ضاقت كثيرا على الصحافيين التونسيين
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
جلسوا جميعا مزهوّين بعودة برنامجهم إلى الشاشة في موسمه الجديد، لكن أحد أبرز نجوم هذا البرنامج لم يكن بينهم، ليس لأنه استقال أو طرد بل لأنه في السجن.
ماذا فعل هؤلاء في قناة «الحوار التونسي» الخاصة؟ هل تركوا كرسي مراد الزغيدي فارغا تعبيرا عن تضامنهم مع زميلهم؟ هل حملوا شارات حمراء احتجاجا أو علّقوا دبابيس تحمل صورته؟ أم استعاضوا عن كل ذلك بمداخلات عبّر فيها هؤلاء، وعددهم يفوق الخمسة، عن افتقادهم لوجوده بينهم راجين قرب الإفراج عنه وهو من وٌضع وراء القضبان بسبب آرائه وعمله الصحافي؟
أبدا….
حالة من الاستغراب والاستياء عمّت المشاهدين جعلت مثلا النائب البرلماني السابق هشام عجبوني يتساءل قائلا «بالله عليكم ما الذي يدعوكم إلى الاستغراب؟!! (…) أغلب الإذاعات والتلفزيونات وبرامجها بل والصحافيين والإعلاميّين الذين عملوا مع زملائهم المسجونين حاليا، محمد بوغلاّب وسنية الدهماني ومراد الزغيدي وبرهان بسيّس وشذى حاج مبارك، نسوهم تماما وما عادوا يتحدثون عنهم».
لا يتردد بعض الغيورين على حرية الصحافة في تونس من القول إن أول مظهر من مظاهر اللاتضامن بين الصحافيين، الذي تجلّى بشكل صارخ ووقح في مشهد هذا البرنامج التلفزيوني، سبق أن برز حقيقة عند غلق مكتب قناة «الجزيرة» بتونس، في السادس والعشرين من يوليو /تموز 2021 بعد ساعات قليلة من «الإجراءات الاستثنائية» التي أعلنها قيس سعيد ليلة الخامس والعشرين من نفس الشهر.
تضامن بعض الصحافيين لا محالة، لكن فيهم من لم يخف شماتة واضحة أو تبريرا فجا لقرار الغلق، في حين تمادى البعض الآخر في حملة منظّمة لإخراج صحافيي هذه القناة من مقر «النقابة الوطنية للصحافيين» الذي احتمى به هؤلاء لتأمين تغطية الأحداث بعد الطوق الأمني الذي فرض عليهم إثر غلق المكتب.
لم يتردد البعض أيضا في الحديث عن فرز أيديولوجي حال دون التضامن مع الزميلين صالح عطية، الذي اعتقل بعد مشاركة له في إحدى نشرات قناة «الجزيرة» وعامر عياد المذيع بقناة «الزيتونة» إثر تقديم أحد برامجه، فقد كانا أول المعتقلين إثر ما قام به قيس سعيّد من انقلاب على الدستور والنظام السياسي للبلاد.
لم يمض وقت طويل حتى بدأ فضاء الحرية الصحافية ينحسر تدريجيا فاختفى حديث الصحافيين عما يتعرّض له زملاؤهم من تضييق وضغط ثم اعتقال بموجب ما يعرف بالمرسوم الرئاسي 54 سيئ الصيت، وقد تجلى ذلك بوضوح إثر اعتقال مراد الزغيدي ومحمد بوغلاب وسنية الدهماني وبرهان بسيس.
في الأثناء، أمعنت السلطات في الهروب إلى الأمام، ليس فقط بتجاهل نداءات المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية لمراعاة حالة الصحافيين الذين يعانون من وضع صحي مترد وراء القضبان كمحمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك، بل أيضا بعدم استجابة رئيس الدولة لنداء الصحافيين الذي أبلغه إياه بشجاعة الصحافي خميس بن بريك حين طلب منه يوم تقديم ترشحه للانتخابات الرئاسية الماضية استعمال صلاحياته للعفو عن الصحافيين المعتقلين. مضى وقتها الرئيس إلى القول إنه لم يأمر بسجن هؤلاء وإن النيابة العامة هي من تحركت من تلقاء نفسها (!!) وإن هناك بعض القضايا لا تتعلق بحرية الصحافة بل بأفعال أخرى يُجرّمها القانون».
هذا المناخ الخانق، الذي أدى تقريبا إلى اختفاء كل برامج النقاش السياسي سواء في الإذاعات أو التلفزيونات، لم يتحرّك ضده كما ينبغي عموم الصحافيين، عدا تلك الوقفات الاحتجاجية التي نظّمت أمام مقر نقابتهم، كما لم يستنكر صحافيو التلفزيون التونسي التضييق الكبير على محتواه السياسي واقتصاره على صحافية وصحافي من «المؤلّفة قلوبهم» للخوض وحدهما في كل أوجه الحياة السياسية من منظور الولاء المطلق للسلطة طبعا.
تتالت الضربات، والصحافيون في معظمهم، إلا حالات نادرة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، محجمون عن تشكيل جدار صد لكل ما يجري. دُمجت مؤسستان عريقتان هما «دار الصباح» و«لابراس» بشكل مرتجل ومتعسف دون تحرك لافت من صحافييها.
وأفلست إذاعة «شمس» الخاصة، وأضرب صحافيو إذاعة «إي أف أم» بسبب عدم دفع أجورهم لثمانية أشهر، فيما هدّدت نقابة الصحافيين بإضراب احتجاجي على كل ما يجري دون أن يرى مثل هذا الإضراب النور، أو يحدد له تاريخ معيّن، مع أنه كان للنقابة، رغم كل شيء، عديد المواقف المندّدة بالتضييق على الصحافة والصحافيين.
في الأثناء، صدرت أحكام سجن ضد صحافيين من أمثال زياد الهاني وغسان بن خليفة وخليفة القاسمي بتهم مختلفة، كما مُنع الصحافيون من دخول قاعة المحكمة لتغطية جلسة محاكمة زميلهم بوغلاب، فيما استمرت الملاحقات ضد عدد من الصحافيين وأصحاب المواقع ممن عرفوا بمهنيتهم وجرأتهم.
المؤسسات الصحافية المحترمة تقف مع أبنائها عند كل محنة تتعلق بعملهم، وكذلك يفعل الصحافيون المحترمون مع زملائهم، أما من أغمض عينيه لأن حبل المشنقة بعيد عن رقبته فسيكتشف، حين يلفّها هي الأخرى، ويفتح عينيه، أن لا أحد يقف إلى جانبه ليذود عنه، أو حتى ليبكيه.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي حرية الصحافة قيس سعيد تونس حقوق الإنسان حرية الصحافة قيس سعيد صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
محمد عصام يكتب: نداء لوزارة التضامن للتصدي الحاسم لظاهرة الهوملس
في إحدي الطرق الرئيسية المؤدية للأهرامات بالقرب من منزلي، وقفت سائحة صينية لالتقاط صور، ما اثار استغرابي وقتها إذ لا تزال الاهرامات بعيدة عنها ولم تتضح معالمها بعد لتصويرها وحينما اقتربت منها وجدت، أن التقاطها للصور لم يكن بقصد تصوير الأهرامات على حد اعتقادي وكان لتصوير أشخاصا يفترشون الشارع، ويأكلون على الأرصفة، ويظهرون عوراتهم وهي الظاهرة التي نطلق عنها بالعربية" المشردين"، أو الهوملس كما يسمونها بالغرب.
ولا اعلم ما دوافعها، لتصوير هذا المشهد الذي جاء على طبقا من ذهب بعد تقاعس الموظفين الحكوميين، والمحليات عن دورهم في مكافحة هذه الظاهرة الآخذة في الانتشار في مجتمعنا ولكن ما اثق فيه أنها ستستغله لعكس صورة سلبية عن مصر في الخارج بعد العودة إلى بلادها بلا شك، في وقت تبذل فيه القيادة السياسية، جهود مضنية لإنعاش القطاع السياحي، وتحقيق وفر في العملة الصعبة.
ليس فقط حول الأهرامات أو الشوارع الرئيسية يجلسون الهوملس ويفترشون الأرض في مظهر لا يليق بحضارة 7 آلاف عام، بلا أصبحوا في كل مكان حولنا وأمام مرأى ومسمع للجميع، حتى أن مشاهدتهم باتت أمر متكرر ومألوف لكثير منا في المواقف والحدائق العامة، وأمام محطات المترو، وفي الميادين الرئيسية، أو أسفل الكباري التي تم بنائها حديثا أو على جوانب الطرق التي تم تطويرها.
وما ساعد في تشجيع هذه الظاهرة على الانتشار، هي تعاطف بعض المواطنين معهم بدافع الإنسانية عبر مدهم بالطعام، والمشروبات، والملابس، ولا يعلمون بهذا الفعل أنهم يصنعون قنبلة موقوتة ستدمر المجتمع بالكامل، فكثير من هؤلاء المشردون لا يزالون في مقتبل العمر، ومنهم لا يزال يملك الصحة ويستطيع العمل والإنتاج لبناء الوطن، وإن هذا لا يمنع أن قليل منهم من يحتاج الرعاية الصحية والاجتماعية.
وهنا أدعوا وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي، وقيادات المحليات والمحافظات وجمعيات المجتمع المدني بالتصدي الحازم لتلك الظاهرة، وإعادة انتشار دورياتهم في الشوارع لمكافحة ظاهرة التشرد؛ علي أن يتم دراسة حالات هؤلاء المشردون، ومعرفة احتياجاتهم الإنسانية، والاجتماعية، والاقتصادية للوقوف عليها إن وجدت مع التأكيد عليهم علي عدم عودتهم للشارع مرة اخري، وإن لم يكن هناك أسباب مبررة لهؤلاء لافتراش الشارع، فلا تهاون معهم وفقا لقواعد القانونية.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نترك ظاهرة التشرد في التفشي والانتشار في مجتمعاتنا لخطورتها ليس فقط على الجانب الاجتماعي، والصورة العامة للبلاد.. ولكن على الجانب الأمني.