أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في افتتاح الدورة الأربعين لمجلس وزراء العدل العرب رفض الجامعة العربية وإدانتها القاطعة لكافة أشكال الإرهاب وصوره، وضرورة تعزيز التعاون بين أمانتي مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب، الذي يشكل العامل الحاسم في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة الفساد.

وأكد أبو الغيط أن هذه الدورة تكتسي أهمية كبيرة سواء من حيث الزمان الذي تنعقد فيه أو من حيث الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، وما يحفل به من موضوعات هامة تعكس نشاط المجلس وعمله الدؤوب في مجال تنمية وتوثيق وتنسيق التعاون بين الدول العربية في كافة المجالات القانونية والقضائية.

وأضاف: لا يغيب عنكم أن التحديات التي تواجه منطقتنا العربية خطيرة والمسؤوليات جسيمة، وما أحوجنا اليوم إلى تطوير منظومة العمل العدلي المشترك وتعزيز وتفعيل آلياته حتى يتسنى لهذا المجلس الموقر تحمل مسؤولياته في مواجهة هذه الأخطار وتبعاتها.

وقال: نجتمع اليوم في ظرفٍ عصيب، حيث لايزال يتعرض أهلنا في غزة لإبادة جماعية بشكل همجي لا غاية منها سوى العقاب الجماعي، لأكثر من مليوني إنسان.. نصفهم تقريباً من الأطفال.. تعرضوا لسياسة انتقامية جنونية.. جرت بشكل وحشي وهمجي تحت سمع وبصر العالم، وامتد هذا العدوان الاجرامي ليطال لبنان، مستهدفاً الإنسان والحجر والشجر، غير آبهٍ بالقوانين والأعراف الدولية، لكن اليوم، بفضل جهود الحكومة اللبنانية ومساعي الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين، تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار لمدة 60 يوم، حيث نأمل بأن تُحترم بنوده كاملةً، وأن يتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في غزة أيضاً في أقرب وقت.

وأضاف ابو الغيط انه قال منذ عام: إن هذه المذبحة، التي تُدمي قلوبنا بصورها يومياً، لن تبقى عاراً يُلاحق إسرائيل فحسب، وإنما سُبة على جبين المجتمع الدولي والضمير العالمي الذي يصمت في وقت يصير فيه الصمت جريمة.

وفي إطار الجهود العربية السياسية والدبلوماسية الداعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، قال أبو الغيط ان الأمانة العامة وعدد كبير من الدول العربية قدّمت مُرافعتها المكتوبة والشفهية أمام محكمة العدل الدولية، وتستمر في دعم كافة التحرّكات الدبلوماسية والقانونية الفلسطينية أمام المحافل والمحاكم الدولية.

وقال: لا يسعني هنا إلا أن أنوه بالرأي الاستشاري التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بتاريخ 19 يوليو 2024 بشأن عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وضرورة إنهائه، بالإضافة إلى قيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وتقع المسؤولية اليوم على المجتمع الدولي لاحترام وحماية أوامر المحكمة الدولية والمساهمة في تقديم المساعدة نصرةً لقيم العدالة والإنصاف للشعب الفلسطيني.

وأشار الى انه اطلع بحرص على الموضوعات المعروضة على جدول الأعمال، ومن بينها موضوعات مكافحة الإرهاب وتمويله وغسل الأموال، ومكافحة جرائم تقنية المعلومات، بالإضافة إلى تعزيز التعاون العربي والدولي لمكافحة آفة الإرهاب الخطيرة، والتي لا تميز بين دولة أو منطقة أو جنس أو دين، ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال جهد عالمي واستراتيجيات شاملة تتضمن تدابير فعالة. وفي هذا الصدد، أُعيد تأكيد رفض الجامعة العربية وإدانتها القاطعة لكافة أشكال الإرهاب وصوره مهما كانت أسبابه ومبرراته. وفي ذات السياق، أود أن أشير أيضاً الى بند على قدر كبير من الأهمية وهو بند تعزيز التعاون بين أمانتي مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب، والذي يعكس أهمية التعاون الوثيق والتنسيق المُحكم والتكاملي بين مجلسكم الموقر ومجلس وزراء الداخلية العرب، الذي يشكل العامل الحاسم في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة الفساد، وهو نموذج يحتذى به في التعاون المشترك للمجالس الوزارية العربية.

وقال انه يجب الإشارة إلى موضوع على قدر كبير من الأهمية ويُعتبر من الموضوعات التي تأتي على رأس أنشطة هذا المجلس الموقر وهو موضوع توحيد التشريعات العربية من خلال القوانين العربية الاسترشادية التي يعدها المجلس، إذ لا شك أن المجلس أقر العديد من تلك القوانين التي استرشدت بها الدول العربية الأعضاء في إعداد تشريعاتها ذات الصلة وكانت مرجعاً قيماً أعان الكثير من الدول العربية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: جامعة الدول العربية القضية الفلسطينية أحمد أبو الغيط محكمة العدل الدولية اجتماع وزراء العدل ألعرب الدول العربیة وزراء العدل أبو الغیط

إقرأ أيضاً:

في ظل الصراعات السياسية والتوترات الإقليمية| التنظيمات الإرهابية إلى أين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهد عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا فى الأنشطة الإرهابية على مستوى العالم، حيث تزايدت العمليات المسلحة والهجمات العنيفة التي استهدفت مناطق متعددة، سواء فى الشرق الأوسط أو أفريقيا أو حتى أوروبا وآسيا. وقد أظهرت الجماعات الإرهابية قدرة متجددة على التكيف مع التحديات الأمنية والتكنولوجية، مما مكّنها من تنفيذ عمليات معقدة ومدمرة.

تميز العام المنقضى بتوسع النشاط الإرهابي فى مناطق جديدة نتيجة تراجع استقرار بعض الدول وتصاعد النزاعات الداخلية، كما ساهمت الأزمات الاقتصادية وتزايد الفقر والبطالة فى توفير بيئة خصبة لتجنيد العناصر الجديدة. كانت أبرز التنظيمات الناشطة تنظيم "داعش" فى أفريقيا جنوب الصحراء، و"القاعدة" فى اليمن وأفغانستان، بالإضافة إلى فصائل أخرى ذات طابع محلي.

وفى أوروبا، عادت الهجمات الفردية للواجهة، بينما شهدت بعض الدول فى جنوب شرق آسيا تصعيدًا فى هجمات الجماعات المتطرفة. وفى سوريا والعراق، استمرت العمليات الإرهابية رغم الجهود الدولية المستمرة للقضاء على الخلايا النائمة.

هذه الحصيلة المقلقة تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإرهاب فى عام ٢٠٢٥، وما إذا كانت الأنظمة الدولية والإقليمية قادرة على مواجهة هذا التحدي المستمر.

تصاعد الإرهاب 

مع استمرار التغيرات السياسية والاقتصادية والتطور التكنولوجي السريع، تتزايد المخاوف بشأن تصاعد النشاط الإرهابي فى عام ٢٠٢٥. حيث أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة واستغلال الأزمات لتحقيق أهدافها. ويُتوقع أن تكون العوامل السياسية والاقتصادية، إلى جانب التطور التكنولوجي، من أبرز المحركات التى ستسهم فى تعزيز قدرة هذه الجماعات على التمدد وتنفيذ هجماتها بشكل أكثر تعقيدًا وفعالية.

تشير الدراسات الاستشرافية إلى أن الإرهاب لم يعد مقتصرًا على المواجهات المسلحة المباشرة، بل أصبح يشمل حربًا سيبرانية متطورة، وتوظيفًا غير مسبوق للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لتحقيق مكاسب على الأرض. هذا التكامل بين الظروف السياسية والاقتصادية والتكنولوجية يجعل من عام ٢٠٢٥ عامًا حاسمًا فى معركة مكافحة الإرهاب عالميًا.

التطورات السياسية والاقتصادية

وتشكل التطورات السياسية والاقتصادية أرضية خصبة لتنامى الظاهرة الإرهابية، حيث تساهم الصراعات السياسية وعدم الاستقرار فى إضعاف سلطة الدول وخلق فراغ أمنى تستغله الجماعات الإرهابية لترسيخ نفوذها. ففى العديد من الدول الهشة، تعجز الحكومات عن فرض سيطرتها الكاملة على أراضيها بسبب الصراعات الداخلية أو التدخلات الخارجية، ما يوفر بيئة مواتية لظهور وانتشار التنظيمات المسلحة. إضافةً إلى ذلك، تؤدى الانقسامات الأيديولوجية والطائفية إلى تعميق التوترات المجتمعية، مما يدفع بعض الأفراد إلى تبنى الفكر المتطرف كوسيلة للتعبير عن غضبهم أو لتحقيق أهدافهم السياسية.

ومن الناحية الاقتصادية، تُعد البطالة والفقر وتفاقم الأزمات المعيشية عوامل رئيسية تسهم فى جذب الأفراد نحو الجماعات الإرهابية التى تستغل هذه الظروف لتجنيد الشباب. فى العديد من الدول المتأثرة بالأزمات الاقتصادية، أصبحت الجماعات المسلحة توفر بديلًا اقتصاديًا عن الدولة، سواء من خلال تقديم رواتب مجزية أو خدمات اجتماعية وصحية. وبالتزامن مع تراجع الدعم الدولي التنموي لبعض الدول المتضررة، يصبح الأفراد أكثر عرضة للانخراط فى التنظيمات المتطرفة كوسيلة للبقاء الاقتصادي.

إلى جانب ذلك، تؤدى التغيرات الاقتصادية العالمية مثل الأزمات المالية وارتفاع معدلات التضخم إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي وخلق مساحات جديدة تستغلها التنظيمات الإرهابية؛ فعدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية الاقتصادية واحتواء الأزمات الاجتماعية يجعل من السهل على الجماعات المتطرفة بناء حواضن لها داخل المجتمعات المهمشة، مما يزيد من صعوبة القضاء على الإرهاب بشكل جذري.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي 

فى السنوات الأخيرة، شهدنا تطورًا ملحوظًا فى استخدام الجماعات الإرهابية للتكنولوجيا كأداة فعالة لتحقيق أهدافها. ومع التطور السريع فى تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الجماعات تعتمد على أدوات متقدمة فى مجالات مثل تحليل البيانات وتحديد الأهداف وجمع المعلومات. كما استُخدمت الطائرات المسيّرة (الدرونز) بشكل متزايد فى تنفيذ الهجمات، سواء كانت موجهة نحو أهداف عسكرية أو مدنية، مما زاد من قدرة هذه التنظيمات على إلحاق الضرر مع تقليل المخاطر على عناصرها البشرية.

وعلى صعيد الفضاء الإلكتروني، أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منصات رئيسية لتجنيد الأفراد والترويج للأفكار المتطرفة. كما شهدنا ازدياد استخدام أدوات التشفير لضمان سرية الاتصالات بين أعضاء التنظيمات. ولم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد الدعاية الإلكترونية، بل أصبحت بعض الجماعات قادرة على تنفيذ هجمات سيبرانية تستهدف البنى التحتية الحساسة، مثل شبكات الطاقة أو أنظمة البنوك، مما يضاعف من خطورة تأثيرها على الأمن القومى للدول المستهدفة.

إضافة إلى ذلك، أصبحت البرمجيات الخبيثة وأدوات الاختراق جزءًا رئيسيًا من ترسانة الجماعات الإرهابية، مما يتيح لها الوصول إلى معلومات حساسة عن الحكومات والشركات الكبرى. يُتوقع أن تتطور هذه الأدوات بشكل أكثر تعقيدًا فى المستقبل، مما سيجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية مواكبة هذا التطور السريع. هذا الاستخدام المكثف والمتطور للتكنولوجيا يجعل من الإرهاب السيبرانى تهديدًا حقيقيًا للأمن العالمي فى عام ٢٠٢٥.

أبرز مناطق التوتر

فى ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، تظل مناطق التوتر التقليدية ميدانًا رئيسيًا لنشاط الجماعات الإرهابية، مع احتمالية توسع رقعة العنف إلى مناطق جديدة. يشكل الشرق الأوسط، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا مسارح رئيسية للصراعات، نظرًا للهشاشة السياسية، والأزمات الاقتصادية، والانقسامات الطائفية والعرقية التي تهيمن على هذه المناطق. تشير الدراسات الاستشرافية إلى أن هذه العوامل ستستمر فى تغذية الإرهاب وخلق بيئات خصبة لانتشاره، مع تطور فى الأساليب والأدوات المستخدمة.

الشرق الأوسط

يظل الشرق الأوسط بؤرة رئيسية للإرهاب العالمي، حيث تواصل الجماعات الإرهابية استغلال الفراغات الأمنية والصراعات الداخلية فى دول مثل سوريا والعراق واليمن. من المتوقع أن يستمر تنظيم "داعش" فى إعادة تنظيم صفوفه عبر الخلايا النائمة وشن هجمات متفرقة لاستعادة نفوذه. كما ستظل النزاعات الطائفية أداة فعّالة تستخدمها الجماعات المسلحة لتأجيج الصراعات وتجنيد المزيد من الأفراد.

إضافة إلى ذلك، ستظل الأوضاع السياسية المتوترة، بما فى ذلك الانقسامات الداخلية فى بعض الدول والاحتجاجات الشعبية، تلعب دورًا كبيرًا فى تعزيز نشاط الجماعات الإرهابية. ومع استمرار الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، ستتضاعف احتمالية تجنيد الشباب المحبطين فى هذه الجماعات، مما يشكل تهديدًا طويل الأمد للأمن الإقليمي والدولي.

كما يُتوقع أن تشهد بعض الدول زيادة فى التدخلات الخارجية التى قد تسهم فى إطالة أمد الصراعات. ومع تصاعد التوترات الإقليمية بين بعض الدول، من الممكن أن تتحول هذه النزاعات إلى مواجهات بالوكالة على أراضي دول أخرى، مما يتيح للجماعات الإرهابية استغلال هذا الفراغ لتحقيق مكاسب استراتيجية.

أفريقيا

تعد أفريقيا من أكثر القارات تضررًا من الإرهاب فى السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه فى عام ٢٠٢٥. تُعد منطقة الساحل الأفريقي واحدة من أبرز بؤر التوتر، حيث تنشط جماعات مثل "داعش فى الصحراء الكبرى" و"القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي". ومن المتوقع أن تتوسع هذه الجماعات فى مناطق جديدة نظرًا لضعف الحكومات المركزية وغياب التعاون الإقليمى الفعال. وتتداخل التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع الأزمات السياسية فى أفريقيا، حيث تسهم البطالة والفقر وانعدام الفرص الاقتصادية فى زيادة معدلات تجنيد الشباب فى صفوف الجماعات الإرهابية. ومن المرجح أن تتزايد الهجمات الإرهابية على البنية التحتية الاقتصادية، مثل المنشآت النفطية وخطوط الإمداد الرئيسية، بهدف إضعاف الاقتصادات الوطنية وفرض السيطرة على الموارد الطبيعية.

علاوة على ذلك، تشير التوقعات إلى أن هناك تهديدًا متزايدًا فى الدول الساحلية لغرب إفريقيا مثل بنين وساحل العاج، حيث بدأت الجماعات المسلحة تتوسع خارج مناطق نفوذها التقليدية. وسيشكل غياب التنسيق الفعّال بين دول المنطقة تحديًا رئيسيًا فى مواجهة هذا التمدد، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

جنوب شرق آسيا

تواجه منطقة جنوب شرق آسيا تهديدات إرهابية متزايدة، لا سيما فى دول مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا. وتعانى هذه الدول من تحديات تتمثل فى انتشار الفكر المتطرف بين بعض الفئات المهمشة، فضلًا عن انتشار التنظيمات الصغيرة المرتبطة بـ"داعش" و"القاعدة". من المرجح أن تستمر هذه التنظيمات فى استغلال الجزر النائية والمناطق الحدودية لتنفيذ عملياتها بعيدًا عن أعين السلطات الأمنية.

التحدي الأبرز الذى تواجهه دول جنوب شرق آسيا هو عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا سابقًا إلى تنظيمات إرهابية فى مناطق مثل سوريا والعراق. عودة هؤلاء المقاتلين تحمل خطرًا مزدوجًا، حيث يمتلكون خبرات قتالية متقدمة وقدرة على نشر الفكر المتطرف بين المجتمعات المحلية، مما يزيد من احتمالية وقوع هجمات إرهابية واسعة النطاق.

إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يتزايد استخدام الإرهاب السيبراني فى المنطقة، حيث تستغل الجماعات الإرهابية التطور التكنولوجي لبث رسائلها، وتجنيد الشباب، وتنفيذ هجمات إلكترونية. وستحتاج دول جنوب شرق آسيا إلى تعزيز قدراتها الأمنية والتنسيق الإقليمي لمواجهة هذه التهديدات المتنامية بفعالية.

استراتيجيات مكافحة الإرهاب

فى ظل التطور المستمر لأساليب ووسائل الجماعات الإرهابية، أصبح من الضروري اعتماد استراتيجيات مرنة ومتطورة لمكافحة هذه الظاهرة العالمية. لم تعد المواجهة مقتصرة على الحلول العسكرية فقط، بل أصبحت تتطلب تعاونًا أمنيًا دوليًا فعالًا، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة وأدوات التحليل الأمني لتعقب الأنشطة المشبوهة وإحباط المخططات الإرهابية قبل تنفيذها. تفرض التهديدات الجديدة، مثل الإرهاب السيبراني واستخدام الذكاء الاصطناعي من قِبل الجماعات الإرهابية، تحديات إضافية تتطلب استجابة سريعة وفعّالة.

التعاون الأمني الدولي

أصبح التعاون الأمني الدولي ركيزة أساسية فى استراتيجيات مكافحة الإرهاب، نظرًا للطبيعة العابرة للحدود التي تتسم بها الجماعات الإرهابية. يعتمد هذا التعاون على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الأفراد المشبوهين، والخلايا النائمة، والأنشطة الإرهابية المحتملة، وهو ما يساهم فى إحباط العديد من المخططات قبل تنفيذها. من جهة أخرى، تلعب المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والإنتربول، دورًا محوريًا فى تعزيز هذا التعاون من خلال توفير منصات آمنة لتبادل المعلومات، ووضع آليات قانونية لملاحقة المتورطين فى الأنشطة الإرهابية.

إضافة إلى ذلك، تُعد التدريبات المشتركة بين القوات الأمنية والعسكرية من مختلف الدول عنصرًا رئيسيًا فى رفع الكفاءة القتالية والقدرة على التعامل مع التهديدات الإرهابية المتزايدة. يساهم التعاون الإقليمي، كالتنسيق بين الدول الأعضاء فى التحالفات الأمنية، فى بناء جبهة موحدة وفعّالة ضد الإرهاب، خاصة فى المناطق التى تشهد اضطرابات أمنية متكررة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان التزام جميع الدول بتطبيق الاتفاقيات الدولية بجدية وفعالية.

تطوير أدوات المراقبة والتحليل الأمني

أدى التطور التكنولوجي إلى إحداث نقلة نوعية فى أساليب المراقبة والتحليل الأمني، مما ساهم بشكل كبير فى كشف الشبكات الإرهابية وتعقب أنشطتها. تُستخدم اليوم تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لرصد الأنماط السلوكية المشبوهة والاتصالات المشفرة بين العناصر الإرهابية. كما تسهم أنظمة المراقبة المتطورة، بما فى ذلك الكاميرات الذكية وطائرات الدرونز، فى مراقبة المناطق النائية وتعقب التحركات المشبوهة بكفاءة عالية.

من ناحية أخرى، أصبح تحليل البيانات المُجمعة من مصادر متعددة – مثل الشبكات الاجتماعية، والمعاملات المالية، والسجلات الاتصالاتية – أداةً حيوية لفهم الاستراتيجيات الجديدة التي تتبعها الجماعات الإرهابية. توفر هذه الأدوات صورة أكثر وضوحًا عن البنية التنظيمية والخطط المستقبلية للجماعات المتطرفة، ما يساعد الأجهزة الأمنية فى توجيه جهودها بفعالية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر متمثلًا فى ضمان توازن دقيق بين تعزيز الأمن وحماية الخصوصية الفردية للمواطنين.

تحديات كبري

رغم الجهود الدولية والإقليمية المستمرة لمكافحة الإرهاب، لا تزال هناك العديد من التحديات التى تعرقل فعالية هذه الجهود وتزيد من تعقيد المشهد الأمني العالمي. تأتى هذه التحديات نتيجة عوامل داخلية وخارجية متشابكة، من أبرزها الانقسامات السياسية الداخلية التي تضعف قدرة الدول على توحيد جهودها، والأزمات الاقتصادية العالمية التى تزيد من معدلات الفقر والبطالة، وبالتالي تسهم فى خلق بيئات حاضنة للتطرف والإرهاب. يتطلب التعامل مع هذه التحديات استراتيجيات شاملة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية وتعتمد على المعالجة الجذرية للأسباب الكامنة وراء الظاهرة.

الانقسامات السياسية الداخلية

تُعد الانقسامات السياسية الداخلية من أبرز العقبات التى تواجه الدول فى جهودها لمكافحة الإرهاب. تؤدى الصراعات السياسية بين الأحزاب والفصائل المختلفة إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة التهديدات الأمنية. فى كثير من الأحيان، تصبح المؤسسات الأمنية والعسكرية مسيّسة أو مُستغلة من قِبل أطراف متصارعة، مما يؤدى إلى تشتت الجهود الأمنية وفقدان الثقة بين الأجهزة المسئولة عن مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، تُستغل هذه الانقسامات من قِبل الجماعات الإرهابية التى تسعى إلى تأجيج الصراعات الداخلية لتحقيق أهدافها. يتيح هذا الوضع بيئة مناسبة للجماعات المسلحة للعمل بحرية واستغلال الفراغ السياسي والأمني لتنفيذ عملياتها وتوسيع نفوذها. لذلك، فإن استعادة الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات وطنية قوية يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق نجاح طويل الأمد فى مكافحة الإرهاب.

تأثير الأزمات الاقتصادية 

تؤدى الأزمات الاقتصادية العالمية إلى خلق بيئة حاضنة للإرهاب، حيث تساهم البطالة، والفقر، وتردى الأوضاع المعيشية فى دفع الأفراد نحو التطرف والعنف كوسيلة للتعبير عن الإحباط أو لتحقيق مكاسب مادية. تستغل الجماعات الإرهابية هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لتجنيد الأفراد، خاصة الشباب، عبر تقديم الإغراءات المالية والوعود بتحسين أوضاعهم المعيشية.

إلى جانب ذلك، تُضعف الأزمات الاقتصادية قدرة الحكومات على تخصيص موارد كافية للأمن والدفاع، مما يقلل من فعالية الاستراتيجيات الأمنية وبرامج مكافحة الإرهاب. كما أن تراجع الدعم الدولي التنموي يزيد من تعقيد المشكلة، خاصة فى الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. لذلك، يُعد تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة من العوامل الحاسمة التى تسهم فى تقليل فرص نمو الإرهاب والحد من تأثيره على المجتمعات.

سيناريوهات مستقبلية

تشير المعطيات الحالية والتطورات المتسارعة إلى أن الجماعات الإرهابية ستواصل تكيفها مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية فى عام ٢٠٢٥. السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل فى استمرار هذه الجماعات باستغلال الأزمات السياسية الداخلية والانقسامات الطائفية لتوسيع نفوذها، خاصة فى المناطق التى تعانى من ضعف الدولة وغياب سيادة القانون. من المتوقع أن تشهد مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا زيادة فى الهجمات الإرهابية، مع تحول بعض هذه المناطق إلى ملاذات آمنة لعناصر الإرهاب الدولي.

على الصعيد التكنولوجي، ستواصل الجماعات الإرهابية تطوير قدراتها فى مجالات الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية، مما سيعزز من قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية معقدة دون الحاجة إلى وجود ميداني على الأرض. قد نشهد زيادة فى الهجمات التى تستهدف البنية التحتية الرقمية والأنظمة الاقتصادية للدول، مما سيؤدى إلى أزمات أمنية واقتصادية أوسع. كما ستستمر هذه الجماعات فى استغلال منصات التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى لنشر أيديولوجياتها وتجنيد عناصر جديدة من مختلف أنحاء العالم.

أما السيناريو الثالث والأخطر، فيكمن فى احتمالية اندماج الجماعات الإرهابية مع شبكات الجريمة المنظمة أو حصولها على دعم من جهات غير رسمية تسعى إلى تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية معينة. مثل هذا السيناريو قد يؤدى إلى تعزيز قدرات هذه التنظيمات على المدى الطويل، مما يصعب من عملية القضاء عليها بشكل نهائي. إن مواجهة هذه التهديدات تتطلب تعاونًا دوليًا فعّالًا، واستراتيجيات مرنة، إضافة إلى تطوير أدوات تحليل متقدمة لرصد وتتبع النشاط الإرهابي بشكل استباقي.

كما يشكل وصول هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة إلى السلطة فى سوريا خطرًا إقليميًا متعدد الأبعاد، إذ يمكن أن يؤدى ذلك إلى تحويل سوريا إلى قاعدة انطلاق للتنظيمات المتطرفة فى المنطقة. يُتوقع أن يساهم هذا السيناريو فى زيادة التوترات الإقليمية، خاصة مع الدول المجاورة، حيث ستُستغل الحدود المشتركة لتوسيع نفوذ هذه الجماعات وتهريب الأسلحة والمقاتلين. كما قد يتسبب ذلك فى تصعيد المواجهات الطائفية داخل سوريا وخارجها، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمنى فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها. علاوة على ذلك، من المرجح أن يسهم وصول هذه الفصائل إلى السلطة فى تعطيل أي جهود للتسوية السياسية السلمية فى سوريا، مما يُبقى البلاد فى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على المدى الطويل. قد تصبح سوريا نقطة جذب للمقاتلين الأجانب مرة أخرى، ما سيؤدى إلى تصاعد أعمال العنف والتطرف. كما قد تتبنى هذه الفصائل أجندات إقليمية تتعارض مع مصالح دول الجوار، مما يزيد من احتمالات نشوب صراعات إقليمية أوسع، ويجعل من سوريا بؤرة توتر تهدد الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط بأكمله.

 أفريقيا وجنوب شرق آسيا ملاذات آمنة للحركات الإرهابية.. والشرق الأوسط قنبلة موقوتة  «جنوب شرق آسيا يواجه عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا سابقًا إلى تنظيمات إرهابية فى دول أخرى»

471822106_1145891663861330_7026493097611457036_n

مقالات مشابهة

  • محافظ المنيا: مستمرون فى تطوير منظومة النقل وتطوير المواقف وتفعيل حظر سيارات البيك أب فى نقل المواطني
  • في ظل الصراعات السياسية والتوترات الإقليمية| التنظيمات الإرهابية إلى أين؟
  • عام كامل على متابعة إسرائيل أمام العدل الدولية.. ما الذي تحقق؟
  • مراد يستقبل الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب
  • جامعة صحار تبحث مع مستشار اتحاد الجامعات العربية في روسيا تطوير برامج أكاديمية مشتركة
  • وزير العمل يبحث مع سفير كوت ديفوار بالقاهرة تعزيز سبل التعاون المشترك
  • بشير عبد الفتاح: الإرهاب خطر يُداهم الجميع
  • محافظ الجيزة: تطوير العمل بمقلب شبرامنت وبرنامج للجمع السكني بالأحياء
  • أبو الغيط يبحث مع مندوب السعودية لدى الجامعة العربية تطورات المنطقة
  • أبو الغيط: الصمت العالمي على جرائم الاحتلال سيفضي لتداعي منظومة القانون الدولي