كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ السياسة والسياسات

لا يزال السودان، الوطن الذي يشبه النيل في صبره وفيضانه، يرزح تحت وطأة صراع دموي أُججت نيرانه بعوامل داخلية وخارجية. وبينما تتعاظم الآمال بحل ينهي هذه المأساة، تتشابك المصالح الدولية، وتتشكل السيناريوهات وفق معطيات لا تنفصل عن السياق العالمي: من حرب أوكرانيا التي جلبت جنوداً بريطانيين وفرنسيين إلى قلب المعركة، إلى إصرار الإمارات على مد مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) بالعتاد والمرتزقة في حرب تبدو كأنها تسير إلى ما لا نهاية.


الحرب في السودان: معطيات الواقع وتحديات المستقبل
عندما ننظر إلى المشهد السوداني، نرى خارطة تزدحم باللاعبين والمصالح. الدعم الإماراتي للجنجويد ليس مجرد تمويل أو تسليح؛ إنه تعبير عن رؤية إقليمية تهدف إلى إبقاء السودان غارقاً في الفوضى، وبالتالي بعيداً عن لعب أي دور استراتيجي في المنطقة. التقارير الدولية التي وثقت هذه التدخلات، بما فيها استخدام المرتزقة وتسليح المليشيات، تؤكد أن الإمارات ترى في السودان موقعاً جغرافياً لا أكثر، تتنافس فيه المصالح الدولية بأدوات محلية، دون اعتبار لمعاناة الشعب أو وحدة الدولة.
من ناحية أخرى، يتزايد الحديث في بعض دوائر النخبة الدولية عن تقسيم السودان إلى خمس دول كحل نهائي يوقف النزاع. هذه الرؤية، وإن بدت للبعض مجرد شائعة، تجد لها أنصاراً في الخرائط الجديدة التي يعاد رسمها خلف الكواليس في عواصم القوى الكبرى. السودان الموحد، بموارده الطبيعية الهائلة وموقعه الجغرافي الحساس، هو خطر دائم على أي مخططات تهيمن على المنطقة. تقسيمه يعني تحييد هذا الخطر وتفتيت قدراته إلى كيانات صغيرة متناحرة، سهلة السيطرة والتوجيه.
السودانيون: بين الخلاف والاختلاف
الشعب السوداني، وهو الذي جبل على الخلاف والاختلاف، يبدو في كثير من الأحيان جزءاً من المشكلة أكثر من كونه جزءاً من الحل. وكما قال الفيلسوف الألماني هيجل: "التاريخ يُعيد نفسه، ولكن في كل مرة بصيغة مختلفة"، فإن تاريخ السودان يعيد نفسه في صورة انقسامات قبلية وجهوية تلقي بظلالها على أي محاولة لإيجاد رؤية وطنية جامعة.
هذا الشعب الذي أذهل العالم بثوراته السلمية ووعيه السياسي، يعاني اليوم من انحراف النخب عن مبادئ الوطنية، وانشغالها بتحقيق مكاسب ذاتية على حساب الوطن. لقد أصبح واضحاً أن "الخيانة" ليست فقط صفة الأعداء الخارجيين، بل هي أيضاً داء أصاب بعض أبناء الوطن الذين ارتضوا بيع الولاء من أجل حفنة دولارات.
دور العالم في الحرب: التأثير المتبادل
التطورات العالمية تؤثر بلا شك على مستقبل الحرب في السودان. إرسال بريطانيا وفرنسا جنوداً لدعم أوكرانيا في وجه روسيا يعكس استقطاباً دولياً تتقاطع فيه المصالح في مناطق عدة، ومنها السودان. هذا الوضع يُلقي بالعبء الأكبر على الشعب السوداني الذي بات عليه مواجهة حرب بالوكالة تُستخدم فيها أرضه كساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية.
الطريق الثالث: الكتلة الحرجة كأمل أخير
أمام هذه التحديات، لا يمكن للسودان أن يبقى رهينة صراعات النخب أو أطماع القوى الخارجية. وكما قال جان جاك روسو: "الحرية لا تُعطى، بل تُنتزع"، فإن على السودانيين اليوم أن ينتزعوا حقهم في وطن موحد ومستقل. الحل الوحيد يكمن في خلق "الكتلة الحرجة"، وهي تحالف شعبي عابر للجهويات والإثنيات، يضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار.
هذه الكتلة، التي تمثل "الطريق الثالث"، يجب أن تعمل على:
١- إفشال مخططات التقسيم من خلال توحيد الصفوف خلف رؤية وطنية جامعة.
٢- محاسبة الخونة والعملاء الذين وضعوا مصالحهم الشخصية فوق مصلحة الوطن.
٣- استعادة السيادة الوطنية عبر رفض التدخلات الخارجية بكل أشكالها.
كما قال غاندي: "أعظم سلاح ضد عدو هو قوة الشعب"، فإن السودانيين لا يملكون سوى وحدتهم كسلاح في مواجهة هذه التحديات الوجودية. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي تنهض من تحت الرماد هي تلك التي تتعلم من أخطائها، وتبني مستقبلها بأيديها.
الخاتمة: السودان الذي نريد
إن السودان يقف اليوم على مفترق طرق: إما أن يكون دولة موحدة قادرة على استعادة دورها التاريخي كقوة إفريقية وعربية فاعلة، أو أن يتحول إلى ذكرى وطن تمزقه الأطماع والخلافات. الخيار في النهاية ليس بيد النخب أو القوى الخارجية، بل بيد الشعب السوداني الذي يجب أن يتحدث بصوت واحد، ويقف موقفاً حاسماً يحمي به أرضه وكرامته.
إنها معركة وجود، وليست مجرد حرب عابرة. والشعب السوداني، إذا استطاع أن يُحيي روح "الكتلة الحرجة"، سيكون قادراً على تحقيق المستحيل، وهزيمة كل المخططات التي تسعى لتفتيته. "السودان الذي نريد" هو السودان الذي يبنيه أبناؤه، وليس الذي يرسمه لهم الآخرون.

quincysjones@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعب السودانی

إقرأ أيضاً:

النص الكامل لخطاب البرهان في ذكرى إستقلال السودان

تاق برس ينشر نص خطاب رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في ذكرى استقلال السودان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين .

الشعب السوداني الصابر الصامد
تمر على بلادنا الذكرى التاسعة والستون للاستقلال المجيد في ظل ظروف وأوضاع صعبة تحملها الشعب السوداني بكل بسالة وتضحية مسطراً مجداً باذخاً في سفر هذا الوطن الغالي محدداً رسم لوحة الاستقلال شعباً وجيشاً فإني أتضرع إلى المولى عز وجل أن تعود علينا هذه الذكرى وقد ودعنا الأحزان وتماسكت لحمتنا وتعضدت وحدتنا ووضعنا الأسس المتينة لبناء وطننا البنحلم بيهو يوماتي .

المواطنون الكرام
إن ما يتعرض له شعبنا في كثير من ربوع بلاده من تقتيل وتشريد وتجويع وإفقار وإنتهاك للحرمات على يد مليشيا آل دقلو الإرهابية والمتعاونين معها والداعمين لها ، هذه الممارسات أوضحت بجلاء للشعب قيمة الإنتماء وصدق الوفاء لهذا الوطن الشامخ ولشعبه فأستبان الحق وتباينت وتمايزت الصفوف فهنيئاً لك شعبي بأبنائك المخلصين وسحقاً وتعساً لأولئك الخونة والمؤجورين من المليشيا وداعميها وأعوانها .

المواطنين الكرام
إن التلاحم الشعبي الغير مسبوق والتدافع الوطني الوثاب ممكننا جمعياً من السير على طريق النصر والنصر الحاسم بعون الله بخطى واثقة وثابتة فلك التحية شعبي مستنفرين وقوات نظامية (جيش ، شرطة وأمن ) وقوات حركات الكفاح المسلح (المشتركة) والكيانات المهنية والإعلامية والرياضية والثقافية والروابط المجتمعية والمنظمات والطرق الدينية والجمعيات والإدارت الأهلية فلا يوجد وطني واحد تخلف عن هذه الحرب حرب الكرامة .

الشعب السوداني الأبي
ونحن نعد العدة لحسم المعركة لصالح الشعب السوداني لا يمنعنا ذلك من الإنخراط في أي مبادرة حقيقية تنهي هذه الحرب وتضمن عودة آمنة للمواطنين إلى مواطنهم وإنتفاء ما يهدد حياتهم مرة أخرى وفي هذا السياق تعددت المبادرات والمنابر الداعية لوقف الحرب فكان طريقنا واضح وهو طريق الشعب أن لا يمكن أن تعود الأوضاع كما كانت عليه قبل 15 أبريل 2023م ولا يمكن القبول بوجود هؤلاء القتلة والمجرمين وداعميهم وسط الشعب السوداني مرة أخرى .

المواطنين الشرفاء
رغم إستمرار الحرب وتداعياتها فقد إستجابت الحكومة لكل مطلوبات العمل الإنساني وإيصال المساعدات للمحتاجين وستظل الحكومة ملتزمة بهذا الأمر كذلك تبقى إلتزامات الدولة وقواتها المقاتلة بالقانون الدولي الإنساني وإتفاقيات جنيف وبرتوكولاتها وقوانين حماية المدنيين وقد وضعنا ضوابط صارمة للحفاظ على هذه القيمة الإنسانية . كذلك تبذل الحكومة جهود مقدرة لتيسير حياة الناس وأمنهم ودعم صيانة البنى التحتية والخدمات الصحية والتعليمية والزراعية وأن ما يشاع عن المجاعة محض إفتراء وقصد منه التدخل في الشأن السوداني.

الشعب السوداني الأبي
ونحن نمضي في طريق النصر وجب أن نحيي أهلنا الصامدين في بقاع السودان المختلفة وأخص هنا مواطني فاشر السلطان فاشر العز والتاريخ شنب الأسد التحية لرجالها ونسائها وشبابها وجيشها بكل مكوناته أطراف سلام وقوات نظامية ومشتركة (مورال فوق ) ومستنفرين وشعب ، كذلك التحية لجنودنا في كل موقع وهم يسطرون لوحات العز والصمود تحية لكل من إنخرط في منظومات الدفاع عن الوطن والحق فالشعب السوداني هو من يقود هذه الحرب وهو منتصر بعون الله وحوله وقوته .

أجدد التهنئة لكم شعب بلادي بهذه الذكرى المجيدة متمنياً لكم الأمن والسلام وأسال الله أن يتقبل شهداء بلادي وشهداء حرب الكرامة وأن يشفي الجرحى والمصابين ويفك أسر المسجونين كما أجدد شكر حكومة وشعب السودان لكل من وقف إلى جانبهم سنداً ودعماً من دول شقيقة وصديقة ومنظمات طوعية والأمم المتحدة ووكالاتها وكل قطاعات الشعب السوداني بالداخل وبدول المهجر الذين يقفون دوماً إلى جانب الحق .

ختاماً
أبشركم مواطني الشرفاء أن ساعة النصر قد إقتربت ووقت الحسم قد أزف ولا نامت أعين الجبناء .

ذكرى إستقلال السوداننص خطاب البرهان

مقالات مشابهة

  • البرهان يرد على تقرير عالمي حول انتشار المجاعة في السودان.. ماذا قال؟
  • البرهان: لا يمكن العودة لأوضاع ما قبل الحرب مع الدعم السريع
  • البرهان يبشِّر الشعب السوداني باقتراب ساعة النصر
  • النص الكامل لخطاب البرهان في ذكرى إستقلال السودان
  • البرهانلا وجود للقتلة والمجرمين وداعميهم وسط الشعب السوداني مرة أخرى
  • هل تسير بلادنا فعلا نحو كارثة التقسيم؟
  • في ذكراه ال ٦٩ لترتفع عاليا راية الاستقلال ووحدة الوطن
  • السودان: وطنٌ تآمر عليه بنوه
  • وزير الإعلام السوداني: علاقتنا مع تركيا «راسخة ومتينة»
  • وزير الثقافة والإعلام يمتدح الدول والمنظمات التي وقفت مع السودان أثناء الحرب