«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان
عثمان ميرغني
«أشعر بالخجل لأننا لم نتمكن من حمايتكن، وأشعر بالخجل من أمثالي من الرجال بسبب ما فعلوه»… بهذه الكلمات خاطب توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مجموعة من النساء هذا الأسبوع خلال فعالية في إحدى مدارس مدينة بورتسودان، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني).
المسؤول الدولي تحدث عما وصفه بـ«وباء العنف الجنسي» المنهجي الذي تتعرض له النساء في ظل الحرب الدائرة في السودان، محذراً من توسع نطاق هذه الاعتداءات، وعده أمراً غير مقبول.
فليتشر لم يكن المسؤول الأممي الوحيد الذي تحدث عن هذه الظاهرة المشينة، فقد سبقته براميلا باتين، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع والحروب، عندما أصدرت بياناً خاصاً تحت عنوان «حرب على أجساد النساء والفتيات» وثقت فيه لروايات نساء تحدثت إليهن في معسكرات اللاجئين السودانيين على الحدود التشادية. واستندت باتين في بيانها إلى ما سمعته من الضحايا عن جرائم الاغتصاب، واستخدام العنف الجنسي ضمن وسائل الاستهداف لدوافع عرقية، والاتجار بالنساء لأغراض الاستغلال الجنسي، وفي حالات عدة للإذلال والإخضاع حيث يرتكب الجناة الاغتصاب أمام أفراد الأسرة.
البعثة الدولية لتقصي حقائق الوضع في السودان، التابعة لمجلس حقوق الإنسان الأممي وصفت حجم العنف الجنسي الذي رصدته بـ«المهول»، وتحدثت في تقريرها الصادر نهاية الشهر الماضي عن أن الاعتداءات شملت نساء وفتيات من مختلف الأعمار ولم يسلم حتى الأطفال من هذا العنف. ووثقت البعثة أيضاً في تقريرها اختطاف نساء وفتيات «لاستعبادهن جنسياً»، وهو أمر ورد في تقارير وشهادات عدة منذ بداية هذه الحرب.
في جل هذه الحالات والتقارير كانت الاتهامات المدعومة بشهادات الضحايا موجهة نحو قوات الدعم السريع، وهو ما وثق له كثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية، ومنظمات المجتمع المدني السودانية، وكذلك الأمم المتحدة التي ذكرت في تقرير لها في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنها أجرت تحقيقاً أكد أن معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها قوات الدعم السريع.
هناك قصص مروعة وردت في شهادات النازحين الذين هُجروا من مناطقهم عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع. قصص عن نساء تعرضن للاعتداء الجماعي أمام عائلاتهن، وأخريات رمين بأنفسهن في النهر لكي يهربن، بينما روت فتيات أن أهلهن وفروا لهن سكاكين للدفاع أو قتل أنفسهن إذا واجهن تهديد الاغتصاب من المسلحين. كذلك نشرت بعض التقارير أن فتيات أقدمن على الانتحار بعدما تعرضن للاعتداء.
الآثار النفسية والمجتمعية لهذه الجرائم تبقى غائرة، وتحتاج إلى الاهتمام بالمعالجات وإعطاء أولوية للضحايا الآن وبعد الحرب لمساعدتهن في مسار التعافي، وتخصيص موارد لدعمهن ودعم المراكز المختصة بتوفير العلاج الطبي والدعم النفسي، وكذلك لدعم جهود التوعية المجتمعية لمكافحة الوصمة الاجتماعية، ومساعدة الناجيات على الاندماج عبر الدعم الاجتماعي حتى لا يقعن ضحية العزل والحياة على الهامش وقسوة المعاملة نتيجة الإحساس بالعار، وهن لا ذنب لهن فيما حل بهن. وفي هذا المجال هناك دور كبير للمنظمات السودانية التي ظلت تقوم بجهد مقدر في ظروف صعبة منذ بداية الحرب، لتوثيق الحالات، والاهتمام بضحاياها ودعمهن طبياً ونفسياً.
أجهزة الدولة لديها مسؤولية كبيرة في هذا المجال، ويمكنها الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي عانت من هذه الجرائم، والاستعانة بخبرات المنظمات المحلية والدولية المعنية بهذه القضايا. ويمكن للدولة أن تنظر في إنشاء محاكم خاصة، أو هيئات قضائية تمنح لها صلاحيات استثنائية تمكنها من الاستفادة من تطبيق القوانين الدولية التي تصنف العنف الجنسي جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، ومن الأفعال التي تدرج أيضاً ضمن جرائم الإبادة لأسباب العرق أو الجنس والنوع. فدولة رواندا مثلاً نظرت في قضايا العنف الجنسي في محاكمها بموجب قوانين الإبادة الجماعية، ضمن المعالجات الواسعة في مرحلة ما بعد الحرب.
أهمية مبدأ المحاسبة تجعل من الضروري إدراج قضايا العنف الجنسي ومحاكمة المسؤولين عنها ضمن بنود المعالجات، حتى لو انتهت الحرب على طاولة المفاوضات. فهذه الجرائم لا عذر فيها، وإنصاف ضحاياها يتطلب أشد درجات الردع بحيث تكون الرسالة واضحة لكل المتفلتين.
يبقى من المهم أيضاً دعم مشاركة المرأة في بناء السلام وحل المنازعات، لا لأنها دائماً مع الأطفال في مقدمة ضحايا الحروب، بل لأنها تستطيع أيضاً أن تعطي رؤية مختلفة أكثر حساسية في النظر إلى جريمة العنف الجنسي البشعة ومعالجاتها المتشعبة.
الوسوماغتصاب الدعم السريع العنف الجنسي عثمان ميرغنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اغتصاب الدعم السريع العنف الجنسي عثمان ميرغني
إقرأ أيضاً:
إشعال حمى الحروبات لتعقبها حمى الإنفصالات
بقلم / عمر الحويج
1- إشعال حمى الحرب :
بعد الجهد الجهيد ، في التآمر تلو التآمر ، وبالتكتيك الشرير ، تلو التكتيك الأشر ، للإجهاض العاجل ، ليس بالتفكير العاقل ، إنما المتعجل للقضاء على ثورة الشعب الديسمبرية القرنعالمية المجيدة ، لذلك عجزوا في مسعاهم ، ولكنهم لازالوا يعافرون ، فقد قررت قوى الثورة المضادة ، تقودها قيادات النظام البائد " الإسلاموية"وعضويتها المؤدلجة داعشية اليد واللسان دون عقل عند بعضها ، وبعضها الآخر "المُّسَّلِكة" لامورها ومصالحها وأنصبتها من الشفشفة لهوامل المال العام السايب البعلم السرقة ، وأخذ ما فيه النصيب ، يردفون خلفهم ومعهم كل منتفع "رَمّْام" نمام زميم ، من مرتزقتهم المنتفعين ، أعلاهم إعلاميّ الحناجر المتفجرة وأقلام المأجورين المنمقة ، ونهازةً آخرون بمخزون سلاحهم بائعون " من دول شوية ومن دوك شوية" ، عبر ثلاثينيتهم بزيادة الستة الدموية ، المكملة لدمويتهم بسوابقها وخبراتها المكتسبة ، حيث أوصلوا الدماء فيها ، هذه المرة ، حتى سالت أنهاراً تحت الركب ،كما كانوا يهددون أيام حكمهم وتحكمهم ، وفعَلُوها هذه المرة وفعَّلُّوها ، على مرآى ومسمع العالم أجمع ، وفي سبيل عودة السلطة التي فقدوها إلى بارئها ، ولم يرعووا بل عزة بالأثم لم يسلموا ويستسلموا لأمر شعبهم وأمر ربهم ، الذي يدَّعون خلافته في الأرض ، حين يبصرهم بيؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، فأنجبت دمويتهم الفايتة الحدود في دمويتها ، إشعال حربهم الكارثية في 15 أبريل ، حين دعوا لها صورة وصوتاً ، في شهر رمضان والناس قيام ، ونفذوها في ذات شهر رمضان والناس صيام ، حرب أكلت ولازالت وما شبعت من أخضر السودان ويابسه . من بعد أن دعمت طموحاتها باستخدام أقصى قوة للسلاح يمتلكونها ، هم وأطرافهم التي أنجبوها من أرحامهم الملوثة بجرثومة القتل ، خارج القوانين الوضعية والدينية ، وحتي المعتقدات الوثنية ، والمبادئ الإنسانية ، تشكلت حربهم الإجرامية ، من أطرافها المرئية : جيش مختطف ، ومليشيا تفرخت منها مليشيات ، بعد أن كانت مقتصرة على الدعم السريع "الجنجويد" عند المنشأ والميلاد ، وما خفي خلف الدانات والمسيرات والطائرات وبراميل المتفجرات ، من أولئك المساهمين خلف ستار أعظم .
بهذه وبتلك وما في الدنيا وما فيها من شرور ، تم إغلاق الباب نهائياّ ، على أية عشم ينتظره شعب السودان المنكوب ، أن تقف حرب الطرفين العبثية ، أنتظروا توهماً سرابياً ، أن يمارس بعض جيش السودان الوطني ، وهو قي عرفهم لا يزال ، إنحيازاً ولو شكلياً ، لإنقاذ ذاته من الإفناء ، إذا لم يكن في بالهم إنقاذ شعب السودان من الإختفاء ، حتى يعيدوا الحياة ، لطبيعتها السلمية ومدنيتها السائرة يومياتها بعقلانية ، حتى يتمكن هذا الشعب ، المنكوب وصابر ، من مواصلة الحياة بمعاناتها ونكباتها ، من الصفر المنعدم حيث نقطته العدم ، وحتى هذه لم تتوفر لهم ، وماتت أحلامهم في وقف الحرب اللعينة ، وإنتظروا ودعوا ربهم طويلاً حتى تلاشت دعواتهم وتمنياتهم هباء ، ولازالوا يمدون حبل الصبر ، فهو سبيلهم ولا خيار ، فلم يتوقف عشمهم في أطراف الجريمة ، من أمل يحقق لهم وقف الحرب ، رأفة بحالهم فيما تبقى لهم من نَفّس ، وزفير وشهيق ، في رئاتهم المعطوبة بالدخان المرسل إليهم ، من آلات الحرب المدمرة ، ووقفها حتى ولو بالتفاوض آخر الكروت ، ولكنه المرفوض والمبعد من مخططاتهم السرية ، فلاسميع ولامجيب ، سداً لآذان صماء ، دي بي طينة ودي
بعجينة !! . أو أملاً في وقفها حتى ولو بإنتصار أحدهما على الأخر ، أيهم لا يهم ، فكلهم في القهر والإزلال القادم سواء ، وأيهما يأتي ويحكم فيهم ، فهم في العنف سواء ، وبرغم علم هذا الشعب المغوار ، الناهض في حينه وتوقيته ، أن مرارة كامل الإنتصار هو الإنهيار ، والفوضى والتلاشي ، ورغم ضياع أملهم وفشل سعيهم في الزمن السراب ، سكتوا عن الحلم والأمل المباح ، لكنهم يعلمون غداً ستتوقف الحرب بغير إرادة القتلة المجرمين ، والشعوب لا تفنى ، وسيأتي بعدها يوم القصاص من الغاصبين المغتصبين .
2- إشعال حمى الإنفصال :
وبعد كل هذه المرارات التي عاشوها ، قتلاً ونهباً وأغتصاباً وتهجيراً تطل عليهم قيادات الطرفين بالأمّر من سابقاتها حزمة مرارات .
أولها : ممثلهم البرهان يعلنها داوية ، على لسان الإسلام السياسي ( الكيزان ومرفقاتهم الإرهابية والنفعية] وليس على لسان جيشنا الوطني المختطف ، ليعلن أن اللعبة إنتهت ، وأنهم عائدون إلى حكمهم المباد ، حتى ولو على نصف دويلة !! . فالغى لهم البرهان ما كان قائماً من نفحات ، عليها رائحة نسمات من حياة كانت . بثتها رياح ديسمبر في أوردة القوانين التي شرعتها ، تمهيداً لبناء عهد وسودان جديد ، وقيامه بتجريد حملة يحسبها في متاهته وفاقية ، يتبعها بخطب. عصماء وبندقية ، ويمزق بنودها بأحبار دم الشعب الأحمر المسال كل ماخطته الثورة ، ويمسح بإستيكة الديكتاتور المستبد ، كل ما شرعته الثورة من قوانين ومواثيق . رغم ماشاب هذه المواثيق في وقتها ، من عيوب ونواقص ، فهي كانت جسر العبور ، على الأقل لمقولات دكتور عبدالله حمدوك ومنقذته من مغبة التوهان .
ثانيها : ترتيبات قيادات الدعم السريع " الجنجوكوز" بتشكيل حكومتهم الموازية ، غض النظر عن خطر خطط الإنفصالات ، الجارية مساراتها على قدم وساق ، التي فجرتها هذه القرارات العشوائية الأحادية النزعة ، في مجملها من قبل الطرفين ، مع ترحيبهما برغبة كل منهما ، بإقتسام كيكة السلطة ، دون وازع من وطنية ، مرحبين من وراء إدعاءات كاذبة بالتقسيم ، الإسلاموكوز يسابقهم الجنجوكوز ، في توزيع كعكة السلطة مناصفة "فالمال تلتو ولا كتلتو "، ويادار قد دخلك الشر من كافة نواصيه ، وهم يخوضون حرب نهايات التقسيم ، بكل طرق شرورهم المتوافرة ، وأخطرها كان خطاب الكراهية المتبادل ، الذي إنتشر كالهشيم في النار ، تمهيداً مقصوداً لحرب الدمار الشامل ، التي أهلكت الزرع والضرع ، ودمرت الأخضر واليابس ، وأغتالت الشجر والحجر وإن شبعت من هذه ، لكنها لم تشبع بعد من تكملة إغتيال البشر ، وهاهما الطرفان ، باليد اليمنى يقبضان على الزناد لمواصلة حربهما العبثية اللعينة ، وباليد اليسرى ، يقدمان فروض الولاء والطاعة لبقايا الإقتسام المنتظر ، لسلطة قادمة وقد دانت بنيرانها لهم ، ولكل منهما نصفها المحتضر . لاتريثاً بل ليأخذ كل منهما نصيبه ال- يقطر دماً وينطلق .
omeralhiwaig441@gmail.com