بدأ الأمر كقطرة، لكن الهمسات حول الاغتصاب سرعان ما أصبحت فيضانا. وانتشر الخوف في جميع أنحاء السودان منذ بدء القتال العنيف منذ 15 أبريل/نيسان.

في تقرير طويل نشره "موقع الجزيرة الإنجليزية"، نقل نيلز أدلر وداليا عبد المنعم قصصا مروّعة عن الاغتصاب الذي رافق الحرب في السودان.

فمن جهة، هناك مليشيات من قوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية لها تاريخ عنيف للغاية حصلت على السلطة في العقود القليلة الماضية.

ومن جهة أخرى توجد القوات المسلحة السودانية، المتحالفة سابقا مع قوات الدعم السريع ولكنها الآن تخوض معركة وجودية معها.

والمحاصرون بينهما ملايين من السودانيين، وعلى وجه الخصوص، النساء. وتحاصر الناجيات من العنف الجنسي وأسرهن بأكثر من طريقة، بين الصدمة النفسية والبنية التحتية المدمرة.

ولدى قوات الدعم السريع قوات في الأحياء الحضرية، وظلت تسيطر على المزيد من المناطق، مما أدى إلى فرار السكان.

ووفقا لمحمد صلاح، أحد أعضاء مجموعة "محامي الطوارئ" -وهي مجموعة اعتادت تقديم مساعدة قانونية مجانا للنشطاء والمتظاهرين وتوثيق الانتهاكات وتنسيق المساعدة للضحايا- لا يزال هناك بعض الناس في منازلهم لأنهم لا يريدون أو لا يستطيعون المغادرة.

كم يكفي من الصدمة؟

مثل العديد من سكان العاصمة الخرطوم، بقيت المهندسة حسنى في حيها بالخرطوم بحري، شمال العاصمة الخرطوم، حتى أصبح الأمر خطيرا للغاية. وفي اليوم الذي حاولت فيه المغادرة، انتقل مقاتلو قوات الدعم السريع إلى الحي. مع العلم -من أجل حمايتهن- أن الأسماء الواردة في هذا التقرير عن ضحايا الاغتصاب ليست حقيقية.

تقول حسنى "كنت متزوجة منذ بضعة أشهر فقط عندما اندلعت الحرب". وكان معظم أفراد عائلتها قد فروا بالفعل من الخرطوم، لكن زوج حسنى كان في أم درمان، لذلك بقيت في انتظاره.

وأوضحت أن شبابا كانوا يرتدون زي المدنيين وصلوا إلى الحي، لكنها خمنت أنهم تابعون للدعم السريع من الطريقة التي يتحدثون ويتصرفون بها.

وتضيف حسنى "قبضوا على بعض الفتيات من جنوب السودان كن يعشن في مبنى آخر لكن قائد القوات أبقاني منفصلة عنهن. ظل يناديني بالأخت "أنتِ أختي، أنت فتاة عربية، أنتِ بأمان". ولكن بعد ذلك انقلب تماما وبدأ يصيح في وجهي "كاذبة"، ويقول إنني لست من المنطقة، وحذر الجنود الآخرين من الاقتراب مني، قائلا إنني واحدة منهم".

أخذ الجنود حسنى والنساء الأخريات إلى مبنى آخر، حيث كانت تعيش أخت حسنى. وتم توجيه نساء جنوب السودان إلى شقة واحدة. وأمر قائد فريق الدعم السريع حسنى بإبلاغه بمكان سكن شقيقتها.


أين غرفة النوم؟

ثم قال "لدي طلب واحد. إذا قلتِ نعم، عظيم؛ وإذا لم تقولي، فهذه ليست مشكلة أيضا". ثم وجه بندقيته إلى حُسنى. "أريد أن أنام معكِ. أين غرفة النوم التي يمكن أن أنام معك فيها".

وتوسلت حسنى إليه أن يتركها تذهب. "ألم تقل إنني أختك؟ هل تفعل ذلك لأختك؟".

ثم جاء جندي إلى الشقة وقال إن فتيات جنوب السودان يصرخن جميعا ولا يعرفن ماذا يفعلن. وقال الزعيم "اخرسهن واخرج. لا أحد يأتي إلى هنا".

عرفت حسنى بعد ذلك أنها على الأقل لن تتعرض للاغتصاب الجماعي، وأنه فقط كان ينوي اغتصابها. "بدأت أتضرع إلى الله. كانت مسبحتي معي وظللت أدعو وأتضرع".

وبمجرد مغادرة جنود قوات الدعم السريع، هربت حسنى إلى منزل صديقة كانت تعيش في مكان قريب.

وقالت "لم أستطع التوقف عن البكاء. أخبرتها بما حدث وسرعان ما أخذتني إلى الحمام، وحممتني بالماء المالح، ولفت ملابسي المتسخة في كيس بلاستيكي، وأعطتني بانادول، ثم حممتني مرة أخرى. وساعدتني صديقة أخرى في الحصول على مجموعة أدوات للتعامل مع الاغتصاب". وفي الصباح التالي، ساعدتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة للحكومة السودانية في الحصول على حبوب منع الحمل.

"كان زوجي متماسكا كالصخرة"

تقول حسنى "ظللتُ أعيد كل شيء في رأسي. لا أستطيع البقاء وحدي. أنا دائما بحاجة إلى شخص معي فقط لأشعر أنني بخير، لأشعر أنني بأمان. زوجي كان متماسكا كالصخرة. قلت له كل شيء… استغرق الأمر منه أسبوعا حتى تمكن من الوصول إليّ عبر الهاتف بسبب صعوبات الاتصال. يعزيني، ويقول لي: أنتِ لم ترتكبي خطأ، ليس ذنبك، سوف تخرجين أقوى، سنخرج أقوى".

كانت أولى أخبار الاغتصاب تهمس باغتصاب أجنبيات. كان الناس يقولون لبعضهم البعض إن أجنبية تعرضت للاغتصاب في شقتها في حي راق.

انتشرت قصص عن دخول مقاتلي قوات الدعم السريع إلى منزل، وعن استهدافهم الإثيوبيات بدون السودانيات.

وسرعان ما تخلى الناس عن هذا التمييز الغريب وبدؤوا يتناقلون روايات اغتصاب السودانيات. واتفق العديد من النشطاء على أن عدد الحالات المبلغ عنها هو على الأرجح "قمة جبل جليدي كبير جدا".

العنف الجنسي كسلاح حرب

قالت "ز"، الباحثة في منظمة حقوق الإنسان بالسودان التي تساعد ضحايا الاغتصاب، وطلبت عدم الكشف عن هويتها، إن إحدى الضحايا في حي الحاج يوسف شرق النيل (الخرطوم بحري)، سمعت صرخات النساء والفتيات في مبناها يتعرضن للاغتصاب بينما كانت قوات الدعم السريع تشق طريقها إلى الطابق العلوي.

وكانت أم عازبة مطلقة (30 عاما)، تعيش مع أطفالها. سمعت في الطابق الثالث الشابتين اللتين تعيشان في الطابق السفلي مع أسرتهما تصرخان "لا تلمسنا!".

قوات الدعم السريع في 23 أبريل/نيسان 2023 بعد حوالي أسبوع من بدء الحرب في السودان شرق النيل (الفرنسية)

وأغلقت شقتها، على أمل أن يعتقدوا أنها فارغة. لكن المقاتلين انقسموا إلى مجموعات أصغر، حيث تولت كل مجموعة طابقا، ودخلوا منزلها. حاولت قفل باب غرفة نومها، لكنهم كسروه وبدأت تتوسل إليهم ألا يغتصبوها.

تجنب الاغتصاب الجماعي

وعندما أصبح من الواضح أنها لن تنجو، توسلت لأحد مقاتلي الدعم السريع "إذا كنت ستغتصبني، فأغلق الباب، ولا تدع الجنود الآخرين يشاهدون". كانت تحاول تجنب التعرض للاغتصاب الجماعي.

وكانت هذه هي التفاصيل الوحيدة التي كانت على استعداد للكشف عنها. حدث ذلك في الأسبوع الأول من الصراع، لكن لا يُعرف متى بالضبط، فقد رفضت الإفصاح عن ذلك.

ويقول "صلاح"، وهو من محامي الطوارئ، إن معظم حالات الاغتصاب والعنف الجنسي ارتكبتها قوات الدعم السريع، "باستخدام أسلحتها للترهيب، ودائما بشكل جماعي". ويستشهد بفيديو تلقته مجموعته لجنود يطلقون النار في الهواء، وبعضهم يقف حارسا بينما يغتصب آخرون النساء.

ومع ذلك، كانت هناك أيضا تقارير أقل عن حالات اغتصاب من قبل القوات المسلحة السودانية. وتقول "ز" "يُستخدم الاغتصاب كسلاح من قبل الجانبين. التقارير التي نحصل عليها الآن ليست سوى غيض من فيض، لقد اغتصب جنود الجيش أيضا، وليس فقط قوات الدعم السريع، خاصة القوات التي تم جلبها مؤخرا من منطقة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق إلى أم درمان وهي قوات تابعة لمالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة الحالي".

جسد الكنداكة ساحة معركة

يشار إلى النساء السودانيات باسم كنداكة، وهو اسم لملكة عظيمة من ملكات مملكة "كوش" الشهيرة قبل الميلاد شمال السودان. وعندما انضمت السودانيات للاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير وفي الخطوط الأمامية عام 2018، أدت ضراوتهن إلى تبجيلهن بإطلاق لقب كنداكات عليهن.

وتقول "ز" إن أجساد النساء "أصبحت جزءا من ساحة المعركة"، مضيفة أن "وصمة العار الاجتماعية تمنع العديد من الضحايا من الوصول إلى المساعدة. أنت تتعامل مع مجتمع مسلم محافظ، حيث تكون أجساد النساء رمزا للشرف والنقاء… الرمزية معقدة للغاية".

ويقول محمد أبو بكر، وهو طبيب ومؤسس "جمعية ملء القلب الخيرية" هذه إستراتيجية استخدمتها قوات الدعم السريع منذ تأسيسها، لكسر إرادة الشعب وإجباره على القبول بها، الأمر الذي أخفقت في تحقيقه بحربها مع القوات المسلحة السودانية.

وتقول هبة شريف، قائدة فريق العمل العالمي في برنامج أزمة السودان، إن الاغتصاب "هو ببساطة ما تعلم مقاتلو الدعم السريع أن يقوموا به".

التوثيق والوصمة والصدمة

تقول مآب صلاح لبيب، وهي طبيبة نفسية تتطوع مع منظمات محلية ودولية تقدم المساعدة النفسية عبر الإنترنت والهاتف أو مكالمات الفيديو، إن مجموعتها تلقت حالات اغتصاب من بحري وأم درمان بدءا من الأيام الأربعة من الحرب، "وقعت العديد من حالات الاغتصاب أمام عائلات الفتيات… وكذلك حالات اغتصاب الأطفال/القصر. هناك الكثير من الحالات، الكثير…".

ويقول صلاح من محامي الطوارئ "في البداية كنا جميعا في حالة صدمة، لذلك استغرق الأمر منا بعض الوقت للبدء في محاولات تقييم وتحديد الانتهاكات".

ويقول التقرير إن الوصمة الاجتماعية والشلل الناجم عن الصدمة يعقدان التوثيق والإبلاغ، وكذلك عدم الحصول على الرعاية الطبية والنفسية المناسبة. وانتقل بعض الممارسين الطبيين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم إرشادات أو مشاركة جهات الاتصال لأولئك الذين يمكنهم المساعدة.

الاغتصاب على أصوات البنادق

وتحدثت عسل، وهي طالبة طب في السنة الخامسة، عن أنها كانت بعد 5 أيام من القتال راقدة مع والدتها وأختها وجدتها في غرفة واحدة بالليل، وسمعن صراخا مع عدم وجود كهرباء منذ بداية الحرب، "كان الصوت واضحا تماما، ثم سمعنا إطلاق نار… لإسكاتهن. كن يهدأن لمدة ثوان، ثم يبدأ الصراخ من جديد. ثم إطلاق النار. لم تتوقف الصرخات، ولم يكن هناك شيء يمكننا القيام به. كنا ندعو ونتمنى أن يكون ما يجري هو عملية سطو مسلح، لكننا عرفنا، بدأت أمي تقرأ القرآن. ولم تستطع أختي التوقف عن البكاء؛ كانت تعاني من صعوبة في التنفس. كانت أطول ليلة وأكثرها رعبا في حياتي".

في الصباح، ذهبت "عسل" إلى المتجر المجاور وسألت المالك عن الليلة السابقة. كانت تأمل أن يقول إنه كان مجرد نهب. لكنه قال "تم اغتصاب بنات كذا وكذا". وأضافت "ما زلت أفكر: هل كان يجب علي الذهاب لمساعدتهن؟ هل يمكنني المساعدة؟".

أما حسنى فتقول "حدثت دورتي الشهرية بعد 4 أيام من الاغتصاب ولم أكن أبدا أكثر سعادة من ذلك اليوم. كان أكبر ارتياح شعرت به على الإطلاق".

لا تزال تنتظر زوجها للانضمام إليها لينتقلوا إلى مدينة أخرى في السودان ويحاولوا بناء حياتهم من جديد.

"أنا بخير، أنا بخير، لقد ساعدني دعم زوجي ووقوفه بجانبي كثيرا. لقد قلل من المحنة بأكملها". هكذا ختمت حسنى حديثها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع العدید من

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم (5)


مقدمة
في ظل الحرب في السودان المستمرة منذ أبريل 2023، أصبح الصراع على الشرعية السياسية أكثر تعقيدًا مع محاولات كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني تشكيل حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما. وبينما يسعى الدعم السريع إلى فرض نفوذه من خلال حكومة مدعومة بتحالف سياسي منشّق، يتحرك الجيش السوداني لتشكيل حكومة أخرى تستمد شرعيتها من المؤسسات السيادية المتبقية. فكيف يمكن قراءة هذه الخطوات في ظل التنافس على الشرعية؟ وما تداعياتها على مستقبل السودان؟

خطوة الدعم السريع نحو تشكيل حكومة
أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع تخطط لإعلان حكومة مدنية هدّدت بها منذ أشهر طويلة في المناطق التي تسيطر عليها، مستندة إلى تحالف مع مجموعة منشقة عن تحالف "تقدم". هذه الخطوة تأتي في وقت يسعى فيه الدعم السريع إلى تقديم نفسه كقوة سياسية إلى جانب كونه قوة عسكرية، بعد أن تمكن من السيطرة على مساحات واسعة في غرب السودان.

مشروع متخيل للدعم السريع في بناء مؤسسات اقتصادية
قمت بطرح سؤال لـ محمد حسن التعايشي عبر لقاء في منصة الدكتور عزام عبد الله حول كيفية تشكيل مؤسسات في المناطق التي يقترحوا تشكيل حكومة فيها "حكومة متخيلة حسب تقديري" وكيف تنفيذ كل الأداء بما فيها إنشاء قطاع مصرفي. أوضح التعايشي أن خطتهم تشمل إنشاء بنك مركزي ونظام مصرفي جديد، وصرّح بسخرية أن الإيرادات التي يوفّرها وزير المالية جبريل إبراهيم من مناطق سيطرة الجيش تجعل من السهل جذب إيرادات من مناطق سيطرة الدعم السريع

مستقبل المناطق الجغرافية لوضع حكومة الدعم السريع
بعد التقدمات التي أحرزها الجيش في ولاية الجزيرة ومحلية بحري في العامة الخرطوم، أصبحت فكرة إعلان حكومة من الخرطوم شيئًا من ضرب الخيال. بات الجيش قريبًا من تحقيق النصر داخل ولاية الخرطوم، مما عقد على الدعم السريع المضي قدمًا في فكرة تشكيل الحكومة وفق الحدود الجغرافية التي كانت محددة قبل ثلاثة أشهر. ربما باتت القيمة الاستراتيجية الأهم للدعم السريع الآن هي إسقاط ولاية شمال دارفور، وخاصة الفاشر، التي حشد لها أكبر القوات من الجنود لإسقاطها، حتى يتمكن من فرض سيطرته الكاملة على الإقليم. في حال تحقق ذلك، فإن الدعم السريع قد يسعى إلى تقديم نفسه كإدارة إقليمية ذات مشروعية عسكرية، مدعومًا بحدود مشتركة مع أربع دول يمكنه استخدامها لتعزيز موقفه سياسيًا ودبلوماسيًا.

الانقسام داخل تحالف تنسيقية تقدم

شهد تحالف "تقدم" انقسامًا داخليًا حادًا بين جناحين رئيسيين بعد أن حاول رئيس التحالف حمدوك توسيع الجبهة السياسية لمقاومة خطاب الحرب عبر اجتماعات نهاية شهر يناير، إلا أن الانقسام قد حدث فعليًا داخل التحالف
1-الجناح المؤيد للتفاوض السلمى و تكوين الجباه السياسية الفاعلة بقيادة د عبد الله حمدوك رئيس تقدم و المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي و حزب الامة كقوى بارزة مكتفية بالحياد من موقف الحرب و محاولة نزع فتيل الازمة العسكرية بالضغط علي الاطراف وهي مجموعة مخالفة تماما للمبدأ حول تشكيلة حكومة منحازة لاحدي الطرفين .
2- الجناج المنشق من تقدم الداعم للدعم السريع : و يتكون من اعضاء الجبهة الثورية مثل نائب كتلة تقدم "الهادي ادريس" و الجناح المنشق من العدل و المساوة بقيادة " صندل" و شخصيات بارزة مثل محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة السابق .

هذا الانقسام ...و بالرغم من انه سيضعف تحالف تقدم الا انه قد حدد بشكل قاطع وضع القوى السياسية من الاطراف , و هو أمر مؤسف رغم التفاهمات التي قادها رئيس التحالف "حمدوك" الا ان الأمر قد يبدو مجهزاً له , فهذا الانقسام اتاح للدعم السريع غطاء سياسي حقيقي لتقديمه للمجتمع الدولي لدعم اكبر في تشكيل الحكومة في مناطق السيطرة , وهو امر سيتفيد منه " محمد حمدان دقلو" بالتأكيد ان يجد مجموعة من السياسين ان يدعموه , الا انني برأيي الجزرى حول معارضتي للفكرة فقد و وصفتها ب(الانتحار السياسي).

محاولة استنساخ النموذج الليبي في أقليم دارفور
الإعجاب الشديد بالنموذج الليبي جعل التعايشي (منظَر حكومة الدعم السريع) ، المنظّر لحكومة الدعم السريع ومستشاريه، يتجاهلون الأهمية الاستراتيجية لمدينة بنغازي، التي تمثل مركزًا اقتصاديًا ومحورًا لتحالفات قوية تميز الإدارة المدنية هناك فعندما ضرب التعايشي مثالًا بالانقسام الحكومي في ليبيا، سعى إلى تبرير فكرة الحكومة التي يطمحون إلى تشكيلها، مدعيًا أنها لن تؤدي إلى تقسيم السودان، بل ستساهم في فرض التوازن داخل البلاد غير أن هذا الطرح يتجاهل التناقضات التاريخية العميقة بين السودان وليبيا، فضلًا عن المغالطات التي تجعل الاستشهاد بالتجربة الليبية أمرًا صعب التطبيق.
في ليبيا، ورغم الانقسام السياسي، لا تزال هناك قوة اقتصادية كامنة ومصادر تمويل محلية يمكنها دعم الإدارات المتنافسة، فالوضع مختلف تمامًا فالإقليم مثل دارفور عانى من حروب مستمرة لأكثر من 17 عامًا، أفقدته القدرة على المساهمة التمويلية مما يجعله بحاجة إلى موارد مالية ضخمة لإدارة شؤونه أو حتى مجرد التفكير في مشاريع استثمارية داخل الإقليم. وبالتالي، فإن محاكاة التجربة الليبية في السودان، وبالأخص في دارفور، ليست سوى طرح نظري يفتقد للواقعية.
أما في السودان، فإن فكرة "الانفصال الإداري" لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، نظرًا للطبيعة الخاصة للإنفاق العام والانتشار الجغرافي الواسع، إضافةً إلى التأثير السلبي على الحركة الاقتصادية والأسواق الكبرى في محليات دارفور حيث تركيبة و طبيعة السلع فيها نوع من الصعوبة ان تسوق في مناطق جديد باختلاف طبيعة العلاقات التجارية للاقليم , مما سيسبب اعتراضات كبيرة من التجارة المستوردين و المصدرين .
هذا السيناريو يكشف حقيقة واضحة: الميليشيات ليست مؤهلة لبناء دولة في السودان، بل تمثل نموذجًا لدولة غارقة في الفوضى، تنهكها الصراعات الداخلية والانقسامات المتزايدة.

إلى أين يتجه الصراع على الشرعية؟
-تفتيت السلطة والانقسامات بدلًا من توحيدها
الصراع المستمر بين الجيش والدعم السريع حول الشرعية لا يسهم في إنهاء الأزمة، بل يدفع نحو تفتيت السلطة وانقسامها، مما يفتح الباب أمام تعدد الحكومات بدلًا من توحيدها. إن وجود حكومتين متنافستين لن يؤدي فقط إلى تعقيد المشهد السياسي، بل سيدفع السودان نحو مرحلة أكثر خطورة من الانقسام، قد تتطور مستقبليًا إلى بوادر أزمة تتعلق بنواة للانفصال السياسي.
هذا السيناريو لا يعزز الاستقرار، بل يساهم في إفقار البلاد نتيجة سوء الإدارة وضعف الموارد. فتعدد السلطات وتنازع الشرعيات لن يكون مجرد أزمة سياسية، بل سيمتد ليؤثر على الاقتصاد الوطني، حيث سيؤدي انعدام التنسيق الحكومي إلى تدهور الخدمات، ضعف الاستثمارات، وزيادة الأعباء المالية، مما يسرّع من انهيار الدولة بدلًا من تحقيق أي توازن سياسي أو إداري.

-التأثير على الحل السياسي والتفاوض
إذا نجح الدعم السريع في تشكيل حكومة وتحالف سياسي، فقد يتمكن من كسب دعم أطراف دولية وإقليمية لديها مصالح في السودان أو المنطقة، وترى فيه جهة يمكنها تنفيذ أجنداتها. هذا الدعم المحتمل قد يمنح الدعم السريع شرعية دبلوماسية محدودة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعزز حالة الانقسام بدلًا من دفع الأطراف نحو حل شامل للأزمة.
في المقابل، يسعى الجيش بقيادة البرهان إلى تعزيز موقعه عبر تحركات دبلوماسية نشطة منذ بداية العام، شملت زيارات إلى دول مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي في محاولة لإعادة السودان إلى المنظمة بعد تعليقه في أعقاب انقلاب أكتوبر 2021. ويراهن الجيش على المؤسسات الحكومية عبر (حكومة الأمر الواقع) كأداة ضغط لدفع الدول إلى إعادة الاعتراف بحكومته داخل الاتحاد الإفريقي، أو على الأقل منع الاعتراف بحكومة الدعم السريع في حال تشكيلها.
هذا التجاذب بين الطرفين حول الشرعية الدولية والإقليمية قد يؤثر بشكل مباشر على مسار الحل السياسي والتفاوض، حيث سيؤدي إلى تعقيد أي جهود وساطة ويعزز حالة الاستقطاب الإقليمي بين القوى الداعمة لكل طرف او الاطراف المحايدة و الطارحة للحلول ، مما يجعل الحلول السياسية أكثر بعدًا عن التحقيق و ستكون معقدة للغاية .

خاتمة: السودان إلى أين؟
إن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى إضفاء طابع سياسي على الصراع العسكري، في حين أن مساعي الجيش لإنشاء حكومة موازية قد تعمّق الانقسام بدلًا من معالجته. في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى السودان أمام مفترق طرق خطير إما الانزلاق نحو مزيد من التفكك والانقسام، أو البحث عن حلول وسط تضمن الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
لكن السؤال الأهم :هل يدرك الطرفان أن الصراع على الشرعية قد يدفع السودان إلى حالة دائمة من الانقسام والتشرذم؟ لقد حذّرتُ شخصيًا من هذه السيناريوهات منذ نوفمبر 2023، عندما أطلقت على هذا المشهد مصطلح "الانفصال الاداري" , حيث رصدتُ بوادره المبكرة و نظَرت إمكانية حدوثه ضمن سياق صراع الشرعية والشرعية المتخيلة.
اليوم، نحن أمام حقبة جديدة من التاريخ السياسي، أفرزتها الحرب، وأعادت رسم معادلات السلطة والنفوذ، لتجعل من إعادة توحيد السودان سياسيًا وإداريًا تحديًا أكبر مما كان متوقعًا.

dr_benomer@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • السودان: أكثر من 60 قتيلا في هجوم لقوات الدعم السريع على سوق شعبي في أم درمان
  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 آخرين في هجوم لقوات الدعم السريع
  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 في هجوم لقوات الدعم السريع
  • مجلس الأمن يدين هجمات الدعم السريع في دارفور
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش (شاهد)
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • شبكة أطباء السودان: مقتل طبيب في نيالا بعد اختطافه من قبل الدعم السريع 
  • شاهد بالفيديو.. على طريقة “الحكامة” الشهيرة.. أحد مشايخ الدعم السريع يخاطب الجنود وينزع “سرواله” أمامهم ويربط ارتدائه من جديد بدخول القوات للفاشر
  • وضعية قوات الدعم السريع على الأرض في السودان وما التوقعات