عرفت منطقة الجزيرة في وسط السودان بطيبة أهلها، حتى سميت (أرض المحنة)، فالولاية التي اشتهرت باحتضانها لأكبر مشروع مروي في إفريقيا «مشروع الجزيرة» جعلها منطقة خيرات وخضرة وجمالاً، واشتهر ساكنوها بالكرم، فالبيوت الواسعة مشرعة مستعدة لاستقبال الضيوف، وفي شهر رمضان يقفون في الطرق الرئيسة يجبرون العابرين على النزول من سياراتهم والمواصلات العامة لتناول وجبة الإفطار في جلسات توضع على الطرق العامة في مشاهد مؤثرة تملؤها النخوة والشهامة والكرم الأصيل.

بعد اندلاع الحرب في الخرطوم استقبلت الجزيرة التي تقع غير بعيد عن ولاية الخرطوم وتعداد سكانها يقدر بـ 5 ملايين نسمة أغلبهم يعملون في الزراعة، استقبلت عشرات آلاف الفارين من العاصمة الذين وجدوا أنفسهم وسط نيران المتقاتلين من الجيش والدعم السريع خاصة قاطني أحياء جنوب الخرطوم، اقتسموا معهم اللقمة، وأسكنوهم في منازلهم، وعاشوا آمنين حتى دخول الدعم السريع في ديسمبر من العام الماضي، فبدأت رحلات نزوح جديدة ومضنية لأهل الجزيرة والمحتمين بها من ولاية الخرطوم.

بعض مناطق شرق الجزيرة التي ينتمي إليها القائد أبوعاقلة كيكل، القائد الأول للدعم السريع بالجزيرة، الذي انشق مؤخرا كانت مستقرة إلى حد ما؛ فيما عانت القرى التي تقع في غرب الولاية من انتهاكات واسعة تشمل القتل والسرقات وإهانة كبار السن والنساء اللاتي يُهَدَّدْن بوضع السلاح على رؤوس أطفالهن ليخرجن الذهب والأموال.

هناك صمت رهيب حول حوادث العنف الجنسي في منطقة تعتبر من أكثر الولايات المحافظة، ووفق رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحاق يرفض الأهالي التبليغ أو طلب الخدمات الصحية لبناتهن خوفا من الوصمة، فلم تُسَجَّل حالات الاغتصاب التي حدثت فيها بصورة رسمية في قائمة تضم حتى آخر إحصائية 306 حالات عنف جنسي فيما كشفت منظمات عن ولادة 26 طفلا من عمليات اغتصاب، في أكتوبر الماضي أعلن القائد «كيكل» الذي كان ضمن قوات درع الشمال انضمامه رسميا للجيش وهنا بدأ فصل جديد من الوحشية والبربرية من قوات الدعم السريع ضد سكان القرى التي اعتبروها مناطق قبيلته وعشيرته، فتم تهجير أكثر من 400 قرية بالكامل، ووفق شهود عيان يُمْنَحُون فرصة 48 ساعة لإخلاء منازلهم، وفي بعض الأحيان يُرَوَّعُون بإطلاق الرصاص العشوائي واستهداف الأطفال والنساء، فيفر الأهالي بصورة جماعية سيرا على الأقدام في رحلات طويلة تصل لأيام يموت خلالها من لا يستطيع التحمل من كبار سن وأطفال في اتجاه الولايات الشمالية والشرقية في مسافات تتراوح بين 60-100 كلم.

في قرية تسمى السريحة يقول المواطنون إنه تم استهداف الذكور بالقتل، وكانت النتيجة أن أقدم عدد من النسوة على الانتحار خوفا من المصير المجهول والاستهداف بالاغتصاب!

امتلأت الوسائط الاجتماعية بفيديوهات صورها جنود الدعم السريع بأنفسهم لرجال يُحْتَجَزُون في المساجد، ويمنعون من المغادرة، إهانات لكبار سن بجذبهم من لحاهم والسخرية منهم. «أنتم أهل كيكل» هكذا يقولون لهم؛ ولهذا جاء الانتقام عنيفا ووحشيا! أما قرية الهلالية، فتشهد حصاراً محكما من القوات التي جمعت المواطنين الذين يبلغ تعدادهم حوالي ٣٠ الف نسمة في مساجد المدينة مثل مسجد الشيخ الطيب ود المرين أكبر رجال الطرق الصوفية في السودان. ولقي أكثر من 500 شخص حتفهم بينهم 93 طفلاً و293 امرأة وفق إحصاءات نشرها «مؤتمر الجزيرة»، ليس الرصاص هو الحاصد الوحيد للأرواح، لكن انتشرت حالة من التسمم يتهم فيها «مؤتمر الجزيرة» غذاء، وزعته قوات الدعم السريع يشتبه في أنه مسموم، فيما تحصد الكوليرا التي انتشرت وسط انعدام مصادر المياه النظيفة كل يوم أعدادا كبيرة من الأرواح.

في أكثر من 400 قرية قصص مروعة تقشعر لها الأبدان، لكن قصة الطفل «مهند» الذي انتزعته القوات من حضن أمه، وألقته في مياه خزان الشريف مختار، مجرى مياه رئيس عمقه أكثر من 5 أمتار هزت أهل قريته «التومسة» وزلزلت قلب كل أم! أما مياه «الترع» «ممرات مائية واسعة إلى حد ما تستخدم لري المشاريع الزراعية» اُسْتُخْدِمَت لإغراق منازل المواطنين في بعض قرى جنوب الجزيرة منها «الزناندة جبارة» و»الزناندة فضل السيد».

لكل قرية قصص مأساوية مؤلمة

تحولت الجزيرة من أرض «المحنة» التي تغنى لها المغنون إلى أرض محنة كبيرة، كخنجر يشق قلب المحبين لها وعارفي فضلها، فيبكون عليها بدل الدموع دما!

الكثير من الوسوم في وسائط التواصل الاجتماعي تصرخ طلبا للمساعدة ووقف النزيف، لكن صوت الرصاص هو الأعلى فلا مجيب ولا مستجيباً!

أمل محمد الحسن – الشرق القطرية

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدعم السریع أکثر من

إقرأ أيضاً:

هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع

البلاد – الخرطوم
تواصل الدعم السريع هجماتها على مدينة الفاشر، فيما صدّت القوات المسلحة السودانية هجومًا واسعًا شنّته الميليشيا من أربعة محاور، في عملية استمرت لأكثر من سبع ساعات، بالتزامن تصعد الميليشيا عمليات التصفية الجسدية بحق المدنيين واستهدافها الممنهج للبنية التحتية الحيوية، في مسعى لخلط الأوراق وشحن الرأي العام ضد الجيش، عقب خسائرها المتتالية في الخرطوم مؤخرًا.
وفيما شهدت الفاشر هدوءًا حذرًا وسط استمرار التراشق المدفعي أمس الثلاثاء، أوضح قائد الفرقة السادسة مشاة، اللواء محمد أحمد الخضر، أن الهجوم الأخير للميليشيا استُخدمت فيه طائرات مسيّرة، ومدفعيات ثقيلة، وعربات مدرعة، مشيرًا إلى أن الجيش كان على أتم الجاهزية للتصدي له. وأضاف أن الهجوم انتهى بالقضاء على التقدم المعادي، مؤكدًا أن القوات المسلحة في موقع قوة، ومستعدة لحسم أي محاولة مماثلة.
وخلّف الهجوم الذي وقع الاثنين 40 قتيلًا مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، نتيجة القصف العشوائي للميليشيا على أحياء سكنية. وقد أعلنت قوات الدعم السريع لاحقًا سيطرتها على ستة أحياء داخل الفاشر، موجّهة نداءً إلى عناصر الجيش لإلقاء السلاح ومغادرة المدينة، متعهدة بضمان سلامة من يستجيب. غير أن مصادر ميدانية أكدت تراجع المهاجمين تحت ضربات الجيش والمقاومة الشعبية، في حين أشار حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إلى أن الهجوم قاده عبد الرحيم دقلو، وانتهى بانسحاب القوات المهاجمة بعد تصدي القوات المشتركة لها.
ويرى خبراء أن التحوّل في تكتيكات الدعم السريع، عبر استهداف منشآت البنية التحتية الحيوية، بهدف إثارة السخط الشعبي وتشتيت تركيز الجيش عن تقدّمه في دارفور. يعكس حالة يأس ميداني للميليشيا بعد خسائر بشرية كبيرة وفقدان كميات كبيرة من العتاد العسكري.
وفي هذا السياق، قصفت الميليشيا بطائرات مسيّرة مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، ومحطة بربر التحويلية للكهرباء، ومحطة عطبرة للمرة الرابعة خلال أسبوع، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، وزاد من معاناة المدنيين في ظل وضع إنساني متدهور.
وعلى صعيد الانتهاكات، طالب المرصد السوداني لحقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي في مجزرة مروعة وقعت بمنطقة الصالحة جنوب أم درمان، حيث تم إعدام 31 مدنيًا ميدانيًا، بينهم أطفال. وأكد المرصد أن الضحايا كانوا مدنيين عُزّل، وأن قوات الدعم السريع نفذت الجريمة بدافع “الانتقام”. وقد اعترف بذلك قادة في الميليشيا بمقاطع مصوّرة، ما يُشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني.
وفي السياق، قال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن قتل ميليشيا الدعم السريع للمواطنين في منطقة صالحة جنوبي أم درمان ينم عن كراهيتهم للشعب السوداني، وأضاف في كلمة أمس الثلاثاء أن الحرب الدائرة حاليا ضد ميليشيا الدعم السريع وليست ضد قبيلة، مشيرا إلى أن المرجفين يروجون أن الحرب ضد أعراق محددة، بهدف تحشيد الناس وجرهم للقتل، وتابع بأن “حربنا ضد كل من يحمل السلاح ضد الدولة، وتمرد رئيس القبيلة لا يعني تمرد كل القبيلة، مؤكدًا أنه “لا تفاهم مع هؤلاء المرتزقة بعد كل ما فعلوه وسيذهبون في هذه المعركة حتى الانتصار”.
ويُثبِت المشهد الميداني أن الميليشيات لم تجلب للسودان والمنطقة سوى الدمار والدم، فيما يتجدد الأمل مع صمود الجيش السوداني في التأسيس لمستقبل تستقر فيه البلاد على قاعدة الدولة الوطنية والجيش الواحد.

مقالات مشابهة

  • هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع
  • بالفيديو..الدعم السريع يترك مفاجأة غير متوقعة داخل مكتب في جامعة الخرطوم
  • جريمة تهزّ السودان: قوات الدعم السريع تُغرق حيّاً بالدماء وتحوّل مطار الخرطوم إلى رماد
  • جريمة تهزّ السودان: قوات الدعم السريع تُغرق حيّاً بالدماء وتحوّل مطار الخرطوم إلى رماد"
  • الدعم السريع ترتكب مجزرة أودت بحياة 31 شخصا وتدمر طائرات بمطار الخرطوم
  • مع احتدام معارك الفاشر.. الدعم السريع تعرض ممرات آمنة للجيش
  • هل تحاول قوات الدعم السريع تعويض خسائرها باستخدام المسيرات؟
  • موثقة بفيديو صادم.. تصفية أكثر من 31 مواطن على يد الدعم السريع بأم درمان في أبشع مجزرة وجريمة قتل بدم بارد.. مواقف مفاجئة من صمود والمؤتمر السوداني والأمة القومي
  • ما لا تعرفه عن أسواق المنهوبات في حرب السودان المنسية
  • تصاعد استخدام المسيّرات في الحرب السودانية .. «قوات الدعم السريع» تواصل قصف مواقع مدنية وعسكرية