حزب الله وحتمية إعلان النصر!
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
لم يكن مواربًا إعلان حزب الله عن "انتصاره" في الحرب التي استمرت عامًا وشهرين مع إسرائيل. إنما عبر أول بيان نشره والذي تأخر لساعات بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ، قال الحزب إن "المقاومة تمكنت من تحقيق النصر على العدو الواهم".
وعلى أن المجاهرة بإعلان النصر، كان متوقعًا من قبل قاعدة حزب الله الشعبية، والشخصيات الإعلامية التي تدور في فلكه، لكن ذلك كان غير متوقع من الحزب نفسه، وبهذه الفجاجة.
ذاك أن الضربات التي تلقاها الحزب بشكل متلاحق منذ "ثلاثاء البيجر" الذي دشن تصعيد القتال في 17 سبتمبر مرورًا باغتيال كبار قادته بمن فيهم حسن نصر الله وهاشم صفي الدين ونبيل قاووق وإبراهيم عقيل ومحمد عفيف، وميدانياً كان الجيش الإسرائيلي يقضم القرى والبلدات جنوبي لبنان، حتى وصل إلى بلدة شمع بعمق 6 كيلومترات عن الحدود، كما طوّق الناقورة والبياضة والخيام وما ترافق مع ذلك من تدمير هائل في حواضره، وبناه التحتية وقبل ذلك كله الفاتورة البشرية المرتفعة للغارات الإسرائيلية، وما تلاه من ترجمة إسرائيلية للمنجزات التكتيكية إلى محصلات استراتيجية في بنود اتفاق إطلاق النار، الذي بدا كوثيقة استسلام أقرّ بها حزب الله.
ثم إن عدم انتصار حزب الله، إذا أردنا تجنب استخدام مصطلح هزيمته، جليّ على نحو يكاد ينطق، فالحزب بدأ الحرب في 8 أكتوبر تحت عنوان واحد أوحد، وهو وقف الحرب في غزة، وها هو قد رضخ لإيقافها بشروط قاسية، فيما الدبابات الإسرائيلية لا تزال تواصل مخر رمال غزة، وسلاح الجو يقصف مدنها على مدار الساعة.
هذه المعطيات كلّها، أوحت أن الحزب سيحتشم في بيانه الأول على الأقل حيال الزهو بما يعتقد أنها منجزاته، ويتمنع كليًا هذه المرة عن ادعاء الانتصار، كما دأب على الفعل في كل معركة خاضها سواء أمام إسرائيل أو في سوريا وفي كل مكان قاتل فيه منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982.
فلماذا دائمًا ما يعلن حزب الله نصره، حتى لو كان أداؤه في الميدان لا يعكس شيئًا سوى الهزيمة؟!
الأيديولوجيا
الدافع الأول أيديولوجي بحت، فحزب الله حزب ديني صرف، يقرن كل ممارساته السياسية والعسكرية بالمعتقدات الدينية، ولتوضيح ذلك، فإن الحزب يعتقد أنه لبى متطلبات عقيدته بمجرد أنه قام بما يقوم به، انطلاقًا من تلك العقيدة، وهذه الخاصية يلتقي بها حزب الله مع كثير من الجماعات المسلحة التي تحمل أيديولوجيات دينية متشددة في المنطقة، بحيث تعتبر موت عناصرها "استشهادًا" وبقاءهم أحياء "انتصارًا" وفي كل الحالات زادوا من رصيدهم في إقامة الواجبات الدينية، وبالتالي، فإن الحسابات العسكرية والسياسية المدنية إن صح التعبير، لا تدخل في حسابات هذه الجماعات، وعليه فإن الخسارة أو الهزيمة ليست احتمالاً مطروحًا في تقييمهم لنتائج نشاطهم العسكري والسياسي.
"الإيغو" المتضخم
وفي إعلان النصر الذي لا تعكسه ميادين القتال، بُعد له علاقة بسيكولوجيا الجماعات الشمولية ذات "الإيغو" المتضخم، فلا يصح أن يهزم حزب الله، الميليشيا القائمة على السلاح، وكل نشاطاتها السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية والاجتماعية قائمة على حماية هذا السلاح والترويج له وتعزيز أهميته بين مناصري الحزب.
في مقال له بعنوان "الفاشية الأبدية"، نشر عام 1995، حدد الفيلسوف الإيطالي أومبرتو إيكو 14 سمة للفاشية، وكانت العاشرة تتحدث عن احتقار الضعف، فهذه الجماعات بمنظورها لا يمكن إلا أن تكون قوية، الضعف ليست مرادفة في قاموسها، لذلك سارع حزب الله إلى إعلان النصر؛ وهو والحق يقال، بارع في تأويل الأحداث، حيث لم تتردد دائرة الإعلاميين المقربة منه في الإشارة إلى تعهد الجيش الإسرائيلي بالانسحاب من لبنان لتفسير الانتصار، فيما البقاء في الأراضي اللبنانية هدف لم يضعه الجيش الإسرائيلي أصلا خلال معركته، إنما وضعوه هم له، كما أثنوا على قدرة مقاتلي الحزب على الصمود في الميدان، وكأن الحزب أشعل هذه الجبهة، ليمارس تحقيق الصمود، وليس تحت عنوان إيقاف حرب غزة التي لم تتوقف.
رسالة إلى اللبنانيين
وأخيرًا، البُعد السياسي، البالغ الأهمية، وهنا الحديث بالذات على السياسة المحلية اللبنانية، يريد حزب الله أن يقطع الطريق على كل طرف سياسي لبناني يفكر في مطالبته بتسليم السلاح الذي يمنحه امتيازًا وتفوقًا لا يملكه أحد سواه، أو حتى مجرد المطالبة بعدم استخدام هذا السلاح تهديدًا وتلويحًا وبشكل مباشر في فرض رؤاه السياسية، وتعطيل الاستحقاقات الدستورية، وقد هزم الحزب أمام إسرائيل التي لطالما تذرّع بوجودها عند حدود لبنان الجنوبية، للبقاء مسلحًا.
وثمة أصوات لبنانية بدأت بالفعل بطرح تساؤلات على حزب الله من قبيل، إذا أذعنت لبند التراجع شمال الليطاني وتفكيك ترسانتك العسكرية في جنوب هذا الخط الجغرافي، ما المبرر من احتفاظك بهذا السلاح؟!
وبالمحصلة حتى لو رفع الحزب أمام إسرائيل كل ما لديه من رايات بيضاء مقرًّا بخسارته، سيستدير إلى اللبنانيين دون أن يهتزّ له جفن، ويرفع علامة النصر.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات حسن نصر الله هاشم صفي الدين حزب الله الحرس الثوري الإيراني إسرائيل أخبار لبنان حزب الله الهدنة في لبنان حسن نصر الله هاشم صفي الدين حزب الله الحرس الثوري الإيراني إسرائيل أخبار لبنان إعلان النصر حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله يبالغ في توظيف التحرك جنوبا؟
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": "الزحف الشعبي" نحو البلدات الأمامية التي ما زالت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي هو النهج الذي اختار "حزب الله" وجمهوره التعامل به أخيرا، سعيا منه لاستعادة ما فقده من صورة "قوة وهيبة"، ولإجبار الإسرائيلي على إخلاء تلك البلدات الحدودية.لكن السؤال المثار هو ما جدوى هذا النوع من الحراك أمام صلف عدو ينطلق من معادلة أنه نجح لتوه في توجيه ضربة ميدانية قاصمة إلى الحزب؟ وهل في مقدور الحزب أن يحافظ على "زخم" هذا الحراك الشعبي إذا ما صدقت التكهنات بأن الإسرائيلي عازم على تمديد بقائه حيث هو بعد انتهاء المهلة الثانية المحددة في 19 شباط الجاري؟.
بات الحزب يتصرف على أساس أنه نجح في إرساء معادلة ذات وجهين: الأول أنه مع جمهوره أثبت أنه ليس في وارد الوقوف مكتوفا وعاجزا رغم كل ما تلقاه من ضربات، والثاني أنه قادر على اجتراح أساليب مواجهة تؤثر على إسرائيل من غير السلاح، وهو عازم على المضي قدما في ما بدأه.
المعلوم أيضا أن ثمة أصواتا داخلية تعالت أمام مشهد الأحدين في الجنوب، معتبرة أن الأمر لا يعدو كونه "بهورة ومغامرة بلا جدوى"، وأن الحزب يبحث عن انتصار معنوي يعوض له خسارته الكبرى.
للحزب بطبيعة الحال وجهة نظر أخرى يعبّر عنها نائب صور حسن عزالدين، إذ يؤكد أن "الانتفاضة الشعبية على الاحتلال أخيرا هي انتفاضة عفوية تثبت أن أبناء الجنوب ما زالوا رغم كل جراحاتهم، مستعدين لتحدي الاحتلال ولو بصدورهم العارية، ليثبتوا أيضا أنهم ليسوا في وارد الاستسلام والقبول بنتائج العدوان. وهذا يعني أن الإسرائيلي رغم حجم الوحشية في حربة لم ينجح في كي وعي الناس وجعلهم يستسلمون ويقبلون بالاحتلال.
ويضيف: "المقاومة عندنا لها أوجه عديدة، منها التعبوي ومنها السياسي والديبلوماسي والثقافي وذروتها بطبيعة الحال المقاومة المسلحة، لذا ليس انتقاصا أو وهنا أن يعود أبناء القرى الجنوبية إلى أسلوب الانتفاضة الشعبية التي مارسوها في الأشهر الأولى للاحتلال الإسرائيلي للجنوب عام 1982، والذي تشهد عليه النبطية ومعركة وعشرات القرى الأخرى ونحن في هذا الإطار لا نجد فرقا بين المقاوم الذي يوجه صاروخه نحو دبابة إسرائيلية وتلك السيدة الجنوبية التي وقفت الأحد الماضي أمام الدبابة الإسرائيلية متحدية فكلا الفعلين يترجم التمسك بالأرض والعزم على طرد المحتل".
يتابع عز الدين: "لا بد أن نشير إلى أن الأهالي المحتشدين على مداخل بلداتهم الحدودية وهم في أقصى حالات التحدي والتحفز والاستنفار، إنما هم البيئة الحاضنة للمقاومة والتي هي نفسها فقدت الأبناء والأرزاق والبيوت وعانت مرارة النزوح".
وردا على القول إن هذا الفعل "كان بهورة بلا نتيجة"، يؤكد أن هذا الحراك هو الذي أجبر العدو على إخلاء العديد من البلدات التي كان محظورا على سكانها العودة إليها، و آخرها عيترون والطيبة".
ويخلص إلى "أن الحراك لن يتوقف فنحن والأهالي على موعد كل أحد، بل كل يوم، وكلنا ثقة بأن العدو سيجد نفسه مجبرا يوما ما على الانسحاب".