العسل اليمني: كنز يصمد في وجه الحرب والتغيرات المناخية
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
شمسان بوست / متابعات:
للعسل اليمني شهرته التي طافت الأنحاء، وعرفت في كل دول العالم، وهو يعرف بغلاء ثمنه، إذ يصل سعر بعض الأنواع إلى 500 دولار للكيلوغرام الواحد، وهناك ما يربو عن 30 نوعا من العسل يتم إنتاجها في محافظات اليمن.
تتصدر حضرموت محافظات اليمن في إنتاج العسل، تليها شبوة، ثم أبين، والحديدة، وتعز، وعمران، وأشهر أنواع العسل اليمني هي التي يتم إنتاجها عبر تغذية النحل بشجرة السدر، وهي شجرة مذكورة في القرآن الكريم، وفي سورة “الواقعة”، وصف أصحاب اليمين بأنهم “في سدر مخضود” أي في بلا أشواك.
وفي هذا النوع الذي يسمى “عسل السدر”، يقوم النحل بجمع الرحيق من الشجرة التي تزهر في شهري يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول، ورغم جودة وشهرة هذا النوع من العسل، يتم حصاده في الشتاء فقط، وباستخدام الطرق التقليدية. ويمتاز عسل السدر بكونه سميكاً وكثيفاً، وله لون ذهبي، ورائحة تشبه رائحة شجرة السدر.
وتنمو شجرة السدر البرية في المناطق الجافة، وتكثر في صحاري اليمن، ويعتبر رحيقها أكثر ثراءً من رحيق أشجار أخرى، ويظهر هذا في جودة العسل الذي يتم إنتاجه من النحل الذي يتغذى على رحيقها.
وهناك أنواع أخرى شهيرة من العسل اليمني، منها عسل السُمر (الطلح) المستخلص من أشجار السُمر، ويقبل على استخدامه مرضى السكري، وعسل الصال (الأثل)، وعسل السلام (السلم)، والعسل الجبلي، وعسل المراعي، كما أن هناك أنواعا تسمى وفقاً لمناطق إنتاجها، فهناك “الدوعني” نسبة إلى منطقة دوعن في محافظة حضرموت، والعسل العصيمي نسبة إلى منطقة العصيمات بمحافظة عمران، والعسل السقطري نسبة إلى جزيرة سقطرى.
وللعسل اليمني استخدامات عدة، فهو يستخدم لعلاج كثير من الأمراض، إضافة إلى دخوله في تحضير العديد من الوجبات اليمنية، وأبرزها “بنت الصحن” و”الفتة”.
تقول خبيرة التغذية اليمنية، زينب اليافعي، لـ”العربي الجديد”، إن “ملعقة واحدة من عسل السدر اليمني تحتوي ما يقارب 65 سعرة حرارية، وما يقارب 20 غراماً من السكر، وتكاد تكون خالية تماماً من الدهون، إضافة إلى احتوائها على كميات كبيرة من الفيتامينات والمعادن، ما يجعلها مفيدة للصحة، وتعد بمثابة علاج لكثير من الأمراض، وفي مقدمتها فيروس الكبد، وقرحة المعدة، والضعف الجنسي”.
ومثل بقية المنتجات اليمنية، تأثر العسل بالحرب التي تشهدها البلاد منذ ما يقرب من عشر سنوات، والتي أثرت على عمليتي الإنتاج والتصدير، ويواجه منتجو العسل صعوبات في التنقل بين المناطق بحثاً عن مراع مناسبة للنحل، كما أن إغلاق الموانئ والمطارات، وغياب شركات الشحن أثر بشكل كبير على تصديره إلى الخارج، إذ كانت دول الخليج العربي تمثل السوق الأول للعسل اليمني قبل الحرب.
كما تأثر إنتاج العسل كثيراً بالتغيرات البيئية والمناخية التي يشهدها اليمن، وفي مقدمتها السيول والفيضانات، وكذا لجوء السكان لقطع الأشجار، ومن بينها شجرة السدر.
يعد الصحافي اليمني منير بن وبر، الذي ينتمي إلى محافظة حضرموت، واحداً من المهتمين بمهنة إنتاج العسل، وهو على معرفة بأسرار هذه المهنة. ويؤكد لـ”العربي الجديد”، أن “هناك العديد من المعايير التي يتم من خلالها تقييم جودة العسل، منها اللون والرائحة والنكهة، وهي معايير يمكن ملاحظتها مباشرة أثناء الفحص، ويتميز العسل عالي الجودة بلون طبيعي ورائحة عطرية ونكهة فريدة، كما تتضمن المعايير درجة اللزوجة، إذ يتميز العسل الجيد بلزوجة عالية، وتوجد كذلك عدة معايير أخرى يمكن التعرف إليها من خلال الفحص الدقيق، بما في ذلك الفحص المخبري، مثل نسبة الرطوبة، ومعدل الحموضة، والخلو من المبيدات الحشرية، ونقاوة العسل تعني أن يكون طبيعياً من دون أية إضافات كالسكر أو الماء”.
ويشير بن وبر إلى أن “جودة العسل بشكل عام تحددها جودة المراعي؛ إذ تعتمد الجودة بشكل كبير على نوعية الأزهار التي يجمع النحل منها الرحيق، فكل نوع من الأزهار يعطي العسل نكهة ولونا وخصائص غذائية فريدة. الحرب أثرت بشكل كبير على إنتاج العسل، وعلى استدامة هذه المهنة المتوارثة منذ آلاف السنين، ويعتبر ارتفاع تكاليف النقل من أكبر المشكلات، إذ يتطلب إنتاج العسل نقل النحل بين مراع مختلفة في مختلف المحافظات، لكن مع ارتفاع أسعار الوقود، أصبح هذا مكلفاً للغاية، كما أن الرعي الجائر تحدٍ آخر، إذ يؤدي تناقص المساحات الخضراء إلى تناقص الإنتاج، كما أن التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على تربية النحل، وبالتالي على إنتاج العسل، إذ تؤدي الأنماط المناخية المتغيرة مثل السيول والأمطار المفاجئة إلى جرف بيوت النحل”.
بدوره، يقول رئيس المركز اليمني للإعلام الأخضر، معاذ ناجي المقطري، لـ”العربي الجديد”: “في السنوات الأخيرة، شهدنا تغيرات جذرية في أنماط هطول الأمطار، وارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، ما أدى إلى اختلال التوازن البيئي، وتغير مواسم الإزهار. هذه التغيرات، إلى جانب الكوارث الطبيعية المتكررة مثل السيول والانهيارات الأرضية، تسببت في تدهور المراعي الطبيعية للنحل، وانقراض أنواع نادرة منه، مثل النحل الأحمر الذي كان يشتهر به اليمن”.
يضيف المقطري: “تراجع أعداد النحل في اليمن لا يمثل تهديداً لقطاع تربية النحل فحسب، بل يهدد أيضاً الأمن الغذائي، إذ يلعب النحل دوراً حيوياً في عملية التلقيح، والتي تساهم في إنتاج الغذاء، كما أن تراجع إنتاج العسل اليمني، الذي يشتهر بجودته العالية، قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة، ويهدد مصادر دخل آلاف الأسر اليمنية التي تعتمد على تربية النحل مصدرا رئيسيا للعيش”.
وحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2020، فإن نحو100 ألف أسرة يمنية تعمل في قطاع إنتاج العسل، وهم ينتجون ما يقارب 1580 طناً من العسل سنوياً، يصدر منها نحو 840 طناً، إلى جانب إقبال عدد متزايد من الشباب اليمني على هذه المهنة المربحة.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: بشکل کبیر على العسل الیمنی إنتاج العسل شجرة السدر من العسل کما أن
إقرأ أيضاً:
المساعدات .. طُعم لدس السم في العسل
يذهب التعريف بالعالم الاجتماعي على أنه يقوم على «ﻣﺒﺎدئ اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻷﺧﺬ واﻟﻌﻄﺎء»بمعنى أن يقوم على الندية، والتكافؤ، وهذا لا يلغي مسألة التكافل التي تقوم عليها المسألة الاجتماعية برمتها، وهذا المعنى ليس مقصورا على المجتمعات التقليدية البسيطة، فكل المجتمعات بتركيباتها المعقدة؛ من حيث الحمولة السكانية، وتعقد أنشطة حياتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستغني عن مبدأ التكافل، ولذلك نرى هذا التلاحم في الأحداث الكبيرة حيث يشمر عن ساعد الجد الجميع بلا استثناء، حيث تتجاوز هذه الصورة الهويات المتباينة والمشار إليها بهويات الدين، والعرق، واللون، والنوع، والمذاهب، والإنتماءات السياسية، والثقافية، وغيرها مما يندرج تحت عنوان الهويات.
ينظر إلى المساعدات على أنها عطاء باليد اليمنى، والأخذ باليد اليسرى، ليس أكثر، وأن كل ما يروج له في شأن المساعدات لا يخرج عن هذه القاعدة المتكافئة، وغير المتكافئة، المتكافئة من حيث الأخذ والرد في آن واحد، وغير متكافئة من حيث تضرر الفئة المحتاجة للمساعدات، وهي التي تتخذ فخا لجلب الأموال من الأفراد، ومن المؤسسات، ومن الدول؛ في أحيان أخرى، سواء أكان ذلك في حالة الأزمات الإنسانية/ أو الأزمات الطبيعية، أو أزمات الحروب، ومناخات الفقر، والفساد الذي تعاني منه الكثير من دول العالم، فحتى برامج منظمات الأمم المتحدة لم تسلم من هذا الاسترزاق الذي يمارسه موظفوا هذه المنظمات تحت غطاء الأمم المتحدة، من خلال تسلطهم على الفقراء والمحتاجين؛ واستغلال حاجتهم، وضعفهم، وقلة حيلتهم، حتى وصل الأمر إلى انتهاك حقوق الإنسان من خلال الاستغلال الجنسي والمنة والتفضل، وإراقة ماء الوجه، وهتك الأعراض، خاصة في الدول المصنفة تحت قائمة الحروب وعدم الاستقرار، أو المصنفة تحت قائمة الأنظمة الفاسدة التي لا تراعي مصالح مواطنيها، وإنما تستأثر بالمساعدات الأممية وغيرها فتوظفها لمصالحها الخاصة، وللحاشية القريبة منها، ولا يحصل من هم حقا؛ محتاجون إلا على الفتات، وهذا لا يخرج عن مفهوم المن، والتشهير بهؤلاء المحتاجين، حيث تمارس عليهم شتى أنواع الممارسات غير الإنسانية، وهم في حالة ضعف شديد، حيث لا مدافع عنهم ولا رقيب على الآخر.
تتحول المساعدات؛ وفق ما جاء أعلاه إلى أدوات ضغط وتلاعب، وإذا كان الفرد العادي ليس من ورائه مصلحة؛ إلا ما يمكن استغلال ضعفه سواء في امتهان كرامته، والنيل من حقوقه الإنسانية، فإن الأمر يختلف كثيرا على مستوى الانظمة السياسية في مسألة الضغط والتلاعب، حيث تخضع هذه الأنظمة – فقط لأنها تتلقى معونات ومساعدات – إلى تهديد مباشر، وممارسات للي الأذرع لأن تنفذ أجندات الدول المتسلطة سواء بصورة تهديد مباشر، أو غير مباشر، فوق أنها تعيش كل سنوات عمرها تحت تبعية متواصلة غير ممهورة بسنة انتهاء، وهذا مما يعمق من مأساة هذه الدول التي تتلقى المساعدات؛ حيث تظل ضحية دائمة للمتسلط، من ناحية، ومن ناحية أخرى تفقد مبادرة الإعتماد على نفسها من خلال تطوير برامجها الإنمائية التي تنقلها من حالة العسر إلى حالة اليسر، وتهبها استقلالها، وتحررها من ربقة المستعمر، والمتنفذ عليها ولو بالفتات مما يطلق عليه مساعدات إنسانية، زورا وبهتانا، والسؤال هنا؛ هل حقا لا تستطيع هذه الدول التي تقع تحت هذه الإشكالية أن تتحرر من ربقة هذا الاستعمار غير المباشر؟
تقول الحكمة: «والنفس راغبة إذا رغبتها؛ وإذا ترد إلى قليل تقنع» فالنفس مجبولة على الكسل، والإعتماد على الغير في ظروف ما، ولكنها قادرة على العطاء والاستقلال والتحرر في ظروف أخرى، وعند مقاربة صغيرة للصورتين فإن الانظمة السياسية التي تعود نفسها على الفتات من المساعدات التي توهبها لها الدول الكبيرة، وتعمل على ترويضها مقابل تنفيذ أجنداتها الكبرى، فإنها بإمكانها أن تتحرر من هذه الربقة، وتبدأ في استقلال نفسها من أية تبعية كانت، وذلك من خلال استغلال مواردها الطبيعية والبشرية، ولو كانت متواضعة في بداية الأمر، فإنها وبقوة التخطيط الاستراتيجي، وفاعلية البرامج التنموية الموضوعة؛ فإنها لن تلبث طويلا حتى تتحرر من مختلف التبعيات التي تفرضها عليها الدول التي تعطي باليمنى وتأخذ باليسرى، نعم؛ قد تواجه من بداية الأمر الكثير من المعضلات، وأقربها مجموعة المثبطين من ذوي المصالح الخاصة، خوفا على مصالحهم الذاتية الخاصة، ولكن بحكمة من يدير النظام، ورؤيته المستقبلية ستتحرر الأنفس من أية تبعية، وتستغني عن أية مساعدة، واليوم نقرأ ونسمع عن كثير من الدول كانت واقعة تحت مظلة هذه المساعدات، استطاعت أن تحرر نفسها من أية تبعية، وأن تعلن عن نفسها على أنها مستقلة استقلالا تاما، وذلك من خلال استغلال ثرواتها الطبيعية، وتوظيفها لصالح برامجها التنموية، مسندة ذلك بالقوة البشرية العاملة من أبناء الوطن، خاصة أن اليوم أغلب شعوب العالم على قدر كبير من الاستحواذ على المعرفة التي توفرها التقنية الحديثة، حيث أصبحت المعلومة اليوم أقرب من أي زمان كان، وبالتالي فنقل ثقافة الفرد من الاستهلاك إلى الإنتاج قد يحتاج إلى شيء من الجهد في بداية النشئة، ولكن هذا الجهد لن يطول عمره، حتى يأتي بثماره، وربما في فترة زمنية غير بعيدة، فقط المهم تحديد نقطة الصفر للإنطلاق نحو نقل ثقافة الرغبة إلى ثقافة الحاجة، وتحول العطاء من وسيلة لترويض الأنفس للقبول بالفتات، إلى عطاء مبادر بتقديمه إلى الآخر، ووسيلة للسمو والاستقلال، «واليد الأعلى أفضل من اليد السفلى» فما بين الإنفاق والاسترزاق ثمة فاصل دقيق، قد يكون هذا الفاصل خير للأمة، يعفيها من مذلة السؤال والاعتماد على الغير، وقد يكون محنة إنسانية؛ الله أعلم متى تنتهي، حيث التبعية البغيضة المتواصلة إلى ما لا نهاية، وهذا أمر خطير، ليس فقط على الواقع الراهن الذي تعيشه دول من الدول، بل على حياة الأجيال المتتابعة التي تولد، وهي تستشعر منة الآخر عليها، وترى في ذلك هدوئها وسكونها، فلا تستطيع أن تحرر نفسها من تبعيته، في مقابل أنها لا تدرك أنها تدفع ثمنا من كرامتها وعزتها، واستقلال وجودها في الحياة كلها، وليس فقط في لحظتها الآنية القصيرة.
يقول أحدهم في وصف حقيقة المساعدات - ويعني به الدول المتنفذة على غيرها -:»إذا أرادوا الضغط يهددون بقطع المساعدات، وإذا أرادوا إشعال الحرب يفتحون صنبور الدعم؛ وربما يسكبونه في الطرفين في آن واحد» - انتهى النص - هذه هي حقيقة كل المساعدات، ولا يستثنى منها أي شيء، والواقع اليوم كما كان بالأمس يؤكد هذه الحقيقة، ويوثقها في كل الأمكنة التي تجتاحها عواصف الحروب، والفقر، والجهل، والإستعلاء، والتنمر، والتحزب، وإستغلال حاجات الأنظمة وضعف بنيتها السياسية، والإقتصادية، والثقافية، ونستثني هنا بنيتها الإجتماعية، والتي تعتبر خط الدفاع الأخير عن مصالح الأمة، على اعتبار أن البنية الأساسية للمجتمع؛ ليست شرطا أن تكون حصيلة ممارسات الأنظمة السياسية؛ في أغلب الأحيان، بمعنى أن الدول الاستعمارية لن تستطيع أن تتعاطى مع المجتمع بصورة مباشرة من أول وهلة، حتى تجد لها مداخل؛ وهي ليست هينة؛ ولذلك تبقى حذرة في أول الأمر حتى تروض النظام السياسي، وتستحوذ على النظام الاقتصادي، وتهجن النظام الثقافي، ومن ثم تعمل على خلخلة النظام الاجتماعي، وهذا الأمر يتطلب زمنا ليس قصيرا، لذلك تحدث الثورات العارمة والصاخبة، والتي قد يصل بعضها إلى إزالة أنظمتها السياسية، عندما تستشعر القاعدة الاجتماعية الخطر المحدق بها، وتقويض أمنها واستقرارها، وتقليص حريتها وتحررها، ولذلك من الضرورة بمكان استشعار الأهمية الكبرى الذي تشكله القاعدة الاجتماعية، لأنها إن تنطلق، فإنها تنطلق من منطق وطني خالص، مستشعرة أهمية وجودها، وحقيقة قوتها وأثرها، وهذا ما يقلق المستعمر؛ غالبا؛ ويضع له الحسابات الدقيقة، لان خروجه عن السيطرة، معناه نهاية وجود المستعمر، وحتمية مغادرته.
تمثل حقيقة: «المساعدات عطاء باليمنى وأخذ باليسرى» كأهم مقياس لمدى حقيقة توجه الذين يسعون إلى أستجلاب المنافع من هذه المساعدات، وحقيقة نواياهم التي يعملون على توظيفها على أرض الواقع.