تحذر العديد من دوائر صناعة القرار والفكر السياسي في الولايات المتحدة من فكرة التقارب بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية منذ بدء الحرب الأوكرانية، باعتبار هذا المحور مُعاد للولايات المتحدة، لكن يوجين رامر الزميل الكبير في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية وجامعة الدفاع الوطني الأمريكية يرى أن مصالح الدول الأربع متقاربة لكنها ليست متطابقة ولذلك فإن التعامل مع هذه الدول الأربع، التي تسترشد كل منها برؤيتها الخاصة، باعتبارها تحالفاً موحداً أمر لا معنى له، بل وقد يكون من غير المُجدي أيضاً.

ورغم ذلك حذر تقرير يوليو (تموز) 2024 الصادر عن لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية من أن الولايات المتحدة "يجب أن تكون مستعدة لمواجهة محور من الخصوم المتعددين"، في حين أن أعضاء هذا المحور الجديد لا يربط بينهم سوى عداء الولايات المتحدة.

تحالف ثلاثي

ويرى رامر الذي عمل سابقاً في وزارة الخارجية الأمريكية ومؤسسة راند للأبحاث أن المشكلة الأولى التي تعيب مفهوم "المحور" الذي أعيد إحياؤه هي أن التحالف الثلاثي الأصلي بين ألمانيا وإيطاليا واليابان الذي حمل هذا الاسم في الحرب العالمية الثانية، لم يكن موحداً أبداً كما يعتقد البعض.

ويقدم فيليب زيليكو تحليلاً لظهور "المحور" الأصلي وتاريخه المعقد في خضم الجغرافيا السياسية المضطربة والمعقدة في ثلاثينيات القرن العشرين.

والواقع أن الصفة التي اكتسبها "المحور" باعتباره تحالفاً استمر طيلة الحرب العالمية الثانية تتناقض مع التسلسل الزمني المذهل لأصوله وطبيعته الهشة التي أدت إلى تلاشيه بنهاية الحرب وهزيمة دوله.

المشكلة الثانية في رسم أوجه التشابه بين "المحور" الأصلي وتجسيده الحديث هي أنه بالمقارنة مع ثلاثينيات القرن العشرين، فإن الفترة الحالية مستقرة بشكل ملحوظ ولا توجد بها أي تطورات حادة. فالعلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سيئة منذ نهاية الحرب الكورية في عام 1953 والعلاقات مع إيران مقطوعة منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

 كما أن التوترات والخلافات الجوهرية بين الولايات المتحدة وروسيا تتراكم منذ تسعينيات القرن العشرين وكذلك الحال بالنسبة للعلاقات الأمريكية الصينية.

في حين كانت ثلاثينيات القرن العشرين التي شهدت ظهور المحور القديم مليئة بالتطورات المتلاحقة سواء على صعيد الدول نفسها أو على صعيد العلاقات والصراعات فيما بينها.

ثم المشكلة الثالثة في مفهوم "المحور" هي أنه لم يكن تحالفاً عالمياً حقيقياً في الحرب العالمية الثانية. فقد كانت مصالح وطموحات الأطراف الثلاثة إقليمية، فخطط اليابان التوسعية كانت في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في حين كانت ألمانيا تسعى إلى فرض هيمنتها في أوروبا، وطموحات إيطاليا كانت في البحر الأبيض المتوسط، في حين لا يشكل تجمع المصالح الإقليمية تحالفاً عالمياً.

“Hong Kong has shifted from a trusted global financial center to a critical player in the deepening authoritarian axis of the People’s Republic of China, Iran, Russia and North Korea,” the lawmakers said.https://t.co/LKPSY9joAM

— Jonathan Cheng (@JChengWSJ) November 28, 2024 نتائج عكسية

ويقول رامر في تحليل نشره موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن المحاولات الأخيرة لبعض الدوائر الأمريكية لإحياء مفهوم "المحور" تأتي بنتائج عكسية إلى حد كبير، ولم تنجح في تعزيز الأمن الأمريكي. ذلك أن وصف "محور الشر" الذي استخدمته إدارة جورج بوش الابن في وصف العراق وإيران وكوريا الشمالية كان جزءاً من مبررات غزو العراق عام 2003، الذي تسبب في دمار هائل واضطرابات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حين لم يحقق شيئاً يذكر لتعزيز الأهداف الأمريكية الدائمة المتمثلة في استقرار الشرق الأوسط، ومنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية، وضمان أمن إسرائيل.

والواقع أن قرار إدارة بوش بخوض الحرب مع العراق ربما كان سبباً في تعزيز عزم إيران وكوريا الشمالية على مواصلة برامجهما النووية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لحمايتهما من التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة.

ويضيف رامر أنه من الصعب إثبات أن إيران جزء من تحالف عالمي يعارض الولايات المتحدة في المحيط الهادئ أو أن كوريا الشمالية تعمل كحليف لإيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.  بل إن الشراكة "بلا حدود" التي كثيراً ما يستشهد  بها في واشنطن بين روسيا والصين لها حدود حقيقية واضحة. ومن السمات الأساسية لهذه الشراكة أنه على الرغم من طموحاتهما العالمية، فإن المصالح الرئيسية لكل دولة تقتصر في الغالب على مسارح جغرافية منفصلة بشكل واضح، لا تشكل محوراً ولا تحالفاً حقيقياً.

ورغم غياب الأسس الموضوعية التي تبرر تعامل الولايات المتحدة مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها محورا معاديا، فإن العلاقات بين واشنطن وتلك الدول مثقلة بالعداء وتمضي إلى طريق المواجهة إلى الحد الذي لا يسمح بإجراء محادثات ذات مغزى حول الإصلاحات أو الحلول. لذلك يتعين على السياسة الخارجية الأمريكية إدارة هذه المشكلة بدلا من السعي لحلها لآنها غير قابلة للحل في الوقت الراهن.

والحقيقة أن محاولة إدارة مشكلة ما، ناهيك عن حلها، استنادا إلى فهم خاطئ أو مضلل لطبيعتها، من شأنه أن ينتهك مبدأ "عدم الإضرار" في السياسة الخارجية.  في الوقت نفسه فإن محاولة التعامل مع التحدي المتمثل في الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران باعتبارها "محوراً" قد تؤدي إلى تفاقم التحديات التي تشكلها هذه الدول على مصالح الولايات المتحدة، وربما يخلق نبوءة تحقق ذاتها من خلال دفع هذه الدول إلى التقارب وتشكيل محور بالفعل.

"'Russia enters World War IV while the West sleeps.' To strategically defeat
this Axis of dictators, 'we must link together the threats that Russia, Iran,
North Korea, and China pose' Ben Hodges" by Chris Snow

Hodges errs only on the last point in video.https://t.co/FjujSupW6k

— Casey Bowman ???? (@casey_bowman) November 26, 2024 ما هي التحديات؟

لذلك فالمهمة الأولى هي الاعتراف بأن الولايات المتحدة تواجه أربعة تحديات مختلفة ومنفردة، ولها أصولها الخاصة تمثلها الدول الأربع وبالتالي لا يمكن البحث عن حلول واحدة تناسب الجميع.  ولا يعني أن هذه البلدان لا تشكل تهديدا للولايات المتحدة أو مصالحها أو لكليهما، أو أنها لن تنتهز الفرص وتستغل المواقف التي يمكنها فيها الإضرار بالمصالح الأمريكية أو تعزيز مصالحها الخاصة على حساب الولايات المتحدة. فهذه البلدان تشكل تهديدا حقيقيا للمصالح الأمريكية. ولكن للتعامل مع هذا التهديد، يتعين على الولايات المتحدة أن تتوصل إلى استراتيجيات فردية تتناسب مع الظروف الخاصة بكل بلد، بدلا من جمعها كلها تحت نفس القاسم المشترك.

أما المهمة الثانية في التعامل مع هذه البلدان فتتلخص في مراجعة سجل السياسة الأمريكية تجاهها وتقييم مدى فاعلية هذه الأساليب، وهل أسفرت عن نتائج إيجابية،  أو تستحق الاستمرار في المستقبل. وهل أسفر إصرار الولايات المتحدة على تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية أو تخلي إيران عن طموحاتها النووية عن أي نتائج إيجابية؟ وهل أدت محاولات الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية أو مكافحة الفساد في الصين أو روسيا أو كوريا الشمالية أو إيران إلى تحسين الظروف في هذه البلدان؟ وهل من المنطقي أن نستمر في نفس النهج ونتوقع نتائج مختلفة، أم أن الوقت قد حان لتغيير المسار؟.

وأخيراً يقول رامر إن تبنى سياسة واحدة تناسب الجميع وعدم بذل أي جهد لفهم دوافع ومصالح وتصورات كل خصم من خصوم الولايات المتحدة، والعمل على جمع مجموعة متنوعة من البلدان ذات الثقافات الاستراتيجية المختلفة تحت مظلة واحدة هي وصفة أكيدة للفشل.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الأمريكية روسيا الصين أمريكا الصين روسيا وإیران وکوریا الشمالیة إیران وکوریا الشمالیة الولایات المتحدة القرن العشرین هذه البلدان فی حین

إقرأ أيضاً:

تحليل: ترامب يراهن على التقرب من روسيا لإضعاف الشراكة بين بكين موسكو

بكين "أ ف ب": إن كان التقارب المفاجئ الذي باشره دونالد ترامب مع روسيا سيؤدي حتما إلى إعادة رسم العلاقة بين موسكو وبكين، فمن غير المرجح برأي خبراء أن يؤثر على شراكتهما المتينة.

ابتعد الرئيس الأمريكي عن ثلاث سنوات من الجبهة الغربية الموحدة التي تشكلت بوجه الغزو الروسي لأوكرانيا، مستبعدا في الوقت الحاضر كييف والأوروبيين من مفاوضات سلام قد تصب لصالح الكرملين.

وسيكون لهذا النهج انعكاسات على الصين، الشريكة الأساسية التي توجهت إليها روسيا عندما فرض عليها الغرب عقوبات اقتصادية شديدة وعزلة دبلوماسية.

ورأت يون سون من مركز "ستيمسون" الأميركي للدراسات أن "اعتماد روسيا على الصين سيتراجع تلقائيا" بعد إيجاد تسوية للنزاع.

وأوضحت أن "روسيا معروفة تقليديا بمهارتها في المناورة الدبلوماسية والتلاعب الاستراتيجي"، وإن كانت حرمت من هذه القدرة خلال الحرب في أوكرانيا، فإن "هذا المجال سيتاح من جديد عندما تتحسن العلاقات الروسية الأمريكية".

تدعو الصين إلى احترام وحدة وسلامة أراضي جميع الدول، بما يشمل أوكرانيا، وتؤكد أنها طرف محايد في النزاع من دون أن تندد علنا بالغزو الروسي، لا بل عززت علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع موسكو.

وأثار هذا الموقف انتقادات من الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جو بايدن ومن الأوروبيين الذين دعوا باستمرار الدبلوماسية الصينية إلى الضغط على روسيا لوقف الحرب.

ومع فتح ترامب باب التفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لم تعد بكين تبدو في موقع الوسيط، أقله على المدى القريب.

"النأي بالنفس"

وحمل هذا التغيير في النهج الأمريكي بعض المحللين السياسيين على إقامة مقارنة بين سياسة الإدارة الحالية وسياسة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون الذي قام في 1972 بزيارة مفاجئة إلى الصين شكلت مدخلا للاعتراف الدبلوماسي وسمحت للولايات المتحدة بمباغتة الاتحاد السوفياتي وعزله في وقت كان على خلاف مع الصين.

وهذا ما يوحي بأن التقارب الحالي بين ترامب وبوتين قد يجذب موسكو إلى واشنطن ويقوض العلاقة الصينية الروسية.

لكن إليزابيث فيشنيك من معهد ويذرهيد إيست إيجيان في جامعة كولومبيا لفتت إلى أن هذه المقارنة تنم عن "قراءة خاطئة للتاريخ" لأن الصين في عهد نيكسون كانت "ضعيفة ومعزولة" وتخشى اندلاع حرب مع الاتحاد السوفياتي.

أما اليوم، فالصين قوة عظمى وتقيم علاقات وثيقة مع موسكو، خلافا لما كانت عليه الحال في الماضي.

ورأى ألكسندر غابويف مدير مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا، ومقره في برلين، متحدثا لوكالة فرانس برس أن روسيا "ستحاول حتما أن توهم ترامب بأنها تريد أن تنأى بنفسها عن الصين".

لكنه شدد على أن موسكو تعتبر بكين دعامة لاستقرارها بمواجهة ترامب الذي يبقى خاضعا لاعتبارات تتعلق بالانتخابات.

وتساءل "لماذا يجازفون ويختلفون مع بكين، في حين أنهم يعولون عليها بصورة متزايدة وأن اقتصاديهما متداخلان ويتقاسمان هدفا إستراتيجيا هو إضعاف هيمنة الولايات المتحدة؟".

اتصال بين شي وبوتين

كذلك رأت يون سون أن واشنطن لن تتمكن من "تقويض التحالف بين روسيا والصين المبني على مصالح عميقة وثابتة" لكنها قد تنجح في "بلبلة طبيعة هذا التعاون ومداه".

وفي مؤشر إلى متانة العلاقات الصينية الروسية، جرت مكالمة هاتفية الإثنين بين الرئيسين شي جينبينغ وفلاديمير بوتين.

وأثنى شي بهذه المناسبة على "الجهود الإيجابية" التي تبذلها موسكو ودول أخرى لإيجاد تسوية في أوكرانيا فيما "أطلعه" بوتين على مضمون المحادثات التي جرت مؤخرا بين روسيا والولايات المتحدة.

ووصل الأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو الجمعة إلى بكين حيث التقى شي جينبينغ ووزير الخارجية وانغ يي.

وهذه ثاني زيارة يقوم بها شويغو إلى بكين خلال ثلاثة أشهر، في مؤشر إلى تكثيف الحوار بين البلدين وفق وسائل الإعلام الروسية.

واعتبرت اليزابيت فيشنيك أنه بنظر الصين "السيناريو الأمثل سيكون احتفاظ روسيا بما كسبته من أراض في أوكرانيا وعودتها إلى صفوف الأسرة الدولية".

وتابعت أن هذا "سيحض كذلك القادة الصينيين على ضم الأراضي التي يطالبون بها هم أنفسهم بعيدا عن أي عقاب"، في إشارة إلى تايوان.

وقال تشاو لونغ من معاهد شانغهاي للدراسات الدولية أن بوسع الصين لعب دور في تسوية النزاع من خلال تشجيع الحوار بين الطرفين أو "تقديم منصة" للتفاوض.

كما لفت إلى أن الصين بإمكانها المساعدة في تنظيم عمليات حفظ السلام في أوكرانيا بعد الحرب و المساعدة في إعادة إعمار البلاد "من خلال الاستفادة من المزايا التنافسية للشركات الصينية".

ب

مقالات مشابهة

  • روسيا تعين سفيرا جديدا لدى الولايات المتحدة الأميركية
  • ترامب سيعلن لغة رسمية لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
  • تحليل: ترامب يراهن على التقرب من روسيا لإضعاف الشراكة بين بكين موسكو
  • روسيا تعين سفيراً جديداً في الولايات المتحدة
  • روسيا: أمريكا وافقت على تعيين سفير جديد لنا في واشنطن
  • أخبار العالم| ترامب: نجري محادثات جيدة بشأن غزة.. الرئيس الأوكراني يصل أمريكا.. وكوريا الشمالية تختبر صاروخ استراتيجي تحت إشراف كيم
  • الكرملين لا يتوقع قرارات سريعة بشأن العلاقات مع واشنطن.. وكوريا الشمالية ترسل قوات إضافية
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • قبل السبت.. إسرائيل تلوح بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا
  • مصير مجهول للسوريين طالبي اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية