نتنياهو .. من تغيير الشرق الأوسط إلى استجداء عودة المستوطنين
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
حيان نيوف
“لقد بدأنا للتو، وسنعمل على تغيير الشرق الأوسط”، من منّا لا يذكر تلك العبارة الشهيرة التي أطلقها رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو في 20 ايلول/سيبتمبر الفائت، بُعيد جريمة اغتيال القائد في حزب الله الشهيد إبراهيم عقيل، وبعد أيام قليلة من مجزرة البيجرات الوحشية التي كان مخططاً لها أن تتسبب بقتل 5000 مواطن لبناني، وقبل أسبوع من جريمة اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)؟.
ولم يكتفٍ نتنياهو في حينها بإطلاق تلك العبارة، بل ذهب و قادة آخرون سياسيون وعسكريون في الكيان الصهيوني إلى إطلاق سقوف مرتفعة لأهداف حربهم التي أعلنوها على لبنان بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وقاد الجميع حملة تهديدات عالية الوتيرة هدفت لفرض شروط الاستسلام على المقاومة الإسلامية-حزب الله وعلى لبنان حكومة وشعباً، وشملت تلك الأوهام الدعوة لنزع سلاح حزب الله، وطرده من الجنوب، وإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح حتى حدود نهر الليطاني، ودعوات للحزب للاستسلام، وتطبيق القرار 1559، وترافق كل ذلك مع تهديدات تلتها، محاولات للاجتياح البري، فيما تولت القوى الغربية ممثلة بسفاراتها في بيروت وعلى رأسها السفارة الأمريكية في عوكر التلويح بتفجير حرب أهلية في لبنان، من خلال التحريض على المقاومة والنازحين عبر وكلائهم من القوى السياسية اللبنانية، بينما كان المبعوث الأميركي هوكشتاين يكرر زياراته إلى لبنان حاملاً معه تهديدات نتنياهو ومن خلفه تهديدات بلاده.
لقد كانت كل تلك التصريحات والطموحات والتهديدات أقرب ما تكون إلى حفلة جنون أو سكر، قبل أن يهدر سيل المقاومة فيوقظ نتنياهو ومن يقف خلفه من تلك الأوهام، ليكتشفوا بعدها أن الشرق الأوسط الجديد لم ولن يكون إلا شرقاً مقاوماً.
بالأمس، وبعد 77 يوماً فقط من إطلاق عبارته الشهيرة، خرج نتنياهو معلناً إفلاسه وهزيمة كيانه وسقوط مشروعه لبناء شرق أوسط جديد، بعد اجتماع “الكابينت” الذي صادق مرغماً على وقف إطلاق النار مع لبنان، بعد أسبوع من قيام حزب الله بدك وسط “تل أبيب” بالصواريخ النوعية وفرضه لمعادلة “تل أبيب” في مقابل بيروت بعد أن أذاقهم طعم المسيرات الانقضاضية التي وصلت حتى مكان إقامة نتنياهو في “قيسارية”، وكادت تودي بحياته، وكل ذلك دفع بواشنطن للمسارعة إلى إرسال مبعوثها عاموس هوكستاين إلى المنطقة، لاستجداء وقف لإطلاق النار تحت سقف القرار 1701، ووفق معادلة لا زيادة ولا نقصان على القرار الذي فرضه الرئيس نبيه بري، متسلحاً بقوة حزب الله ومقاومته وقدراته وبطولات مجاهديه الأسطورية على الحدود الجنوبية التي سحقت الهجوم البري “الإسرائيلي” بآلياته ودباباته وجنوده على أبواب القرى الحدودية.
بدا نتنياهو في خطابه البارحة متخبطاً ومتناقضاً في كلامه ومربكاً، خلال محاولاته تسويق هزيمته على صورة انتصارات وإنجازات أمام الجمهور “الإسرائيلي”، وبينما كان يتحدث عن تدمير قدرات حزب الله الصاروخية بنسبة 70 إلى 80% كانت صواريخ حزب الله تدك حيفا ومنطقة الكريوت، فيما كانت المسيرات تدك كريات شمونة ومستوطنات الشمال.
أكاذيب نتنياهو:
أولاً، حول قدرات حزب الله، قال نتنياهو: “لقد دمرنا قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ.. حزب الله لم يعد بنفس القوة السابقة. وقضينا على كل قادته ومعظم بنيته التحتية.. لقد أعدنا حزب الله عقوداً إلى الوراء.. وسنرد بقوة على أي محاولة من حزب الله لإعادة التسلح”.
يكفي أي مراقب لسير المعارك أن يكتشف كذب نتنياهو من خلال التدرج المتصاعد لاستخدام حزب الله سلاحه النوعي، سواء من حيث الكثافة والعدد، أو من حيث النوعية و التكنولوجيا المستخدمة، وشمل ذلك سلاحي الصواريخ و المسيرات التي غطت في الأسابيع الأخيرة كامل الجغرافيا، من الحدود وصولاً إلى “تل أبيب” في ظل عجز منظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلية” عن مواجهتها، وبعد أن بدأ الحديث في الكيان عن انخفاض مخزون صواريخ الدفاع الجوي والعجز عن تعويض الفاقد، في ظل غزارة صواريخ ومسيرات حزب الله وتطور مدياتها وتأثيرها، ويضاف كل ذلك إلى القدرة اللوجستية لحزب الله على إمداد خطوط الجبهة البرية على الحدود بالعتاد والمجاهدين.
ثانياً، حول أهداف الحرب على لبنان، قال نتنياهو: “من أهداف وقف إطلاق النار فصل الساحات وعزل حماس. بعد وقف إطلاق النار في لبنان ستصبح حماس وحدَها”.
وهذا الادعاء من قبل نتنياهو يحمل أيضاً إلى جانب الكذب والتضليل الكثير من المراوغة، ويمكن تفنيده من ثلاثة جوانب: أولها، أن وقف إطلاق النار محدد بمدة 60 يوماً من المقرر أن تشكل فرصة أمام “إسرائيل” لوقف عدوانها على غزة، وبالتالي فإن موافقة حزب الله على وقف إطلاق النار تأتي في سياق إتاحة الفرصة لحصول ذلك، كما كان إسناده طوال عام من الطوفان أساسياً لمنع سقوط غزة والمقاومة فيها، وثانيها، أن وحدة الساحات لا تقتصر على جبهة لبنان وغزة، بل تتعداها إلى اليمن والعراق وغيرها، وكلاهما ربط عملياته وما زال، بوقف العدوان على غزة، وثالثها، أن حماس نفسها أعلنت أنها في حالة تنسيق كامل مع حزب الله في السياسة و الميدان، وبالتالي، فإن ادعاء نتنياهو كاذب بالمطلق، وهو ما أكده بايدن نفسه ووزير خارجيته بلينكن، عندما أشارا إلى أن وقف إطلاق النار في لبنان سيساعد على وقفه في غزة.
ثالثاً، حول البرنامج النووي الإيراني، قال نتنياهو: “اتفاق وقف إطلاق النار يعني أننا سنركز على التهديد الإيراني الآن..أنا مصمم على القيام بكل شيء لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي…إزالة التهديد الإيراني أولوية لضمان أمن إسرائيل”.
إن كلام نتنياهو حول أولوية مواجهة البرنامج النووي الإيراني يشكل اعترافاً بصفرية نتائج حربه على لبنان، وعودة إلى الوراء من خلال اجترار ذات الخطاب “الديماغوجي” الذي كان يكرره منذ سنوات، قبل طوفان الاقصى حول إيران وبرنامجها النووي. ومن المهم التذكير بأن “طوفان الأقصى” قد أضاف واحدة من أهم معادلات الردع الجديدة التي تمثلت بعمليتَي “الوعد الصادق 1 و2” اللتين جعلتا نتنياهو وكيانه يحسبان ألف حساب، قبل التفكير بالاعتداء على البرنامج النووي الإيراني. كما أنه من الجيد في مكان الانتباه إلى أنه في الوقت الذي كان نتنياهو يطلق تلك الأكاذيب، كان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يتحدث من أوروبا عن قيام طهران بتركيب آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة في المفاعلات النووية الإيرانية.
رابعاً، حول سورية ودورها المقاوم، قال نتنياهو: “إنجازات الجيش الإسرائيلي حصلت في 7 جبهات.. نواصل التصدي لمخاطر المسيرات في سورية، والأسد يلعب بالنار”.
لا بد من تذكير نتنياهو بأن سورية الأسد التي لم تستطع الحرب الكونية التي شنت عليها على مدار سنوات طويلة بقيادة صهيو-أمريكية أن تغير من موقعها الرئيسي في محور المقاومة، أو أن تغير من مبادئها و دعمها المفتوح لحزب الله وللمقاومة الفلسطينية، هي اليوم أكثر التزاماً وثباتاً على هذا النهج، بالرغم من كل ما أصابها، ولعل الحرب الأخيرة على لبنان خير دليل على ذلك.
خامساً، حول عودة المستوطنين والرهائن، قال نتنياهو: “سنعيد جميع المواطنين في الشمال إلى منازلهم…ملتزمون بإعادة من تبقى من الرهائن من غزة”.
لعل ما قاله نتنياهو في هذا الخصوص، كان الأقرب إلى التصديق منه للتكذيب باعتباره اضطر للخضوع كسبيل وحيد لوقف إطلاق النار وعودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، ويبدو أنه بات يدرك أيضاً أن الخضوع هو السبيل الوحيد لإعادة الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، وأنه سيكون مضطراً لوقف العدوان هناك كخيار وحيد لذلك.
سادساً، لا بد من الإشارة إلى أن نتنياهو انحدر في أهدافه التي حددها للحرب على لبنان من “تغيير الشرق الأوسط” إلى “استجداء عودة المستوطنين” عبر وقف إطلاق النار. هذا الانحدار يمثل أكبر دليل على اعترافه بالهزيمة والعجز، وبالخطر الوجودي على كيانه، والخطر الذي يتربص به وبمستقبله السياسي، وهو الذي بات مطلوباً للعدالة كمجرم حرب في الخارج، وكفاسد وفاشل في الداخل، ولعل الأدلة على هزيمته وفشله في الداخل “الإسرائيلي” تكون الأكثر تعبيراً عن حجم الكذب الذي ساقه، ويمكن لنا رصد بعض المواقف في هذا المجال للتأكيد، منها:
* رئيس الأركان الأسبق وعضو “الكنيست” الحالي غادي آيزنكوت: القول إن الجيش اللبناني سيفكك قدرات حزب الله هو مجرد مزحة.
* رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى عميت صوفر: إن كل منزل على الحدود الشمالية هو موقع إرهابي لحزب الله.
* رئيس بلدية “كريات شمونة” أفيخاي شتيرن: إن اتفاقية الاستسلام تجعل السابع من أكتوبر أقرب إلى الشمال أيضاً، وهذا يجب ألا يحدث”.
* وزير الأمن القومي بن غفير، قال: “أعارض اتفاق إطلاق النار. هذا ليس وقف إطلاق النار. إنها عودة إلى مفهوم التهدئة مقابل التهدئة.. وهذا الاتفاق لا يلبي هدف الحرب المتمثل في إعادة سكان الشمال إلى ديارهم سالمين”.
* رئيس المعارضة “الإسرائيلية”، يائير لابيد هاجم نتنياهو، وقال إن الحكومة لم تقدم على مدى عام كامل أي مبادرة سياسية ولذلك “تم جرها إلى اتفاق مع حزب الله..في الوقت نفسه الجيش يتآكل، بينما تروجون لقوانين التهرب، وتصفية نصر الله، وتفجيرات الضاحية”.
* زعيم “حزب معسكر الدولة” بيني غانتس: إنه من المستحيل الحديث عن وقف إطلاق نار مؤقت في لبنان، مؤكداً أن انسحاب القوات الآن والديناميكيات التي ستنشأ عنه سيصعّبان الأمر على “إسرائيل”، ومن ثم سيسهل على حزب الله إعادة تنظيم صفوفه.
* يضاف إلى كل ذلك استطلاع رأي أجرته “القناة 12” العبرية، وتبين من خلاله أن 69% من “الإسرائيليين” لا يعتقدون أن “إسرائيل” انتصرت.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن نتنياهو وإمعاناً في الكذب والتضليل حاول الخلط بين اتفاقه الثنائي مع واشنطن حول وعودها له بحماية الكيان الصهيوني وتقديمها ضمانات له بذلك، وبين اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، في محاولة منه للإيحاء بتحقيق إنجاز ما والتغطية على الهزيمة.
والحقيقة، هي أن حزب الله غير معني بكل ما جاء في كلام نتنياهو ووعود واشنطن له ولإسرائيل، والتي حاول نتنياهو تسويقها على أنها اتفاق مع حزب الله ولبنان.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: عودة المستوطنین وقف إطلاق النار قدرات حزب الله الشرق الأوسط قال نتنیاهو نتنیاهو فی لحزب الله على لبنان فی لبنان من خلال إلى أن کل ذلک
إقرأ أيضاً:
هل تتحول اليمن إلى “مستنقع ” يستنزف الولايات المتحدة ؟!
حيروت -ترجمة ” الموقع بوست ”
وصف الرئيس دونالد ترامب، سابقًا، التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بأنه “أسوأ قرار اتُخذ على الإطلاق”، وتولى منصبه متعهدًا بـ”إنهاء هذه الحروب التي لا تنتهي”.
وفي بعض المناطق، التزمت الإدارة بذلك. فقد بدأت الولايات المتحدة بخفض كبير في عدد قواتها في سوريا، مُحققةً بذلك هدفًا يعود إلى ولاية ترامب الأولى، وتُهدد بالانسحاب من الحرب في أوكرانيا، سواءً تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال أم لا.
ولكن في الوقت نفسه، ورطت الإدارة القوات الأمريكية بهدوء في صراع مفتوح آخر في الشرق الأوسط، صراع يُهدد بالتحول إلى مستنقع مُستنزف ومُشتت للانتباه، وهو المستنقع الذي تعهد ترامب بتجنبه.
في 15 مارس/آذار، بدأت الولايات المتحدة حملة من الضربات الجوية، المعروفة باسم “عملية الفارس العنيف”، ضد الحوثيين، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والتي تسيطر على جزء كبير من اليمن وتطلق النار على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر منذ بداية الحرب في غزة في عام 2023.
نفذت إدارة بايدن، بالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي، عددًا من الضربات ضد الحوثيين، لكن الحملة الأمريكية الجارية أوسع نطاقًا بكثير. فقد سُجِّلت ما لا يقل عن 250 غارة جوية حتى الآن، وفقًا لبيانات مفتوحة المصدر جمعها معهد دراسات الحرب ومعهد أمريكان إنتربرايز.
ووفقًا لبعض التقارير، قُتل أكثر من 500 مقاتل حوثي، بمن فيهم عدد من كبار القادة، على الرغم من أن الجماعة تميل إلى الصمت بشأن خسائرها. كما وثَّق مشروع بيانات اليمن، وهو مجموعة رصد، أكثر من 200 ضحية مدنية في الشهر الأول من القصف. وأسفرت أكبر ضربة حتى الآن، على محطة نفط رئيسية على ساحل اليمن، عن مقتل أكثر من 74 شخصًا الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي لموقع Vox إن الضربات دمرت “منشآت قيادة وتحكم، ومنشآت تصنيع أسلحة، ومواقع تخزين أسلحة متطورة”.
وتبدو الإدارة راضية عن النتائج حتى الآن.
قال بيتر نغوين، مدير الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، لموقع “فوكس”: “إن الضربات المستمرة ضد الحوثيين هي أول عملية بهذا الحجم تنفذها الولايات المتحدة ضد قوات الحوثيين، وهم الآن في موقف دفاعي”.
ردًا على الانتقادات الموجهة إلى بيت هيغسيث، وزير الدفاع المتعثر، بشأن استخدامه جهازًا شخصيًا لإجراء أعمال حكومية حساسة، طلب ترامب مؤخرًا من الصحفيين “سؤال الحوثيين عن أحواله”.
الصراع المُغفَل في اليمن، شرح موجز
باستثناء التسريب العرضي لخطط الحرب التي وضعتها الإدارة الأمريكية عبر تطبيق سيجنال الشهر الماضي، لم تحظَ العملية إلا بقدر ضئيل من الاهتمام أو النقاش العام، وهو أمرٌ لافتٌ للنظر بالنظر إلى نطاقها.
لا شك أن الحوثيين يتعرضون لأضرار جسيمة، لكن موارد الجماعة ومعداتها متناثرة ومخبأة على مساحة واسعة، مما يجعل استهدافها صعبًا. إن سجل القوى العظمى في هزيمة الجماعات المتمردة بالقوة الجوية ليس مُلهمًا.
صرح محمد الباشا، المحلل الدفاعي المتخصص في الشأن اليمني ومؤلف تقرير الباشا، لموقع Vox قائلًا: “بالضربات الجوية وحدها، لن تتمكن من هزيمة الحوثيين”، مشيرًا إلى أن الجماعة نجت من ثماني سنوات من حملة جوية عقابية شنتها قوة عسكرية بقيادة السعودية مدعومة من الولايات المتحدة.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الهدف ليس القضاء على الحوثيين، بل وقف هجماتهم على حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، والتي بدأتها الجماعة المتحالفة مع إيران، المعادية بشدة لإسرائيل، ردًا على حرب إسرائيل على غزة.
وقال ترامب: “عليهم أن يقولوا “لا للقصف” لتلك الهجمات حتى يتوقف القصف. أعلن الحوثيون عن توقف هجماتهم على السفن عند دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة في يناير، لكنهم استأنفوا هجماتهم في أوائل مارس ردًا على منع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة.
يشهد البحر الأحمر هدوءًا نسبيًا منذ بدء عملية “الفارس الخشن”، لكن الحوثيين تعهدوا بمواصلة القتال وأطلقوا عددًا من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، بما في ذلك صاروخ يوم الأربعاء.
وقال نغوين: “يجب أن تتوقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، ولذلك ستستمر عملياتنا حتى يحدث ذلك. بمجرد توقفها، سنكون على الأرجح بخير. لكنهم لم يتوقفوا، ونقدر أن إرادتهم لمواصلة العمليات لا تزال قائمة”.
في الواقع، في خطاب تحدٍّ ألقاه هذا الأسبوع، أعلن رئيس الحكومة المدعومة من الحوثيين، مهدي المشاط، أن الجماعة “لا تردعها الصواريخ أو القنابل أو القاذفات الاستراتيجية يا ترامب”، وسخر من ترامب لأنه “وقع في مستنقع استراتيجي”.
لكن الموارد المخصصة للصراع كانت كبيرة. فقد نقل البنتاغون مجموعة حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة للانضمام إلى مجموعة أخرى موجودة هناك. كما نقل ما لا يقل عن بطاريتي صواريخ باتريوت، بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي ثاد – أحد أكثر الأنظمة تطورًا في الترسانة الأمريكية – من آسيا إلى الشرق الأوسط.
بعد مرور أكثر من شهر بقليل، لا يزال من المبكر جدًا إعلان حالة التورط.
لكن الموارد المخصصة لهذا الصراع كانت كبيرة. فقد نقل البنتاغون مجموعة حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة للانضمام إلى مجموعة أخرى موجودة هناك. كما نقل بطاريتي صواريخ باتريوت على الأقل، بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي ثاد – أحد أكثر الأنظمة تطورًا في الترسانة الأمريكية – من آسيا إلى الشرق الأوسط.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من الحملة، استخدمت الولايات المتحدة ذخائر بقيمة 200 مليون دولار، وأن المسؤولين العسكريين قلقون بشأن تأثير ذلك على المخزونات التي ستحتاجها البحرية في حال وقوع هجوم صيني على تايوان.
وعلى عكس آمال الكثيرين في إدارة ترامب – بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس – الذين يجادلون بأن الولايات المتحدة يجب أن تحول تركيزها من الشرق الأوسط للاستعداد لصراع محتمل مع الصين، فإن الولايات المتحدة تنقل مواردها من آسيا إلى الشرق الأوسط.
بافتراض أن الحوثيين لن يرفضوا ذلك في المستقبل القريب، يصبح السؤال المطروح هو إلى متى ستواصل الولايات المتحدة العملية. هذا الأسبوع، أصدر البيت الأبيض تقريرًا مطلوبًا قانونًا إلى الكونغرس حول العملية، ينص على أن الضربات ستستمر حتى “ينحسر التهديد الحوثي للقوات الأمريكية وحقوق الملاحة والحريات في البحر الأحمر والمياه المجاورة”. لكن صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت مؤخرًا أن المسؤولين يدرسون تقليص الضربات.
هذا سيناريو يثير قلق باشا، محلل الشؤون الدفاعية. الحوثيون، الذين كانوا حتى وقت قريب جماعةً غامضةً إلى حدٍ ما خارج منطقتهم، قد سيطروا بالفعل على العاصمة اليمنية، ونجوا من حربٍ استمرت لسنواتٍ مع التحالف الذي تقوده السعودية، وأثبتوا – منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 – أنهم الأكثر قدرةً ومرونةً بين وكلاء إيران في الشرق الأوسط.
“إذا لم يُكبّلهم هذا أو يُهزموا أو يُضعَفوا، فسيكونون قادرين على القول: ‘لقد هزمنا ترامب، أقوى جيشٍ في العالم. نحن لا يُمكن إيقافنا'”، هذا ما قاله باشا.
أما بالنسبة لاستعادة حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، فقد ارتفعت حركة المرور عبر هذا الممر المائي الحيوي استراتيجيًا بشكلٍ طفيفٍ الشهر الماضي، لكنها لا تزال أقل بكثيرٍ من مستوياتها قبل بدء هجمات الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومن المرجح أن يستغرق الأمر فترةً طويلةً من الهدوء لشركات الشحن – والأهم من ذلك، الشركات التي تُؤمّنها – لتفترض أن المخاطر قد خفت.
قد يكون البديل هو انخراط الولايات المتحدة بشكلٍ أعمق في الصراع. بدأت حملة إدارة أوباما ضد داعش أيضًا كعملية جوية قبل أن يُرى ضرورة إرسال قوات برية ودعم الجماعات المسلحة المحلية، مما أحبط إدارةً كانت قد تعهدت أيضًا بتقليص التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
ووفقًا للتقارير، تدرس الفصائل اليمنية المدعومة دوليًا والمعارضة للحوثيين استغلال هذه اللحظة لشن حملة برية للقضاء على الجماعة نهائيًا. ولم يتخذ المسؤولون الأمريكيون قرارًا بعد بشأن دعم هذه العملية.
يقول معظم المحللين والمسؤولين إن مشاركة القوات الأمريكية في العمليات البرية في اليمن أمر مستبعد للغاية، ولكن حتى الدعم المحدود لعملية برية سيظل مثالًا آخر على دعم الولايات المتحدة للجماعات المسلحة في حرب أهلية فوضوية في الشرق الأوسط – وهو بالضبط نوع الموقف الذي انتقد ترامب الإدارات السابقة لوقوعها فيه.
مع ذلك، فإن الضربات لا تستهدف الحوثيين فحسب، بل يُنظر إليها أيضًا على نطاق واسع على أنها استعراض قوة تجاه الراعي الرئيسي للجماعة، إيران. تُجري الإدارة الأمريكية حاليًا جولة جديدة من المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولم يستبعد ترامب العمل العسكري – الذي يُرجَّح أن تقوده إسرائيل – ضد الإيرانيين في حال فشل تلك المحادثات.
لا يزال من الممكن أن تُغادر الولايات المتحدة اليمن بسرعة، ولكن بالنظر إلى التاريخ الحديث، لن يكون مُفاجئًا أن يُعلَّق التحوّل الأمريكي الموعود بعيدًا عن الحرب في الشرق الأوسط مرة أخرى.