(إذا سألت نفسك لماذا لم نبلغ بالثورة غاياتها فتكرم بفحص ثقافة المعارضة للإنقاذ خلال ثلاثين عاماً. وأخذت عليها دائماً إنها إثارية لناشطين لم تتوافر على رؤية لما بعد زوال النظام. وهذا مقال ضمن أخريات عرضت فيه للفكرة)

نبهت في أكثر من موضع إلى ضرورة التفريق بين المقاومة والنهضة. فقد نازلنا ببسالة الأنظمة المستبدة طويلة الأعمار بين ظهرانينا.

ولكنها في الغالب مقاومة إثارية. ومعنى ذلك أنها كانت ضيقاً بتلك النظم ورموزها (عبود والنميري والبشير) عُدَتُه الإثارة لا الوعي بالتراكيب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ظلت تفرخ هذه الرؤوس المتعددة للمحنة. بكلمة أخرى: لقد قاومنا تلك النظم وكان الواجب أن “نناهضها” في المعني الذي ذكرت.

حاولت شرح فكرتي هذه بعرض بعض التراكيب الفكرية في مجتمعنا الحاضنة للاستبداد. وهي مفرخة للنظم المستبدة كثيرة الرؤوس. وأتناول اليوم تركيبة المدينة والريف. فالحال إنهما عندنا قطبان متنافران حتى صح القول عند أكثرنا “ترييف المدينة” في سياق استنكار اندلاق الريف على المدينة. ومن أهم مظاهر هذا الاستقطاب هو مفهوم “القوى الحديثة” نفسه. فقد نشأ كما شهدنا عن خيبة وفخر. أما الخيبة فهي اكتشاف صفوة المدينة أن الريف مغلق في وجهها. ف”شوقها” في دائرة إقليمية. أما الفخر فنجم من أن القوى الموصومة ب “الحديثة” هي التي ظلت تسقط نظم الاستبداد ثم تأتي الديمقراطية وينكتح لها التراب في خشمها. ولهذا طالبت بدوائر للخريجين والعمال والمزارعين.

لم أجد من نفذ إلى هذا التركيب الفكري مثل الدكتور ابراهيم محمد زين في كتابه المعنون “شكل التعبير الأدبي في روايات الطيب صالح (كتاب الخرطوم الجديدة 2008). فهو يرد استقطاب المدينة والريف المشاهد إلى الاستعمار الغربي. فلم تكن العلاقة بين الريف والمدينة قبل الغزوة الاستعمارية استقطابية هرمية. فلم يكن الريف قطباً لحاله وكذلك المدينة. أهم من ذلك لم تكن المدينة هي منبع الرشد بينما يعمه الريف في ضلاله وتخلفه.
الاستعمار هو الذي دق الإسفين المشاهد بين الريف والمدينة. فقد كان الريف في حالة الحضارة الإسلامية هو الذي يرفد المدن بالعصبيات الجديدة ويجدد دم عروقها بالقوى السياسة الناهضة التي تقوم بإنشاء الدول. واستند إبراهيم على ابن خلدون. فحسب تعبير هذا العالم الفذ “كانت عصبيات العمران البدوي هي التي تناجز العمران الحضري الهالك لتقيم دولتها الجديدة”. فالدعة والفساد والطغيان كانت تتسرب إلى حكم الحضر فيعاتبه الريف بالسيوف. وكانت المدن تدبج الأسوار من حول حوزتها وتتطاول فيها القلاع لحماية نفسها من مشروعات الريف الروحية السياسية القوية لتنزيل الحكم الراشد. وهذا بعض نظر فردريك إنجلس، رفيق كارل ماركس، لأصل المهدية السودانية بالذات. فهي عنده تندلع دورياً في كل مائة عام لتنقية الحواضر من الاستبداد والإثرة ولتملأ الدنيا عدلاً بعد أن امتلأت جورا.

ولم يعد الحال هو الحال بعد حلول المستعمرين الغربيين بين ظهرانينا. فقد جاء الاستعمار غريباً لا سبب له بالبلد وبثقافته. بل جاء، متطفلاً، ليٌمَدِن البلد ويخرجها من الضلالة إلى النور. فلم يكن بوسعه ان ينفذ إلى الريف بالطبع فابتنى المدن كقواعد ينطلق منها إلى ضبط الريف وتمدينه على المدى الطويل. وعليه ضاعت المبادرة السياسية والحضارية من يد الريف وصار سلاح التنمية هو الأداة القوية لقهر الريف والتحكم في شكل العمران فيه. فالدور الذي كان يلعبه الريف في التغيير صارت تقوم به المدن تحت شعار التنمية والتحديث. فأنعكس بالاستعمار مسار حيوية النهضة: كان من الريف إلى المدينة فصار العكس.

هذا التركيب الفكري من وراء “ضغينة” اليسار الكامنة ضد الديمقراطية ك”صوت لكل مواطن”. فالريف ليس معهم. وهي ضغينة قادتهم إلى سكة الخطر: الانقلاب الصفوي المديني الذي “يغير” الريف من حيث لا يحتسب.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

إثارة كبيرة في افتتاح المرحلة الثالثة لـجولة الجياد العربيةبمسقط

حظي اليوم الأول من منافسات المرحلة الثالثة لـ"جولة الجياد العربية" بتنافس كبير بين الخيول المشاركة والتي تنظمها الخطوط الجوّية القطرية بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية والخاصة وبالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب والاتحاد العماني للفروسية والسباق، وذلك على مدى 3 أيام بباحة فندق قصر البستان بمسقط بمشاركة أفضل الخيول من مختلف دول العالم، وتواصل "جولة الجياد العربية" رحلتها المبهرة ضمن سلسلة من الجولات الممتدة عبر الشرق الأوسط وأوروبا والأمريكيتين، حيث تُقام هذه الفعاليات في مواقع استثنائية، احتفاءً بجمال وروعة الجياد العربية الأصيلة، وتحرص اللجنة المنظمة على الحفاظ على المصداقية في كل مرحلة من مراحل الجولة، مع الالتزام بتقاليد الفروسية العربية الأصيلة، وذلك من أجل فتح آفاق جديدة في عالم الفروسية العربية، وإحياء إرثها العريق وضمان استدامته للأجيال القادمة.

وتعد هذه المرحلة هي الثالثة والتي تشهد تنافسًا كبيرا بين 126 جوادًا عربيًا أصيلًا من ست دول، بمثابة وجهة مميزة لعشاق الفروسية من جميع أنحاء العالم، وتبلغ قيمة الجوائز المالية لهذه المرحلة مليونًا و500 ألف يورو، والتي سيتم توزيعها على أفضل 10 جياد تفوز بالمراكز الأولى، مع إضافة مبلغ 4 ملايين و65 ألف يورو لأول 20 عارضًا وجوادًا في فئتي الذكور والإناث.

وتعد "جولة الجياد العربية" بمسقط فرصة لا مثيل لها لاكتشاف مجموعة من العلامات التجارية المحلية والعالمية، حيث تستعرض القرية المشاركة تنوعًا ثقافيًا من خلال الشغف المشترك بالفروسية، كما يشارك في الفعالية العديد من المتاجر التي تقدم هدايا تذكارية مثل العطور والمنتجات المحلية، إضافةً إلى ملابس وتجهيزات الفروسية، والمقتنيات المنزلية وغيرها من المنتجات الفريدة. وعلى مدار ثلاثة أيام، تُقام فعاليات ترفيهية وثقافية متنوعة، تختتم بالنهائي الكبير في مساء غداً السبت، مما يجعل هذا الحدث محطة استثنائية لعشاق الخيل، والدخول سيكون مجانيًا للجمهور، مع توفير باقة ضيافة فاخرة لزوار الفعالية، وتتميز الجوائز الخاصة بمرحلة مسقط بتطريزات ذهبية فاخرة مستوحاة من الخنجر العماني التقليدي، مع لمسات من الياقوت والزمرّد واللؤلؤ، مما يضفي على الفعالية طابعًا فريدًا يجسد الإرث العريق لهذه الرياضة.

24 مليون يورو

وتم إطلاق "جولة الجياد العربية" في عام 2023 وتهدف هذه الجولة إلى تبادل الثقافات والترويج للتراث العربي وجمال الجياد العربية الأصيلة من خلال منصة دولية، وهي السلسلة الأعلى قيمة من حيث الجوائز في عالم مسابقات الجمال، وتتضمن هذه السلسلة منطقتين منفصلتين وهما أوروبا والشرق الأوسط، والأمريكيتين، والجياد الفائزة بالميداليات الذهبية، والفضية، والبرونزية من كل مرحلة من "جولة الجياد العربية" ستتأهل إلى "بطولة العالم للخيل العربية أبطال جولة الجياد العربية" في المحطة الختامية هذا الموسم، كما تُقام الفعاليات في مواقع مميزة ضمن وجهات أيقونية، مع جوائز مالية كبيرة، ففي 2024، بلغت قيمة الجوائز 17 مليون يورو، بينما في 2025، ارتفعت قيمة الجوائز إلى أكثر من 24 مليون يورو، وتهدف "جولة الجياد العربية" إلى الارتقاء بمستوى مسابقات الجياد العربية وتعزيز التواصل بين الثقافات من خلال الشغف المشترك، كما تشكل "جولة الجياد العربية" النظام الإيكولوجي المثالي للجياد العربية، حيث تدعم المربين ومنظمي العروض حول العالم نحو مستقبل أفضل.

وتحمل "جولة الجياد العربية" مجموعة من الرسائل الرئيسية، منها الانطلاق في رحلة من التميّز، حيث تعيش تجربة تجمع بين الأناقة والأصالة، وفق أعلى معايير النزاهة والشفافية، والانغماس في السحر الفتّان للجياد العربية التي تتألق في مواقع أيقونية ومدن خلابة تمتد عبر أوروبا والشرق الأوسط والأمريكيتين، وكل وجهة هي لوحة فنية فريدة تُجسد روعة الجياد العربية وأصالتها من خلال معالم تاريخية غنية تمثل دولاً من الشرق الأوسط وأوروبا، إضافة إلى الأمريكيتين، وتقدم "جولة الجياد العربية" أسلوبًا عصريًا، وتُرسي معيارًا جديدًا، وذلك من أجل إحداث تغيير للأفضل في منافَسات جمال الجياد العربية، وتعيد تعريف جوهر منافسات الجياد العربية والتجارب المرتبطة بها، وهذا كله ينبع من القيم الأساسية التي تتسم بالتميّز والمصداقية والرقي.

وبعيدًا عن روح المنافسة، تشكل "جولة الجياد العربية" احتفالية بالشغف المشترَك، وتعزز التواصل بين الشعوب والثقافات من خلال التراث العربي الأصيل وجمال الجياد المشاركة، كما تكرس الجولة السعي المستمر نحو التميّز، وترسيخ مكانة الجياد العربية ضمن منافسات متكاملة الأبعاد، والالتزام بأعلى المعايير بدءًا من تنظيم المسابقات وصولاً إلى الرعاية الدقيقة للجياد، والعناية الفائقة بكل من العارضين وكل المعنيين في هذا المجال.

كما أن المصداقية هي أساس "جولة الجياد العربية" من حيث الالتزام بتطبيق مبادئ الشفافية والعدالة، ومعاملة جميع المشاركين بأعلى درجات الاحترام والأخلاق، حيث أصبح جوهر المصداقية جزءًا لا يتجزأ من هوية "جولة الجياد العربية"، ويظهر ذلك في كل تفاصيل الحدث.

كما تطمح "جولة الجياد العربية لأن تكون في طليعة الفعاليات الدولية، وهذه الجولة ليست مجرد سلسلة منافسات، بل هي منصة راقية تضع معايير جديدة وتفتح أفقًا واسعًا نحو آفاق مختلفة في عالم الجمال. كما أن الشغف هو القوة المحركة وراء "جولة الجياد العربية"، إلى جانب الإثارة والتشويق في المنافسات، تشكل جولتنا احتفالية بالشغف المشترك بين الجميع، والسعي لتعزيز التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة من خلال الفعاليات المتنوعة التي تصاحب البطولة. كما أن "جولة الجياد العربية" تهدف إلى ترك بصمة دائمة في عالم الجياد العربية، وأثر لا يُنسى، مما يسهم في تحقيق الهدف الأسمى بأن تكون هذه الجولة الأكثر رقيًا وحيوية في هذا المجال.

صفات فريدة

وينحدر الجواد العربي من شبه الجزيرة العربية، ويتمتع بتاريخ طويل وعريق يمتد لأكثر من 2500 سنة، واختارت القبائل البدوية تربية هذا الجواد المميز لما يمتلكه من صفات فريدة مثل القدرة على التحمل، والسرعة، والذكاء، والولاء في بيئة صحراوية قاسية مليئة بالتحديات، ومع كونه رفيقًا أساسيًا للبدو، وقد لعب الجواد العربي دورًا محوريًا في المعارك وكان جزءًا لا يتجزأ من عمليات التجارة على الطرق التجارية التي كانت تتوسع في تلك الحقبة. ومع توسّع الإمبراطورية الإسلامية، انتشرت الجياد العربية بشكل كبير حول العالم، حيث أثرت في سلالات الجياد في كل من آسيا وأوروبا وإفريقيا، وفي العصور الوسطى، قام النبلاء الأوروبيون بتربية الجياد العربية الأصيلة لتحسين سلالاتهم المحلية، وفي القرن التاسع عشر، شهدت الجياد العربية ازديادًا في شعبيتها حول العالم، حيث اعتمدت العديد من البرامج المؤثرة في مجال التربية والتأصيل، مما ساهم في انتشارها في مجتمعات الجياد بشكل عام.

واليوم تلقى الجياد العربية التقدير الواسع لمظهرها المميز ورشاقتها الفائقة في مختلف مجالات الفروسية، كما يظهر تأثيرها الواضح في تطوير العديد من سلالات الجياد المعاصرة، مما يسلط الضوء على الإرث العريق والدائم لهذه السلالة التي تركت بصمة بارزة في عالم الفروسية.

14 مرحلة عالمية

وخلال هذا الموسم 2025، تحط "جولة الجياد العربية" رحالها في 14 وجهة مختلفة في الشرق الأوسط وأوروبا والأمريكيتين، بحيث تعرف ضيوفها وعشاق الخيل على مواقع جديدة، ففي منطقة أوروبا والشرق الأوسط، انطلقت من إمارة عجمان بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من 3 – 6 يناير الماضي، بينما أقيمت المرحلة الثانية في الدوحة بقطر خلال الفترة من 5 - 8 فبراير الماضي، وتقام حاليا المرحلة الثالثة بمحافظة مسقط خلال الفترة من 6 - 8 مارس الجاري، على أن تقام المرحلة الرابعة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 9 – 12 أبريل القادم، بينما ستقام المرحلة الخامسة في مدينة (كان) الفرنسية خلال الفترة 14 - 15 يونيو القادم، أما مدينة فالكنسوارد بهولندا فستحتضن المرحلة السادسة خلال الفترة من 19 - 20 يوليو المقبل، وستقام المرحلة السابعة في لندن بالمملكة المتحدة خلال الفترة من 6 – 17 أغسطس، يعقبها المرحلة الثامنة والختامية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط والتي ستقام في مدينة براغ بالتشيك خلال الفترة 6 – 7 سبتمبر المقبل.

أما في منطقة الأمريكيتين، فقد بدأت بالمرحلة الأولى في مدينة سكوتسديل بالولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 18 و20 فبراير الماضي، وستقام المرحلة الثانية في مدينة ميامي بيتش بالولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 19 - 17 أبريل المقبل، يعقبها المرحلة الثالثة في مدينة ساو باولو بالبرازيل خلال الفترة من 14 - 13 يوليو، ثم المرحلة الثالثة في مدينة براندون بكندا خلال الفترة من 9 - 8 أغسطس، بينما ستقام المرحلة الرابعة والنهائية لمنطقة الأمريكيتين في مدينة لاس فيجاس بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك خلال الفترة من 28 - 27 سبتمبر المقبل، أما بطولة العالم للخيل العربية فستقام في الدوحة بقطر خلال الفترة من 3 – 6 ديسمبر المقبل.

مقالات مشابهة

  • حركة كردية معارضة: أموال الإقليم تذهب إلى جيوب قيادات حزب بارزاني
  • برلمانيون يشيدون بتوجه الحكومة للارتقاء برأس المال البشري في الريف
  • مسلسل سيد الناس الحلقة 8.. «انتحار فتحية يُزيد إثارة الأحداث»
  • برلماني: مبادرة حياة كريمة إنجاز تنموي يحقق نقلة نوعية في الريف المصري
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • الحكومة اليونانية تنجو من حجب الثقة
  • 298.3 مليار جنيه قيمة الاستثمارات بالمرحلة الأولى من المشروع القومي لتطوير الريف المصري "حياة كريمة"
  • المعارضة التونسية بين رهان السياسي ووجدان القاضي
  • إثارة كبيرة في افتتاح المرحلة الثالثة لـجولة الجياد العربيةبمسقط
  • اليونان على صفيح ساخن.. المعارضة تسعى لإسقاط الحكومة بعد عامين من كارثة القطارات