كيف يؤثر الدولار القوي مع ترامب على العالم؟
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
ارتفع الدولار في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري، عند قمة 13 شهرا، على وقع مخاوف عالمية من سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تجاه اقتصادات رئيسة حول العالم.
وكتب ترامب، الاثنين الماضي، منشورا على منصته "تروث سوشيال" تعهد فيه بفرض تعريفات جمركية على كل من المكسيك وكندا والصين في أول يوم له بالبيت الأبيض المقرر في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وأمام هذا النوع من التوترات التجارية، يلجأ المتعاملون إلى الدولار كملاذ آمن، ومع زيادة الطلب عليه ترتفع قيمته أمام بقية العملات، خاصة عملات الأسواق الناشئة.
ورغم التوترات المحتملة على الصعيد التجاري بين واشنطن وبعض شركائها، فإن تبعات صعود الدولار تطال غالبية الاقتصادات العالمية، بما في ذلك الدول النامية.
ويظهر تقرير لمعهد التمويل الدولي صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن إجمالي الدين العالمي (أفرادا وشركات وحكومات)، تجاوز 310 تريليونات دولار بحلول النصف الأول من العام الجاري.
1- مركزية الدولاررغم بلوغ الدين مستويات تاريخية غير مسبوقة، فإن الدولار القوي الذي بلغ 107.7 نقاط مطلع الأسبوع الجاري يزيد من كلفة الديون بمقدار 100 مليار دولار سنويا على كل نقطة واحدة، فوق 100 نقطة.
ويعتبر الدولار الأميركي عملة الاحتياطات العالمية، إذ يشكل نحو 58% من احتياطات صندوق النقد الدولي، بحسب بيانات صادرة عن الصندوق مؤخرا.
كما يشكل الدولار عملة 80% من التجارة العابرة للحدود، وهو كذلك عملة مدفوعات في غالبية دول العالم، إلى جانب العملات الوطنية الصادرات عن البنوك المركزية لتلك الدول.
وبالتالي، فإنه رغم تمتع العملة الأميركية بمكانة استثنائية في التجارة الدولية والأسواق المالية فإن قوتها (ارتفاع قيمتها مقابل العملات الأخرى) يمكن أن تؤدي إلى عواقب اقتصادية واسعة النطاق، خصوصا في ظل التفاوت الكبير بين الاقتصادات العالمية.
2- عبء الديون الخارجيةيظهر تقرير الاستقرار المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي مؤخرا، أن أحد أبرز التحديات التي يفرضها الدولار القوي يتمثل في زيادة عبء الديون الخارجية للدول النامية.
فكثير من الدول تقترض بالدولار، ولذلك فإن ارتفاع قيمة الدولار يزيد من تكلفة سداد تلك الديون، لأنه سيدفع الحكومات لدفع نقود محلية أكثر لقاء شراء الدولار وسداد الأقساط المستحقة وفوائد تلك الديون.
وعندما ترتفع قيمة الدولار وتضطر الدول إلى دفع المزيد من عملاتها المحلية لسداد الديون، يؤدي ذلك في مرحلة ما إلى استنزاف احتياطياتها من العملات المحلية والأجنبية.
كذلك، فإن الدولار القوي يرفع أعباء خدمة الديون، مما يجبر الحكومات على تقليص الإنفاق العام أو اللجوء إلى سياسات تقشفية تؤثر سلبا على النمو الاقتصادي.
وفي ظل الدولار القوي، تصبح الدول النامية أكثر عرضة للتخلف عن سداد ديونها، كما حدث في بعض الأزمات السابقة مثل الأزمة المالية في الأرجنتين، وارتفاع خدمة الدين في مصر.
وذكرت منظمة التجارة العالمية في تقرير خلال مايو/ أيار الماضي أن الدولار القوي يعتبر أحد أبرز المعوقات لانسياب الطلب على التجارة العالمية:
يؤدي قيمة الدولار إلى جعل السلع والخدمات الأميركية أكثر تكلفة بالنسبة للدول الأخرى، مما يقلل من تنافسية الصادرات الأميركية. أي أن ارتفاع كلفة السلع المقومة بالدولار يقلل من الطلب عليها في الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى انخفاض التجارة الدولية. بالنسبة للدول التي تعتمد على الواردات المقومة بالدولار، فإنها تواجه ارتفاعا في التكاليف، مما يؤدي إلى تفاقم العجز التجاري وتزايد الضغوط التضخمية. 4- ارتفاع التضخم يزيد الدولار القوي، كذلك، من تكاليف الواردات على الدول التي تعتمد على المواد الأساسية كالطاقة والغذاء. في الدول ذات العملات الأضعف يؤدي هذا إلى تضخم مستورد، مما يرفع تكاليف المعيشة ويؤثر على المستهلكين والشركات على حد سواء. بما أن النفط مسعّر بالدولار، فإن قوة الدولار تزيد من كلفة النفط على الدول المستوردة، مما يرفع أسعار الوقود والطاقة بشكل عام. 5- اضطرابات الأسواق المال والصرفتعتمد الأسواق المالية العالمية بشكل كبير على السيولة بالدولار، لذا فإن:
ارتفاع قيمة الدولار يؤدي إلى تغيرات كبيرة في حركة رؤوس الأموال والأسواق، إذ يندفع المستثمرون إلى تحويل أموالهم نحو الأصول المقومة بالدولار بحثا عن عوائد أعلى، مما يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال من الاقتصادات النامية وضعف عملاتها. يسبب الدولار القوي تقلبات حادة في أسواق الصرف، مما يزيد من حالة عدم اليقين ويثبط الاستثمار. تواجه البنوك المركزية صعوبة في توفير السيولة الكافية بالعملة الأميركية، مما قد يؤدي إلى ضغوط في أسواق التمويل.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدولار القوی قیمة الدولار یؤدی إلى
إقرأ أيضاً:
القضايا العربية والمتغيرات العالمية
حاتم الطائي
تَمرُ المنطقة العربية بمرحلةٍ مفصلية في تاريخها الحديث، لا تقل أهمية أبدًا عن المراحل المفصلية السابقة على مدى قرون؛ بل لن نُبالغ إذا قلنا إنَّ الفترة الراهنة الأشد خطورة على منطقتنا وقضايانا المصيرية، وفي المقدمة منها قضيتنا المركزية؛ فلسطين، خاصة في ظل الخذلان الدولي غير المسبوق تجاه الإجرام الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، والذي فاق التصورات وتجاوز الواقع السياسي والعسكري بمراحل.
لم تعد إسرائيل مجرد ذلك الكيان المغروس عمدًا مع سبق الإصرار والترصد لإضعاف الأمة العربية ووأد أي محاولة للنهوض ومنافسة الغرب؛ بل باتت دولة الاحتلال سرطانًا يُريد أن يلتهم المنطقة ويبتلعها، من خلال اقتلاع سكان قطاع غزة والضفة الغربية والقدس من أراضيهم، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، ثم التمدد إلى دول المنطقة، وفرض نفوذها وهيمنتها تحت قوة الضغط الأمريكي، الذي يستغل حالة الضعف التي تُعاني منها منطقتنا.
وعلى الرغم من أن العرب يملكون كل الأدوات والوسائل التي تُمكِّنهم من فرض عدالة قضيتهم ووجهات نظرهم فيما يتعلق بمصير المنطقة، إلّا أنهم يفتقرون إلى الإرادة السياسية القوية، والقدرة على مواجهة الصلف الأمريكي الذي تحول تحت إدارة الرئيس اليميني دونالد ترامب إلى تجبُّر واستعلاء لا مثيل له. العرب يملكون الثروات المالية والموارد الطبيعية التي تدعم قوتهم، فضلًا عن الجوانب الحضارية المُضيئة، فلقد كانت هذه المنطقة بيئة خصبة لازدهار أعرق الحضارات، وعلى أرضها عاش أنبياء الله ونشروا دعوتهم في ربوع الدنيا، غير أنَّ عدم الرغبة في المواجهة وتفضيل سياسات "النأي بالنفس"، تسبب في أن تتحول المنطقة العربية إلى لقمة سائغة في أفواه المُجرمين، من دعاة الاستعمار الجُدد، الذين ينظرون إلى الأوطان على أنها "مشاريع عقارية" يمكن إبرام "صفقات" عليها!
من المؤسف أنَّ الكثير من الأنظمة لم تعد قادرة على قول "لا" في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وباتت عاجزة عن طرح أي رؤية عادلة للقضايا العربية، لكن لا ينبغي أن يدفعنا ذلك إلى اليأس والتراجع والاستسلام؛ بل علينا أن نتحلى بالشجاعة في مُواجهة المخططات التي تريد عودة الاستعمار بصورة أخرى، وعلى الحكومات العربية أن تحتمي بشعوبها الرافضة رفضًا قاطعًا لأي احتلال إسرائيلي، والغاضبة بشدة من حرب الإبادة التي استمرت في قطاع غزة لأكثر من 15 شهرًا. ومع اقتراب انعقاد القمة العربية الطارئة في القاهرة، وتوقعات بإعلان رؤية عربية مشتركة لمواجهة مخططات الرئيس الأمريكي، فإن سقف المطالب في هذه القمة يجب أن يكون عاليًا، ليعكس إرادة الشعوب العربية التي ضجرت من المواقف غير الحاسمة، والتصريحات التي تحتمل أكثر من معنى. يجب أن تكون القمة تعبيرًا عن حالة التعاطف منقطعة النظير مع الشعب الفلسطيني المُستضعَف، والذي ما يزال يتجرع ويلات العدوان الإسرائيلي.
ولا ريب أن المرحلة المقبلة من العمل العربي تتطلب سرديةً ذات طموح أعلى وتمثيلاً أكبر لإرادة الشعوب العربية الطامحة الى التحرر والعدالة، والتي لطالما حلمت بأن تتحرر فلسطين وأن ينعم كل مواطن فلسطيني بحقه الطبيعي في الحياة دون خوف من الموت أو التشرُّد أو الاعتقال والزج به في سجون الاحتلال.
الوضع الراهن وما يعتريه من متغيرات دولية عميقة التأثير، يؤكد لنا أن العرب يجب أن تكون لهم كلمة واضحة وموقفًا صلبًا في مواجهة مخططات ترامب-نتنياهو، وممارسة أقصى الضغوط من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وحماية الأمن القومي العربي من المُهددات غير المسبوقة، لا سيما في ضوء الإرهاب الصهيوني المُستمر منذ عقود طويلة.
على العرب في قمتهم الطارئة أن ينظروا إلى مواقف دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل- غير العربيتين- واللتين لم ترضخا للضغوط الصهيونية، وواصلتا الدفاع عن القضية الفلسطينية أمام المحاكم الدولية، في حين أن الأنظمة العربية الرسمية لم تتحرك ولم تشارك في تحريك أي دعوى قضائية دولية، رغم التعاطف الدولي الكبير، فضاعت من أمامنا فرصة تاريخية لتحقيق مزيد من النقاط لصالح القضية الفلسطينية.. ورغم ذلك نؤكد أنَّ الفرصة ما تزال قائمة، وأن بإمكان العرب إجبار أمريكا على التراجع عن مخططاتها والوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
على العرب مواجهة إسرائيل وأمريكا بكل قوة، والقول بصوتٍ عالٍ إن أمريكا فك مفترس ووحش كاسر ومارد شيطاني، تُريد أن تفتك بالعالم أجمع لتحقيق أهدافها وأطماعها، حتى لو كان الثمن أرواح الآلاف والملايين من البشر.
لقد كشفت السياسات الأمريكية الحالية، أن الرئيس ترامب يريد أن يلتهم كل شيء أمامه، ويدير بلاده والعالم بطريقة "الصفقات"، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه قضية أوكرانيا، وما شاهدناه في المشادة الكلامية بينه وبين رئيس أوكرانيا، ومدى التحقير الذي مارسه تجاه رئيس أوكرانيا، والذي يكشف أنَّ ترامب ربما باع أوكرانيا إلى روسيا، في صفقة غير واضحة المعالم حتى الآن.
ويبقى القول.. إنَّ القمة العربية الطارئة المرتقبة يوم الثلاثاء، يجب أن تُعبِّر عن مواقف الشعوب العربية الرافضة للإجرام الصهيوني والداعمة للحق الفلسطيني، وضرورة مواجهة الجبروت والتعنت الأمريكي، من خلال توظيف أدوات الضغط العربية، حتى تنعم منطقتنا بالأمن والاستقرار ويتحقق العدل في ربوعها.
رابط مختصر