سوء التسويق الإعلامي المحلي في الاعلام : العراق، الكنوز المخفية تنتظر الانطلاق
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
العراق، أرض الحضارات الأولى وموطن أقدم المجتمعات الإنسانية، يزخر بتاريخ غني وتراث متنوع يمتد لآلاف السنين. ومع ذلك، فإن ضعف التسويق الإعلامي (marketing )المحلي أسهم بشكل كبير في تغييب صورة العراق الحقيقية عن الأوساط العالمية، رغم الإنجازات المذهلة التي شهدها البلد في السنوات الأخيرة، مثل استضافة مونديال الخليج في البصرة وزيارة البابا فرنسيس، وعدد من المؤتمرات وورش العمل الدولية، إضافة إلى الحدث السنوي الفريد عالميًا: زيارة الأربعين.
واقع الإعلام المحلي: الفرص المهدورة
رغم امتلاك بلدنا عناصر جذب هائلة، يعاني الإعلام المحلي من سوء التخطيط الاستراتيجي، وضعف التنسيق بين الوزارات المعنية والجهات القطاعية الاعلامية.
هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن يتناولها الإعلام بشكل أكثر احترافية:
- السياحة الدينية: العراق يحتضن أقدس المزارات الإسلامية الشيعية والسنية، مثل العتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء والعتبة العلوية في النجف الاشرف ، والمراقد المقدسة في سامراء ومسجد الإمام الأعظم في بغداد ومرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني، وغيرها من المزارات الاخرى. بالاضافة للكنائس ودور العبادة لباقي الاديان .
ان المناسبات المليونية مثل زيارة الأربعين تعد فرصة ذهبية لتسليط الضوء على روح الكرم والتضحية، لكنها غالبًا ما تُقدم بأسلوب نمطي وتقليدي.
- السياحة الثقافية والتاريخية: معالم كأهوار جنوب العراق (المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو)، وأقدم الكنائس والأديرة في نينوى وكركوك، وحضارة بابل وسومر واكد واشور العريقة، لا يتم الترويج لها كما تستحق.
- التنوع المجتمعي والديني: يُعد العراق انموذجاً عالميًا للتعايش السلمي بين الأديان والمذاهب والطوائف والاسميات والعرقيات، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون والأيزيديون والصابئة والاديان الاخرى جنباً إلى جنب.
استراتيجية تطوير الإعلام المحلي
لتعزيز صورة بلدنا في العالم، ينبغي تبني استراتيجية إعلامية شاملة تعتمد على أسس علمية وتقنيات حديثة، تتضمن العناصر التالية:
1.الاستفادة من السوشيل ميديا والمنصات الرقمية
حيث ان الإعلام التقليدي وحده لم يعد كافياً، يجب الاستثمار في منصات مثل يوتيوب، إنستغرام، وتويتر، وفيسبوك مع محتوى جذاب يستهدف شرائح متنوعة من الجمهور العالمي. على سبيل المثال، يمكن إنتاج فيديوهات قصيرة توثق جمال الأهوار أو بريق بغداد ليلاً واقليم كردستان العراق.
2.إعداد كوادر إعلامية مؤهلة، ينبغي تدريب الصحفيين والمراسلين المحليين على استخدام أساليب السرد القصصي المبتكر (Story telling)، مع التركيز على إبراز الجوانب الإنسانية للقصص العراقية.
3.تعزيز التعاون مع الإعلام العالمي
من خلال التعاون مع قنوات وصحف عالمية كـBBC وNational Geographic، وغيرها، حيث يمكن نشر تقارير وبرامج توثق الجوانب الفريدة للعراق، من تراثه إلى طبيعة شعبه.
4.إطلاق حملات إعلامية دولية
يجب تنظيم حملات إعلامية مدروسة تتناول الجانب الثقافي والسياحي والإنساني للعراق. على سبيل المثال، حملة بعنوان “العراق: موطن الضيافة والسلام” تسلط الضوء على الأحداث المليونية كالأربعينية والاستضافات والبطولات الرياضية.
5.إنشاء منصات متعددة اللغات
إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عدة (كالإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية) لاستهداف الجمهور الدولي، مع تقديم محتوى احترافي عن العراق.
6.التكنولوجيا الحديثة في التسويق
استخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) لعرض معالم العراق بشكل ثلاثي الأبعاد في المعارض الدولية أو عبر التطبيقات السياحية.
ختامًا: العراق يستحق أن يُسمع صوته
العراق ليس فقط بلد النفط والحروب كما تصوره بعض وسائل الإعلام الأجنبية. إنه مهد الحضارات الأولى، وأرض الضيافة والشجاعة، وملتقى الأديان والثقافات. بتطوير استراتيجية إعلامية شاملة وفعالة، يمكن للعراق أن يستعيد مكانته كأحد أعظم الوجهات الثقافية والسياحية في العالم. الإعلام هو المفتاح؛ لأنه هو الذي يستطيع أن يفتح أعين العالم على الكنوز التي تنتظر الاكتشاف.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.