تقييم أداء المستشارين الحاليين وإعادة هيكلة آليات تعيينهم. فالمسؤول بحاجة إلى فريق عمل داعم يسانده بالرؤية الصحيحة، وليس إلى مجرد شخصيات تتنافس على الظهور وتقديم نصائح سطحية.
تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق القادة والمسؤولين، فهم من يختارون المستشارين ويمنحونهم الثقة. لذلك، يجب أن يدركوا أن المستشار الكفء ليس مجرد إضافة، بل هو شريك أساسي في تحقيق النجاح وصناعة مستقبل أفضل.
المستشار، بين كفاءة البناء وخطر الهدم، هو ميزان النجاح أو الإخفاق. فهل ستُعيد الحكومات ترتيب هذا الميزان؟
إن إعادة ترتيب هذا الميزان تبدأ من ترسيخ ثقافة المسؤولية والمهنية في كل مستويات الإدارة. لا يمكن لأي حكومة أن تنجح دون مستشارين أكفاء يُدركون حساسية دورهم وأهمية تأثيرهم في صياغة السياسات واتخاذ القرارات. المستشار ليس مجرد صاحب رأي عابر، بل هو صوت الخبرة والعلم الذي يجب أن يُسمع قبل أي خطوة مصيرية.
وعلى صعيد آخر، فإن المسؤول الذي يُحيط نفسه بمستشارين غير أكفاء يُغامر بمستقبله السياسي ومصير مؤسسته أو حكومته. بل إن مثل هذا الاختيار يعكس انعدام الرؤية وضبابية الهدف. فلا نجاح بلا تخطيط، ولا تخطيط بلا استشارة مبنية على أسس علمية ومهنية واضحة.
قد يبدو الحديث عن المستشارين قضية هامشية للبعض، لكنه في الحقيقة أحد الأعمدة الرئيسية لأي منظومة حكم ناجحة. فإن أخطأ المستشار، أو فُقدت الثقة في كفاءته، تتحول القرارات الحكومية إلى سلسلة من الإخفاقات التي لا يمكن تداركها بسهولة.
لذلك، لا بد من إرساء منظومة رقابية صارمة تُقيم أداء المستشارين بشكل دوري، وتحدد مدى إسهامهم في تحقيق الأهداف المرجوة. كما يجب أن تكون معايير اختيارهم شفافة وواضحة، تستند إلى الكفاءة والخبرة لا على المحسوبية والعلاقات الشخصية.
فإن نجاح الحكومات يُقاس بقدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة التي تلبي تطلعات شعوبها، وهذا لن يتحقق إلا بوجود مستشارين يدركون حجم الأمانة الملقاة على عاتقهم. فهل ستشهد الحكومات مستقبلاً إصلاحاً حقيقياً في هذا المجال؟ أم سيبقى المستشار مجرد كرسي شاغر بلا فاعلية؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة.
ختاماً، لا أقصد بكلامي أحداً بعينه، ولكن هذه دعوة للتأمل في أهمية دور المستشار، بين أن يكون بناءً للمستقبل أو معولاً لهدمه.