البرهان والقوى السياسية.. من يلوح مودعاً
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
البرهان والقوى السياسية.. من يلوح مودعاً
عثمان فضل الله
يوسع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان نفوذه تدريجيا للسيطرة الكاملة على مقاليد السلطة في البلاد، وينشط عبر دوائر داخلية وخارجية في إحكام قبضته والإمساك بخيوط اللعبة، مجيدا التعامل مع التناقضات في المشهد وتجيرها لصالحه، العديد من الدلائل تشير إلى أنه وبعد أربع سنوات من وصوله إلى سدة الحكم بدعمهم شرع في قصقصة أظافر الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، وأجهزة الإعلام ومكن لآخرين لا يدينون له بالولاء.
أجرى قائد الجيش تعديلات في كابينة القيادة بعضها أُعلن والآخر قيد الانتظار، مشيحا بوجهه عن أخرى يرغب فيها التنظيم الإسلامي تقضي بإقالة نائبه في الجيش الفريق أول شمس الدين الكباشي، ومدير المخابرات العامة الفريق أحمد إبراهيم مفضل إلى جانب الأمين العام لمجلس السيادة الفريق ركن محمد الغالي علي يوسف، وضعت من فترة على طاولته.
فالرجل الذي بدا مشتت الذهن وساهما، ومهموما، خلال اللقاء الذي جمعه بولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرياض في الحادى عشر من شهر فبراير الجاري، طلب منحه فرصة أخيرة لترتيب بيته الداخلي قبل المضي إلى لقاء نهائي مع الدعم السريع للتوقيع على خريطة طريق تنادي القوى الدولية طرفي الحرب بالتوافق عليها، بحسب دبلوماسيين، ناشطين في الدوائر المهتمة بحرب 15 أبريل ومقربين من مصانع القرار، ترافق ذلك مع مجاهرة الإسلاميين بمخاوفهم من نوايا قائد الجيش التي تضمر التخلص منهم فور انتهاء “معركة الكرامة” – كما يسمونها – ووفقا لمعلومات مؤكدة أن ورقة تم تداولها في إطار ضيق ناقشت “علاقة التنظيم بالجيش المخاطر والمهددات” وضعت الورقة أسماء كل من البرهان وياسر العطا وشمس الدين كباشي في مقدمة مهددات هذه العلاقة، وفصلت الورقة بشكل كامل بين الجيش وقيادته، معتبرة أن الجنود والضباط هم ذخيرة للعمل الإسلامي وأن الراي العام داخل المؤسسة العسكرية بالكامل مؤيد للتنظيم ومقدرا لدور المناصرة الذي قام به خلال حرب “الكرامة”، بينما قيادته تسعى إلى التلاعب بهذا الدور ولا ترغب في استمرار الوجود الإسلامي في الواجهة عقب انتهاء الحرب وعزت ذلك إلى ما أسمته بـ”ارتباطاتها الخارجية”.
معارك عديدة تدور على تخوم حرب 15 أبريل والسباق فيها محموم والأسلحة القذر منها والنظيف جميعها مستخدم بين الخصوم، الدبلوماسية والعمل الاستخباري نشط بشكل لم يسبق له مثيل وتتقاطع فيه الأجندة والمصالح لدرجة التضارب و”التحارب” أحيانا، وبإمعان النظر سنجد أن صراع الإسلاميين والبرهان ما هو إلا عرض لذالكم الصراع الدولي حول السودان.
بالعودة لزيارة المبعوث الأمريكي الأخيرة إلى بورتسودان بدا واضحا لكل من التقاه عدم رضائه عن دور الاتحاد الأوروبي في الأزمة السودانية، وتحدث عن أن الدول التي التزمت بالمساعدات تتعلل بضرورة فتح المعابر وغير متشجعة لتمويل عمليات الإغاثة في السودان. وقال في اجتماعه مع البرهان “إنهم يتحججون بأن المعابر مغلقة، وعدم استطاعتهم الوصول للمحتاجين”، مطالبا البرهان بفتح المعابر وكأنه يريد أن يقول و”لنرى بماذا سيتحججون بعد ذلك.”
بيرييليو الذي أقنع بورتسودان بفتح جميع المعابر والسماح لموظفي الأمم المتحدة بمرافقة قوافل الإغاثة إلى حيث تريد الذهاب، وأفلح أيضا في إقناع البرهان بالعمل على وضع “إعلان مبادئ جديد” تقوم عليه جولة المفاوضات المقبلة، قال ذات الحديث عن دول الاتحاد الأوروبي في لقاء جمعه مع قيادات الدعم السريع بنيروبي، مختطا بذلك طريقا أمريكيا خالصا بعيدا عن شركاء وداعمي منبر جدة وإعلانه، الذي بدا رغم التمسك الظاهر به “يلوح تلويحته الأخيرة” فالإعلان وفقا لما يجري خلف الكواليس لم يعد مواكبا لما هو على الأرض من تطورات، ولا يلبي تصورات واشنطن لترتيب مشهد الحرب وما بعدها، لذا غيرت تكتيكاتها، ومقارباتها لإنهاء حرب السودان بما يبعد الخطر الإيراني الروسي عن البحر الأحمر، فحصرت مسعاها من خلال حركة مبعوثها النشطة في نقطتين يعالجان تداعيات الحرب لا جذورها وهما وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وتضغط على الأطراف للتوافق على إعلان مبادئ يعالج القضيتين أعلاه، وهي ذات النقاط التي كانت محور مفاوضات جدة منذ انطلاقتها الأولي في مايو من العام الماضي، غير ان الإعلان الجديد لن يستند على مخرجات جدة، بحسب متابعين للملف، لأن التحولات على الأرض باتت كبيرة ورقعة الحرب اتسعت عن ما كانت عليه حينها، ولا أطرافها هي ذات الأطراف، الأمر الذي يتطلب مقاربة جديدة تقوم عليها محاولات الحلول.
الوسومالبرهان الجيش تقدم سلام السودان منبر جدة
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الجيش تقدم سلام السودان منبر جدة
إقرأ أيضاً:
إشعال حمى الحروبات لتعقبها حمى الإنفصالات
بقلم / عمر الحويج
1- إشعال حمى الحرب :
بعد الجهد الجهيد ، في التآمر تلو التآمر ، وبالتكتيك الشرير ، تلو التكتيك الأشر ، للإجهاض العاجل ، ليس بالتفكير العاقل ، إنما المتعجل للقضاء على ثورة الشعب الديسمبرية القرنعالمية المجيدة ، لذلك عجزوا في مسعاهم ، ولكنهم لازالوا يعافرون ، فقد قررت قوى الثورة المضادة ، تقودها قيادات النظام البائد " الإسلاموية"وعضويتها المؤدلجة داعشية اليد واللسان دون عقل عند بعضها ، وبعضها الآخر "المُّسَّلِكة" لامورها ومصالحها وأنصبتها من الشفشفة لهوامل المال العام السايب البعلم السرقة ، وأخذ ما فيه النصيب ، يردفون خلفهم ومعهم كل منتفع "رَمّْام" نمام زميم ، من مرتزقتهم المنتفعين ، أعلاهم إعلاميّ الحناجر المتفجرة وأقلام المأجورين المنمقة ، ونهازةً آخرون بمخزون سلاحهم بائعون " من دول شوية ومن دوك شوية" ، عبر ثلاثينيتهم بزيادة الستة الدموية ، المكملة لدمويتهم بسوابقها وخبراتها المكتسبة ، حيث أوصلوا الدماء فيها ، هذه المرة ، حتى سالت أنهاراً تحت الركب ،كما كانوا يهددون أيام حكمهم وتحكمهم ، وفعَلُوها هذه المرة وفعَّلُّوها ، على مرآى ومسمع العالم أجمع ، وفي سبيل عودة السلطة التي فقدوها إلى بارئها ، ولم يرعووا بل عزة بالأثم لم يسلموا ويستسلموا لأمر شعبهم وأمر ربهم ، الذي يدَّعون خلافته في الأرض ، حين يبصرهم بيؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، فأنجبت دمويتهم الفايتة الحدود في دمويتها ، إشعال حربهم الكارثية في 15 أبريل ، حين دعوا لها صورة وصوتاً ، في شهر رمضان والناس قيام ، ونفذوها في ذات شهر رمضان والناس صيام ، حرب أكلت ولازالت وما شبعت من أخضر السودان ويابسه . من بعد أن دعمت طموحاتها باستخدام أقصى قوة للسلاح يمتلكونها ، هم وأطرافهم التي أنجبوها من أرحامهم الملوثة بجرثومة القتل ، خارج القوانين الوضعية والدينية ، وحتي المعتقدات الوثنية ، والمبادئ الإنسانية ، تشكلت حربهم الإجرامية ، من أطرافها المرئية : جيش مختطف ، ومليشيا تفرخت منها مليشيات ، بعد أن كانت مقتصرة على الدعم السريع "الجنجويد" عند المنشأ والميلاد ، وما خفي خلف الدانات والمسيرات والطائرات وبراميل المتفجرات ، من أولئك المساهمين خلف ستار أعظم .
بهذه وبتلك وما في الدنيا وما فيها من شرور ، تم إغلاق الباب نهائياّ ، على أية عشم ينتظره شعب السودان المنكوب ، أن تقف حرب الطرفين العبثية ، أنتظروا توهماً سرابياً ، أن يمارس بعض جيش السودان الوطني ، وهو قي عرفهم لا يزال ، إنحيازاً ولو شكلياً ، لإنقاذ ذاته من الإفناء ، إذا لم يكن في بالهم إنقاذ شعب السودان من الإختفاء ، حتى يعيدوا الحياة ، لطبيعتها السلمية ومدنيتها السائرة يومياتها بعقلانية ، حتى يتمكن هذا الشعب ، المنكوب وصابر ، من مواصلة الحياة بمعاناتها ونكباتها ، من الصفر المنعدم حيث نقطته العدم ، وحتى هذه لم تتوفر لهم ، وماتت أحلامهم في وقف الحرب اللعينة ، وإنتظروا ودعوا ربهم طويلاً حتى تلاشت دعواتهم وتمنياتهم هباء ، ولازالوا يمدون حبل الصبر ، فهو سبيلهم ولا خيار ، فلم يتوقف عشمهم في أطراف الجريمة ، من أمل يحقق لهم وقف الحرب ، رأفة بحالهم فيما تبقى لهم من نَفّس ، وزفير وشهيق ، في رئاتهم المعطوبة بالدخان المرسل إليهم ، من آلات الحرب المدمرة ، ووقفها حتى ولو بالتفاوض آخر الكروت ، ولكنه المرفوض والمبعد من مخططاتهم السرية ، فلاسميع ولامجيب ، سداً لآذان صماء ، دي بي طينة ودي
بعجينة !! . أو أملاً في وقفها حتى ولو بإنتصار أحدهما على الأخر ، أيهم لا يهم ، فكلهم في القهر والإزلال القادم سواء ، وأيهما يأتي ويحكم فيهم ، فهم في العنف سواء ، وبرغم علم هذا الشعب المغوار ، الناهض في حينه وتوقيته ، أن مرارة كامل الإنتصار هو الإنهيار ، والفوضى والتلاشي ، ورغم ضياع أملهم وفشل سعيهم في الزمن السراب ، سكتوا عن الحلم والأمل المباح ، لكنهم يعلمون غداً ستتوقف الحرب بغير إرادة القتلة المجرمين ، والشعوب لا تفنى ، وسيأتي بعدها يوم القصاص من الغاصبين المغتصبين .
2- إشعال حمى الإنفصال :
وبعد كل هذه المرارات التي عاشوها ، قتلاً ونهباً وأغتصاباً وتهجيراً تطل عليهم قيادات الطرفين بالأمّر من سابقاتها حزمة مرارات .
أولها : ممثلهم البرهان يعلنها داوية ، على لسان الإسلام السياسي ( الكيزان ومرفقاتهم الإرهابية والنفعية] وليس على لسان جيشنا الوطني المختطف ، ليعلن أن اللعبة إنتهت ، وأنهم عائدون إلى حكمهم المباد ، حتى ولو على نصف دويلة !! . فالغى لهم البرهان ما كان قائماً من نفحات ، عليها رائحة نسمات من حياة كانت . بثتها رياح ديسمبر في أوردة القوانين التي شرعتها ، تمهيداً لبناء عهد وسودان جديد ، وقيامه بتجريد حملة يحسبها في متاهته وفاقية ، يتبعها بخطب. عصماء وبندقية ، ويمزق بنودها بأحبار دم الشعب الأحمر المسال كل ماخطته الثورة ، ويمسح بإستيكة الديكتاتور المستبد ، كل ما شرعته الثورة من قوانين ومواثيق . رغم ماشاب هذه المواثيق في وقتها ، من عيوب ونواقص ، فهي كانت جسر العبور ، على الأقل لمقولات دكتور عبدالله حمدوك ومنقذته من مغبة التوهان .
ثانيها : ترتيبات قيادات الدعم السريع " الجنجوكوز" بتشكيل حكومتهم الموازية ، غض النظر عن خطر خطط الإنفصالات ، الجارية مساراتها على قدم وساق ، التي فجرتها هذه القرارات العشوائية الأحادية النزعة ، في مجملها من قبل الطرفين ، مع ترحيبهما برغبة كل منهما ، بإقتسام كيكة السلطة ، دون وازع من وطنية ، مرحبين من وراء إدعاءات كاذبة بالتقسيم ، الإسلاموكوز يسابقهم الجنجوكوز ، في توزيع كعكة السلطة مناصفة "فالمال تلتو ولا كتلتو "، ويادار قد دخلك الشر من كافة نواصيه ، وهم يخوضون حرب نهايات التقسيم ، بكل طرق شرورهم المتوافرة ، وأخطرها كان خطاب الكراهية المتبادل ، الذي إنتشر كالهشيم في النار ، تمهيداً مقصوداً لحرب الدمار الشامل ، التي أهلكت الزرع والضرع ، ودمرت الأخضر واليابس ، وأغتالت الشجر والحجر وإن شبعت من هذه ، لكنها لم تشبع بعد من تكملة إغتيال البشر ، وهاهما الطرفان ، باليد اليمنى يقبضان على الزناد لمواصلة حربهما العبثية اللعينة ، وباليد اليسرى ، يقدمان فروض الولاء والطاعة لبقايا الإقتسام المنتظر ، لسلطة قادمة وقد دانت بنيرانها لهم ، ولكل منهما نصفها المحتضر . لاتريثاً بل ليأخذ كل منهما نصيبه ال- يقطر دماً وينطلق .
omeralhiwaig441@gmail.com