فى ذكرى سعد والنحاس دروس لا تنسى
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
تفصلنا أيام قليلة عن ذكرى رحيل قطبى الوفد الخالدين سعد زغلول، ومصطفى النحاس، واللذين قادا مدرسة الوطنية المصرية وساهما فى تأسيس دعائمها منذ ثورة 1919 وحتى قيام حركة يوليو سنة 1952.
لقد شاء القدر أن يرحل الزعيمان معا فى اليوم نفسه، الثالث والعشرين من أغسطس، ليفارق سعد أمته سنة 1927، ويلحق به مصطفى النحاس سنة 1965، تاركين لنا ميراثًا من القيم والثوابت الوطنية المعلمة والمؤثرة لأجيال وأجيال.
ولا شك أن أعظم احتفاء بذكرى الزعيمين الجليلين يتمثل فى استذكار واستعادة دروسهما الخالدة فى الوطنية والديمقراطية والعدالة والممارسة السياسية النزيهة لنُجدد معا كيان الوفد الذى تجاوز عمره مائة عام، أداء وعملا ونموذجا ديمقراطيا.
لقد كانت أبرز خصائص الزعيمين وهما يخوضان صراعًا شرسًا ضد الاحتلال الأجنبى، والسلطة المستبدة التزامهما بأخلاق وخصال حميدة، أولها الصدق الإنسانى، والوضوح فى المواقف، والأمانة فى العهود، واحترام الرأى الآخر، والبعد عن الرذائل.
وضع الزعيمان الجليلان آمال أمتهما فوق كل اعتبار، فخاطرا بحياتهما، وتعرضا لمحاولات اغتيال، وتشوية، ومحاكمات، ومؤامرات، وجابها قوى الشر بصلابة وعزيمة، وغرسا قيمًا عظيمة فى مجال العمل السياسى لأجيال تأتى من بعدهما.
وربما كانت من أعظم القيم التى غرسها سعد والنحاس فى نفوس المصريين هى ضرورة وحدة الصف والتماسك الوطنى، واستيعاب التعددية الفكرية سعيا للتكاتف نحو الآمال العريضة للأمة المصرية، التى تتوق للاستقلال، والحالمة بالدولة المدنية الديمقراطية. ومَن يقرأ سيرة الزعيمين يتعلم ويتعلم أصول السياسة النزيهة وثوابت الممارسة الحقة للعمل العام، وللقيادة الراشدة.
لقد كان الزعيم سعد زغلول رجلا حريصا على الأخلاق العامة، يرفض المراوغة والالتواء ويجاهر بما يؤمن أنه حق، ويخوض معاركه بشرف وصلابة وكرامة إنسانية. ويذكر مَن عايشوه أنه كان عفيف اللسان، ورعًا، نقيًّا، وكان مهتمًا بالتفاصيل، مدققًا فى كل شيء، حريصًا على الأداء المثالى، والإتقان التام لما يوكل إليه من الناس. وهو قريب من الله فعلا لا تمثيلا ولا ادعاء، ومن يقرأ مذكراته يدرك جيدا كيف كان يحاسب نفسه كل حين حسابًا عسيرًا، وقاسيًا.
أما مصطفى النحاس فكان بتعبير خصومه أشبه بولى من أولياء الله الصالحين، لم يمسك له أعداؤه زلة، ولم تعرف عنه نقيصة. وكان زاهدًا فى كل شيء، ساعيًا نحو تحقيق مكاسب ملموسة لأمته ووطنه، يؤمن بالفقراء إلى أبعد مدى، ويسعى لمساندتهم، ويتقبل برحابة صدر كافة الآراء المخالفة له ويناقشها دون ازدراء.
وربما كان أبرز ما تميز به النحاس باشا، هو التزامه التام بالدستور ومبدأ سيادة القانون، واحترامه لعهوده والتزاماته، ولم يكن الرجل يجد حرجًا أن يستمع لنقد معارضيه وهو رئيس للحكومة رغم أنها وصلت فى بعض الأحيان لنوع من التجاوز، ثم يقف بهدوء ويرد بجرأة وشفافية على كل اتهام أو رأى مخالف.
إن أعظم احتفال بالزعيمين هو أن نستعيد سيرتهما العطرة ونستذكر دروسهما البليغة فى العمل العام والسياسة والقيادة، ونسير على دربهما، مؤمنين أن الوطن فى حاجة لرجال مخلصين مؤمنين بالديمقراطية والعدالة.
وسلام على الأمة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سعد زغلول مصطفى النحاس الوطنية المصرية
إقرأ أيضاً:
البابا فرنسيس.. راعٍ من الشعب إلى حبرٍ أعظم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في 13 مارس 2013، شهد العالم لحظة تاريخية بانتخاب البابا فرنسيس، أول حبر أعظم من أمريكا اللاتينية، وأول يسوعي يتولى السدة البابوية.
اسمه الحقيقي خورخي ماريو برغوليو، وقد جاء من قلب الأرجنتين، حيث نشأ وتكوّن وعاش قريباً من شعبه، ليصبح أحد أبرز رموز التواضع والعدالة الاجتماعية في العصر الحديث.
حياة بسيطة.. ورسالة نبيلةطوال سنوات خدمته، تمسّك البابا فرنسيس بنهج حياة بسيط. قال ذات مرة: “شعبي فقير، وأنا واحد منهم”، مفضلاً العيش في شقة خاصة والطهي بنفسه. رافق شعبه في الحافلات والمترو، مشدداً على أهمية القرب من الناس والتواضع في الخدمة.
بداية المسيرة الكهنوتيةولد برغوليو في 17 ديسمبر 1936 في بوينس آيرس لأبوين من أصول إيطالية. بعد دراسته في مجال الكيمياء، اتخذ قرارًا مصيريًا بالالتحاق بالسلك الكهنوتي.
بدأ مشواره في رهبنة اليسوعيين عام 1958، وأُسيم كاهنًا عام 1969. تنقل بين الأرجنتين وتشيلي وألمانيا، وتدرج في مناصب تعليمية وروحية هامة، مما شكّل خلفيته اللاهوتية والفكرية.
قيادة دينية في الأرجنتينفي عام 1992، عُين أسقفًا مساعدًا لبوينس آيرس، ثم أصبح رئيسًا للأساقفة عام 1998، وكاردينالًا عام 2001.
خلال تلك الفترة، برز كصوت حازم خلال الأزمة الاقتصادية في الأرجنتين، مدافعًا عن حقوق الفقراء وناقدًا للفساد السياسي والاجتماعي.
نهج رعوي وإنسانيعرف عنه رفضه للترف، واعتماده خطابًا مباشرًا يلامس هموم الناس. ركز مشروعه الرعوي في بوينس آيرس على التبشير بالمحبة والخدمة والتضامن، مطلقًا حملات خيرية ومبادرات لدعم المحتاجين والمرضى. آمن بقوة العمل الجماعي بين الكهنة والعلمانيين من أجل إحياء الحياة الكنسية.
أدوار دولية قبل الحبريةقبل انتخابه بابا، كان عضواً في عدة لجان ومجالس بابوية، من بينها مجمع العبادة الإلهية، ومجمع الإكليروس، والمجلس الحبري للعائلة، مما أعطاه بُعدًا عالميًا وخبرة في إدارة شؤون الكنيسة على مختلف الأصعدة.
“مُختارٌ برحمة”.. شعار ورسالةشعاره الأسقفي “Miserando atque eligendo”، ويعني: “اختير برحمة”، يعكس فلسفته في الخدمة: رحمة، تواضع، والتزام بجوهر الإيمان. لطالما شدد على أن الكنيسة يجب أن تكون “مستشفى ميدانيًا” تحتضن الجرحى والضعفاء.
البابا في زمن التحدياتمنذ توليه السدة البابوية، واجه البابا فرنسيس تحديات معاصرة تتعلق بالإصلاح الكنسي، العدالة الاجتماعية، البيئة، والهجرة.
ومع ذلك، احتفظ بنفس الروح التي حملها من شوارع بوينس آيرس: راعٍ لشعب الله، لا أميرًا على عرشه.