الجزيرة:
2025-01-01@00:51:00 GMT

لبنان واليوم التالي الأكثر تعقيدًا من الحرب

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

لبنان واليوم التالي الأكثر تعقيدًا من الحرب

بعد ما يقرب من عام وشهرين على حرب الاستنزاف ونحو شهرين على انزلاقها إلى حرب واسعة، قررت إسرائيل وحزب الله أن الوقت قد حان للموافقة على وقف متبادل لإطلاق النار.

وعلى الرغم من أهمية الاتفاق، فإن التقييم الوحيد الواضح الذي يُمكن الخروج به، هو أن الاتفاق هش بطبيعته، وأن مخاطر انهياره تتفوق على فرص نجاحه.

مع ذلك، فإن إبرام الاتفاق يرجع بدرجة أساسية إلى أن الطرفين أراداه لدوافع مُختلفة، ولكنها متناقضة بشدة فيما بينها.

في حين تنظر إسرائيل إلى الاتفاق كنصر سياسي يُعزز المكاسب العسكرية والأهداف التي وضعتها في الحرب، خصوصًا فيما يتعلق بإبعاد حزب الله عن الحدود، وموافقته على فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة، وإيجاد ترتيب أمني برعاية دولية، يضمن تحجيم تهديد حزب الله لها بشكل كبير على المدى البعيد، فإن الحزب يرى في الاتفاق فرصة لالتقاط الأنفاس، والحد من الضرر الهائل الذي جلبته الحرب له، والتفكير في الكيفية التي تُمكنه من التعافي لاحقًا من هذا الضرر.

هذا التناقض في الدوافع يكشف المخاطر الكبيرة المحيطة بتصورات الطرفين لليوم التالي لما بعد الحرب في حال نجحت مُهلة الشهرين المنصوص عليها في الاتفاق في تكريس تهدئة طويلة الأمد.

كما أن الترتيب الأمني، الذي يرتكز عليه الاتفاق، والذي يستند بدرجة أساسية إلى قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي أنهى حرب يوليو/ تموز عام 2006 بين الطرفين، يُعزز هذه المخاطر.

لقد نجح القرار الدولي المذكور في الحفاظ على تهدئة طويلة على الحدود لما يقرب من ثمانية عشر عامًا، لكنّه لم يمنع اندلاع حرب واسعة مرّة أخرى. كما أن كلًا من إسرائيل وحزب الله عملا على تقويض القرار 1701 بأشكال مُختلفة.

إن ظروف الاتفاق الجديد تختلف بشكل جذري عن ظروف اتفاق إنهاء حرب يوليو/ تموز. فمن جانب، تزعم إسرائيل أنها قوّضت بنسبة كبيرة القدرات العسكرية لحزب الله. وهي قتلت بالفعل جيلًا كاملًا من قادة الحزب، بمن فيهم أمينه العام الراحل حسن نصر الله.

كما أن حجم الدمار الهائل الذي تسببت فيه الحرب الحالية في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، يتجاوز بأضعاف حجم دمار حرب يوليو/ تموز. ومن جانب آخر، فإن قدرة الحزب على التعافي من هذه الحرب واستعادة قوته، أضعف بكثير مما كانت عليه بعد عام 2006.

ومن غير المتصور أن يُبدي المجتمع الدولي استعدادًا لدعم وتمويل عملية إعادة الإعمار بدون ضمان تنفيذ بنود الاتفاق الجديد، وتمكين الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها في الجنوب وعلى المعابر والحدود مع سوريا؛ لمنع حزب الله من إعادة تسليح نفسه في المستقبل.

إن مثل هذه التكاليف الكبيرة المترتبة على قبول حزب الله بالوضع الجديد بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والتي لا تقل حجمًا عن تكاليف الحرب نفسها، تُثير شكوكًا كبيرة حول مدى استعداده لتحملها. لأن هذا الوضع لا يقوض قدرته على إعادة ترميم حالته العسكرية من جديد فحسب، بل سيفتح نقاشًا واسعًا في الداخل والخارج في المستقبل حول جدوى بقاء سلاحه، ما دام أن الدولة اللبنانية ستمسك بزمام المبادرة، وستتحول إلى شريك رئيسي في الترتيب الأمني الجديد على الجبهة مع إسرائيل.

يبدو هذا الوضع مُفيدًا بشكل رئيسي للدولة في لبنان، لكنّ الجيش اللبناني لا يُفضل بالتأكيد أن يدخل في صدام مع حزب الله لمنعه من إعادة تسليح نفسه أو لنزع سلاحه بالقوة. لا يملك أي طرف بما في ذلك الدولة اللبنانية وإسرائيل والمجتمع الدولي تصورًا واقعيًا لكيفية معالجة مُعضلة سلاح حزب الله.

لكن المؤكد أن معالجة من هذا القبيل يُمكن أن تؤدي ببساطة إلى إشعال حرب أهلية في الداخل إذا لم تكن حكيمة للغاية، وإذا لم تأخذ بعين الاعتبار أن حزب الله لا يزال يحظى بحيثية كبيرة بين شيعة لبنان، وأن قوته بالنسبة لهم هي ضمانة لتعزيز حضورهم في السياسة الداخلية، كما هي ضمانة لحمايتهم من أي تهديد إسرائيلي لمناطقهم في المستقبل.

إن مهلة الشهرين المُحددة في الاتفاق لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة، وتخلي حزب الله عن وجوده المسلح على الحدود جنوبي نهر الليطاني، ستكون فترة اختبار طويلة نسبيًا لتحديد ما إذا كان الاتفاق قابلًا للتطبيق في نهاية المطاف.

ومن المؤكد أن حزب الله لديه رغبة في تكريس وقف إطلاق النار. لكنّ المؤكد أيضًا أن إسرائيل لن توفر أي فرصة للتشكيك بالتزام الحزب بوقف إطلاق النار. وقد يؤدي خرق لوقف إطلاق النار إلى انهيار الاتفاق في أية لحظة.

هناك إشكالية تتمثل في مدى فاعلية الترتيب المنصوص عليه في الاتفاق بخصوص انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة. حزب الله ليس جيشًا نظاميًا بحيث يُمكن التحقق ببساطة من أنه سيسحب قواته وأسلحته بالكامل من المنطقة. كما أن جزءًًا كبيرًا من مسلحي الحزب هم من سكان الجنوب.

يُشكل وقف إطلاق النار مدخلًا لإنهاء الحرب، لكنّه في الواقع غير قادر على الإجابة عن التساؤلات الكبيرة لليوم التالي لتكريس تهدئة طويلة الأمد. مع ذلك، هناك ثلاث خلاصات بارزة يُمكن الخروج منها بعد الاتفاق:

الأولى، أن كًلا من إسرائيل وحزب الله رضخا في النهاية لحقيقة أن أيًا منهما غير قادر على كسب الحرب، أو الخروج منها بالطريقة التي يطمح إليها. والثانية، أن الترتيب الأمني الذي أوجده القرار 1701 أثبت أنه لا يزال يُشكل أرضية مُهمة لتشكيل اليوم التالي لما بعد الحرب. والثالثة، أن الولايات المتحدة قادرة على الدفع باتجاه وقف الحرب في المنطقة إذا ما توفرت الإرادة السياسية عندها.

من بين العوامل الرئيسية التي جعلت حربَي غزة ولبنان بهذا القدر من الآثار الكارثية على الفلسطينيين واللبنانيين أن إدارة الرئيس جو بايدن مارست الخداع على مدار أكثر من عام بالقدر الذي مارسته إسرائيل من خلال تجنب ممارسة الضغط الحقيقي على حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب ومنحها المزيد من الوقت لإنجاز أقصى ما يُمكن إنجازه في غزة ولبنان على حساب حياة المدنيين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وقف إطلاق النار فی الاتفاق حزب الله کما أن

إقرأ أيضاً:

لبنان يوجّه رسالة إلى إسرائيل: «هذا الوضع لن يستمر طويلاً»

وجه “حزب الله” اللبناني، رسالة قوية إلى إسرائيل، مؤكدا أن “هذا الوضع لن يستمر طويلا”.

وأكد “حزب الله”، أن “المرحلة الآن لها علاقة باتفاق وقف إطلاق النار”، مؤكدا أنه “يريد تطبيق هذا الاتفاق ويتعاطى مع الموضوع من زاوية مسؤوليات الدولة”.

وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة في مجلس النواب اللبناني حسن فضل الله، إن “هذا الوضع لن يستمر والعدو لن يتمكن من أن يحصل بهذه الطرق على ما عجز عنه في الميدان فالشهداء منعوه من التسلل والاحتلال”.

وأضاف فضل الله: “الآن نرى النتيجة من الدعوة التي كانت توجّه إلينا بترك الأمر في الجنوب لليونيفيل وللمؤسسات الرسمية لتقوم بواجباتها”، متابعا: “لن تكون للعدو ضمانة في أرضنا من أحد ولن تكون له حرية التصرف بأرضنا كيفما كان”.

وأكد أن “المقاومة تعرف واجباتها وما عليها فعله”، مشيرا إلى أن “الذين كانوا يطالبوا حزب الله بترك الأمر للدولة وللقرارات الدولية، أمامهم فترة 60 يوماً وهي اختبار لكل هذه المقولات”.

وختم فضل الله، بالقول إن “الحزب سيبقى يحمل قضية الدفاع عن لبنان وعن الجنوب لتحرير الأرض وحماية الشعب وصون الإنجازات التي تحققت بتضحيات الشهداء”.

هذا “ودخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر ولا يزال ساريًا بشكل عام، على الرغم من اتهام الجانبان بعضهما بعضا بانتهاكات متكررة.

مقالات مشابهة

  • اقتصاد لبنان يعاني من آثار الحرب: "نبدأ من الصفر"
  • لبنان... نكران المأساة واللهو السياسي
  • آخر رسالة إسرائيلية لـحزب الله.. هل ستعود الحرب؟
  • النائب صليبا: الحرب لا تقتل فقط البشر إنما أيضاً المحيط الذي نعيش فيه
  • لبنان يوجّه رسالة إلى إسرائيل: «هذا الوضع لن يستمر طويلاً»
  • هذا ما ستفعله إسرائيل في لبنان.. تصريحٌ جديد!
  • صحافة عالمية: إسرائيل تلجأ للذكاء الاصطناعي بعملياتها العسكرية في غزة
  • إسرائيل تتوغل وحزب الله يتشدّد بسلاحه
  • حزب الله لا يردّ.. لماذا لا تزال إسرائيل تخرق وقف إطلاق النار؟
  • هل قرّرت إسرائيل رسمياً البقاء في جنوب لبنان؟ تقريرٌ يكشف