إسرائيل تحجب مشاهد الدمار بالشمال وتتكتم على حجم الخسائر
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
القدس المحتلة- في الوقت الذي تسلط فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على مشاهد الدمار الذي خلفه عدوان جيش الاحتلال على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت لتأطير صورة انتصار، تتعمد تل أبيب حجب مشاهد الدمار في مستوطنات الشمال وتتكتم على حجم الخسائر والأضرار التي تكبدتها جبهتها الداخلية.
ورغم ذلك، أخذت تتكشف تقديرات أولية لحجم الخسائر مع بدء عودة عشرات آلاف الإسرائيليين الذي تم إجلاؤهم من 42 مستوطنة في الشمال مع اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
عكس هذا التكتم أزمة الثقة بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو وسكان ورؤساء هذه المستوطنات الذين وجهوا انتقادات شديدة اللهجة إلى الوزارات واتهموها بإهمالهم خلال الحرب، وشككوا في جدية الخطة الحكومية لإعادة إعمار مستوطنات الشمال والتي قد تستغرق سنوات.
خسائر فادحةومع دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان حيز التنفيذ، أظهرت البيانات الأولية التي أفصحت عنها سلطة الضريبة والأملاك قائمة بحجم الدمار الذي تتكتم عليه إسرائيل، حيث تم تسجيل نحو 9 آلاف حالة تلف وضرر في المباني السكنية والمنازل، وتضرر أكثر من 7 آلاف مركبة خاصة، وتضرر قرابة 343 مزرعة خاصة تمتد على عشرات آلاف الدونمات، وتدمير 1070 منشأة اقتصادية وتجارية صغيرة.
وقدرت هذه البيانات أن إجمالي الخسائر بلغ قرابة مليارين ونصف مليار شيكل (675 مليون دولار)، دُفع منها 140 مليون شيكل (38 مليون دولار).
وبحسب صحيفة "كلكليست"، فإن هذه الإحصاءات أولية ومرحلية، فقد قُدمت رسميا خلال الحرب إلى سلطة الضريبة والأملاك 17 ألفا و276 دعوى تعويضات، ويتوقع أن تتضاعف الدعاوى مع وقف إطلاق النار والتمكن من الوصول إلى جميع الأماكن المتضررة والتي تعذر الوصول إليها بسبب القتال.
مع بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم إجلاء حوالي 22 ألفا من سكان مستوطنة كريات شمونة البالغ عددهم 24 ألفا من منازلهم، وتبدو شوارع المدينة مهجورة ومعرضة لإطلاق نار يومي من لبنان، وتوقف النشاط التجاري والصناعي فيها، واضطر معظم أصحاب المصالح التجارية التي تقدر بالآلاف إلى إغلاقها أو نقلها إلى أماكن نائية وأكثر أمانا.
ووصف رئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن الاتفاق مع لبنان بأنه "اتفاق استسلام"، وقال في حديثه لـ"كلكليست" إنه سيعرض سكان الشمال لهجوم كبير مماثل لذلك الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الجنوب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويضيف "لا أفهم كيف انتقلنا من النصر المطلق إلى الاستسلام الكامل، ولماذا لم يكمل الجيش الإسرائيلي العلمية العسكرية في جنوب لبنان، خصوصا بعد توجيه ضربات قاسية لحزب الله الذي سيستغل الاتفاق لإعادة ترتيب صفوفه وقدراته، بينما سيعود سكان كريات شمونة إلى مدينة مدمرة، بلا أمن وبلا أفق".
وبحسب بيانات مؤسسة التأمين الوطني، فإن 70% من المصالح الصناعية والتجارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في كريات شمونة أغلقت أبوابها مع بدء الحرب، كما أن 68% من سكانها الذين سيعودون يوما ما إلى المدينة لن يجدوا وظائف وأماكن عمل.
تداعيات الحربهذا الواقع الذي تكشف في المستوطنات الحدودية مع لبنان استعرضه الصحفي ناتي توكر، في تقرير له بصحيفة "دي ماركر"، تناول فيه الخسائر والأضرار التي خلفتها الحرب على الاقتصاد وسوق العمل في الشمال.
وبحسب توكر، فإن توقف الهجمات على شمال البلاد ووسطها وانخفاض التهديدات الأمنية القادمة من الجنوب على جبهة غزة يعيد إسرائيل إلى روتين الحياة الذي من شأنه أن يسمح بعودة النشاط الاقتصادي دون انقطاع.
ويضيف "قد تتبخر بعض آثار القتال وتداعياته بسرعة، لكن بعض عواقب الحرب وسلوك الحكومة لن يختفي بهذه السرعة. لقد خلقت الأشهر الـ14 من القتال فجوات عميقة غرقت فيها إسرائيل واقتصادها، وسيستغرق سدّها والخروج منها وقتا طويلا".
وعن سبب عمق الأزمة الاقتصادية والخسائر الأولية التي تكبدتها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، يقول "لقد تم تخصيص 19 مليار شيكل (5 مليارات دولار) لإعادة إعمار غلاف غزة والنقب الغربي بعد وقت قصير من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
ويتابع "إن ميزانية إعادة الإعمار في الشمال أقل بكثير وغير واضحة، ولا يزال السجال بين رؤساء المستوطنات والحكومة بشأن قيمتها في بداياته، إذ تقدر السلطات المحلية في المنطقة الأضرار بعشرات مليارات الشيكلات، بينما تتجه الحكومة لتخصيص 15 مليار شيكل فقط".
لا عودة"جولة مثيرة للقلق في الجليل الأعلى وفي تخوم المستوطنات الحدودية"، هكذا وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت -في تقرير لها- الواقع في الشمال مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فدخول هذه المستوطنات بحاجة إلى تصريح خاص من الجيش الإسرائيلي، ويشمل ذلك أيضا السكان الذين نزحوا من المكان قبل نحو 14 شهرا.
هذا الواقع عبرت عنه عنبال شيني من كيبوتس (تجمع استيطاني) "مسغاف عام" وشككت في إمكانية صمود الاتفاق مدة طويلة، قائلة "من الواضح أن حزب الله سيفعل كل شيء للتغلب علينا. الغالبية العظمى من المنازل في المستوطنات الحدودية مدمرة، ليس من السهل العودة هكذا".
تعيش شيني في الكيبوتس منذ 35 عاما، ولم تتخيل أنه منذ أكثر من عام، حتى بعد مصادقة المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) على وقف إطلاق النار في الشمال، ستكون زيارة المكان خطيرة وستتطلب تصريح دخول خاص.
ولا تنوي هذه المستوطِنة العودة قريبا إلى منزلها في الكيبوتس، وتوضح "ما عدت أثق في الحكومة ولن أستجيب لنداء الجيش إذا قال إن كل شيء آمن ويمكن أن تعود الحياة إلى طبيعتها. فحزب الله سيسعى إلى استعادة قدراته من جديد والعودة إلى جنوب لبنان ليهزمنا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أکتوبر تشرین الأول وقف إطلاق النار کریات شمونة فی الشمال
إقرأ أيضاً:
«الظّل» الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو «محمد الضيف»؟
أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب “القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس”، في وقت سابق أمس الخميس، مقتل قائد هيئة أركان الكتائب القائد محمد الضيف خلال معركة “طوفان الأقصى”، إلى جانب أربعة آخرين من كبار قادتها خلال الحرب بين إسرائيل والحركة في قطاع غزة، فمن هو محمد الضيف الذي طاردته إسرائيل لعقود؟
ويعد الضيف صاحب المسيرة الطويلة والمحاطة بالغموض في حماس، حيث كانت له قدرة كبيرة على التخفي والإفلات من مطاردة إسرائيل التي وضعته على رأس قائمة المطلوبين منذ عقود، فمن هو الضيف؟
ارتبط اسم محمد الضيف، منذ التسعينيات بفصائل “المقاومة الفلسطينية”، ويعتبر أحد أبناء الجيل الأول من “القساميين”.
منذ أكثر من ثلاثة عقود، قاد الضيف كتائب “الشهيد عز الدين القسام”، متجاوزا محاولات الاغتيال المتكررة التي جعلته أشبه بالشبح الذي يؤرق إسرائيل ويعيد صياغة معادلات الصراع في كل مواجهة، وصولا إلى معركة “طوفان الأقصى”.
نشأته وبداية حياته العسكرية:
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف بـ”محمد الضيف”، عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، لعائلة هجّرت من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ليستقر بها المقام في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مخيم خان يونس كما بقية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجِّروا من ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم.
تأثر منذ صغره بواقع “الاحتلال وظروف اللجوء القاسية”، وهو ما دفعه للانخراط في صفوف “حماس” خلال دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس العلوم وكان من الناشطين في الكتلة الإسلامية.انضم إلى حركة “حماس” منذ صغره وكان عنصرًا نشيطا فيها.
شارك في فعاليات الانتفاضة الكبرى التي اندلعت نهاية عام 1987 واعتقل في إطار الضربة الأولى التي وجهتها القوات الإسرائيلية للحركة في صيف عام 1989 بتهمة الانضمام إلى الجناح العسكري للحركة الذي كان الشيخ صلاح شحادة (قتل في صيف 2002) قد أسسه آنذاك، وكان يحمل اسم “حماس المجاهدين” قبل أن يطلق عليه اسم “كتائب القسام”، وأمضى عاما ونصف العام في السجن.
أفرجت إسرائيل عام 1991 عن الضيف من سجونها ليلتحق بالمجموعات الأولى لكتائب “القسام” التي أعيد تشكيل الجهاز العسكري من خلالها، وذلك من خلال مجموعة خان يونس، والذين قتل معظمهم مثل ياسر النمروطي وجميل وادي، هشام عامر، وعبد الرحمن حمدان، ومحمد عاشور، والأسير حسن سلامة وغيرهم من المقاومين.
أصبح الضيف مطلوبا لإسرائيل، بعد مشاركته في تنفيذ العديد مما يسمى بـ”العمليات الفدائية” والاشتباك مع قواتها.
بدأت عملية مطاردته بعد أن رفض تسليم نفسه. وتمكن خلال هذه الفترة ومن خلال إتقانه للتخفي والبقاء في مكان واحد لفترة طويلة، من ألا يقع في قبضة القوات الإسرائيلية حيا أو ميتا.
برز دور الضيف بعد اغتيال عماد عقل الذي برز اسمه في سلسلة “عمليات فدائية” في نوفمبر من عام 1993، حيث أوكِلت إليه قيادة “كتائب القسام”.
خلال هذه الفترة، استطاع الضيف أن يخطط وينفذ عدة عمليات نوعية، وكذلك تمكن من الوصول إلى الضفة الغربية وتشكيل العديد من “الخلايا الفدائية” هناك، والمشاركة في تنفيذ عدة “عمليات فدائية” في مدينة الخليل والعودة إلى قطاع غزة.
لعب محمد الضيف دورا كبيرا في التخطيط لعملية خطف الجندي الإسرائيلي نخشون فاكسمان عام 1994 في بلدة بير نبالا قرب القدس والذي قتِل وخاطفيه بعد كشف مكانهم.
وظهر الضيف وهو يحمل بندقية وبطاقة هوية فاكسمان التي هربت من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث كان ملثما بالكوفية الحمراء.
ومع اشتداد الخناق على المطلوبين لإسرائيل في قطاع غزة، رفض الضيف طلبا بمغادرة قطاع غزة خشية اعتقاله أو اغتياله، لا سيما في ظل سياسة قصف المنازل التي يعتقد أن بها أيا من المطلوبين، وقال كلمة مشهورة آنذاك: “نحن خلقنا لمقاومة الاحتلال إما أن ننتصر أو نستشهد”، وذلك على الرغم من موافقة عدد من زملائه على الخروج من القطاع.
تمكن الضيف من أن يؤمن وصول المهندس يحيى عياش، أحد خبراء المتفجرات في الضفة الغربية إلى قطاع غزة بعد تضييق الخناق عليه في الضفة الغربية، وللاستفادة من خبرته في صناعة المتفجرات، حيث تم اغتياله بواسطة هاتف مفخخ مطلع عام 1996.
وقف الضيف وراء عمليات الثأر لعياش، من خلال إرسال حسن سلامة إلى الضفة الغربية للإشراف عليها، حيث قتل في هذه “العمليات الفدائية” حوالي ستين إسرائيليا.
لاحقا، بدأ بالاستعداد لتنفيذ المزيد من العمليات حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في سبتمبر من عام 2000 .
ومع إفراج السلطات الإسرائيلية عن الشيخ صلاح شحادة عام 2001، سلّم الضيف الشيخ شحادة قيادة الجهاز العسكري، حيث كلف شحادة الضيف بالمسؤولية عن الصناعات العسكرية للكتائب.
تعرض الضيف لمحاولة الاغتيال الأولى بعد عام من اندلاع الانتفاضة، حيث كان برفقة عدنان الغول (قتل في 22 أكتوبر 2004) خبير المتفجرات في كتائب القسام ونجله بلال، إ أطلقت عليهم طائرة إسرائيلية صاروخا في بلدة “جحر الديك” وقد نجيا من الاغتيال بأعجوبة بعد مقتل بلال في القصف ليغطي على والده ورفيق دربه.
قيادة الجهاز العسكري:
وبعد اغتيال شحادة في صيف عام 2002، أعادت قيادة الحركة المسؤولية للضيف لقيادة الجهاز العسكري.
في 26 سبتمبر من عام 2002، نجا الضيف من محاولة اغتيال ثانية بعد قصف السيارة التي كانت تقله في حي الشيخ، حيث قتل مرافقاه وأصيب بجراح خطيرة للغاية.
وأشارت مصادر فلسطينية إلى تعرض الضيف لمحاولة اغتيال ثالثة في قصف أحد المنازل في صيف 2006 خلال العملية العسكرية “لإسرائيلية بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل إنه أصيب بجراح خطيرة. دون أن تؤكد ذلك كتائب “القسام”.
وكانت أخطر محاولات اغتيالاته في عام 2014، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث استهدفت الطائرات الحربية منزله وقتلت زوجته وابنه، لكن الضيف خرج من تحت الركام ليواصل قيادة المعركة.
منذ توليه القيادة، أدار الضيف العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، وكان من أبرز المهندسين الذين عملوا على تطوير القدرات العسكرية لـ”حماس”، بما في ذلك تصنيع الصواريخ المحلية وإنشاء شبكة الأنفاق العسكرية.
دوره في “طوفان الأقصى”:
أطل محمد الضيف في السابع من أكتوبر 2023، ليعلن انطلاق معركة “طوفان الأقصى” التي أشرف عليها وحضر في ميدانها حتى قتل فيها.
ومن أبرز أسباب الطوفان سلوك الاحتلال الصهيوني، ومخططاته القائمة على حسم الصراع، وفرض السيادة على القدس بمقدساتها، تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني، ولبناء الهيكل المزعوم.
محمد الضيف لم يظهر في الإعلام، ولم يُعرف له سوى تسجيلات صوتية معدودة، لكن يُنظر إليه باعتباره العقل المدبر للتكتيكات العسكرية التي غيرت طبيعة المواجهة بين “فصائل المقاومة” وإسرائيل.
فخلال معركة “سيف القدس” عام 2021، كان الضيف وراء استراتيجية استهداف تل أبيب بالصواريخ ردا على الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى.
ووضعت إسرائيل، على مدار عقود، محمد الضيف على رأس قائمة المطلوبين، وعدّته أخطر شخصية فلسطينية تهدد أمنها. ورغم كل الجهود الاستخباراتية، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الوصول إليه، حتى رحل كما “يحب شهيدا في ميدان أعظم معركة شارك في التخطيط لها وفي قيادتها وهي المعركة التي أثبتت هشاشة كيان الاحتلال وقابليته للهزيمة”، وفق المركز الفلسطيني للإعلام.