عوامل و5 متغيّرات.. ما وراء تغير خرائط السيطرة في شمال سوريا
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
الهجوم الذي أطلقته فصائل المعارضة ضد النظام السوري في ريفي حلب وإدلب يغيّر لأول مرة منذ شهر مارس 2020 خرائط السيطرة في شمال غرب البلاد، بعدما ثبتها اتفاق تم التوصل إليه بموجب لقاء مباشر بين الرئيسين التركي، رجب طيب إردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين.
وخلال 24 ساعة تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الغربي لحلب، وباتت تبعد الآن بضع كيلومترات عن مركز المدينة، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".
وليس ذلك فحسب، بل فتحت الفصائل محورا هجوميا ثانيا، الخميس، وتحاول في الوقت الحالي الوصول إلى مدينة سراقب التي كانت خسرتها في 2019. وهذا العام أعيد التذكير به بشكل لافت من قبل مصادر تركية نقلت عنها وكالة "رويترز"، والصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب أنقرة وموسكو، وهما الطرفان الفاعلان سياسيا وعسكريا، في المشهد المتعلق بمناطق شمال غرب سوريا المكتظ بالسكان الأصليين والنازحين.
لكن ووفقا لمصدر أمني تركي نقلت عنه "رويترز" فإن هجوم المعارضة السورية باتجاه حلب يقع ضمن حدود منطقة خفض التصعيد بإدلب، التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في 2019، مضيفا أن "العملية المحدودة لجماعات المعارضة توسعت بعد أن غادرت قوات الحكومة السورية مواقعها".
ومن جهته نقل الصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو، عن مصدر أمني تركي كبير لم يسمه قوله إن "العملية العسكرية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب، التي تم الاتفاق عليها أصلا في عام 2019 من قبل روسيا وتركيا وإيران".
وأضاف المصدر أن هجمات روسيا والنظام قلصت حجم منطقة خفض التصعيد بعد أن سيطرت قوات موالية لبشار الأسد، بما في ذلك حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران، على المزيد من الأراضي بالقرب من حلب في عام 2020 في انتهاك للاتفاق.
ويشترك في الهجوم "هيئة تحرير الشام" وفصائل عسكرية أخرى مدعومة من تركيا.
وتشير جميع المعطيات الميدانية وغير الرسمية التي صدرت على لسان مصادر أمنية إلى أن الحدود التي سيكون عليها الميدان في المرحلة المقبلة لن تكون كما سابق عهدها، عندما أبرم اتفاق سوتشي 2020، بين إردوغان وبوتين.
ميدان الشمال ما قبل الهجوموكانت عملية تنفيذ اتفاق 2020 المتعلق بإدلب والمبرم بين روسيا وتركيا وصلت خلال السنوات الماضية إلى طريق مسدود، ولم تتمكن موسكو وأنقرة لعدة مرات من تثبيت البنود على الأرض، لعدة أسباب واعتبارات.
ومنذ تلك الفترة لم يخرج مشهد إدلب ومحيطها الذي يشمل أجزاء من ريف اللاذقية وحلب عن نطاق استمرار الضربات من جانب قوات النظام السوري وروسيا.
وتصاعدت هذه الضربات على نحو كبير، خلال اليومين الماضيين، مما أسفر عن مقتل مدنيين بينهم أطفال داخل مدينة أريحا في منطقة جبل الزاوية.
علاوة على ذلك كانت قوات النظام وروسيا زجت بسلاح جديد على خطوط التماس منذ بداية 2024، وتمثل بالطائرات المسيرة الانتحارية، مما أسفر أيضا عن مقتل مدنيين فيما خلق حالة من عدم الاستقرار والخوف.
وتقول الفصائل المعارضة المنفذة للهجوم إن عمليتها الحالية تستهدف تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وتشير في البيانات التي تصدرها إلى حالة القصف الواسعة التي حصلت من قبل الأخير والميليشيات الإيرانية المساندة له.
وفي حين يربط خبراء ومراقبون أسباب العملية بتصاعد الضربات على المنطقة يشيرون في حديث لموقع "الحرة" إلى عوامل وسلسلة من المتغيّرات.
جمود على 3 مستوياتعلى مدى الشهرين الماضيين كانت أنقرة (على كافة المستويات) تخاطب الأسد وتدعوه للقاء من أجل بدء عملية التطبيع على صعيد العلاقة، لكن رئيس النظام السوري لم يتفاعل مع هذه الاندفاعة بإيجابية، مشترطا انسحاب تركيا من سوريا قبل أن توضع أي خطوة فعلية على الأرض، عسكريا وسياسيا.
ولم يكن الأسد الوحيد الذي لم يتفاعل بإيجابية، بل انضمت إليه روسيا وإيران.
بالعودة إلى ما قبل الهجوم الحالي صرّح وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا "ليس من أولويات إيران"، وبالنسبة لروسيا فإن مثل هذه القضية ليست على جدول أعمالها، حيث يوجد بالفعل وقف لإطلاق النار في المنطقة ولم يظهر أي تهديد خطير على موسكو.
وفي غضون ذلك أضاف فيدان أن "إردوغان قدم اقتراحا مهما بشأن هذه القضية".
ومع ذلك، لا يبدو الجانب السوري مستعدا أو منفتحا على تقييم بعض القضايا، كما أن النظام ليس منفتحا حتى على المحادثات مع معارضيه، على حد تعبير وزير الخارجية التركي.
ما العوامل والمتغيرات؟في حديثه لموقع "الحرة" يوضح، أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، أن الهجوم "ربما يدفع روسيا إلى التدخل وتعزيز المفاوضات مع تركيا بشأن قضايا أوسع نطاقا، وهو ما رفضت موسكو فعله سابقا".
ويقول في المقابل إنه جاء بناء على 5 عوامل، أولها أنه سمح لـ"تحرير الشام" باحتواء الاحتجاجات ضد زعيمها، أبو محمد الجولاني، وأتاح للأخير الفرصة لإرسال مقاتلين أجانب - كان يحاول التخلص منهم سابقا ولم يستطع - إلى ساحة المعركة.
يذهب العامل الثاني باتجاه رفض الأسد للتقارب مع إردوغان، ورغم أن دمشق أظهرت نوعا من الاستعداد للتقارب، إلا أنها فعليا لم تفعل شيئا على صعيد المصالحة.
كما يضيف مارداسوف أن الهجوم الحالي قد يكون مرتبطا بـ"قصف مواقع قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ويمكن أن يتطور إلى عملية تركية جديدة على غرار (الضربة المفاجئة) التي أشار إليها إردوغان".
ولا يفصل الباحث الروسي عامل التوقيت الذي يقع في المرتبة الثالثة، ويشير إلى أن الهجوم جاء بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، مما جعل الأضواء الإعلامية تتجه نحو "تحرير الشام".
وربما كان هناك حساب لصعوبة تحرك قوات حزب الله أثناء الهدنة، لأن أي تحرك يمكن أن يُعتبر خرقا للاتفاق من قِبَل إسرائيل والولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، يعتقد مارداسوف أن هجوم الفصائل يرتبط أيضا بحالة قوات الأمن السورية، التي تقوم بأنشطة غير مفيدة حاليا في ظل الوضع الحالي، مثل التدريب على القفز بالمظلات، بينما تشهد المناطق معارك باستخدام طائرات مسيرة.
وبدأت فصائل المعارضة مؤخرا استخدام الطائرات المسيرة، بينما القوات النظامية تستخدمها تحت إشراف مباشر من حزب الله والإيرانيين.
ولا يستبعد الباحث الروسي أيضا أن يكون الهجوم وتوقيته مستندا أيضا على حالة التوتر بين الأسد وحزب الله بسبب اختلاف المواقف والمناورات السياسية للنظام السوري، ما يضعف التنسيق بينهما.
"الحلفاء ضعيفون"ويبدو بشكل متزايد أن الغزو الروسي لأوكرانيا والهجمات الإسرائيلية على إيران عبر الميليشيات الشيعية قد أديا إلى إضعاف نفوذ روسيا وإيران في سوريا أكثر مما كنا نتوقع، كما يقول الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك.
ويوضح لموقع "الحرة" أن "التقدم الأولي للمعارضة السورية وهيئة تحرير الشام أكبر مما تخيله معظم المراقبين. كما أن النشاط الجوي الروسي انخفضت حدته بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه قبل أربع سنوات ونصف السنة".
علاوة على ذلك يضيف أوزكيزيلجيك أن "معظم هجمات المعارضة السورية تستهدف قوات النظام السوري بدلا من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كما كان في الماضي".
وبالتالي، "إذا استمرت هذه الأوضاع على هذا النحو، يمكننا القول بثقة أن روسيا وإيران قد ضعفتا"، بحسب الباحث التركي، مؤكدا على ضرورة "الانتظار من أجل وضع تقييم واضح ودقيق".
ما يحصل الآن في شمال غرب سوريا هو "أول اختراق وأول عملية تتجاوز خطوط التماس وتغيرها منذ اتفاق بوتين إردوغان في مارس 2020"، حسبما يقول المحلل السياسي، عمر كوش.
وفي حين أن التجهيز للعملية كان منذ أشهر يبدو أن الفصائل اختارت التوقيت استنادا لحالة الضعف التي يعيشها حزب الله، الذي تنتشر قوات له في محيط مدينة حلب ومناطق سورية أخرى.
ويضيف كوش لموقع "الحرة": "كما أن التوقيت يرتبط بعامل روسيا المشغولة في أوكرانيا"، وهو ما كان ملاحظا خلال الساعات الـ24 الماضية، إذ تم رصد ضربات روسية "تعد على الأصابع" فقط، على حد تعبيره.
وعلى مدى الأشهر الماضية كانت ميليشيات إيران في سوريا في وضع مربك، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله، الذي فقد كبار قادته بضربات إسرائيلية.
وبالتالي فقدت قوات النظام السوري "الدعم البري على الأرض والجوي. ولذلك انهارت وانسحبت من الكثير من القرى والبلدات خلال الساعات الماضية"، بحسب كوش.
"رسائل سياسية وعسكرية"ولا تعرف حتى الآن الحدود التي سيكون عليها هجوم فصائل المعارضة باتجاه مدينة حلب ومناطق في محيط إدلب.
وفي حال فشل أو نجح سيقوي أوراق تركيا في المناطق التي تنتشر فيها بشمالي البلاد، بحسب الباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي.
أما عن تداعياته على الأرض يرى قربي في حديثه لموقع "الحرة" أن الهجوم يستهدف إيصال رسائل سياسية وعسكرية، ويقول إنه حتى الآن "لم يخرق قواعد الاشتباك التي رسمت بموجب اتفاق 2020".
"المعركة الأساسية حتى الآن تدور ما بين النظام وما بين فصائل المعارضة".
وفي المقابل يوضح قربي أن "التدخل التركي ما زال محدودا ظاهريا وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي لم تزج بقوتها الجوية لإيقاف الفصائل عن التقدم".
قد تكون عملية الفصائل العسكرية "محاولة لإعادة إحياء التوافقات التي لم تلتزم بها بعض الأطراف في السنوات الماضية، وخاصة روسيا والنظام السوري"، بحسب قربي.
ومن جهته يعتقد المحلل السياسي، كوش أنها "تحظى بغطاء سياسي لكي تؤتي ثمارها"، "وربما يوجد غض نظر تركي عنها أو حالة رضا".
ومن ناحية أخرى يقول كوش إن قصف فصائل المعارضة بـ"توسيع المناطق الآمنة" قد يكون مرتبطا بمساعي لتوسيع النفوذ، تحسبا لتغيرات قادمة في سوريا مقبلة في البلاد.
وبالتالي تريد هذه الفصائل أن توسع نفوذها من أجل تثبيته وللاستعداد لأي تغيرات مقبلة.
ويتابع كوش: "المنتظر هو موقف أستانة خاصة أن العمليات تأتي بعد أيام قليلة من اجتماع أخير لها كان مملا وروتينيا. هل ستكون هناك تفاهمات جديدة بين الروس والأتراك؟ وربما سيكون الإيرانيون هم المتضررون أي على صعيد ميليشياتهم".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فصائل المعارضة النظام السوری روسیا وإیران تحریر الشام قوات النظام على الأرض أن الهجوم حزب الله ما کان
إقرأ أيضاً:
المعارضة السورية تطلق عملية ردع العدوان شمالي البلاد
أعلنت فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، اليوم الأربعاء، إطلاق "عملية ردع العدوان"، لتوجيه "ضربة استباقية" لقوات النظام التي تخوض اشتباكات عنيفة مع قوات المعارضة معها في مناطق بريف حلب.
وقال حسن عبد الغني الناطق باسم غرفة عمليات الفتح المبين -التي تشمل هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير وفصائل أخرى- إن هذه العملية العسكرية "تهدف إلى كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لمواقع مليشياته".
وأضاف أن الحشود العسكرية للنظام "تهدد أمن المناطق المحررة، وواجب الفصائل الدفاع عن المدنيين في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم".
كما أكد الناطق أن "الدفاع عن المدنيين في المناطق المحررة ليس خيارا بل هو واجب، وهدفهم الثابت هو إعادة المهجرين إلى ديارهم، ولن ندخر جهدا لتحقيق هذا الهدف".
ويأتي هذا في وقت تشهد فيه مناطق ريف حلب الغربي، منذ فجر اليوم اشتباكات وقصف عنيف متبادل بين قوات النظام والمليشيات الإيرانية من جهة، وفصائل "الفتح المبين" من جهة أخرى، حيث تصعد قوات النظام قصفها للمناطق المدنية.
وقال نشطاء "إن فصائل غرفة عمليات الفتح المبين رصدت تحركات كبيرة لقوات النظام خلال اليومين الماضيين على محاور ريف حلب الغربي، استدعى رفع الجاهزية، بالتوازي مع تصعيد النظام قصفه المدفعي والصاروخي على بلدات ومدن الأتارب ودارة عزة وبلدات ريف حلب الغربي بشكل عام".
ووفق المصادر، فإن "اشتباكات عنيفة تدور رحاها بين الطرفين على محاور الشيخ عقيل والفوج 46 منذ ساعات الفجر، وسط قصف أرضي عنيف، في حين سجل تحليق للطيران الحربي الروسي في الأجواء، لرصد أي تحركات وضربها عبر غارات جوية".
وتشهد مناطق ريف حلب الغربي منذ أمس الثلاثاء، نزوحا كبيرا لمئات العائلات بريف حلب الغربي باتجاه منطقة عفرين وشمالي إدلب، في ظل أوضاع إنسانية صعبة يواجهها النازحون وسط أجواء البرد والأمطار.
واستهدفت قوات النظام بالصواريخ اليوم المنطقة الصناعية وطريقا رئيسيا بأطراف مدينة إدلب.