بقلم : سمير السعد ..

في زمنٍ كثرت فيه التحديات وتفاقمت فيه الأزمات، ينهض الأبطال ليخطوا بأرواحهم معاني التضحية والكرامة. من بين ضجيج العالم وصراعاته، تظهر دماء الشهداء كنبراس يضيء درب الأمة، ويؤكد أن القيم والمبادئ لا تموت مهما تعاظمت الظلمات.
إن هذا النصر الذي صنعته الشهادة، لم يكن مجرد لحظة عابرة في التاريخ، بل هو امتداد لمسيرة طويلة من الصدق والوعي والالتزام.

كان الانتصار ثمرة جهود مباركة وأرواح نقية آمنت بقضيتها حتى الرمق الأخير، فسجلت بحروف من نور معنى الثبات على الموقف والوفاء للمبادئ.
الشهادة ليست فقط عنوانًا للفداء، بل هي صرخة في وجه الظلم، ورسالة واضحة بأن الأمم لا تنهض إلا بالوعي والالتزام. إنها تذكير بأن البطولات الحقيقية تُبنى على الطاعة لله، وعلى الإيمان بأن الدماء الطاهرة هي أعظم الأثمان التي يمكن أن تُدفع في سبيل الحرية والعزة.
“أبطال الأمة، ارفعوا رؤوسكم”
أيها الأبطال الذين حملتم لواء الأمة فوق أكتافكم، أنتم عنوان الكرامة والشموخ. برغم كل الصعاب، أثبتم أن الأمة قادرة على النهوض، وأنها لا تُهزم ما دام فيها رجال ونساء يضحون بأغلى ما يملكون.
ارفعوا رؤوسكم فخورين بما صنعتم، واحمدوا الله على نصره وثباته. لقد جسّدتم قيم الأمة في أبهى صورها، وتركتم للعالم درسًا لا يُنسى: أن الكرامة لا تُشترى، وأن الانتصار الحقيقي هو الانتصار للقيم والمبادئ.
السعيد الشهيد “حسن نصر الله” ، شهادة وكرامة، وعزُّ طريق الثبات إلى النصر المؤزر. هزمهم بشهادته وأرعبهم في حياته، فهو رمز للصمود والإرادة التي لا تلين. ظلّ ثابتًا في موقفه، لا يساوم على المبادئ، وتحققت الانتصارات المتتالية رغم كل التحديات.
إن النصر الذي صنعتموه ليس مجرد لحظة عابرة، بل هو تأكيد على أن القيم الراسخة والشهادة الصادقة هي التي تضمن بقاء الأمة قوية وصلبة. هذا النصر هو دليل على أن دماء الشهداء لا تذهب سدى، بل تُنبت أجيالاً واعية وقوية تحمل الراية إلى المستقبل.
لقد أعدتم للأمة عزتها وكرامتها، وكنتم مثالاً يحتذى به في التضحية والإيثار. فلكم منا كل التحية والإجلال، ولأرواح الشهداء كل الدعاء بالرحمة والمغفرة.
لن ننسى أن النصر الحقيقي ليس فقط في المعارك، بل في بناء أمة قوامها العدل والحرية والإيمان. فليكن هذا النصر بداية جديدة لمسيرة طويلة من العمل والوعي، ولتبقَ رايات الحق مرفوعة، كما أرادها الشهداء.
إن العهد مع الشهداء ليس كلمات تُقال في لحظة حماس، بل هو مسؤولية تُحمِّلنا إياها دماؤهم الطاهرة وتضحياتهم العظيمة. هذا العهد يبدأ بالوعي، ويُبنى على العمل، ويُثمر مستقبلًا تُشرق فيه شمس الحرية والكرامة فوق كل أرضٍ وأمة.
لن نسمح للظلم أن يعود، ولن ندع دماءهم تذهب هدراً. سنبقى أوفياء لمسيرتهم، نحمل مشاعل الوعي والثبات، ونبني مجتمعات قوامها العدل والإيمان بقيمنا الراسخة. كل شهيد هو قصة تُروى للأجيال، وكل نصر هو درس يرسخ في وجدان الأمة أن التضحية لا تُقاس بالماديات، بل تُكتب بمداد من الروح والكرامة.
يا أبطال الأمة، أنتم الأمل المتجدد، وأنتم دليل حي على أن الشعوب الحية لا تُهزم. بعزمكم وإيمانكم، ستبقى راية الأمة خفاقة، وستظل قاماتكم شاهقة في وجه كل ريح عاتية. نُبارك لكم هذا النصر، ونُبارك للأمة إرادتها التي لا تنكسر.
فلنرفع رؤوسنا جميعًا، ولنحمد الله على هذا النصر المبين، ولتكن خطواتنا القادمة على قدر المسؤولية. فالنصر بداية الطريق، والمهمة الحقيقية تبدأ الآن: بناء أمة واعية وقوية تُخلد إرث الشهداء وتحمي الأجيال القادمة.
“سلام على من جعلوا الموت حياة، وسلام على من أهدوا الأمة فجرًا جديدًا”.

سمير السعد

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات هذا النصر

إقرأ أيضاً:

لذا لزم التنويه: عن المعتقل وما فيه

"تفقدُ قيمتَها الأشياء مع الوقتِ، التكرار الرتيبِ، مع ملاحقةِ كلّ احتمالٍ للتمسّكِ، وسحقِ كلّ محاولةٍ للاستعادةِ.. ولو في المخيّلة!

يفقدُ جدواهُ سعي العدمِ ذاكَ، بلا يدٍ على الضفّةِ الأُخرى تستحثُّ السعيَ، بلا أعين تتلهّفُ الدنوّ، وبلا ضمّةٍ يُرجِفُها بردُ الانتظار.

ومحاولاتُ التخليقِ الافتراضيّ أذاها محقّقٌ.. لن تتطوّرَ (نموّا وذبولا).. للخيالِ حدوده هنا، لن تبقى (ينهشُها احتياجٌ لا يشبعُ).. للزهدِ حدوده هنا، ولن تموتَ (ستقتُلنا رفاتُها بداخلِنا؛ تبعا).. للتخلّي -أيضا- حدوده هنا.

ومظنّةُ اعتيادُ الرحيلِ، ثبتُ خطأها بالتجربةِ.. كأنّها الأولى كلّ مرّةٍ.. كأنّه الوحيدُ كلّ راحلٍ".

* * *
ليست السيطرة على الجسد (امتلاكه؟) هي أخطر آثار السجن، ولعلّ غياب إدراكِ هذا ومظنّة أنّ الجسد هو كلّ حيّز سيطرته، ما يدفع البعض للتخلّص من هذا الجسد تخليصا له من هذا الحيز: سأهزمه وإن لم أنتصر
فكّرتُ في الانتحار كثيرا وأنا معتقل، ووقفتُ غيرَ مرّةٍ على حافة العدم، لكنّي لم أقفز؛ بدا التراجع عنه مناقضا لطبائع الأمور في حالٍ كهذا (السجنُ يقتل، والسجّانُ قاتلٌ بالضرورة)، لا علاقة لهذا بإيمانك ولا صلابتك، لعلّه الصبر أو الوعي بدرجةٍ ما (لستُ متأكّدا).

لكنّي شاهدتُ "أ س" بعد أن صفعه مخبر العنبر، في معتقل طرة، وقد قطع شرايين معصمه وابتلع شريطا دوائيا فور إعادته للزنزانة، لعجزه عن تحمّل الإهانة أو ردّها، وقبلها بسنين كنتُ في ذات عربة القطار/الزنزانة مع سجينٍ لا أعرفه وقد قطع خصيتيه أمامنا بعد أن عذّبه المخبرون وأهانوه وهو مقيّد، وألقاها في وجههم ثم سقط وسط بركة دمه.

ليست السيطرة على الجسد (امتلاكه؟) هي أخطر آثار السجن، ولعلّ غياب إدراكِ هذا ومظنّة أنّ الجسد هو كلّ حيّز سيطرته، ما يدفع البعض للتخلّص من هذا الجسد تخليصا له من هذا الحيز: سأهزمه وإن لم أنتصر، أو كما قلتُ لنفسي حينها: "سأخرج من هنا ولو جثمانا".

ليس قنوطا بالضرورة، إنّما رفضٌ للانحسار القسريّ في "بينٍ" لا يليق، "إذا كانت هذه هي الحياة، فلن أستمرّ"، اضطرار في غياب الاختيارات بيدِ القاتل/السجّان، لا يفزعني وأنا أعيد النظر إليه الآن، كما لا أشفق على نفسي فيه حتى، فقط أفكّر: لماذا لم أنتحر رغم كلّ ما جرى؟ لماذا لا ينتحر المعتقلون؟

* * *

"فالتعذيبُ إذن يلعبُ وظيفة قانونيّة وسياسيّة، إنّه احتفال من أجل إعادة إقرار السيادة بعد جرحها لحظة" (ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة).

في أولى المرّات تركوني بعد تعذيبٍ لثلاثة أيّام عندما بكيت، كان هذا هو الغرض، والتحدّي في المقابل، لكنّي لم أصمد إلا لثلاثة أيّام ثم خذلني ذهني وجسدي، أو لعلّي منحتهم الأمر لا واعيا لتنتهي المعاناة؛ لم أسامح نفسي على هذا الخروج، رغم فعل تمرّدٍ قمتُ به ردّا لإهانة، أو ربّما لأمنح نفسي العذر، لكن ظللتُ أعتبره خروجا مذلّا لسنين.

في الثانية، بعد عودتي من فلسطين مطلع 2009م، وتحديدا عند وصولي سجن ترحيلات الخليفة في القاهرة، وشوشَ ضابطٌ يرافقُ الترحيلة مأمور السجن وهو يناوله ملفّي، فقال المأمور"انت جيت يا.. أمّك" واندفع سيل وسخ هادر عليّ.

علّقوني خلفيّا في سقفٍ حديديّ، وبدأوا حفل تعذيبٍ. تكرّر في كلّ محطّةٍ وقفتُ فيها من رفح وصولا إلى سجن الأبعاديّة على اختلاف أماكن الاحتجاز وجهات تبعيّتها، وكان الغرضُ أيضا أن أبكي وأطلب العفو (هكذا قال مأمور قسم الترحيلات، والذي شارك بنفسه في التعذيب).

أقنعتُ نفسي أنّها لحظة طارئة، ولم أدرك أن الطارئ ممتدٌّ بطول العمر سوى حين التفتُّ لمرور 18 سنة منذئذٍ، ولم يعبر الطارئ أو ينتهِ (الحياةُ هي تلك اللحظة الطارئة/القاسية، على ما يبدو)، لكنّ الذهن لا يدركُ هذا ولا يستوعبه بمجرّد التفكير فيه، فقد انحشرتُ هناك ولم أخرج بعد، والسجّان (على باب الزنزانة، أو في قصر الحكم) واحدةٌ من غاياته ألا يخرج أحدٌ من هناك سوى مقبورا تحت الأرض أو في ذاته
كان الضربُ مؤلما، وكُسِرَ كوعي بضربة منه وما زالت به إعاقة. ولم يكن ثمّة حيلة أستخدمها كي لا أبكي وأصرخ طالبا الرحمة، في الوقت ذاته كنتُ قررتُ بالفعل ألا أكرر ما حدث في التعذيب السابق: لن أبكي أو أطلب الرحمة ولو متّ معلّقا هكذا، واهتديتُ ساعتئذٍ لأن أبدل الصراخ بالشتم والبكاء بالضحك، وفعلتُ كما أردتُ تماما، ظللتُ أضحك وأغني وأشتم حتى جنّ جنونهم وفقدوا الأمل فأوقفوا التعذيب وأنزلوني ثم رموا بي إلى الحجز مكسّر العظام، حرفيّا، غير قادرٍ حتى على التنفّس من فرط الوجع.

* * *

من هناك بدأ الخلل يتسلل إلى الـ"System" في نفسي، أو لعلّها كانت لحظة التجلّي لا الحدوث، أقنعتُ نفسي أنّها لحظة طارئة، ولم أدرك أن الطارئ ممتدٌّ بطول العمر سوى حين التفتُّ لمرور 18 سنة منذئذٍ، ولم يعبر الطارئ أو ينتهِ (الحياةُ هي تلك اللحظة الطارئة/القاسية، على ما يبدو)، لكنّ الذهن لا يدركُ هذا ولا يستوعبه بمجرّد التفكير فيه، فقد انحشرتُ هناك ولم أخرج بعد، والسجّان (على باب الزنزانة، أو في قصر الحكم) واحدةٌ من غاياته ألا يخرج أحدٌ من هناك سوى مقبورا تحت الأرض أو في ذاته.

* * *

"فادِحةٌ تلكَ اللحظةَ التي ندركُ فيها أننا لم نكن شجعانَ كفاية لنمضي قدما، ولا جبناءَ كفاية لنرتدّ على أعقابنا.

بئيسٌ ذلكَ الأملُ الخدّاعُ الذي يتناوبُنا، لا يحضرُ تماما لننفجر.. لا يغيبُ مطلقا لنسقطَ دفعة واحدة، فقط يستنزِفُنا.. يبعثرُ ذرّات وجودِنا على جانبي المسارِ كأثرٍ عارض.

لم تهيّئنا -حتى- أسوأُ الكوابيسِ لتلكَ "الماضويّة القسريّة" و"الجنديّة الاضطرارية في معركةِ الأزلِ"، لم تهيّئنا لـذلك المسخُ الذي حاولَ الانسلاخَ من تاريخِهِ، فانحشرَ في برزخِ البينِ؛ لا دودة ظلّ، ولا فراشة أصبح!".

مقالات مشابهة

  • لحظة مغادرة لاعبي النصر ملعب آزادي بعد رفضهم التدريب فيه.. فيديو
  • حصيلة الشهداء في غزة منذ وقف إطلاق النار
  • المداح الجزء الخامس الحلقة 3.. صابر يحاول الانتصار على خادم بنات إبليس وموت حمزة
  • جوارديولا غير راضٍ رغم فوز مانشستر سيتي على بليموث
  • الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
  • سلاحُ الموت وفلسفةُ الانتصار
  • هنا والآن .. في بيـروت «1»
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة إلى 48.388 شهيدًا
  • مفاجأة من الجنوب.. ما فعلته إسرائيل غير متوقع
  • لذا لزم التنويه: عن المعتقل وما فيه