ميزة جيوسياسية هائلة وراء مساع روسيا لزيادة إنتاج النفط العراق؟
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
سلط الكاتب المخضرم سيمون واتكينز المتخصص في شؤون المال والطاقة، في تحليل نشره بموقع أويل برايس، الضوء على السبب الرئيس الذي يدفع روسيا لزيادة إنتاج النفط العراقي.
وذكر أن روسيا تسعي لتحقيق ميزة جيوسياسية من خلال استثماراتها في الطاقة وزيادة انتاج النفط في العراق، مشيرا إلى تلك الميزة أرادها الأمريكيون أيضًا قبل أن تنهار خطتهم.
سيطرة على كردستان
ولفت واتكينز إلى أن سيطرت روسيا على قطاع النفط في منطقة كردستان العراق (شمال) شبه المستقلة في عام 2017 كان مدفوعا بـ4 أسباب رئيسية.
الأول هو امتلاك المنطقة احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ثانيا لعب دور الوسيط بين حكومة كردستان والحكومة في بغداد مما يمنحها نفوذًا على كلا الجانبين.
والسبب الثالث هو إمكانية استخدام هذا النفوذ بعد ذلك لتوسيع قبضة روسيا على جنوب العراق أيضًا، الذي يحتوي على المزيد من احتياطيات النفط والغاز.
وأخيرا فإن السيطرة على قطاع النفط في كردستان سيمكن روسيا من إحباط أي جهود من جانب الولايات المتحدة وحلفائها للبدء في إعادة بناء نفوذهم المنهار في البلاد.
وأوضح أن النقطة الأخيرة، حظيت بصدى واسع بعد اتفاق استئناف العلاقات بين إيران (الراعي الإقليمي الرئيسي للعراق) والسعودية الذي تم إعلانه في مارس/آذار الماضي بوساطة صينية.
واستشهد بما نقلته مصادر أوروبية مطلعة لموقع أويل برايس أن مسؤولا رفيعا المستوى من الكرملين أخبر إيران: "من خلال إبقاء الغرب بعيدًا عن صفقا الطاقة التي يبرمها العراق- وجعله أقرب إلى المحور الإيراني السعودي الجديد – سوف تقرب الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط إلى نهايتها.
حقل غرب القرنة 2
لكن في ظل المخاطر التي تواجه مستقبل الامدادات النفطية من إقليم كردستان العراق، لجأت روسيا إلى التحرك بثبات في المراحل الأخيرة من خطتها للعراق، وتركزت جهودها على حقل غرب القرنة 2
ومؤخرا، استشهدت وزارة النفط العراقية بحقل غرب القرنة 2، باعتباره حيويًا لخطة البلاد لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط إلى حوالي 7 ملايين برميل يوميًا في عام 2027.يبلغ إجمالي احتياطي النفط في حقل غرب القرنة، الواقع على بعد 65 كيلومترًا شمال غرب مدينة البصرة الساحلية الجنوبية، 43 مليار برميل - مما يجعله أحد أكبر حقول النفط في العالم.
قدرت منطقة غرب القرنة 2 احتياطيات النفط القابلة للاستخراج بحوالي 13 مليار برميل، ومثل معظم الحقول الكبيرة في العراق (وإيران والسعودية)، فإنها تستفيد من أقل تكاليف استخراج في العالم - بمعدل 1-2 دولار أمريكي فقط لكل برميل.
اقرأ أيضاً
استبعاد خفض «أوبك» لإنتاج النفط قبل أمريكا وروسيا والعراق
كان من المقرر أن تنتج خطة التطوير الأصلية لحقل غرب القرنة2، 1.8 مليون برميل في اليوم، لكن تم تعديل ذلك في عام 2013 إلى خطة من ثلاث مراحل تبلغ ذروة الإنتاج فيها 1.2 مليون برميل في اليوم.
ستضيف المرحلة الأولى حوالي 120 ألف برميل يوميًا، والثانية 400 ألف برميل أخرى، والثالثة 650 ألف برميل أخرى.
لكن خلال الانتقال من المرحلة 2 إلى 3 والتي كانت مقررا أن تبدأ في منتصف 2017، ظهرت مشكلة لروسيا تسبب في أن بطء تحرك الإنتاج لسنوات، وهذه المشكلة كانت تكمن في الخلاف بين روسيا ووكيلها النفطي الرئيسي في العراق شركة لوك أويل التي كانت تعتقد أن مستوى أربحاها لكل برميل تقوم بحفرة منخفضة للغاية.
فقد كانت تحصل على 1.15 دولارًا أمريكيًا للبرميل - وهو أدنى سعر يُدفع لأي شركة نفط دولية في العراق في ذلك الوقت ويتضاءل أمام 5.50 دولارات أمريكية للبرميل الذي يتم دفعه لشركة جازبروم GazpromNeft لتطوير حقل بدرة النفطي.
ومما زاد الطين بلة بالنسبة لشركة لوك أويل أنها في تلك المرحلة أنفقت بالفعل ما لا يقل عن 8 مليارات دولار أمريكي في تطوير غرب القرنة 2، وفاقم حدة هذه الشكوى أن وزارة النفط العراقية كانت لا تزال مدينة للشركة بحوالي 6 مليارات دولار أمريكي كتعويض عن البراميل المستردة.. وغيرها.
في أغسطس/آب 2017، قال نقل موقع أويل برايس عن مصدر كبير يعمل عن كثب مع وزارة البترول الإيرانية قوله إن شركة لوك أويل أكدت أن وزارة النفط العراقية ستدفع بسرعة 6 مليارات دولار أمريكي للشركة وأن سيتم النظر في معدل تعويض أعلى لكل برميل بمجرد أن يكون ذلك ممكنًا.
بالإضافة إلى ذلك، وافقت وزارة النفط على تمديد فترة عقد لوك أويل من 20 إلى 25 عامًا، وبالتالي خفض متوسط التكلفة السنوية للشركة الروسية.
كما تم الاتفاق على أن تستثمر لوك أويل ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار أمريكي في غرب القرنة 2 في الأشهر الـ 12 التالية بهدف زيادة الإنتاج من مستوى 400 ألف برميل يوميًا بالقرب من ذروة الإنتاج المستهدفة البالغة 1.2 مليون برميل يوميًا.
ومع ذلك، بعد شهر واحد فقط، صوت 93٪ من سكان إقليم كردستان شبه المستقل في العراق لصالح الاستقلال التام عن العراق، واندلعت الفوضى، حيث شهدت دخول القوات الإيرانية إلى إقليم كردستان العراق، بدعم روسي.
بعد شهر واحد فقط من ذلك، سيطرت روسيا فعليًا على قطاع النفط في المنطقة، وتطلعت إلى ممارسة الضغط على الحكومة الفيدرالية العراقية خارج بغداد.
وبعد ذلك سعت روسيا إلى الحصول على شروط أكثر ملاءمة لعملياتها الحالية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الفيدرالية، وامتيازات تطوير حقول نفط جديدة من خلال التدخل بين كردستان وبغداد في نزاعهم المستمر حول صفقة "مدفوعات الميزانية مقابل النفط" لعام 2014.
لكن جزء من مناورة روسيا في هذه المرحلة لم يكن يفعل شيئًا لزيادة الإنتاج من غرب القرنة 2، لكن شركة لوك أويل أدركت في غضون ذلك أنها قادرة تمامًا على إنتاج ما لا يقل عن 635 ألف برميل يوميا على أساس مستدام .
وبحسب مصادر إيرانية، فقد بلغ إنتاج شركة النفط الروسية 650 ألف برميل يوميًا على فترات ممتدة في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2017، فيما أكدت مصادر فنية أخري أن إنتاج 635 ألف برميل يوميًا يمكن تحقيقه على أساس مستمر دون أي مشاكل.
وخلال الأسابيع الأخيرة الماضية، زادت شركة لوك أويل إنتاجها من 400 ألف برميل يوميًا إلى حوالي 480 ألف برميل يوميًا، ويمكن انطلاقا من تلك النقطة زيادتها مرة أخرى إلى ما يزيد عن 600 ألف برميل يوميا في غضون أسابيع قليلة.
مع الاتفاق الإيراني السعودي، فإن الجزء الأخير من تحرك روسيا مع الصين لتأمين المنطقة بأكملها (الشرق الأوسط) يؤتي ثماره.. فالعراق الموحد هو عنصر أساسي في ذلك، فالدول الثلاث مجتمعة (العراق وإيران والمملكة العربية السعودية) هي قلب الشرق الأوسط وقلب احتياطياته من النفط والغاز، لذا فإن السيطرة على تلك المنطقة هي ميزة جيوسياسية هائلة، أرادها الأمريكيون أيضًا قبل أن تنهار خطتهم ".
اقرأ أيضاً
روسيا تزيح السعودية عن صدارة موردي النفط للصين في 2016 والعراق يتصدر بالهند
المصدر | سيمون واتكينز/ أويل برايس- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: روسيا النفط العراقي كردستان العراق الخليج ألف برمیل یومی ا دولار أمریکی النفط العراق وزارة النفط فی العراق النفط فی
إقرأ أيضاً:
مؤسسة النفط في ليبيا.. ميزانيات استثنائية كبيرة ومردود خجول
تم الإعلان عن زيادة إنتاج النفط في ليبيا ليتجاوز 1.3 مليون برميل، بعد أن انحدر مستوى الإنتاج لمستويات متدنية جدا منذ العام 2017م، العام الذي شهد إغلاق الحقول والموانئ لنحو 3 سنوات، فتأثرت الطاقة الإنتاجية، ولم يتجاوز مستوى الإنتاج، في أحسن الحالات، 1.2 مليون برميل إلا قليلا.
ما أثار الجدل حول سقف الإنتاج وآداء المؤسسة هو إخفاق إدارة المؤسسة فيما وعدت به ضمن خطتها الثلاثية 2022 ـ 2025م، والتي كان من المفترض أن يقفز الإنتاج خلالها إلى مستوى يتعدى 2 مليون برميل، هذا حسب أقل التقديرات.
وقبل الخوض في ما اعتبره عديد الخبراء هوة بين ما أنفق على الاستراتيجية ومستوى الإنتاج الحالي، ينبغي التنبيه إلى مسائل مهمة هي:
ـ برغم حديث المؤسسة عن الشفافية إلا أنها لم تعلن عن مضامين استراتيجيتها 2022 ـ 2025م، الأهداف والمشروعات..ألخ، ولن يجد الباحث ما يشفي غليله فيما يتعلق بأبسط البيانات التي ينبغي أن تحتويها استراتيجية لمؤسسة كبيرة كالمؤسسة الوطنية للنفط.
ـ هناك تضارب في تصريحات المؤسسة بخصوص أهداف الخطة، وقد تكرر على لسان رئيس مجلس إدارة المؤسسة أرقام مختلفة تتعلق بالهدف النهائي للاستراتيجية، فبعض تصريحاته تحدثت عن السعي للوصول إلى 3 مليون برميل مع نهاية العام 2022م، كان هذا تصريحا لصالح قناة CBC العام 2022م، وفي مناسبات أخرى استقر الحديث عن سقف 2 مليون، وبحسب تصريحات حكومية، مر عليها عدة أشهر، فإن رئيس المؤسسة خلال اجتماع للمجلس الأعلى للطاقة، تعهد بالوصول إلى مستوى 1.6 مليون برميل العام 2025م، و مستوى 2 مليون برميل خلال 3 سنوات، أي مع نهاية العام 2027م.
ـ وقع اضطراب في المخصصات الاستثنائية للمؤسسة، والتي توزعت بين إنفاق تسييري تشغيلي وآخر تنموي تطويري، برغم إدراج المؤسسة ضمن نفقات الباب الثاني من الميزانيات السنوية للدولة.
الغموض والارتباك فيما يتعلق بأهداف الاستراتيجية أثار جدلا حول أداء المؤسسة ومردود الإنفاق الاستثنائي الكبير نسبيا لصالحها خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
منذ العام 2022م، وبعد اعتماد حكومة الوحدة الوطنية مخصصات استثنائية للمؤسسة، تم تسييل نحو 60 مليار دينار ليبي، نحو 50% منها اتجهت لتطوير البنية التحتية للقطاع والتي تشمل صيانة أبار وخطوط الانابيب وحفر أبار جديدة، غيرها من المشروعات التي تدخل ضمن معالجة المختنقات الفنية. هذا عدا الاستثمارات الخارجية من شركات كبيرة كشركة أيني وشركة بي بي وغيرها، والتي تقدر بنحو 6 مليار دولار، كلها لصالح مشروعات إنتاج نفط وغاز.
ما تم عرضه ببساطة هو أن المؤسسة، ومن خلفها الحكومة، لم تف بعهودها في رفع إنتاج النفط إلى 2 مليون برميل مع نهاية العام الحالي، وذلك وفق مستهدفات استراتيجية 2022-2025م، وعلى الحكومة والمؤسسة أن يستدركا على هذا الإخفاق من خلال توضيح مسار الاستراتيجية وأسباب تعثرها وخطة معالجة الاختلالات مع تحديد أهداف واقعية وتقديرات للإنفاق المطلوب لأجل تحقيق تلك الغايات.مصادر مطلعة ذكرت أن المؤسسة تطالب الحكومة والمصرف المركزي بتسييل 30 مليار دينار لصالح استراتيجية التطوير العام 2025م، وهنا يمكن أثارة سؤالين جوهريين هما:
ـ ما هي تقديرات الإنفاق الإجمالي على استراتيجية المؤسسة، وكيف تم احتسابها؟
ـ ما هي حصيلة الانفاق الاستثنائي الكبير نسبة إلى حجم الإنفاق العام؟
بعض كوادر قطاع النفط من مهندسين وغيرهم ذكروا أن قطاع النفط في ليبيا يعاني من إشكاليات مستعصية وبالتالي فإنه يحتاج إلى إنفاق كبير لمعالجة تلك الإشكاليات، وهذا كلام مقبول ويمكن أخذه في الاعتبار، إلا إن مشكلة المؤسسة الوطنية، ومن خلفها الحكومة، أنهما لم يبينا للرأي العام مبررات هذا الإنفاق الكبير، ولم يوضحا لماذا لم يظهر أثر ملموس له في شكل تغير إيجابي ملحوظ في مستويات إنتاج النفط، ذلك أن أراء عديد المراقبين لا تقبل أن يكون مردود أكثر من 60 مليار دينار هو فقط بضع مئات الآلف من براميل النفط في مدة تقترب من 3 سنوات!!
قد يكون حجم التحديات والعوائق أكبر من التمويل المخصص للمؤسسة، وربما واجهت المؤسسة إشكاليات لم تكن في الحسبان، كل هذا محتمل، لكن لماذا لم تفصح المؤسسة والحكومة عن ذلك، ولماذ يظل الغموض هو سيد الموقف، وأين وعود اعتماد مبادئ الشفافية الإفصاح، واعتبارها من ميزات المؤسسة؟!
محصلة ما تم عرضه ببساطة هو أن المؤسسة، ومن خلفها الحكومة، لم تف بعهودها في رفع إنتاج النفط إلى 2 مليون برميل مع نهاية العام الحالي، وذلك وفق مستهدفات استراتيجية 2022-2025م، وعلى الحكومة والمؤسسة أن يستدركا على هذا الإخفاق من خلال توضيح مسار الاستراتيجية وأسباب تعثرها وخطة معالجة الاختلالات مع تحديد أهداف واقعية وتقديرات للإنفاق المطلوب لأجل تحقيق تلك الغايات.